قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الرابع

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الرابع

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الرابع

نادت (عشق)بحنان قائلة:
-مونى، روحت فين ياحبيبى؟عملتلك الأكل اللى إنت بتحبه، لو كلته كله هجيبلك شوكليت كمان، مونى.
دلف (عاصى)فى تلك اللحظة إلى المنزل قائلا:
-إسمه منير ياعشق، قلتلك كتير قبل كدة، وإنتى برده مبتسمعيش كلامى، بلاش الدلع الزايد ده عشان الولد ميتعودش عليه.

طالعته (عشق)بحنق قائلة:
-وأنا قلتلك قبل كدة، الولد لسة صغير ومن حقه يدلع، ده ابنى الوحيد ياعاصى، وبعدين انت داخل من الباب طالبة معاك نكد ولا إيه؟
طالعها (عاصى)بجمود للحظات قبل أن يقول:
-لأ مش طالبة ياعشق، أنا جاي من المستشفى تعبان ومحتاج أرتاح، عن إذنك.
إتجه إلى حجرتهما ودلف إليها، وضع هاتفه ومفاتيحه على الكومود، ثم خلع حذائه وتمدد على السرير.

أحست (عشق) بالذنب، تدرك أنها مخطئة بالكامل فى طريقة حديثها معه، خاصة وهي تلاحظ هذا الإرهاق البادى على ملامحه، لتضع ذلك الطبق من يدها على أقرب طاولة إليها، وتسرع خلفه.

دلفت (عشق) إلى الحجرة، لتراه ممددا على سريرهما يسند ذراعه على جبهته، رق قلبها لمرآه على هذا النحو، اقتربت منه ببطئ حتى توقفت بجواره قائلة:
-عاصى.

رفع( عاصى ) يده عن جبهته، ثم اعتدل جالسا وهو يقول ببرود:
-قايم أهو ياعشق، آسف ياستى إنى نمت على السرير من غير ماآخد شاور بس كنت...
قاطعته وهي تميل واضعة يدها على فمه قائلة:
-أنا مش جاية ألومك على فكرة، أنا أكيد مش عامية وشايفة أد إيه إنت تعبان، أنا بس حبيت أطمن عليك.
طالع عيونها بحيرة، فجلست القرفصاء أمامه ترفع يدها عن فمه وتمسك يديها بين يديه، تتطلع إليه برجاء قائلة:.

-ليه محسسني إنى مبقتش بحبك أو خايفة عليك ياعاصى؟ليه بتعاملنى وكأنى غريبة عنك؟

ترك (عاصى)يدها وهو يستقيم ناهضا قائلا بصوت شابه المرارة:
-لإن ده بقى إحساسى فعلا ياعشق.
نهضت بدروها تقف أمامه تطالعه بدهشة قائلة:
-انت بجد شايفنى بالشكل ده؟
أومأ برأسه قائلا:
-من يوم ما خلفنا منير وانتى بتبعدى عنى كل يوم أكتر من التانى، مبقاش فى حياتك غيره.
قالت (عشق)بصدمة:
- بتغير من إبنك ياعاصى؟

قال(عاصى)بسخرية مريرة:
-هو ده اللى فهمتيه من كلامى ياعشق؟مش قادرة تشوفى غلطك، مش قادرة تشوفى انك مبقتيش تهتمى بية أو بمشاعرى زي الأول، ده حتى لو إتأخرت فى المستشفى مبتتصليش بية تسألينى انت فين أو إتأخرت ليه؟مشاعرى بتتجاهليها، فكرينى كدة امتى آخر مرة شفايفى لمست شفايفك؟امتى جيتى واترميتى فى حضنى وقلتيلى خلينى جواه عشان حضنك ده ملجأي، إمتى قلتيلى وحشتنى ياحبيبى؟

أنا بقيت بحس إنى غريب بالنسبة لك، غريب فى بيتى ياعشق، وإن مليش مكان وسطكم، شخص ملوش أي لازمة.

تساقطت دموعها بغزارة بينما تستمع إليه وما إن أنهى كلماته حتى إندفعت إلى حضنه قائلة بندم:
-أنا آسفة ياعاصى، آسفة ان كنت زعلتك او آذيتك وسببتلك ألم من غير ماأقصد، انت معاك حق، قصرت كتير فى حقك، وانت إستحملتنى بس كان لازم تنبهنى، مكنش ينفع تسيبنى أستمر بالشكل ده، أوعدك، أوعدك متكونش بالنسبة لى فى المرتبة التانية أبدا، اوعدك إنى أكون عشق اللى حبيتها وإتجوزتها.

ضمها إلى صدره ينعم بقربها الذى اشتاقه حد الموت، ينوى أن...
-عاصى، ياعااااصى.
أفاق (عاصى)من نومه ليرى نفسه ممددا على سريره بكامل ملابسه بينما تقف أمامه (عشق)تحمل طفلهما( منير )، تطالعه بملامح متجهمة، قائلة:
-قوم ياعاصى خدلك شاور قبل ماتنام، مينفعش تنام بالشكل ده.
كادت أن تبتعد مغادرة ولكنها توقفت، تلتفت إليه مجددا قائلة:.

-آه بالمناسبة، صاحباتى رايحين النادى، هروح معاهم أنا ومونى، ومش هنتأخر، سلام.

طالعها تغادر بعيون خائبة الأمل تإن من الألم، عيون أدركت أن هناك شرخ كبير قد حدث فى علاقتهما، وأن هذا الشرخ لا يلتئم أبدا بل يتسع تدريجيا ويكاد يبتلع علاقتهما بأكملها.

-حاسب يامونى!
صرخت (عشق)بهذا التحذير فتوقف طفلها يتطلع إليها لثوان بحيرة قبل أن يجلس على تلك السجادة المستديرة الموضوعة على العشب مجددا، لتزفر بإرتياح وتعاود الجلوس بدورها بين صديقاتها، قالت نهى مؤنبة:
-يابنتى ماتسيبيه يقوم ويلعب، يمشى ويقع، هي الأطفال كدة، منير عدا السنة دلوقتى، متبقيش جبانة بالشكل ده، هتأثرى على شخصيته وهتطلعيه خواف.

تنهدت (عشق) قائلة:
-انتى بتتكلمى زي عاصى بالظبط.
رفعت(تغريد)حاجبيها المنمقين قائلة:
-هو لسة غيران من مونى؟الراجل ده مش معقول، فيه حد يغير من إبنه؟
أشارت (نهى)لزوجها بأنها قادمة حين ناداها، ثم نهضت قائلة:
-يابنتى دى مش غيرة، انتى فعلا ياعشق مزوداها فى خوفك على منير وأنا شايفة إن عاصى معاه حق وإن ماخدتيش بالك من تصرفاتك هتخسريه، انتى مبقاش فى حياتك غير إبنك وبس.

لتحمل هاتفها من على الطاولة مستطردة:
-أنا ماشية بقى عشان مراد بيندهلى، اشوفكم يوم الخميس، سلام.

ما إن غادرت حتى قالت(تغريد):
-سيبك منها، هي عشان لسة متجوزة جديد ومخلفتش، مش فاهمة العلاقة بين الأم وإبنها ولا حاساها، وبعدين مونى لسة صغير ومحتاج حبك ورعايتك واهتمامك، المفروض عاصى يقدر ده.

زفرت (عشق) قائلة:.

-لأ ياتغريد، نهى معاها حق، انا فعلا مبقاش فى حياتى غير منير وبس، وأهملت عاصى، العلاقة بينا بقت باردة، مبقيناش زي الأول، يمكن هو المفروض يراعى إن تأخرى فى الإنجاب وإشتياقى لطفل أكيد مولدين الخوف فى قلبى، ومخليينى بالشكل ده، بس هو برده فى الأول والآخر راجل بيحب وأكيد متضايق إن حبيبته بعيدة عنه ومشغولة، ده مبقاش يقعد فى البيت خالص، علطول فى المستشفى، والشوية اللى بيقعد فيهم فى البيت يابيقضيهم مع مونى، يا نايم، بطل يتكلم معايا وعلطول ساكت ومن إحساسى بالذنب محاولتش أتكلم معاه، يمكن خايفة من كلامه اللى أكيد هيوجعنى.

قالت( تغريد):
-وفى إيدك إيه تعمليه بس؟انتى معذورة.
قالت (عشق ):
-لأ فى إيدى كتير، عاصى وحشنى ياتغريد، وحشنى الكلام معاه، وحشنى حضنه، وحشنى حبيبى اللى مبقيتش لاقياه.
لتنهض قائلة فى حزم:
-أنا همشى.
توجهت إلى طفلها تحمله فسألتها( تغريد) قائلة:
-رايحة فين بدرى كدة؟
قالت( عشق )بعد أن قبلت وجنة طفلها:
-رايحة أصالح جوزى، سلام.

إبتعدت مع طفلها فى إتجاه باب الخروج الخاص بالنادى بينما تتابعها (تغريد)بنظرة حانقة.

عندما نحب ترتبط مشاعرنا بالحيرة، نحتار هل نترك مشاعرنا تتدفق أو نحجمها، نظهر الإهتمام أو ندعى التجاهل، وحين نتخلص من تلك الحيرة ندرك أن الحب يجب أن يشمل كل شيئ ونقيضه ولكن كالميزان يجب أن نوازن الكفتين جيدا، فلا نرجح كفة عن أخرى، الحب هو أن نلقى أنفسنا فى بحر العشق دون خوف، دون قلق، فقط ندع مشاعرنا تقودنا إلى النجاة، تقودنا إلى الحياة.

والحياة لعشق كانت تتمثل فى شخص واحد، رجل يدعى (عاصى)، زوجها.

تعشق حياتها التى عاشتها معه وتلك الذكريات التى تحملها له، تلك الطرقات التى تشابكت فيها أيديهما، وتلك الأشجار التى كتبا عليها أحرف إسميهما، عاصى هو من دق له القلب لأول مرة وتعلمت على يديه فنون العشق، صورته محفورة فى قلبها وعشقه يسرى فى الشرايين، قد تبتعد عنه أو تنشغل بجسدها، ولكنه دائما ما يربض فى أفكارها ويسكن نبضها ويقبع فى كيانها، تفتقده كما لم تفتقد أحدا وتشتاق إليه كإشتياق أم لأن ترى مولودها الأول.

تطلعت إلى نفسها فى المرآة لآخر مرة، قبل أن تأخذ نفسا عميقا وتتجه إلى حجرة طفلها حيث يجلس (عاصى) برفقته بعد أن عاد من عمله منذ مايقارب الساعتين، يلاعبه كعادته كل يوم وحين تدلف (عشق)إلى الحجرة، يقبله ويتركه لها مغادرا لحجرتهما ليأخذ حماما، فتجده نائما حين تعود إلى حجرتهما لتأوى للنوم بدورها تتحسر على ماكان بينهما، تفتقد دفئه وحنانه، ولكن اليوم هي على وشك تغيير ذلك تماما.

كاد (عاصى)أن ينهى مع طفله لعبة البازل الخاصة بالأخير، حين أمسك (منير)تلك القطعة المنشودة ووضعها فى مكانها باللعبة، فصفق له (عاصى)بجذل، قائلا بإبتسامة:
-برافو يامنير، تعالى بقى نحل البازل التانى.

تثاءب( منير )، ليقول عاصى بمزاح:
-لأ صحصح وفوق معايا شوية، وخلى بالك البازل ده هيكون أصعب، وانت اللى هتحله لوح...

قاطعه صوت الباب وهو يفتح ودلوفها إلى الحجرة، أدرك أنها هي من عبيرها الذى شحذ حواسه بأكملها، أغمض عينيه توقا، ثم فتحهما يقبل جبين طفله مودعا قبل أن ينهض ببطئ وهو يدرك أنه آن الأوان لكي يعود إلى حجرته، يعانى الإشتياق إليها بجنون، يقاوم رغبته فى وشم جسدها بلهيب عشقه ولكن تأبى روحه الضعف وإظهار العشق والشوق لمن تجاهلت نداء قلبه مرارا وتكرارا...

إلتفت يحييها ببرود كعادته كل يوم ثم يغادر الحجرة، ولكنه توقف متجمدا من مظهرها الذى خلب لبه وجعله يضرب بكل العهود التى قطعها على نفسه عرض الحائط، جف حلقه وانتفضت خفقاته وتسارعت أنفاسه وهو يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها، رائعة الجمال محبوبته والليلة إزدادت فتنة وإغراء وكأنها سخرت كل مالديها من أجل أن تجعله يجثو عند قدميها يطالبها بإرواء عشقه، ومنحه الحياة.

ولكنه قاوم هذا الإغراء المتجسد فى عشقه، وهو يشيح بناظريه عنها، قائلا:
-منير عايز ينام، أنا كنت بفوقه عشان افتكرتك مشغولة فى الكلام مع صاحباتك، لكن خلاص، تقدرى تنيميه براحتك، عن إذنك.

اتجه مغادرا الحجرة بثبات ظاهري لتوقفه يدها التى تمسكت بذراعه، إقشعر بدنه كلية على أثر لمستها وصوت رجاءها يصل إلى مسامعه فى نبراتها وهي تنطق بإسمه، إلتفت بوجهه لها يطالعها فحيرته تلك النظرة الرابضة بعينيها، هل هي إشتياق أم إعتذار؟أم هي مزيج من الإثنين؟ام هي آمال مزيفة يعقدها قلبه فتؤول فى النهاية إلى سراب وتتحطم فتؤذى قلبه المعذب بعشقها؟

قالت بهمس معاتبة:
-للدرجة دى مبقتش تثق فية ياعاصى؟

إلتزم الصمت يدرك أنها قرأت أفكاره من ملامحه كما إعتادت أن تفعل بالماضى، إنتظر كلماتها خشية التسرع فلا ينال سوى الندم لتقول بحزن:
-أكيد طبعا واحشنى، عارفة إنى مقصرة معاك بس غصب عنى، يمكن عشان منير لسة صغير واخد كل وقتى بس انت عارف إنى بحبك وإن مش ممكن أبعد بإرادتى، مش كدة ياعاصى؟

لم يجيبها بل طالعها فقط فى صمت، إقتربت منه حتى لامست جسده بجسدها، فأصابته بزلزال من المشاعر أضعفه، تأمل عيناها الساحرتان اللتان تكحلتا من أجله وثغرها القرمزي الذى يرتعش الآن فيثير فى قلبه مشاعر عاتيه تطالبه بمزج أنفاسهما الآن دون تردد، أغمض عيناه للحظة أدركت فيها (عشق)مشاعره التى يقاومها بضراوة، فهاجمته على الفور دون أن تدع له مجالا للتفكير فمالت تقبل وجنته بنعومة قائلة:
-يمكن موحشتكش.

تنهدت خفقاته وهي تميل لتقبل وجنته الأخرى قائلة بهمس حار:
-بس انت وحشتنى.

لتبعد وجهها قيد أنملة عن وجهه تلفحه أنفاسها العطرة وهي تقول بمشاعر أفقدته كل ذرة مقاومة تسرى فى دمه:
-وحشتنى لدرجة إنى مش قادرة أستنى لما تتقفل علينا أوضة وعايزة أترمى فى حضنك دلوقت، أدام منير.

حسنا، لا مفر من الإستسلام، فقمة العشق هو أن تقضى لياليك قهرا على غياب الحبيب، تتوعده بالنسيان، ولكن حين يأتيك مشتاقا قد أنهكه الفراق وماإن تنظر إلى عينيه حتى تبتسم وتنسى كل شيئ..
ولقد نسي هو كل شيئ وتذكر فقط عشقه لها، أرادها الآن بكل ذرة فى كيانه، مستسلما لإشتياقه، كاد أن يقبل ثغرها يشبع توقه الشديد لها، ولكنها وضعت إصبعها أمام شفتيه تمنعه قائلة بعيون واعدة:.

-نيم منير بسرعة وأنا هستناك فى أوضتنا، متتأخرش علية.

إبتلع (عاصى)ريقه فى صعوبة قائلا:
-أنيمه؟مش دى مهمتك المقدسة اللى مانعانى من إنى حتى أفكر فيها.

مالت تهمس بجوار أذنه قائلة:
-فيه حاجات كتير هتتغير من النهاردة، أوعدك بكدة، يلا بقى متضيعش وقت، نيم منير وحصلنى، عاملالك مفاجأة أكيد هتعجبك.

ثم إبتعدت عنه وقد سحبت أنفاسه كاملة، لتميل مقبلة طفلها قبل أن تستقيم وترنو إليه بنظرة محملة بالوعود ثم تغادر الحجرة، فإبتلع (عاصى)ريقه بصعوبة، حمل طفله ووضعه فى مهده يؤرجحه فإبتسم (منير)يمد له يده ليحمله، ليقول (عاصى):
-لأ، بقولك إيه مفيناش من كدة، انت كنت بتنام من شوية، حبيب بابى حس ببابى شوية، خليك شطورة ونام، بابى بقى على آخره.

تثاءب (منير)فقال (عاصى):
-أيوة كدة، نام ياحبيبى وأنا بكرة أفسحك فسحة متحلمش بيها وهجيبلك كل الألعاب اللى نفسك فيها كمان، إتفقنا؟

أغمض (منير)عيناه وتلك المرة لم يفتحهما مجددا، ليدرك (عاصى)أن طفله قد إستغرق فى النوم، مال يقبله فى عجلة، ثم أسرع متجها إلى حجرته، لايدرى ماذا يثيره أكثر، ط؟توقه لرؤية تلك المفاجأة التى أعدتها (عشق)من أجله، أم توقه لها هي، حبيبته (عشق).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة