قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا كالجمر بين ضلوعه للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

نوفيلا كالجمر بين ضلوعه للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

نوفيلا كالجمر بين ضلوعه للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

استدار ببقية جسده والصدمة تعتلي ملامح وجهه، فجأة اصبح يقهقه بقوة وهو يعود للخلف بضع خطوات، بعدها بدقائق توقفت ضحكاته ليتجهم وجهه وتقسو ملامحه وهو يندفع اليها بغضب
- عايزاني اصدقك؟، اصدق كدبك؟، ممكن يكون فيلم جديد منك
اعتلت ملامحها دهشة اقرب للصدمة حين وجدته يقهقه بلا توقف، ثم تحولت للخيبة حين سمعت قوله وإتهامه العنيف لها
- انتِ كدابة، اية غرضك الجديد ها قولي!

امتلأت مقلتيها بالدموع وانهمرت بقهر على وجنتيها، تقدمت منه هي الأُخرى لتصرح به بغضب مُدافعة عن نفسها
- انا مش بكدب، أنا بقول الحقيقة
استنكر قولها بقسوة
- الحقيقة؟، من امتى وانتِ بتقولي الحقيقة؟!، انتِ كنتِ بتكدبي عليا في كل حاجة، في اصغر حاجة
هزت رأسها وهي تقر بإنفعال
- ايوة معاك حق، بس كان ليا سبب.

صمتا وتبادلا النظرات، يصعب عليه تصديقها لكن عينيها ولمعانها ببريق صادق والألم الساكن فيهما يجعله يريد ان يمنحها فرصة، اخفضت لمى رأسها وقالت برجاء خافت
- اسمعني، مرة واحدة بس
تنفست بقوة لتستمد الشجاعة وتسرد ما حدث منذ ثلاث أعوام، سردتها بإنفعال بجانب نبرتها المُتألمة.

- من تلت سنين كنت بساعد ماما في تنطيف الشقق، كُنا كل اسبوع بنروح شقة ادم ننضفها، كان تعاملنا معاه هو انه يدينا فلوسنا مكنش في تعامل بينا، في مرة ماما تعبت فأتصلنا بيه عشان نعتذر بس هو قال ان الشقة لازم تتنضف عشان في ضيوف جايين فأضطريت اروح لوحدي، قولت مش مشكلة هو بيسبب المفتاح اصلا مع البواب وبيجي قبل ما نمشي عشان يدينا فلوسنا وخلاص، بس يومها محصلش كدة.

جلست حين شعرت بعدم قدرتها على الوقوف، جسدها يرتجف من تلك الذكرى المُخيفة، لكنها تحاملت، تابعت
- يومها بعد ما وصلت بشوية كدة لاقيته رجع الشقة، قولت دة ممكن جي يجيب حاجة ويمشي تاني، كنت بحاول اطمن نفسي بعد نظراته الغريبة اللي بصلي بيها اول ما دخل، دخلت أوضة النوم عشان اروقها لقيته...
أكملت سرد ما حدث والأحداث تُعرض امام عينيها كأنه شريط سنمائي..

فجأة وجدته يدلف للغرفة، تابعت إغلاقه للباب بقلق، تقدمت منه وهي تقول
- حضرتك قفلت الباب لية؟
واتت ان تفتحه وجدت كفه يطبق على ذراعها ويسحبها للداخل، جذبتها بقوة والخوف بدأ يتملكها، لم يكترث لتصرفها وبدأ بخلع قميصه، هتفت بصوت مُرتجف
- حضرتك بتعمل اية؟
صرخت بفزع حين تقدم منها وجذبها من سترتها، ضربته بكل قوتها وهي تصرخ بقهر وعجز
- بتعمل معايا كدة لية؟، حرام عليك.

سالت دموعها بغزارة وهي تترجاه بأن يتركها بعد ان مزق سترتها لنصفين، بُكائها وتوسلاتها لم تؤثر عليه ابداً فهو كالثور الهائج الذي وجد فريسته وانقض عليها، ولن يفلتها إلا بعد ان يحصل على مُبتغاه.
- مخيبتيش ظني، زي ما اتخيلتك
قالها بإستمتاع وهو يبتعد عن جسدها العاري الذي زاد ارتجافه، زادت شهقاتها وهي تضم جسدها بعجز مرير، لم تستطع ان تحمي نفسها امام حقير مثله، وجدت الكثير من المال يُلقى عليها من قِبله.

- يلا روحي، ونبقى نتقابل تاني يا حلوة
وغمز لها ثم اتجه للخارج، هتفت بقهر ليصل له صوتها
- اللي عملته دة اسمه اغتصاب، انا هاخد حقي منك، حسبي الله ونعم الوكيل فيك
سمعت صوت إغلاق باب الشقة.
ضمت جسدها بذراعيها وهي تُكمِل له ببكاء.

- اتصلت بماما وجتلي جري رغم تعبها، لما شافت حالتي فضلت تُلطم وكان كل همها ان أبويا اتفضح كدة!، طب اللي حصلي دة؟، وحقي؟، هو مش هيتعاقب على اللي عمله فيا؟، قالتلي وهي بتعيط انسي يا بنتي هنتفضح على الفاضي، الناس دي مش بيتاخد منهم لا حق ولا باطل فنستر على نفسنا
ضحكت بسخرية من موقفها حينها.

- وياريتني سمعت كلامها، مسمعتش كلام ابويا ولا تحايلات امي وروحت رفعت قضية واية اللي حصل؟، طلع بريء وانا الله اعلم غلطت مع مين!، كل دة عشان معاه فلوس وانا! انا واحدة فقيرة مش عارفة تجيب محامي حتى.

تحولت ضحكاتها الى شهقات مزقت قلبه، كان مصدوم مما سمعه منها حتى ان لسانه قد أُلجم، بماذا مرت هي؟، تراجع للخلف واستدار مُتجهاً للباب بخطوات مُتسارعة، يُريد ان يهرب من صوت بكائها الذي حاصره، لم يفكر يوماً انها ستكون بهذه الهشاشة امامه، بدا له انها قوية منذ مُقابلته الاولى لها وبدت حقارتها بعد زواجه بها، فكيف هي ضعيفة هكذا!، لم يذهب تفكيره يوماً لتلك النقطة، ان هناك ماضي مؤلم جعلها تصبح على هذا المنوال.

توقف قبل ان ينزل السلالم، اخرج هاتفه من جيبه ليفتحه بحركات حازمة ويتصل ب ادم
- انت فين؟، استناني جايلك.

وصل يامن للمقهى الذي اخبره ادم انه سيتواجد فيه، ولج للداخل بخطوات حازمة ليصل للطاولة الذي يجلس فيها الاخير، قبل ان يُلقي عليه التحية كان قد انهضه يامن من قميصه بغير رفق وسحبه للخارج رغم مقاومة الآخر، هتف ادم بإنزعاج
- اية في اية عشان تخرجني بالأسلوب دة!
- هسألك سؤال وترد عليا، ومتفكرش تحوّر.

حذره يامن بحزم، تقدم خطوة اتجاهه وهو ينظر بظلام حدقتيه للاخر بجمود بجانب سؤاله الواضح، لم يستطع ان يقول تلك الكلمة، كانت ثقيلة جداً على قلبه قبل لسانه، كما كان طرح سؤال كهذا صعب جدا عليه
- انت اتعرضت ل لمى، من تلت سنين؟
حدق به ادم للحظات يُتابع توتر حدقتي يامن، لقد كشفت الحقيقة له، فجأة بدأ ادم يضحك بل دخل في نوبة ضحك مُصاحبة لكلماته المُتقطعة المؤكدة لفعلته
- هي قالتلك!، طلعت شجاعة فع..

وكأن يامن كان ينتظر تأكيده لفعلته حتى يُفرغ غضبه عليه، نيران اشتعلت بداخله لحقيقة انه آذاها بتلك الطريقة البشعة، فقاطعه بلكمة غاضبة عنيفة سقط ادم اثرها وسالت دمائه، لم يترك له فرصة النهوض فقد انقض عليه يُكمِل لكماته وضرباته وهو يصرخ به بغضب جامح
- ازاي تعمل فيها كدة! ازاي انت حقير بالشكل دة؟، ازاي تأذيها ازااااي.

تجمع الناس وحاولوا ابعاده عنه قبل ان يقتله بيديه، أبعدوه عنه بصعوبة، تابع صراخه وقد ظهرت عروقه واحمر وجهه من شدة غضبها
- وكان ليك عين تتعامل معايا وانت عارف انها مراتي!، بتحاول تبتزها بوجودي!
تلمس ادم وجهه بألم ونظر لدمائه، رفع نظراته ل يامن وابتسم بجانب قوله الوقح الذي جعل يامن يفقد آخر ذرة تعقل كان ممكن ان يتحلى بها لعدم قتله، اما الان فهو يستحق القتل وبجدارة.

- بس طعمها كان حلو، لسة فاكر تفاصيلها للان
انقض عليه مرة اخرى ليبرحه ضرباً دون ان يستطع احد ان ينتشله من أسفله، بعد فترة وجيزة أتت الشرطة وسيارة الإسعاف لتأخذ ادم الذي سالت دمائه وفقد الوعي، وصعد يامن في سيارة الشرطة.

دقت الساعة الثالثة فجراً.

كانت لمى مستيقظة تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً والقلق قد تملكها، والأفكار السيئة تدور في رأسها، هل ذهب ل ادم وتعارك معه؟، هل اصابه حادث لذا لم يعُد للان؟، هل صدقها في الأساس؟، توقفت حين استمعت لصوت محرك سيارته واتجهت بخطوات سريعة للشرفة لتتأكد إذ كان هو حقاً، راقبته بعيون فضولية الى ان دلف للفيلا، اسرعت لتتجه للباب وتفتحه لتقف جابناً وتنتظر ظهوره لكنه لم يصعد، اتجهت للاسفل حيث غرفة مكتبه فهو المكان الوحيد الذي سيلجأ اليه هروباً منها!

فتحت الباب بخفوت وتقدمت للداخل بخطوات مترددة مالبثت ان تسارعت حين رأت حالته بوضوح، الدماء تلطخ قميصه ويديه ملطخة بالكامل بالدماء وملامح وجهه باهتة مُتعبة، التقطت كفه بهلع ظاهر في عينيها وصوتها
- اية اللي حصل لأيدك؟، اية الدم دة كله؟
سحب كفه بنفاذ صبر وأعاد رأسه للخلف ليرتاح على الأريكة، نهضت مُتجهة للخارج وهي تُخبره
- هجيبلك الإسعافات الأولية عشان اطهر جرحك
- مش محتاج، دة دم بس.

عادت بعد دقائق ومعها قطعة قماش ودلو صغير به ماء، جلست بجواره والتقطت كفه الأيمن وبدأت في تنظيفه من الدماء والتزمت الصمت رغم وجود اسألة كثيرة تدور بداخلها، تُريد ان تسأله لكنها خائفة من اجابته التي قد تؤذيها
- تعرفي دة دم مين؟
طرح عليها سؤاله وهو يسند ذراعه على رأسه، رفعت نظراتها بتردد له، فعقلها يخبرها انها دماء ادم لكنها غير مُتأكدة، سألته بعد ثواني
- مين!
- ادم.

نطق اسمه بخشونة وبغض، ابعد ذراعه ورفع رأسه لينظر لها بعيون مظلمة بدت غامضة لها مع قوله
- خدتلك حقك منه، سيحتله دمه
شهقت بصدمة وقد اتسعت مقلتيها غير مُصدقة فعلته، هل مات إذاً!، وكأنه قرأ ما دار في رأسها ليردف بحنق
- مماتش للاسف، هو في المستشفى.

هدأت ملامح وجهها واحمر انفها مع تجمع الدموع في مقلتيها مُتأثرة بتصديقه لها، لقد صدق قولها!، ولم يكتفي بهذا بل اعنف الاخر لأجلها!، ذهب بها عقلها لتخيل ما إذ كان هو في حياتها من ثلاث أعوام، لوجدت من يقف معها ويأخذ حقها دون اي خوف او تراجع، ابتسمت مع انهمار دموعها وهمسها بكلمات شاكرة له.

أشاح يامن بوجهه حين رأى دموعها وحالتها تلك، إذ ظلت نظراته مُسلطة عليها قد يستسلم لرغبته في مواساتها، ليخبرها انه بجانبها وأنه سيأخذ حقها ولن يتركها بمفردها ابداً، لكنه لا يُريد ان يفعل ذلك لذا أراد الهرب؛ لكنها هل ستسمح له؟
توقف واضطرب قلبه حين عانقته فجأة من الخلف، كم كان كفها الموضوع على صدره دافئ! كحال صوتها التي قالت به بإمتنان شديد.

- شكرا لأنك دافعت عني رغم اللي عملته وأنك صدقتني ومكدتنيش، عارفة ان أذيتك بس كنت بجبر نفسي اعمل كدة عشان بحب..
اختفت حروفها تدريجياً حين امسك بكفيها وأبعدهم عنه مع استدارته ومواجهتها، لقد أوقفها قبل ان تُسيء الظن في تصرفه اكثر، كان قاسي في توضيحُه
- متاخديش الأمور بالطريقة العاطفية السخيفة دي، مفيش حاجة هتتغير مابينا
- بس...
لم يسمح لها بمقاطعته، ليردف بنظرات مُستخفة.

- انتِ حكمتي علينا من الاول بالبُعد، فمتجيش دلوقتي وتبرري أفعالك وتقولي انك بتحبيني، بتحبيني!، اللي بيحب حد عمره ما كان آذاه بالطريقة البشعة اللي انتِ كسرتي بيها رجولتي قبل قلبي
كانت حروفه الاخيرة حادة غاضبة، تنفس بعنف وهو يرمقها بإحتقار، ابتعد عنها ليتجه للباب، توقف قبل ان يصل واستدار لها ليقول بجمود
- صحيح، انتِ طالق.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة