قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

كان يقف شاردا، متطلعا من نافذة مكتبه، عاقدا حاجبيه وهو غارق بأفكاره، لقد تحسنت أعماله
كثيرا، في زمن قياسى، هو نفسه، لم يكن يتوقعه
، لكنه يعلم، بحس فطرى، ان هذا التحسن المطرد
ما هو الا دلالة ربانية، لتعديل مسار حياته للأفضل
كانت مقابلته لها، هي ذاك المفتاح السحرى، الذي فتح ببركته، كل الأبواب المغلقة، والتى ظن يوما ما
انها لن تُفتح، ولو بعد حين، جاءته طائعة..

مفتوحة على مصرعيها، داعية إياه، ليخطو لعالم
اكثر روحانية وقداسة، عالم يغلّفه التفهم، وتكسوه
المحبة، ويظلله الحنان، عالمها الشفاف..
كروحها المرهفة، وطلتها المحببة..
انه يشتاقها، لا يعلم..
متى وأين، وكيف حدث ذلك..!؟
كل ما يدركه الان، هو انه حدث..
مرت عدة أيام، ظل غارقاً في عمله، وفيها..
فكره دوماً ما يحمله، ليغرق في تذكر كل تفصيلة
مهما كانت صغيرة، للحظاته بقربها..
انه يتورط بكل رضا، وقبول، ورغبة، ولهفة..

، وما أروعه من تورط!.
دقات على باب مكتبه، أخرجته عنوة من شروده..
ليلتفت في هدوء، لنسرين، التي دلفت للداخل، وأغلقت الباب خلفها، وهو تقول في لهجة رسمية اعتادتها: - سيدى، الانسة سهى بالخارج، تطلب مقابلتك..
ما الذي أتى بها..!؟، تساءل هامساً في ضيق..
وهو يعلم سر مجيئها، فهو قد امتنع عن الرد
على مكالماتها، او رسائلها الملحة، التي تحاصره بها..
كاد ان يأمر نسرين بصرفها، لكنه فجأة، هتف في.

صرامة: - حسنا، أدخليها..
فتحت نسرين الباب، وتنحت جانباً، لتسمح بتلك الفاتنة بالمرور من الباب في غنج لتغلقه خلفها في هدوء، لتهتف سهى في شوق..
ما ان رأته، : - مازن، حمد لله انك بخير، قلقت عليك كثيرا، يا قلبى..
ابتسم ببرود وهو يبعد كفها التي حطت على كتفه، في دلال..
-مرحبا سهى، كيف حالك..!؟، سأل بآلية
-لو انك تسأل، او افتقدت سهى، ورفقتها، لكنت عرفت كيف هو حالى..!؟، أجابت معاتبة بلهجة تقطر دلالاً...

-لقد انشغلت كثيرا الفترة الماضية، و..
قاطعته مسترسلة في غنجها: - منذ متى يشغلك العمل
عنى، وعن صحبتى، او حتى الرد على رسائلى ومكالماتى..!؟.
نفذ صبره، وشعر بضيق عجيب، يكتنف نفسه..
ويغمره وهو بقربها. ، بشكل لا أرادى، اكتشف انه
يقارن بينها، وبين رحاب..
لا يعلم ما الذي دفعه لعقد تلك المقارنة، لكنه، بلا وعى، وجدها وقد قفزت الى ذهنه..
-حسنا، سهى، سأكون صريحاً معك لأبعد الحدود..

انا لا أنكر اننا أمضينا وقتا رائعا معا، لكن..
-لا تكمل، هتفت تقاطعه في غضب صارخة، من هي!؟، أخبرنى، من هي..!؟.
-من تقصدين، .!، ، تعجب لسؤالها..
-تلك التي استبدلتنى بها، صرخت من جديد..
-ليس هناك من أخرى، كل ما هناك، أننى تغيرت
و...
-تغيرت من أجلها، أليس كذلك..!، سألت تقاطعه صارخة من جديد، وهي تؤكد، على وجود أخرى في حياته..

كيف يقنعها، انه حقا تغير، ولم تعد تستهويه حياة اللهو، التي كان يعيشها لنفسه، بكل انانية، وشهوة في المزيد، من تلك المتع التي كان لا يكتفى منها، الان، كل هذا، اصبح بلا قيمة تذكر، تتضاءل كل تلك المتع الزائلة، امام متعة واحدة..
هي، شعوره بالقرب من الله، عندما يكون بالقرب منها، هي وأطفالها، داخل تلك الدار الباردة الجدران، الدافئة المشاعر، وَيَا لها من متعة..!؟

-حسنا مازن، همست في نبرة تحمل الكثير من مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام، أهنأ بها..
لكن أنا، لن أترك حقى، وسترى..
واندفعت كعاصفة، تصفق خلفها الأبواب، في ثورة
، وعلى العكس منه تماما، فقد كان هادئ الملامح، هانئ السريرة، مرتاح البال، وكأنه اسقط عن كاهله..
ما كان يثقله، منذ زمن بعيد..
والآن، هو بحاجة لبعض من الدفء، بعض من
ال، رحاب..

انتفضت عندما فُتح الباب، وحاولت الا توجه أنظارها
، تجاهه، ولكن، هل كانت بحاجة لذلك لتعرف انه هو..!؟
فوجيب قلبها الذي يتضاعف عند وجوده، انبأها بانه
هو، وقد صدق حدسها، عندما هتف في مرح، : - مرحبا
يا أطفال، حان وقت الحكايات..
قفز الاطفال المكفوفين في اماكنهم، بفرحة غامرة
عندما سمعوا صوته..
نظر اليها، هي تعرف، من انتفاضة جسدها الان، والتى تخبرها. ، ان نظراته مسلطة عليها، تنتظر ان تنتبه.

لوجوده، لكنها ارادت تجاهله، لكن كيف لها ذلك..!؟، ولو تجاهلته، هل سيتجاهلها بدوره!؟.
وهل هي، ستكون قادرة على تجاهل ذاك الهاتف الذي يدفعها دفعا، لترفع رأسها، لتقابل نظراته..
جاءتها اجابة أسئلتها كلها، دفعة واحدة..
عندما هتف في مرح: - مرحبا، أنسة رحاب..
اشارت برأسها، وهي تهتف: - مرحبا، ولم تستطع الا ان تواجه نظراته، التي كانت تمطرها بالكثير من المودة، الممتزجة بمرح، وفرحة..

اذن، فهو لن يتركها لحالها، ولن يرد تجاهلها..
بتجاهل، فلتمر الساعات القادمة على خير، هتفت بداخلها في تمنى..
جلس بنفس الاريحية التي اعتادها، ملقياً سترته ورباط عنقه، بالقرب منها، لدرجة ان رائحة عطره المنبعثة من السترة، وصلت لأنفها، مصيبة إياها
بالدوار، والخدر اللذيذ..
وتمدد، مشاكسا الاولاد، واخيرا، بدأ في سرد حكاياته، التي لها تأثير السحر على الأسماع..

كانت مشدوهة، وهو يصف تلك الأميرة، بطلت حكايته، وملامحها، و..
، لحظة واحدة، هل يصفنى.!؟
سألت نفسها، لتكون الإجابة بذهول، نعم..
انه يفعل..
-أما شعرتلك الأميرة، فللأسف لا أعرف لونه للأن
قال ذلك، وهو يلقى الي حجابها بنظرة ذات مغزى، حاولت الا تعيرها اهتماما، مدعية انها لا تسترق السمع للقصة، كما حدث في المرة السابقة..

- على ايه حال، يمكنك تجاهل ذكر الألوان، فلا فارق بينها، بالنسبة إلينا، قالها طفل ضرير في حسرة، تلك الملاحظة جعلته يجفل، ولا يعرف كيفية الرد، الى ان اخرجه طفل اخر من صمته، وهو يسأل في براءة: - كيف هي الألوان
، سيد مازن..!؟، هلا وصفتها، ربما، يمكننا الإحساس بها، عند ذكرها..
-الألوان، انها، حسنا، شعر بورطة كبيرة، نظر اليها، يستجدى العون، لكنها ظلت على تجاهلها..

تتصنع عدم معرفة ما يدور، في هذا الجانب من القاعة، على الرغم من انها، تسمع كل حرف يدور هناك، فلتخرج من هذه الورطة بنفسك، أيها المتحذلق..
-حسنا، فلنبدأ بالأبيض، انه المعاكس تماما، لما ترونه من لون اسود، انه لون النقاء، والطيبة..
اتدرون..!؟، ، همهم جميعهم، كيف تعاملكم الانسة رحاب..!؟، ونظر اليها الان، وقد نجح في لفت انتباهها، كليا، الي ركنه الحماسى..

هتف الاطفال، : - تعاملنا بطيبة، هتف احدهم، بحنان، ، هنا هتف مازن: - انا احسدكم...
حقا، فانفجر الاطفال ضاحكين، وتورد وجهها خجلا، فهتف هو مجددا، هذا هو اللون الأبيض، لون الطيبة والحنان..
-والأحمر..!؟، هتف احد الاطفال..
-انه لون الدم، لون الغضب والعنف، عندما تستمعون لشجار ما عنيف، فيه الكثير من الغضب
فذاك هو اللون الاحمر..

لكننى احبه على ايه حال، همس في نفسه وهو يتطلع اليها، فهو لون تلك الشفاه الجورية، والتى توقد النار بمداخل شرايينى..
-والبرتقالى..!؟، هتف طفل اخر، أخرجه من شروده
-انه لون الدفء، لون النار، والشمس، ضع يدك تحت إشاعة الشمس، ذاك الدفء الواصل إليك، هو لونها البرتقالي..
نعم، انه لون الدفء، والحرارة، في نظراتها التي
اول ما سقطت على جدران قلبى، أذابت ما خلفته
شهواتى، من ذنوب، لتعيده طاهراً، نقياً، كيوم خُلق..

-واللون الأخضر..!؟، وذاك هتاف اخر، يجذبه بقوة من خواطره المنصبة على تلك الرائعة هناك..
-انه لون الخير، لون الأشجار، والأعشاب، انه لون الأحضان، انتفضت هي، ماذا يقول ذلك المعتوه..!؟، هل فقد عقله..
فاستطرد في جذل، وهو يلقى عليها بوابل من نظراته المدمرة، هل احتضنتكم الانسة رحاب من قبل.!؟، هتف الاطفال، أجل، اجل
فقال منتشيا، اللون الأخضر، هو الحنان في احضان الانسة رحاب..

هم بان يحسدهم على هذه النعمة، لكنه شعر ان فعل
فسيطرد شر طردة من هذه القاعة، فآثر الصمت..
وخاصة، عندما شعر بتململها في مجلسها، ونظرات الغضب التي تقذفه بها، كحمم بركان ثائر.
-واللون الوردي،!؟، ماذا عن الوردي..!؟ سأل احد الاطفال..
-اللون الوردي، هو لون الحب، كيف تحدثكم الانسة رحاب..!؟، بحب، بمودة، باهتمام، أليس كذلك!؟، هتف الاطفال، أكيد، نعم..
-هذا هو اللون الوردي..
، انه صوت الانسة رحاب..

تبا له، هذا يكفى، الا يجد مثالا غيرى، يطلق عليه
ترهاته، ويكون هدفاً، لسخريته، التي أتلفت اعصابى، لقد اصبحت بالالوان، صرخت داخلها ساخرة..
، قلب ابيض، وإحضان خضراء، وصوت وردى
ما هذا العبث..!؟.
لكنه عبث جميل، أليس كذلك،!؟، هاتف ما، اعترف بذلك داخلها، جعلها تبتسم في بلاهة، بعد ان كانت في قمة الغضب..
هذا الرجل، سيقودنى حتما للجنون..
بلهاااء، انتفضت من جديد، وهي تعى تماما، ان هذا زئير عقلها، مؤنبا...

، عبثت، حتى تسترضيه...
، وحاولت التركيز مع اطفالها، وفشلت في وجوده كالعادة..
وقد جذبتها، حكاياته عن الجنيات، وأميرات الأساطير، له اُسلوب بارع في جذب الأنظار والآذان
معا، لمتابعته، اُسلوب مخادع، بااارع...
وها قد انتهت القصة، وحان دورها هي..
ذاك الدرس المذعوم، المُهلك للأعصاب..
جلس قبالتها كعادته، وقال بلهجته المرحة التي لا تفارقه، : - سأراجع ما درسناه سابقا، عن المشاعر.

وبدأ في تحريك كفيه وأصابعه، وقد اجادهم حقا..
واخيرا، رفع كفه، ضاما بنصره ووسطاه، لباطن كفه، وهو يقول: -واخيرا، أحبك..
أين ذهب ثباتها، ورباطة جأشها..!؟.
انها مجرد إشارة، مجرد إشارة، أكدت لنفسها، لا تعنى اكثر من كونها كذلك، لما كل هذه الحساسية حولها، فلتستعيدى ثباتك، ولا تدعيه، يفقدك تركيزك، وقدرتك، في التعامل مع كافة المواقف..
حتى ولو كانت مع مخادع، مثله..
استرجعت بالفعل، ثباتها وهي تهتف متجاهلة إشارة.

يده التي كانت، ماتزل مرفوعة، بابتسامة تطل من عينيه، قبل ان ترتسم على تلك الشفاه الوقحة..
لكنها احتاجت، لجهد جبار، حتى تستطيع تجاهل
مهرجان السعادة، المطل من تلك العينين، ولا تشارك فيه، ولا حتى بابتسامة شاحبة..
-حسنا، أجدت، اليوم، يمكن ان اعطيك إشارات
لبعض الحروف الأبجدية..
أومأ بالإيجاب، ولم ينطق بكلمة، فبدأت بتحريك أصابعها، بالحروف الأبجدية، بالترتيب..

وهو يقلدها، حتى انتهوا اخيرا، وبعد جهد جهيد، أفقدها ما تبقى من راحة بالها..
، سأل فجأة، وهو ينهض متوجها لسترته يرتديها: -كيف هو حرف الراء..!؟.
، صمتت قليلا، تتساءل، ما هو الشرك، الذي ينصبه هذه المرة..!؟، لن تقع به في سهولة، فتجاهلت سؤاله...
لكنه نظر، مكررا سؤاله، من جديد متجاهلا عدم ردها، : - كيف هو حرف الراء بلغة الإشارة،!؟.
فصنعته بكفها، فابتسم في سعادة، ورحل في هدوء.

فتنفست الصعداء، فها قد رحل، دون خداع، كالمعتاد، مخلفا وراءه، ابتسامة مضيئة، وعطر أخاذ، ينتشر في كل ما حولها، يذكرها بانه كان هنا
، وكأنه يأبى المغادرة، فترك، مندوب عنه..
تضج بوجوده، وترغب في رحيله، مع صاحبه
غير مأسوف عليه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة