قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل السادس

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل السادس

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل السادس

الردى...
عندما يأخذ منك أحبائك، تشعر بالصدمة التى تجمد جميع ذرات كيانك، ثم تبعثرها فتتيه فى غياهب الظلام، تبحث عن مخرج يلملم شتات نفسك فلا تجد...
وحين تجده بصعوبة، تجد ذاتك غير قادرة على إستيعاب فكرة عدم وجود هذا الحبيب فى حياتك...
تنتابك تساؤلات قد تودى بك إلى الجنون...

ألن أراه مجددا؟!
ألن أسمع صدى صوته يتردد بأذنى؟!
ألن أرى إبتسامته التى تبعث الضياء إلى نفسى؟!
ألن أضمه بين ذراعي وأتنفس عطره بين جوارحى؟!
ألن أسمع إسمى من بين ثنايا ثغره فأتلذذ بحروفه؟!
هل غاب حقا إلى الأبد؟!

نعم غاب...
وهنا، عندما تدرك تلك الحقيقة، تشعر بتحطم القلب وإنكسار الروح، ثم خواء قاتل يهدد بسلامة عقلك، وإن لم تستطع أن تجمع شتاتك، تقودك نفسك إلى الإنهيار،
تقودك إلى هاوية، بلا قرار.

كان يقف أمام باب حجرتها بتلك المشفى الخاص، يضع جبهته على الباب مغمض العينان بألم يمزق جوارحه، يستمع إلى صرخاتها بإسم طفله، صرخات تمزق نياط القلب، يود لو دلف إلى الحجرة وأخذها من بين يدي الطبيب والممرضة وأسكنها ضلوعه، يربت بيده على جرحها ويأخذ ألمها بعيدا، ولكن الطبيب منعه من ذلك، فحالتها النفسية لا تسمح برؤية أي أحد فى الوقت الحالى حنى لا تقوم بإيذاء نفسها، لقد منعوا حتى السيدة (منال)من الدلوف إليها، فإنهارت باكية وها هي تجلس بدورها مع زوجها يبكيان فى صمت على إبنتهما التى لم تستوعب صدمة فقدان طفلها فإنهارت كلية...

نزلت دموعه وهو يسمعها تصرخ بصوت مذبوح...
-إبنى منير فييين؟!
-وديتووووه فين؟!
-هاتولى إبنى؟!
-نفسى أخده فى حضنى عشان أرتاح.
-ياحبيبى ياإبناااااااي.

إختفى صوتها وضعف تدريجيا ليدرك أن الطبيب قد منحها تلك الحقنة المهدئة التى يمنحها إياها منذ ثلاثة أيام، عندما تستيقظ وتنهار كلما تذكرت أن طفلها قد فارق الحياة...

إنتفض على يد وضعت على كتفه، إلتفت إلى صاحبتها فوجدها والدته التى تأملته بشفقة امتزجت بالحنان قائلة:
-هي خلاص نامت وهترتاح، تعالى ياإبنى أقعد شوية، إرتاح إنت كمان.

قال بصوت متهدج:
-أرتاح إزاي ياماما وهي تعبانة؟قلبى واجعنى أوى، ده ظلم، يعنى مش كفاية إبنى راح منى، ليه هي كمان بتروح منى؟!ليييه؟!
قالت (صفاء)بألم:
-إستغفر ربك ياعاصى، منير كان أمانة وراحت للى خلقها، وعشق هتهدى مع الأيام وهتبقى كويسة ياابنى، وبكرة تجيبوا طفل تانى وتالت.
مشي (عاصى)بخطوات متهالكة حتى أقرب كرسي ليجلس عليه قائلا:
-أستغفر الله العظيم.

إقتربت والدته وجلست إلى جواره، ففرك وجهه قائلا بحزن:
-عشق خلاص ياماما، مش ممكن ترجع زي الأول، انتى مش عارفة منير كان بالنسبة لها إيه، ولا أنا كمان ممكن أرجع زي الأول، هيفضل إحساسى بالذنب يخنقنى، لو مكنتش خدت منير وسافرت كان...

قاطعته تنهره قائلة:
-متقلش كدة ياابنى، ده مقدر ومكتوب، دى ساعته اللى ربك كاتبها، كان هيموت فيها ولو كان فى بيته وفى سريره.
نزلت دموع (عاصى)وهو يقول:
-بس موته كان بسببى، منير مات وهو جنبى ياأمى، عاندت وصممت أسافر وأنا منمتش وغفلت لثانية ضيعته منى، صوت صرخته لسة فى ودانى.
ليضع يداه على أذنيه قائلا بوجع:
-زي صرخة عشق ياأمى مش هقدر أخرجهم من دماغى ولا أمنعهم يوجعوا قلبى.

نزلت دموع (صفاء)تشارك ولدها ألمه، ترك (عاصى)يداه تقعان إلى جواره قائلا بحسرة:
-للأسف مفيش حاجة أبدا ممكن ترجع زي الأول، أنا خلاص كل حاجة حلوة فى حياتى راحت منى.

قالت (صفاء):
-ياخسارة ياعاصى.
نظر إليها (عاصى)تائها، فإستطردت قائلة:
-مربتكش ضعيف وتستسلم بسهولة كدة أدام أي مشكلة تقابلك، أنا ربيتك على إنك تواجه أي حاجة وتكون أدها، وعمرك ماترضى بالإنهزام بالعكس، تتحدى حتى نفسك وتكون أقوى منها.

أطرق (عاصى)قائلا بألم:
-بس دى مش مشكلة ياماما، دى حياتى اللى بتضيع من إيدية، فى الأول إبنى راح منى ويادوبك بفوق من الصدمة لقيت عشق بتروح هي كمان.

قالت (صفاء)وهي تربت على فخذه بحنان:
-كل شيئ فى الدنيا بيتولد صغير وبعدين يكبر إلا الحزن بيتولد كبير وبعدين بيصغر، أهم حاجة منستسلمش ليه عشان ميضعفناش، عشق محتاجالك دلوقتى عشان تعدى أزمتها، محتاجة عاصى جوزها اللى هيهون عليها كسرة قلبها، فقدان الابن بيكون أصعب حاجة على الأم، ودور الأب ساعتها يدعمها ويخفف عنها ألمها.

نظر إليها (عاصى)قائلا فى مرارة:
-ومين بيخفف حزن الأب، مين يدعمه؟
قالت(صفاء)بحنان:
-ربك، ربك قادر يخفف وجعك ويدعمك، قوم إتوضى وصلى ركعتين، إطلب منه يخفف وجعك ويقدرك على اللى جاي، أطلب منه يجبر خاطرك وخاطر مراتك ياعاصى، أطلب منه ومش هيخيب رجاءك صدقنى.

تنهد (عاصى)قائلا:
-ونعم بالله ياماما، ونعم بالله.
رفع يدها إلى ثغره يقبلها قائلا:
-ربنا يخليكى لية ياماما وميحرمنيش منك.
ضغطت على أصابعه قائلة بحنان:
-ويخليك لية ياحبيبى.
نهض (عاصى)ليصلى كما نصحته والدته، فإستوقفه صوتها منادية بإسمه، إلتفت إليها فأشارت إلى حمويه قائلة:
-كلمهم كلمتين، صبرهم ياإبنى على اللى هم فيه.

أومأ برأسه مرسلا لها نظرة إمتنان قبل أن يتجه إلى حمويه بخطوات منكسرة، تتابعه (صفاء)بعينيها قائلة:
-ربنا يريح قلبك ياإبنى ويصبرك انت كمان على اللى إنت فيه.

فى حجرة منير..

كانت تتشح بالسواد، تجلس شاردة على هذا الكرسي التى إعتادت الجلوس عليه منذ أن عادت إلى منزلها، تمسك بصورة طفلها تضمها إلى صدرها وكأنها تضمه هو، لقد رفضت عرض والديها بالذهاب معهما إلى الضيعة، تتمسك بوجودها فى هذا المنزل الذى يضم ذكرياتها مع منير، تجلس صامتة بالساعات تتأمل جنبات المنزل التى تراه فى كل ركن فيه، تسمع ضحكاته التى تنير المكان وتجلب إلى نفسها راحة مؤقتة لا تلبث أن تزول مخلفة وراءها دموع الفقد، الوحشة، الإشتياق.

لتسرع إلى حجرته التى صارت حجرتها منذ عودتها إلى المنزل، تفرغ مكنون صدرها على وسادته، يصرخ قلبها بلوعة يطالبه بالرجوع، ولكن أنى له بالرجوع، فمايدفن تحت الثرى لا يعود.

أغلقت على نفسها بابا مؤصدا ضد الجميع وأولهم (عاصى)الذى حاول مرارا وتكرارا الحديث معها ولكنها كانت تصد كل محاولاته لتبوء بالفشل، تتعلل بمرضها ولكنها فى الحقيقة لا تريد أن تواجهه فعيناه تذكرها بعيني طفلها الحبيب، يؤلمها فقط النظر إليهما.

أفاقت من شرودها على صوت طرقات على الباب ثم دلوف الخادمة وهي تقول:
-تغريد هانم برة وطالبة تشوفك ياستى.
مسحت (عشق)دموعها التى سالت حزنا بأناملها قبل أن تقول:
-قوليلها نايمة.
قالت الخادمة بشفقة:
-قلتلها ياستى وقالتلى صحيها، مصممة المرة دى تقابلك.
أومأت (عشق)برأسها قائلة:
-طيب قوليلها إنى جايالها يانسمة.

اومأت الخادمة برأسها مغادرة الحجرة، بينما نهضت(عشق) تجرجر خطواتها، تذهب إلى حيث تجلس (تغريد)، تضع قدما فوق الأخرى، وماإن رأتها حتى نهضت بسرعة مقتربة منها تحتضنها قائلة:
-حبيبتى ياعشق، أخبارك إيه ياحبيبتى.
خرجت من حضنها بينما (عشق)تقول لها فى مرارة:
-زي ماإنتى شايفة، عايشة ومش عايشة.
سحبتها (تغريد )من يدها تجلسها وتجلس بجوارها قائلة:.

-قلبى عندك ياحبيبتى، والله من يوم ماعرفت وأنا بجيلك بس دايما بتبقى نايمة.
قالت (عشق):
-نسمة قالتلى، المهدئات ياتغريد، مخليانى نايمة على طول.
قالت تغريد:
-وعاصى أخباره إيه معاكى، أكيد مبيوركيش وشه.
عقدت(عشق)حاجبيها قائلة:
-ليه يعنى؟!

قالت( تغريد )وهي تتصنع الدهشة:
-ليه؟إنتى قصدك إنه بيتعامل معاكى عادى كدة ومش مكسوف من نفسه؟غريبة والله!
إزداد إنعقاد حاجبي (عشق)وهي تقول:
-قصدك إيه يا(تغريد)؟ماتوضحى كلامك.
قالت (تغريد):
-قصدى طبعا إنه كان السبب فى موت منير.
نهضت (عشق)قائلة بعصبية:
-إنتى بتقولى إيه بس؟ده قدره، ربنا عايز كدة.
نهضت (تغريد)بدورها قائلة:.

-أيوة بس ربنا كمان بيسبب الأسباب، خلاه يسافر معاه فى العربية وهو متعصب فعمل الحادثة وإتسبب فى موت منير، انتى مش حكتيلى على خناقتكم يوميها.

جلست (عشق)قائلة بصدمة:
-أيوة بس لو كلامك ده صح يبقى أنا كمان مذنبة معاه، مش أنا اللى عصبته وخليته يسافر علطول من غير مايرتاح، يبقى دم منير فى إيدينا إحنا الإتنين.

جلست (تغريد)تبث سمومها فى أذن (عشق)قائلة:
-ويعنى عاصى صغير مش قادر يتحكم فى نفسه أول ماتعصبيه يتصرف بغباء بالشكل ده، هو أدرى بنفسه، تعبان ومنامش ومتعصب يبقى ميسافرش ولا هي حياته وحياة طفله مش مهمين بالنسبة له.

صمتت (عشق)وتلك الافكار السوداء تجول فى رأسها، تحرق خلاياها بلهيب لا ينطفئ، لتقول (تغريد):
-إحمدى ربنا ياعشق إنك مروحتيش وإلا كنا بنترحم عليكى دلوقتى.

مزيد من الأفكار السوداء تتخبط بين أركان فؤادها تبعثره، رأت (تغريد)شحوب وجهها، نادتها قائلة:
-عشق، يا عشق!

لم تجيبها، لتبتسم داخلها بإنتصار، مدت يدها تربت على يد (عشق)، إنتفضت (عشق)ناظرة إليها فقالت (تغريد) بشفقة مصطنعة:
-شكلك تعبان، قومى إرتاحى حبة، وأنا هبقى أجيلك بعدين.

أومأت (عشق)برأسها، فنهضت (تغريد )تقبلها فى وجنتها قبل ان تغادر بخطوات رشيقة، صادف خروجها دلوف (عاصى)إلى المنزل، حياها بجفاء أصابها بالحنق، ولكنها تعلمت الصبر لتنال ماتبغيه، لذا قالت فى نفسها صبرا يا(عاصى)ففى النهاية ستكون لى وسترى.

إقترب (عاصى)بقلق من حبيبته شاحبة الوجه، توقف أمامها قائلا بلهفة:
-إنتى كويسة ياعشق؟

نهضت ببطئ، تطالعه بعيون نظرتهما ذبحته بسكين بارد وهي تقول بنبرات باردة كالجليد:
-أنا تعبانة وهرتاح فى أوضتى، ياريت محدش يقلقنى.

غادرت تتبعها عيناه بقلب قد أدرك أنها تلقى عليه بذنب لا قبل له به، تتهمه بأبشع التهم، ليصرخ هذا القلب متألما...

بالله لا تفعلى...
لا تذبحينى بنظراتك العاتبة..
لاتتركينى وحيدا وتبتعدى هاربة..
لا تستمعى إليها، لا تصدقيها، إنها كاذبة
فأنا ضحية مثلك، ملامحى صارت شاحبة..
يقتلنى الحنين ويدمينى الذنب، دوامة من المشاعر لى جاذبة..
تسحبنى إلى أعماقها وحبال مقاومتى تضعف، هزيلة أضحت ذائبة...
أحتاجك إلى جوارى، احتاج روحك المحاربة...
لا تتركينى وحدى فقد كنتى لى كل شيئ، الحبيبة والزوجة، الأخت والصاحبة.

أتوسل إليك أن تعودى فالروح تذوى حتى أضحت عنى، غائبة.

أقسى أنواع العذاب هو أن يعاقبك محبوبك بالتجاهل..
دون عتاب...
دون كلام...
يشملك بالصمت والإنشغال الدائم..
وأقسى أنواع الألم ان تتحمل كل ذلك بصمت...
ندعى أننا لا نهتم إن تجاهلنا الحبيب وقلبنا يعتصر شوقا لبعض الاهتمام...
نتصنع البرودة...
ندرك أن ذنب المحب أنه لا يشتاق بدرجة كافية بينما ذنبنا، الإفراط فى الشوق.

طرق بابها ولكن لا مجيب، كعادتها فى الأشهر الأولى بعد وفاة طفلهما، لقد أقصت نفسها عنه، يصحو من نومه فيجدها قد أغلقت عليها باب حجرتها، ويعود من عمله فيجدها قد آوت للنوم مغلقة عليها الباب مجددا، تقول له الخادمة أنها لا تخرج من حجرتها سوى بعد خروجه إلى العمل وتصعد إلى حجرتها قبيل عودته، أدرك أنها تتجاهله متعمدة، لا تبغى رؤيته، حطم ذلك قلبه إلى أشلاء، أغرق نفسه فى العمل حتى ينسى الألم...

رآه رفاقه يذوى، ملامحه دائما حزينة، يكاد أن يقتل نفسه بالعمل ليلا ونهارا، أرادوا الترفيه عنه فأجبروه اليوم على الذهاب معهم إلى هذا النادي الليلي، حاولوا بكل جهدهم أن ينسوه ذلك الحزن الرابض بقلبه وملامحه..

منحوه كأسا من الخمر، رفض بالبداية، فهو لايشرب ولا يقرب حتى السجائر، ولكن ماإن أخبروه أنها ستنسيه أحزانه، بل ستنسيه حتى إسمه حتى شرب كأسه الأول، يتبعه العديد من الكئوس، أسكرته حقا وأنسته همومه، جعلته لايقوى حتى على الشعور، ولا يملك زمام نفسه حتى أنه لم يستطع القيادة فطلب سيارة أجرة أوصلته للمنزل.

وما إن خطا أول خطوة فيه حتى عادت الذكريات تطارده، وأشعل لهيب الشوق إليها قلبه، وجد خطواته المترنحة تقوده إليها، يطرق بابها منذ لحظات، يدرك أنها مستيقظة من هذا الضوء المنبعث أسفل بابها ولكنها تدعى النوم، حسنا لن يدعى الكبرياء بعد اليوم، ولن يقبل بأفعالها، لن يرضى حرمانه منها، سيشبع ظمأه إليها حتى لو كان، رغما عنها.

إبتعد قليلا ثم أسرع بإتجاه الباب يرتطم به بقوة، إنفرج قليلا، ليأخذ نفسا ويركله بقدمة بقوة، فإنفرج على مصراعيه...

رآها تقف أمامه تتطلع إليه بصدمة وهو يقترب منها مترنحا، شعرت بالخوف وهي ترى عيونه التى تتلظى بشوقه الغائم بنظرة غريبة عنها لم ترها فى عينيه من قبل أصابتها برعشة فى أوصالها، قالت بصوت مضطرب:
-عايز إيه ياعاصى؟وإزاي تدخل علية بالشكل ده؟

إقترب منها حتى أصبح أمامها تماما، لفحتها أنفاسه المعبقة بالخمر وهو يقول بصوت حتى نبراته أضحت غريبة عنها:
-عايزك، حقى، مش جوزك ولا إيه؟
أشاحت بوجهها وهي تضع يدها على صدره تبعده قليلا وهي تقول:
-روح فوق الأول وبعدين...
قاطعها وهو يضغط على يدها الرابضة على صدره بقسوة قائلا بصوت ثقيل من أثر الشرب ولكنه مفعم بالمرارة:
-وأفوق ليه؟عشان أفتكر اللى مش عايز أنساه.
نظرت (عشق)إليه بألم:.

-إيدى ياعاصى، وجعتنى.
قال (عاصى)بمرارة:
-إتوجعى يا عشق، جايز تحسى بالوجع اللى جوايا.

كادت ان تقول شيئا ولكن هجومه الضارى على شفتيها لم يمنحها الفرصة، حاولت التملص من بين يديه، دفعه حتى، ولكنها لم تستطع، فقد أحكم ذراعيه حولها، يقبلها بشوق وقسوة أدمت شفتيها، حاولت التنفس فلم تستطع، كادت ان تختنق وفى تلك اللحظة أطلق سراحها، لتأخذ أنفاسها بقوة، لم يتركها لتستعد قوتها بل حملها بعد أن تملكه شيطانه فى تلك اللحظة ليدع شوقه إليها يعميه عن رؤية ذلك الخوف فى ملامحها وتلك الإرتعاشة فى صوتها وهي تتوسل إليه أن يتركها فلم يدعها ترحل بل وشمها بشفتيه ومشاعره العاتية حتى صارت ملكه، وفى تلك اللحظة فقط أفاق على صوت نحيبها وشهقاتها لينظر لها بصدمة، كانت توارى جسدها بيديها، ترتعش بقوة، أراد ضمها إلى جوارحه ليوقف إرتعاشتها، يتوسل إليها ان تسامحه ولكنه يدرك الآن أنه لن يستطيع أن يقترب منها قيد أنملة، تمزقه الصدمة ويقتله الذنب مجددا فى حضرتها ولكن تلك المرة هو بعيد عن كونه ضحية بل أصبح جانى بالتأكيد، لا يمحى فعلته أي عذر، لا يمحى ذنبه شوقه الشديد لها ولا حتى أنه فعل فعلته تحت تأثير الشراب، فقد عاشر زوجته، رغما عنها.

أشاح بوجهه عنها، يهز رأسه ينفض تلك الفكرة التى تجعله يبغى الموت فى التو واللحظة، نزلت دموعه تنعى روحه التى أذهقها العشق، يصم آذانه عن صوت نحيبها الذى يقطع نياط قلبه، خرج من الحجرة مهرولا وكأن شياطين الدنيا تطارده، بينما مدت (عشق)يد مرتعشة تسحب بها دثارها تغطى جسدها المنتهك، تضم قدميها إلى صدرها تتخذ وضع الجنين، تبكى كما لم تبكى من قبل، تشعر بقلبها ينزف بقوة وروحها تذوى ببطئ.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة