قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الخامس

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الخامس

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الخامس

كانت (عشق)تتنقل بين ضيوفها فى حفل عيد ميلاد طفلها كفراشة جميلة رقيقة، تنظر إلى (منير) بين الحين والآخر، تشعر بسعادة بالغة لسعادته الظاهرة على ملامحه وهو يلعب بين أقرانه، إعتذرت لمحدثها بإبتسامة مجاملة قبل أن تتجه إلى طفلها، لتهندم ملابسه التى هالها اللعب، وجدت (تغريد )تجذبها من يدها إلى أحد الأركان قائلة بلهفة:
-هو عاصى مش جاي ياعشق؟

طالعت (عشق)ملامحها الملهوفة بدهشة فإستطردت (تغريد)بإرتباك:
-أصل، يعنى، بصراحة جعت وعايزين نفتح البوفيه ونطفى الشموع.
قالت(عشق)باسمة:
-مش هتبطلى طفاسة ياتغريد، عموما أنا كلمته من شوية وقالى إنه قرب يخلص وهييجى علطول.

ظهرت السعادة على ملامح (تغريد)، لتفسر (عشق)سعادتها لقرب حصولها على الطعام وإرضاء معدتها، تتساءل فى حيرة عن سر تلك الفتاة التى تأكل بشراهة ولكن لا يظهر عليها أبدا، قوامها نحيل يشبه قوام عارضات الأزياء، بينما (عشق)تكتسب الوزن بسرعة ماإن تأكل قطعة من الحلويات.

إتسعت إبتسامتها على إثر أفكارها، لتستطرد قائلة:
-سيبينى بقى أمشى عشان أشوف منير وهدومه اللى بهدلها دى.
إبتسمت (تغريد) قائلة:
-آه طبعا ياحبيبتى، إتفضلى.
إتجهت (عشق)إلى طفلها، بينما تابعتها (تغريد)بعينين تنهشهما الغيرة.
همست(نهى)قائلة ل(مراد):
-شوف بتبصلها إزاي!والله ماأنا عارفة إزاي عشق مش شايفة غيرتها منها ولا عينها دول اللى هيطلعوا على جوزها؟

طالع (مراد)(تغريد)قائلا ل(نهى):
-ملناش دعوة يانهى، انتى مش نبهتيها، وهي مصدقتش كلامك وإتهمتك إنك مش عايزاها تصاحب غيرك، هي حرة بقى، تستحمل.
قالت (نهى)بحزن وهي تسترجع مرارة الذكرى وتلك الكلمات التى قالتها لها( عشق )فجرحت قلبها:
-معاك حق، بس هي جت وإعتذرتلى وأنا قبلت إعتذارها، المفروض إنى كصاحبتها...

قاطعها قائلا بحزم:
-بقولك إيه!ملكيش دعوة بالموضوع ده تانى يانهى، خليكى بعيدة عنهم زي مانبهت عليكى، والله لولا عاصى أنا ماكنت جيت النهاردة، تغريد من الناس الوحشة اللى بتأثر على اللى معاها وأنا مش حابب تكونى صاحبتها تانى، ومادام هي لسة صاحبة عشق يبقى تبعدى عن الإتنين، ربنا يكفينا شر أمثالها ويهدى صاحبتك قبل ما تضيع حياتها وهي مش واخدة بالها.

نظرت (نهى)إلى (عشق)التى تعدل من هندام طفلها، ثم تنظر إلى ساعتها بقلق وتتجه إلى المكتب، لتتنهد قائلة:
-ربنا يهديكى ياعشق وتشوفى حقيقة تغريد قبل فوات الأوان.
قالت (عشق)بقلق:
-إنت فين يا(عاصى)؟بتصل بيك مبتردش، قلقتنى عليك.
قال (عاصى):
-متقلقيش ياحبيبتى، أنا لسة فى المستشفى.
قالت عشق بدهشة:
-فى المستشفى؟لحد دلوقت!
قال مفسرا:
-حادثة فى الطريق وإستدعونى فى الطوارئ.
عقدت (عشق )حاجبيها قائلة:.

-يعنى لسة هتتأخر؟

قال(عاصى)آسفا:
- مش هقدر آجى خالص النهاردة ياعشق، مش قبل الصبح طبعا، الحالات كتير والدكاترة أغلبهم آخدين أجازات ومسافرين ومش هيرجعوا قبل بكرة وأكيد الحالات هنا محتاجانى.

ليختم المكالمة قائلا بعجالة:
-بيستدعونى تانى، بوسيلى منير وقوليله كل سنة وهو طيب، واعتذرى للضيوف بالنيابة عنى، أنا أخدت أجازتى من بكرة وهعوضكم أكيد.
قالت بإحباط:
-حاضر ياعاصى، خد...
لم تستطع إكمال جملتها وهو يقطع الخط لتستطرد وهي تنظر إلى هاتفها بحزن قائلة:
-بالك من نفسك ياحبيبى.
تركت الهاتفعلى المكتب ثم غادرت الحجرة، لتجد(تغريد)أمام الباب تنتظرها قائلة:
-مالك ياعشق؟هو عاصى مش جاي ولا إيه؟

هزت (عشق)رأسها نفيا قائلة بحزن:
-جالهم حالات فى المستشفى، وقاللى أعتذر لضيوفنا.
قالت (تغريد) بلهجة موحية:
-يعنى مفيش غير عاصى يشيل الليلة، ماأكيد فيه دكاترة فى المستشفى يغطوا الحالات دى؟

قالت(عشق):
-مسافرين.

مطت (تغريد )شفتيها قائلة:
-كلهم، غريبة، إنتى متأكدة إن ده السبب الحقيقى فى إن عاصى محضرش حفلة عيد ميلاد إبنه ياعشق؟
عقدت (عشق)حاجبيها قائلة:
-قصدك إيه؟!
قالت (تغريد):
-مش عارفة، مش يمكن عاصى يكون بيلعب بديله مثلا او...
قاطعتها (عشق)قائلة فى صدمة:
-لأ طبعا مستحيل، جوزى لايمكن يخونى، عاصى بيحبنى ياتغريد.
مطت (تغريد) شفتيها وهي تقول:.

-اممم، طيب خلاص، يلا بقى عشان تعتذرى للضيوف ونطفى الشموع، الناس بدأت تمل وأنا كمان، كلمونى صاحباتى أروحلهم النادى ومش عايزة أتأخر.

ثم سبقتها لتتبعها (عشق)، تتسلل كلمات (تغريد) إلى عقلها فتثير الشكوك بداخلها، تحارب بضراوة كي لا تتغلغل إلى قلبها وتتمكن به، تنفض تلك الأفكار السوداء، فزوجها يحبها ولا يمكن أبدا أن يخونها، هذا هو إيمانها الذى لا مساس به..

لتعاود الشكوك إلى رأسها فتظل شاردة ومنير يطفئ شموع ميلاده بينما أطلت من عيون (تغريد)نظرة إنتصار لاحظتها فقط (نهى)، أقلقتها تلك النظرة ولكنها للأسف لم تستطع فعل أي شيئ، تجاه قلقها.

قال عاصى بحنان وهو يتأمل صغيره:
-كل سنة وإنت طيب ياحبيبى وعقبال ميت سنة، هعوضك عن غيابى فى عيد ميلادك برحلة مش هتنساها، نام يامنير عشان بكرة ورانا سفر.

لينظر إلى ساعته التى شارفت على السادسة صباحا فيبتسم مستطردا:
-بكرة إيه بس؟النهاردة ياحبيبى النهاردة.

مال يطبع قبلة صغيرة على جبين طفله، ثم غادر الحجرة متجها إلى حجرته يريد فقط أن يأخذ حماما ثم يأخذ زوجته بين ذراعيه لينام قرير العين بعد ليلة عصيبة قضاها بالمشفى، جر جسده المنهك بصعوبة حتى وصل إلى الحجرة ليدلف إليها بهدوء حذر كي لا يقلق منام زوجته، رفع حاجبيه بدهشة وهو يراها مستيقظة تجلس فى سريرهما، ملامحها متيقظة وكأنها لم تنل أي قسط من النوم، أغلق الباب بقدمه وهو يقول بدهشة:.

-انتى لسة صاحية ياعشق؟

قالت ببرود أثار حيرته:
-مستنياك.
عقد حاجبيه قائلا:
-خير ياحبيبتى؟
نهضت تقترب منه حتى توقفت أمامه تقول بملامح مكفهرة:
-كنت فين ياعاصى؟
إزداد إنعقاد حاجبيه قائلا:
-فى المستشفى، ماأنا قايلك ياعشق.
قالت فى قسوة:
-وإيه البرفيوم الحريمى اللى أنا شماه ده، بتحطوه للعيانين بدل البنج؟
قال (عاصى):
-لأ دى (سوزان)، لما تعبت وحسيت بدوخة، الهانم رشيتلى من برفانها...
قاطعته قائلة بسخرية:.

-بس ده مش برفان سوزان اللى متعودة عليه ياعاصى.
قال (عاصى):
-الظاهر إنها غيرته أو...
ليقطع كلماته وهو يحدقها بعينيه قائلا بحيرة:
-انتى بتسألى كل الأسئلة دى ليه ياعشق؟عايزة توصلى لإيه بالظبط؟
قالت (عشق)بحدة:
-عايزة اوصل للحقيقة يادكتور، للسبب اللى خلاك متحضرش حفلة عيد ميلاد إبنك الوحيد، للست اللى خدتك منى ياعاصى.
طالعها بصدمة وهو يقول:
-إنتى بتشكى فية ياعشق؟!

كادت (عشق)ان تتراجع وهي ترى ملامحه المصدومة ولكن تلك الظنون تقتلها، تجبرها على المضي قدما فى التعبير عن شكوكها، تحتاج لدليل دامغ يمحى تلك الظنون ويوأدها فى مهدها، لتقول بعصبية:
-آه ياعاصى، بشك فيك، انت بقالك فترة متغير ومش عاجبك حالى وياإما بتتأخر فى المستشفى كتير يابتبات فيها، ده غير النهاردة والبرفان اللى مغرقك ده، محتاجة أعرف، بتخونى ياعاصى ولا لأ؟محتاجة أتأكد عشان أرتاح.

تبدلت ملامحه الآن إلى برودة صقيعية أثارت قشعريرتها وأخافتها وهو يطالعها للحظات بصمت، بوجه خال من التعبير قبل أن يقول:
-للأسف ياعشق، كان ممكن بتليفون صغير للمستشفى تتأكدى إذا كنت بكذب عليكى ولا بقول الحقيقة، بس إنتى إخترتى تشككى فى حبى وإخلاصى ليكى، إخترتى تصدقى الكل وتكذبينى، ودى كانت اكبر صدمة فى حياتى.

كيف لم تفكر فى هذا؟!..
إتصالا واحدا كان ليدحض كل شكوكها، هو محق، لم تؤمن بحبه بدرجة كافية لتثق به، جرحته بعمق، تدرك هذا من عينيه التى تصدعت من الألم خلف قناع البرودة الذى إحتل ملامحه، كادت أن تتحدث ليقاطعها بإشارة من يده قائلا ببرود:
-للأسف مش هينفع تعتذرى زي كل مرة وأقبل إعتذارك، مش هينفع ياعشق.

ليبتسم فجأة بسخرية مريرة أدمت قلبها وجعا عليه وهو يقول:
-آل وانا اللى كنت عايز أعوضك عن امبارح وأسافر معاكى ومع منير شرم النهاردة، مع الأسف طلعت ساذج أوى، مش كدة؟

لتعود البرودة إلى ملامحه وهو يقول:
-أنا هسافر فعلا مع منير وهسيبك هنا لوحدك، يمكن بعدنا عنك يرجع العقل لراسك ياعشق.

حاولت أن تتحدث ولكنه قاطعها مجددا بإشارة من يده قائلا:
-جهزى منير عشان هنسافر حالا، أنا كنت ناوى انام حبة ونسافر بعد الضهر بس مع الأسف لا هعرف أنام ولا هقدر أستنى دقيقة واحدة تحت سقف بيت واحد معاكى ياعشق.

آلمتها كلماته بقوة وهدمت كيانها بالكامل، وكأنه رماها بعدة خناجر أصابت أوصالها فمزقتهم بقسوة، رأته يتجه إلى خزانة ملابسهما يأخذ بعض الملابس ثم يتجه إلى الحمام بخطوات غاضبة قبل أن يصفق الباب بقوة ويصفق معه كل باب قد تود أن تدلف منه إلى قلبه، فى الوقت الحالى.

زنزانة الشك مظلمة وعندما ندلف إليها تبتلعنا وتودى بأرواحنا وحياتنا للأبد
أما الثقة فضوء شعاع ينير العلاقة ويرسخها ويجعلها لا تقهر
الثقة ككوب من زجاج إن كسر قد نستطيع إصلاحه ولكنه لا يعود أبدا كمان..
نحن لا نحزن إن فاجأنا أحبتنا بشكوكهم ولكننا نحزن لإننا لم يعد بإمكاننا الثقة بهم بدورنا بعد الآن
نبتعد بصمت كي نحفظ كرامتنا المهدرة، ليكون الفراق هو النتيجة الحتمية، لفقدان الثقة.

فرك (عاصى)وجهه بقوة، يقاوم رغبته الشديدة فى النوم، يتمسك بمقود سيارته بعصبية، يلعن كل شيئ، كبرياؤه الذى جعله يرحل على الفور دون أن ينال قسطا من الراحة قبل سفره، قلبه الذى لا يريد أن ينتظر فتضعفه دموعها او توسلات عيناها، لقد رآها هناك عند النافذة، تراقبهما وهما يرحلان بأعين دامعة، كاد أن يحن إليها، يدعوها للسفر معهما ونسيان كل شيئ قد يحول دون سعادتهما، ولكن كرامته المجروحة أبت أن يترك لها فرصة للإعتذار وطلب السماح، يدرك أنه ضعيف أمامها، يضعفه عشقها ويجعله دائما يحيا، كراهب فى محرابها.

ثقلت جفونه مجددا ليفيق على صوت زمور قوي قبل أن يشعر بإرتطام سيارته بشيئ ما بقوة، حاول التحكم فى سيارته وصراخ طفله يدوى فى عقله، يشعر بالرعب يسيطر على تفكيره قبل أن تنقلب السيارة عدة مرات لتسكن بعدها، ومع سكونها، سالت الدماء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة