قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

اللحظات الزمنية التي مرت على دنيا وهي تحدق به بقلق كانت ثقيلة على القلب، مؤذية لروح مُحاطة بزجاج فهُشمت بحجار ذلك الخوف الذي لم تستطع إنكاره ولأول مرة...!
كان صدرها يعلو ويهبط بتوتر، فقال هو بهدوء وهو يراقب حركتها:.

-إهدي ماتتوتريش، أنا مش هلمسك غصب عنك لإني عمري ما عملتها وفرضت نفسي على واحدة حتى للتسلية ومش هعملها معاكِ، أنا عايزك وهفضل عايزك، بس هاخدك لما تكوني في حضني بكامل إرادتك وبتهمسي بأسمي بتطلبي قربي!
لا تنكر أنها امتنت كثيرًا لكبرياؤه الذي منعه من أخذها غصبًا، ولكنها رفعت عيناها له والشراسة تنبض بها وقالت:
-أفضل أنت احلم كده واما نوصل للمحطة الاخيرة هبقى أصحيك ان شاء الله!
ثم ضيقت عيناها بتنمر قائلة:.

-وبعدين مين قالك اني متوترة؟ أنا مش متوترة خالص ولا يهزني أصلاً
رفع حاجباه معًا وهو يقترب منها أكثر، متمتمًا بصوت هادئ لم تُخفى نغمات السخرية منه:
-بجد؟
اومأت مؤكدة بلهفة حازمة، وهو يقترب أكثر وأكثر حتى سقطت دون أن تشعر على الأريكة خلفها، فشهقت بعنف تلقائي، ليميل هو عليها ببطء شديد، عيناه، وآآهٍ من عيناه المتوهجة رغم ظلامها، تحمل الشيء ونقيضه!

تحمل ظلمة غائرة، ووميض موهج خافت يتناثر بين ثناياه الرفيعة حتى بدأت تحتال عليها الألوان...!
رفع إصبعه يسير برقة على العرق النابض الذي يهدر بعنف في رقبتها، رقة ارسلت قشعريرة باردة لكافة جسدها، ثم ابتسم بخبث وراح يكمل بنفس الهدوء المريب:
-امال ايه ده؟ ده شوية وهينفجر من التوتر!
لعنت تركيزه العالي وهي تغمض عيناها، اصبح يطل عليها بهيئته العريضة، عيناها تلاقي عيناها في حديث صامت، إلى أن همست هي بتلقائية:.

-طب آآ، يزيد، ممكن تبعد؟
لم تلحظ أنها نطقت أسمه لأول مرة، دون سخرية او غضب، بل نطقته بتلقائية خالية من شوائب مشاعرها الحانقة تجاهه..!
لم يبتعد بل اقترب اكثر، لتصبح أنفاسه الحادة مسموعة لها، رفع إصبعه ببطء يتحسس جانب وجهها برقة هامسًا بصوت رجولي:
-أول مرة تقولي يزيد!
ابتلعت ريقها بتوتر، اللعنة عليه وعلى ذلك القرب الذي يهلك أعصابها توتر...!
هتفت مرة اخرى بضجر:
-إبعد بقا.

هز رأسه نافيًا، حتى أصبحت شفتاه على خدها يُحركها ببطء متناغم على إيقاع حروفه وهو يستطرد بخشونة واثقة:
-مش هابعد وكل ما هتقولي إبعد هاقرب أكتر، ولو ماسكتيش هاعمل اللي في بالي وما ادراكي ما اللي ف بالي بقا وإنتِ حره!
دفعته فجأة بعنف بعيدًا عنها ثم رفعت حاجباها بتعجب طفولي غاضب تزامنًا مع إتساع عيناها البطيء وهي تردد مستنكرة:
-أنت بتهددني؟
اومأ مؤكدًا بلا تردد:
-اه
-اشطا.

قالتها باستكانة طفولية حرفيًا وبدأت تبتعد عنه بتوجس، حينها ابتسم رغمًا عنه وقد أدرك أنها طفلة بالفعل تخترق مرحلة متقدمة من الزمن باندفاع...!
نظرت للباب ولكن وجدته مغلق بإحكام، لن تستطع الهرب اذن!
زفرت بيأس وهي تحك رأسها بإرهاق، ثم همست تسأله دون أن تنظر له:
-أنت اتأكدت أني مش هاقولك اي حاجة ومش هافيدك، حابسني لية بقا ولا هو تخلف وخلاص؟!

اقترب منها ببطء أقلقها، بدأت تشعر أن تلك الغرفة أصبحت ضيقة عليهما، أن انفاسها المتوترة تحارب أنفاسه الثائرة دون توقف!
وفجأة كان يدفعها نحو الحائط ويثبت وجهها بين يداه ويتنزع شفتاها نزعًا بتلك القبلة، قبلة إلتهم فيها شفتاها فازداد ذاك الحريق لهبًا...!
ابتعد بعد دقيقة يقول من بين أنفاسه:
-أنا مبقولش الكلمة مرتين! قولتلك أنا سايبك ليه.

ثم أشار لشفتاها التي بدت شبه متورمة، ورغمًا عنه تذكر مذاق شفتاها فابتلع ريقه وهو يتابع:
-ودي كانت عشان لسانك الطويل ده
ظل يراقب حركة شفتاها رغمًا عنه فهز رأسه نافيًا ومن ثم أغمض عيناه يهمس:
-امشي من هنا دلوقتي أحسن لك!
ودون مقدمات كان ينادي على تلك السيدة الحادة التي أحضرتها لتطرق الباب خلال دقيقتان وتدلف هاتفة بجدية:
-أمرني يا يزيد باشا.

كان مازال تحت سطوة ذلك التأثير اللعين بمجرد قبلة منها، بين الجمود والأشتعال شعرة، شعرة واحدة أحرقتها تلك القبلة!.
فخرج صوته أجشًا وهو يأمرها:
-خديها وحطيلها تاكل وتشرب واديها هدوم عشان تغير القرف اللي هي لبساه ده
اومأت السيدة بطاعة ودون أن تعطي دنيا فرصة الاعتراض كانت تسحب جسدها الهزيل بقوة نحو الخارج، بينما هو يمسح على شعره الغزير عدة مرات بقلق من القادم...!

صباح اليوم التالي...
كان ياسر يُشرف على رجاله في احدى الأماكن شبه المهجورة؛ يجهزون الأسلحة فكان ينظر لأحدهم ويربت على كتف احدهم قائلًا بحماسة:
-شدوا حيلكم يلا يا وحوش
استدار ثم عاد ل مُسعد الذي كان يراقبهم بصمت، وما إن اقترب منه ياسر حتى إلتقط انفاسه المتحشرجة بوتيرة متفرقة حتى شعر أنه ينسجهم داخل صدره معًا بصعوبة!
ثم حدق ب ياسر هاتفًا بنبرة أجشة مشوبه ببعض القلق:.

-إنتَ متأكد من الخطوة دي يا ياسر؟ متخيل إنك هاتقدر تقضي على الفرعون وتاخد دنيا كمان بشوية الرجالة دول؟!
اومأ ياسر مؤكدًا ورفرفت كافة جوارحه بالثقة وهو يجيب:
-أيوه، احنا هنذيع خبر إننا هنطلع عملية بعد تلات أيام، وهو طبعًا هيجري زي الكلب المسعور وهايسيب قصره، ساعتها انا هاخد الرجالة وهنروح القصر هنخلص على كل اللي فيه وهانجيب دنيا!

هز الاخر رأسه عدة مرات، يشعر بالقلق، برهبة القادم كأعصار سيكتسح كل شيء في منتصف فصل الربيع..!
واخيرًا نطق بصوت جاد محذرًا:
-خد بالك كويس يا ياسر وماتستهونش بعدوك
حلقت ابتسامة غريبة على حبال ثغر ياسر تنم عن طلاسم مشحونة بالحقد الشيطاني قبل أن يغمغم بنفس النبرة:
-شغلنا ده مش عايز قلق يا بوص ولو مش قده أحسن لنا نقعد في البيت زي النسوان!

ربت مُسعد على كتفه عدة مرات وكأنه يؤكد على كلامه، ثم دنا مقتربًا منه أكثر حتى اصبحت شفتاه قريبة من اذنه، حينها همس بصوت غريب خلا من أي مشاعر أبوية:
-لو ماعرفتش تجيب دنيا، أقتلها!
إتسعت حدقتا ياسر تلقائيًا من ذلك الجحود المبطن بين ثغور حروفه!
فتمتم شاردًا وكأنه يحاول إستيعاب تلك الكلمة التي شطرت قلبه المسكين لنصفين:
-أقتلها!
اومأ مُسعد مؤكدًا يتابع همسه:.

-قولتلك وهرجع اقولك يزيد الشرقاوي مش سهل، والمعلومات اللي دنيا تعرفها والورق اللي مع يزيد كفيل إنه يودينا ورا الشمس...
قال اخر كلماته ثم استدار ليغادر بكل هدوء وكأنه لم يأمر منذ ثوان بقتل، ابنته!

كانت دنيا في سجنها، تناولت لقيمات خفيفة من ذلك الطعام وعادت لنفس وضعيتها تضم ركبتاها لصدرها وتحدق باللاشيء...!
وسؤال لعين يُصر على دق جدران ذاك العقل الذي كاد ينفجر من قوة المشاحنة الفكرية التي تتصادم داخلها...!
ترى هل سيحاول والدها إنقاذها؟!
لا تدري لمَ تطرح سؤال اجابته محفورة بعقلها في ركن ما مظلم!

ولكن ماذا عساها تفعل في ذلك الأمل اللعين الزائف في مشاعر أب ربما يعود رمادها ويطفو على سطح جوارحه..؟!
ورغمًا عنها بدأت تتذكر ذلك اليوم الذي اطاعت فيه قرار والدها بدخول قصر الفرعون...

فلاش باك###
كانت امام القصر، ظلت تأخذ شهيق وزفير، تحاول تكميم قسمات وجهها النابضة بالقلق رغمًا عنها...!
توجهت نحو الحرس تهتف بصوت هادئ:
-عايزه اشوف الفرعون
اشار لها الحارس بيده بخشونة:
-عايزه تشوفيه لية؟
-مايخصكش، اديله خبر وبس
وبالفعل غادر الحارس للداخل بضع دقائق وعاد لها بملامح غامضة يخبرها:
-تعالي الفرعون مستنيكي جوه.

عضلة فكها اختلجت دون ارادة منها، تشعر أن كلما اقتربت من رؤيته يهاجمها دوار سريع مخيف في ضربات قلبها...
وبالفعل دلفت معه ولكن بمجرد أن دلفت وجدت الحرس يسحبونها نحو ذلك السجن...
فبدأت تصرخ بزمجرة شرسة:
-انتوا واخديني على فين سيبوني
ولكنهم بالطبع كانوا صم بكم عمي، أذانهم لا تصغي سوى لصوت واحد، صوت ذاك الفرعون!
وبعدها لم تدرك شيء، ظلت في ذلك السجن حبيسة شريدة، سجينة تنتظر على ورقيات من الجمر عقابها!..

تيقنت أن الفرعون قد علم انها جاءت تنوي ادعاء انها تريد العمل عنده ثم تغويه ثم تبدأ رحلة بحثها عن الورق الذي يخص ابيها، ولكن لم يراها يومًا بحياته، فكيف علم بمخططها هي وابيها، لا تعلم ولن تعلم...!
باك###.

قطع شرودها الباب الذي فُتح ببطء وذلك الحارس يقترب منها ليفك قيدها ويسحبها معه بعنف دون أي كلمة...
حاولت التملص من بين قبضتاه وهي تصيح:
-أنت واخدني على فين اوعى كده يا متخلف
ولكنه كان تقريبًا مجرد جماد لا يعي ولا يستوعب أي شيء سوى الامر الذي تلقاه...!
وصل بها لمكان واسع يشبه التراس وبه بعض الاشياء كالأسلحة والاجساد الصناعية، وبعض الاشياء الخاصة بالملاكمة وما شابه ذلك...!

كانت عيناها تتفحص ذلك المكان بصمت تام إلى أن وجدت يزيد امامها، يضم يداه لصدره ويقف بكل برود، يرتدي بنطال أسود وتيشرت نصف كم ضيق يبرز عضلات صدره وذراعه، لا تنكر أن مظهره الرجولي أثار انتباه تلك الأنثى الملكومة، المستكينة داخلها بقانون حياتها الذي وافقت على صكه عندما عاشت كالرجال تحت طوع والدها...!

انتبهت له عندما اقترب منها دون أن تشعر حتى أصبح امامها تمامًا، فاقترب بوجهه منها يغمزها بطرف عيناه بمكر مرددًا:
-مساء الجبنه الكيري ياللي شاغل تفكيري!
كتمت تلك الابتسامة التلقائية التي كادت تشق عبوسها، لتردف بحنق دون أن تعي ما تقوله:
-مساء الهباب على عيونك العِناب!
ضحك يزيد ملأ شدقيه لتلحظ دنيا جمال ضحكته الرجولية، اقترب منها يزيد اكثر يهمس بخبث:.

-يعني طلعت عيوني عِناب؟! طب والله كويس في تقدم غيرتي الشتيمه اهو واحترمتي نفسك!
كزت دنيا على أسنانها بغيظ، تشعر بدخان يكاد يتصاعد من اذنيها وهي تحدق به متمتمة بعدم تصديق:
-قال فرعون قال! ده أنت قنبلة تفاهه
سألها يزيد بحذر:
-بتبرطمي تقولي إيه؟
رسمت ابتسامة سمجة على شفتاها المكتنزة وهي تتابع عاقدة ذراعيها:
-مابتنيلش، خلصني وقول اللي عايز تقوله عشان ورايا سجن عايزه أروحله.

حينها عادت ملامح يزيد تتجهم شيء فشيء وهو يعود لصلابته الحادة، تلك الصلابة التي تتصل إتصالاً لا اراديًا بباطن القلق داخل أي شخص يقابله...!
تقدم قبلها يسير نحو الأسلحة والاجساد الاصطناعية آمرًا:
-ورايا
سارت خلفه مجبرة ولكنها لم تكن تنظر لما ينظر له بل كانت عيناها تتفحص ذلك المكان، لينطفيء ذلك الأمل الذي أنار غابات عيناها الذابلة عندما وجدته محاطًا بالحراس المسلحين من كل الجوانب...

وقف فوقفت هي الاخرى تنظر للأسلحة بتفحص قبل أن تلوي شفتاها مستطردة بسخرية:
-إيه؟ هنعيد امجاد حرب أكتوبر ولا إيه؟!
هز رأسه نافيًا بحدة، فأمسك يداها يضغط عليها بعنف وهو مطبق على أسنانه بصمت، فصاحت هي فيه متأوهه من الألم:
-إيدي يابني ادم سيبني.

لم ينظر ليداها حتى وهو يضغط عليها اكثر بينما عيناه الخاوية مُسلطة كإشعاع حاد يحارب تلك الغابات المرتكزة بعيناها، قبل أن يقول بصوت أجش قاسي وكأنه لم يكن يمزح منذ ثوانٍ:
-لما تكلميني تعرفي إنتِ بتكلمي مين، الظاهر إني اتهاونت معاكي كتير لكن هاربيكي من اول وجديد عشان واضح إنك ماشوفتيش تربية!

استشعرت مرارة اليتم بحلقها وهي تردد ساخرة ولكن تلك السخرية مختلفة عن سابقتها، تلك السخرية مطعونة بأشواك الحرمان، الفقد، والشوق!
معلش أصل أمي ماتت قبل ما تربيني، وأبويا زي ما أنت شايف مش فاضي يحك راسه
تلك الرنة بالألم صدمت أذن يزيد بعنف وهو يحدق بها بصمت، ولكنه لم يعلق وهو يلتقط سلاح بهدوء يضع به رصاص وهو يسألها دون أن ينظر لها:
-بتعرفي تعملي إيه؟
ردت دون تفكير:
-بعرف أمسك السلاح وأضرب نار.

توقعت الدهشة منه ولكنه لم يفعل بل اكمل مستنكرًا:
-بتعرفي تضربي نار بس؟! وبتعرفي تصيبي بقا ولا بتضربي بعشوائية كمان؟
زفرت أنفاسها بضيق حقيقي ثم اجابت بعد ثوانٍ من الصمت الثقيل على كلاهما:
-ايوه بضرب بعشوائية، أصلي مادخلتش كلية الشرطة عشان أتعلم اصيب
لم تلحظ تلك الابتسامة الماكرة التي أظهرها للحظة ثم إختفت وقال:.

-تمام، يلا أنا هاعلمك كل حاجة، ازاي تنشلي وايه الاماكن اللي من رصاصة واحدة تموتي بيها اللي قدامك، ازاي تدافعي عن نفسك بدون سلاح، هاعلمك الملاكمة وركوب الخيل والسباحة كمان لو مابتعرفيش، هاتتعلمي ازاي تفلتي من بين ضرب نار او حريقه حتى!
كانت تحدق به بعدم فهم، لم تعد تستوعب أي شيء، لأول مرة تشعر أنها بداخل لعبة كبيرة، لعبة هي كالعروس الماريونت فيها!
فسألته تلقائيًا وهي ترمي له نظرة شاردة:.

-أنت ناوي على إيه وبتعمل كده ليه؟!
لم يجيبها وإنما جذبها من يداها بهدوء لتصبح امامه ووجها لتلك الاجسام، وضع السلاح بين يداها واقترب اكثر منها حتى أصبح ملتصق بظهرها، يداه على يداها يثبت السلاح في يدها بالطريقة الصحيحة، ابتلعت هي ريقها بتوتر رهيب وهي تستشعر سخونة انفاسه عند رقبتها، فخرج صوتها متحشجرًا وهي تهمس له:
-يزيييد، إبعد كده مش هاعرف اركز!

طارت سحابة خبيثة تحلق بين ثنايا عيناه قبل أن يتابع وعيناه مسلطة على السلاح بيداها:
-اما يكون السلاح في ايدك لازم تتعودي إنك تركزي معاه هو بس، حتى لو في مليون حاجة بتشتت تفكيرك
ابتلعت ريقها بتوتر وبالفعل حاولت الامتثال لأوامره، بينما هو كان يتنهد بعمق تنهيدة حملت في طياتها الكثير، رائحتها الناعمة تدغدغ شيء داخله مجهول، ولكنه كالنيران التي اضرمت مشاعره...!

وبحركة تلقائية كانت تدفع يزيد بعنف بعيدًا عنها وتصوب ذلك السلاح تجاه صدره، بلحظة رُفعت كل الأسلحة تجاهها من الحراس ولكن يزيد أشار لهم بيداه وهو يصيح:
-محدش يتدخل
كان ينظر لها بثبات، الغبية لا تعلم، تتصرف بتلقائية وكأنها تتعامل مع صبي أبله وليس فرعون ترتجف له الأبدان؟!
ظهرت ابتسامة ساخرة على ثغره وهو يومئ لها مرددًا:
-مستنيه إيه؟ يلا اضربي؟ شكلك أول مرة تقتلي حد! يلا اضربي ومحدش هيقربلك فيهم.

رغمًا عنها كانت يداها ترتجف، صحيح أنها كاذبة، مخادعة، سارت وسط الألاعيب والممنوعات كشعرة رفيعة تسير ببطء على طرف حبل لم يعد يسعها...!
ولكنها ابدًا لم تكن قاتلة!..
الكلمة وحدها كانت ثقيلة على روحها فازدادت رجفة يداها وهي تصرخ فيه:
-خليهم يسيبوني امشي من هنا
-ده عشم إبليس في الجنة.

كان رده تلقائي، حازم، وجامد في نفس الوقت، وبعد دقيقة واحدة كان السلاح يسقط من يدها ارضًا وهي تنهار، ولكن دون بكاء، بكاءها شيء كالألماس لا يمسه ولا يراه أيًا كان...!
اقترب هو بهدوء منها، ليمسك بالسلاح قائلاً بصوت هادئ تمامًا:
-الرصاص صناعي مش حقيقي، انا مش عيل صغير عشان اديكي فرصة تقتليني!
رفعت عيناها الحمراء له وهي تزمجر فيه بجنون:
-امال عملت كده لية؟! عايز مني إيه.

أشار لأحد رجاله بإصبعه فاقترب منهم احدهم وهو ممسك بهاتف ما، امسكه يزيد ثم فتح تسجيل صوتي لحديث والدها و ياسر عندما أمر والدها بقتلها!
ثم استدار ليغادر هو وذلك الرجل بكل برود وهدوء تاركًا اياها تتلقي صفعة جديدة من حظ لم يرأف بحالها ولو لحظة...!

ثلاثون دقيقة كاملة ودنيا تجلس في تلك الحديقة بصمت تام تحت أشعة الشمس الحارقة، ولكن ذلك الحريق لم يكن من الشمس ابدًا، بل كان من منابع روحها، كان من أفكار عصفت بها ذكريات قاسية فجعلت أفكارها تزداد لهبًا لتصبح كالحمم التي تصاعدت لتوها من بركانها الخامد...!

نهضت اخيرًا وهي تسير بآلية نحو الداخل لترى يزيد، لن تبقى على عهدها، لن تحميه لطالما أمر بقتلها، لن تخشى عليه وهو لا يهمه امرها ولو بنسبة واحد بالمائة...!
توقعت أنها أغلى وأعلى من ذلك بنظره، ولكن ذلك التسجيل أسقطها لسابع أرض...

نظرت ليزيد الذي كان يجلس ببرود فخرج صوتها مبحوح رغم ثباته وهي تقول:
-أنا موافقة إني أخلف لك الطفل وتسبني بعدها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة