قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا غسق الأوس (ليلة دافئة) للكاتبة منال سالم مكتملة الفصل العاشر

نوفيلا غسق الأوس للكاتبة منال سالم مكتملة

نوفيلا غسق الأوس ( ليلة دافئة ) للكاتبة منال سالم الفصل العاشر
( الجزء السادس من ذئاب لا تعرف الحب )

فتش عنها كالمجنون، في أرجـــــاء الفيلا، عندما لم يجدها بغرفتهما، مما جعل قلبه ينقبض ارتعابًا عليها، لم يكن ليسمح أبدًا بإفساد ليلته مع زوجته، من قبل كائنًا من كان، ليحاسب المخطئ بضراوة، فزوجته خطًا أحمرًا لا يمكن المساس به مطلقًا، بينما كانت "تقى" تمكث بالحمام، تقف ككتلة مبهمة بلا ملامح بالمغطس، وتاركة للماء البارد الفرصة لصفع جسدها بقساوةٍ، لم تستطع كبت عبراتها أكثر من هذا، تركتها تنساب في حرقة، وعقلها يستعيد نظرة الازدراء الباردة التي كانت تطل من عيني تلك المرأة الغريبة.

شهقة تبعتها أخرى عجزت عن منعهم من الخروج أسفًا على حالها، دومًا تتعرض للإهانة على يد من يعدوا من صفوة البشر؛ وكأن احتقارها سمة تلازمها، تكومت في المغطس، وركبتيها تنضم إلى صدرها، ارتجفت بقوةٍ مع زيادة تأثير المياه الباردة على جلدها الذي بدأ في الانكماش.

مسحة حنون دافئة اقشعر لها بدنها، وتجاوب معها بأنين صامت، مطالبًا بالمزيد من تلك اللمسات الباعثة على الدفء، في تلك البرودة المجمدة للأوصــال. توقفت المياه عن الجريان، فانتبهت "تقى" لزوجها الذي انضم إليها، وجلس خلفها، ليحتوي ظهرها ويضمها إليه بذراعيه، أحست بقوته على جسدها الواهن، لم تتحرج من البكاء في حضوره، وزاد نحيبها مع قوله الصريح:
-أنا عرفت كل حاجة.

آلمه ما اختبرته من دناءة حقيرة، وتعهد لها بشدةٍ:
-واللي غلط فيكي هيتحاسب.
التهبت عيناها بعبراتها الحارقة، وسألته بشجنٍ اكتسبته نبرتها:
-هو ليه الناس بتعاملني كده؟ أنا عمري ما ضايقت حد، بالعكس دايمًا في حالي، وما بحاولش أزعج حد وآ...
قاطعها مشددًا من ضمه لجسدها المرتجف:
-عشان هما نفسهم يبقوا مكانك.

انتحبت أكثر في ألم، وزاد ذلك من الوخز في قلبه، ومع تضاعف رجفة جسدها، واصطكاك أسنانها، لم يتحمل المزيد، نهض حاملاً إياها بذراعيه، أعادها إلى داخل غرفتهما، وأراحها على الفراش ليحضر لها منشفة لف بها جسدها المبتل. حاوطها من جديد، وألصقها بصدره، ليمنحها حرارته، علها تكف عن الاهتزاز، وجاب بيديه على جسدها، يحفز خلاياه على استعادة سخونته، وما إن استكانت قليلاً في أحضانه، حتى مال على أذنها ليهمس لها مجددًا عهود الحب لها:
-إنتي بس اللي موجودة هنا...

أمسك بكفها ليضعه على قلبه، فشعرت بنبضاته المتلاحقة تصل إلى أعصاب يدها، رفعت عينيها إليه، وقالت من بين بكائها المرير:
-إنت تستاهل الأحسن مني، واحدة تليق بيك.
قست نبرته –مع نظراته نحوها- محتجًا على خذلانها البائس:
-"تقى"، بلاش الكلام ده...

نظرت إليه بعينيها التعيستين، فحز ذلك في قلبه، اللعينة نجحت في زلزلتها، سيذيقها من نفس الكأس المرير، استنشق الهواء ببطءٍ ليثبط من غضبه المتصاعد بداخله، حاول أن يبدو مسترخيًا وهو يحاورها، فلانت نبرته إلى حد عندما قال لها:
-إنتي الوحيدة اللي عارفة حقيقتي من جوا ومن برا، مش محتاج أكون غير نفسي معاكي، وماتخليش أي واحدة تحسسك إنك غير كده، إنتي ملكة عليهم كلهم.
قالت بنهنهة متقطعة:
-هما تعليمهم عالي، وأنا...

مسح بيده بقايا دمعاتها من على وجنتيها، ورد بإعجابٍ غير مزيف:
-إنتي مش أقل منهم، بالعكس عندك طموح، وعايزة توصلي لمكانة كويسة في التعليم، بدليل الكورسات اللي بتخديها.
سألته برأسٍ مطرق في حرجٍ مخجل، وقد غالبت دموعها:
-يعني مش ندمان إني جاهلة؟

وضع يده أسفل ذقنها ليرفع وجهها إليه، ثم ضاقت نظراته نحوها بانزعاجٍ زائف قبل أن يعاتبها:
-أومال احنا بنحتفل بإيه النهاردة؟
عادت البسمة لتنير شفتيها، ومع هذا تذمرت قائلة:
-بس أنا شكلي اتغير، مابقتش زي الأول، شوف جسمي بقى عامل إزاي بعد الولادة؟

أشــارت بعينيها إلى ذلك الشق الذي يحتل أسفل بطنها، وقد بات أشبه بندبة دائمة على جلدها، دومًا تحاول تخبئته عن عينيه، حتى لا ينفر من شكله الشاذ، معتقدة أنه لن يلاحظ أبدًا محاولاتها البائسة لتغطيته وحجبه عنه؛ وكأنه غير موجود بها، ومع ذلك انخفضت يد "أوس" على طول المنشفة، إلى أن وصل إلى مقصدها، توقف عند ندبتها، وتسلل إلى أسفل المنشفة ليلامسها بحنوٍ جعل كامل بدنها ينتفض، ويتلبك في توترٍ خجل، خفضت رأسها حرجًا منه، كم كانت قادرة على إثارته بحيائها الدائم! راقب ردات فعلها بانتشاءٍ، ثم ابتسم يمتدح ما اعتبرته نقصًا فيها، بنظراته التي امتلأت بالرغبة:
-ده أحلى حاجة فيكي، وبأضايق لما بتخبيه عني.. ده بسببه عندي "حياة" و"ريان".. أنا باعتبره وسام مش حاجة تتكسفي منها.

تنهدت بصدرٍ يخفق بقوةٍ، فأكمل بنظراته الوالهة:
-ده كفاية إني عرفت الحب الحقيقي على إيديكي.
غازلها بمعسول الكلام، والمُدعم بالمداعبات اللطيفة، لتتجاوب سريعًا، برغبةٍ ظاهرة عليها، تحت تأثير ما يغرقها به. لم يتوقف عن ممارساته العاطفية معها، بينما تحولت نبرته للجدية عندما نطق:
-وبعدين تعالي هنا، احنا قلبناها نكد ليه، ورانا مناسبات عايزين نحتفل بيها.

سألته بوجه مخضب بحمرة ساخنة:
-مناسبة، مش كان نجاحي بس؟
استلقى بجسده عليها قبل أن يجيبها:
-أيوه .. وعيد جوازنا.
ابتسمت ضاحكة وهي ترد:
-إنت لسه فاكر؟
-هو أنا أقدر أنسى، بأحبك
قال تلك الكلمات بما يشبه الهمس في أذنها، قبل أن تنخفض شفتاه على شفتيها، لتقوم بدورها الاحترافي، في تأجيج لهيب الحب بين أجسادهما المتلاحمة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة