قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

فُتح باب القاعة، فأنتفضت في ارتباك، كانت تظنه هو، مرت ثلاثة ايام، لم يطل فيها، لم يفتح باب القاعة مهللا كعادته، لم تستمع لحكاياته الآسرة..
لم يرسل لها نظراته المهلكة، لم يثير حنقها بتلميحاته الجريئة، لم..
هتفت السيدة رحمة، مخرجة إياها من شرودها المعتاد منذ اختفى: - مرحبا رحاب، كيف الحال!
، لليوم الرابع على التوالى، لن يحضر السيد مازن
همهم الاطفال، بإحباط..

لقد اتصل، يخبرنى، بانه مشغول جدا، وفي سبيله للسفر، لعقد احدى صفقاته، كان هذا من يومين تقريبا، لكنى نسيت اخباركِ، اعذرينى..
شردت من جديد، يومان..!، يومان مرا، تتقلب على جمر القلق والتوتر، رهبة مما يعتريها، لمرآه فجأة، كما اعتاد الظهور، يومان، كانت تقضى كل ساعة فيهما..
تنتظر ظهوره على باب قاعتها في اى لحظة، ،.

يومان، وهي تدعم ثباتها، وتشيد ثقة، كانت تعلم، تمام العلم انها ستنهار منذ لحظة لقاءها بعينيه، يومان، ولا تعرف ماذا دهاها، انهما مجرد يومان،!؟.
خرجت من شرودها عنوة، وهي ترد على السيدة
رحمة: - لا بأس، فعمله له الاولوية الاولى..
-نعم، انتِ على حق، وفقه الله، ان احتجت لمساعدة، مع الاولاد، انا يمكننى مد يد العون..
-أشكرك، يمكننى تدبر امرى، ولو احتجت مساعدة، فأكيد، سأطلبها...

ابتسمت السيدة رحمة، ابتسامتها الطيبة المعتادة
وخرجت، تاركة رحاب، فريسة لمزيد من الخواطر والأفكار التي لا تدور، الا حول شخص واحد فقط، مازن مختار..
وما هي الا دقائق، حتى عادت السيدة رحمة من جديد، تقهقه وهي تدخل القاعة منادية رحاب: -
لابد وان خلل ما قد أصاب عقلى، انا في الاساس قدمت إليكِ، لتساعدينى، ونسيت اخبارك بذلك..
ابتسمت رحاب: - لا عليكِ، فيما يمكن ان اساعد.!

-حارس البوابة غير متواجد، أرسلت به لقضاء بعض شؤون الدار، والآن انا بحاجة لمن يتناول
بعض الدفاتر اللازمة، من حجرة المخزن، فهل بإمكانك مساعدتى..!؟.
أومأت رحاب في ثقة: - بكل تأكيد..
توجها معا، لتلك الغرفة، القابعة قبل مكتب السيدة رحمة، والمغلقة دوما، لا يدخلها احدهم..

ولا يملك احد مفتاح لها بخلاف رئيسة الدار بالطبع كانت غرفة صغيرة مظلمة، الا من شعاع ضوء يتسلل من نافذة زجاجية مغلقة. ، فتحت رحمة، القفل على الباب، ودخلت في بطء، تتبعها رحاب..
سحبت رحمة السلم الخشبي من على احد الجدران لتوجهه باتجاه تلك الخزينة الخشبية المرتفعة، القابع فوقها العديد من الصناديق المغلقة، ثم اشارت: - انه ذلك الصندوق، هناك، يا رحاب، هل بإمكانك إحضاره،!؟.

-اه، بالتأكيد، صعدت رحاب السلم ببطء، حتى وصلت اخيرا، لمستوى يؤهلها من الوصول للصندوق المطلوب بسهولة، وهنا..
هتفت رحمة: - هاتفى يرن بإصرار اسمعه بوضوح
من هنا، فلقد تركته بالمكتب، قد يكون حارس البوابة، لابد من انه امر طارئ، سأذهب للرد
واعود سريعا رحاب، لحظات من فضلكِ..
خرجت رحمة مسرعة، ورحاب على حالها معلقة بالأعلى، حاولت سحب الصندوق المطلوب، لكن لابد انه عالق بشئ ما، جذبته بشكل اكثر قوة..

حتى تستطيع تخليصه ريثما تعود السيدة رحمة..
لكن لا فائدة، تنفست بعمق، لتجذبه الان باكبر قوة تملكها، لكن الصندوق للاسف لم يتحرك، بل هي من تحركت، لا، ليست هي، بل، انه السلم الخشبي، التي تحرك جيئة وذهاباً، ليتأرجح بها، مائلا بها باتجاه الحائط المقابل، فصرخت
في رعب، وفجأة، تأتى النجدة..
لتجد نفسها والسلم في حالة ثبات عجيبة، وهي لاتزل في منتصف الغرفة، يقف السلم في الهواء.

غير مدعم، بأى حائط، ما الذي يحدث...!؟
تساءلت وهي تلتقط انفاسها، وبكل بطء، تلقى بنظراتها للأسفل، لتواجه عيون، حرمتها من طلتها لأربعة ايام كاملة..
فتلك النجدة، لم تكن الا مازن مختار..
انه هو، هنا بشحمه ولحمه وعيونه، وعطره
يسند السلم الخشبي، بصلابة، وهي قابعة بأعلاه
كفأرة صغيرة، مذعورة، متشبثة بأطرافه، في
تشنج..
-تمسكى جيدا، حتى أعيد السلم ليستند على الحائط.

امرها، بثقة، وأطاعت هي بلا تردد، حتى ارتاحت أطراف السلم على الحائط، وتأكد من أمانها
-يمكنكِ النزول الان..!؟، هتف بنبرة عابثة..
-حسنا، سأفعل عندما تبتعد، هتفت من اعلى بحنق..
-اذا كنت متأكدة من ثبات السلم، حسنا، لكِ ذلك، قالها بلهجة ماكرة، يثير الرعب في نفسها من جديد، فقد يعاود السلم، تأرجحه مرة أخرى..
-حسنا، أنا، أنا، همست مترددة، أنا سأهبط..
وبدأت بالفعل بالنزول، بحرص على درجات السلم.

الخشبي، التي كانت تأن، فتثير في نفسها الرعب
من السقوط، و، لحظتها، لن يكون سقوطا عاديا، بل سقوط مدوى، بين احضان ذاك المتغطرس، الماكر..
لقد سمعت ذات مرة، مقولة تقول: من يخاف من العفريت، يظهر له..
الان، هي ترى تلك المقولة، تتحقق حرفيا، فما كانت تخشاه، قد تحقق بكل تفصيلة..
فقد خان الثبات أحدى قدميها، لتصرخ وهي تسقط، لتتلقفها أحضان، مازن مرحبة، ونظرات عينيه
تكسوها المشاكسة، ونبرات صوته المتحشرجة الان.

غريبة، لم تسمعها من قبل، تخالف نبرته المعتادة
التي يغلب عليها المرح، همس بالقرب من مسامعها، : -كم أعشق اللون الأخضر..!
-اللون الأخضر..!؟، همست ببلاهة وهي ترفع رأسها لعينيه متسائلة..
أومأ برأسه، وهمساته تزداد نبراتها عمقا: - نعم، لون الأحضان، وابتسم في خبث، احضان الانسة رحاب..

استفاقت تماما، كمن سكب على رأسها، دلولا من الماء المثلج، لتهتف في ثورة: - انزلنى أرجوك، حااالا، واشتعل الغضب بعينيها، فاستجاب هو
في بطء قاتل، جعل بركان الغضب ذاك، يبدأ في قذف حممه..
فابتعد في تثاقل، وهو يسلط نظراته على نظراتها النارية، قائلا بمرح عابث: - لا مزيد من النظرات القاتلة، رجاءً، فهل هكذا ترحبون بالغائب..!؟.
-مرحبا، سيد مازن، حمد لله على سلامتك، هتفت السيدة رحمة، وهي تدخل لغرفة المخزن..

وقد عبأت شرارات ما، جو الغرفة، وانتشرت بها
كألعاب نارية، ليلة عيد..
نظرت لهما باستفسار، فأنقذ مازن الموقف: - سلمك الله، سيدة رحمة هل من خدمة يمكننى تقديمها هنا..!؟.
-اه، رجاءً سيد مازن، اجلب ذاك الصندوق هناك، من أجلى..
-بالطبع، مد يده، وجذبه بقوة، وقد كان..
فانزله في هدوء على احد المقاعد، وهو ينفض يده من بعض الغبار العالق بها..

ويمد كفه، ليمسك بعبوة رقيقة، لم تنتبه لها رحاب في خضم الأحداث، ليقدمها في ادب للسيدة
رحمة قائلا: - هدية بسيطة، لأجلك، أرجو ان تنال إعجابك..
هتفت رحمة في سعادة: - لاجلى..!، بارك الله فيك
هذا ذوق بالغ منك، لكن، ما كان هناك من داعٍ، لتكلف نفسك..
- أرجو ان تنال إعجابك.، وابتسم في ود، عن اذنكما، الاولاد بانتظارى..

دخلت القاعة من بعده، لتجد الاطفال، في حالة انشداه تام، بحكاياته التي افتقدوها حقا، في الايام الماضية، فجلست في هدوء، تستمع في وجل..
للحكاية، ليس لها اى رغبة، في القيام باى عمل اخر، سوى الاستماع لصوته الذي افتقدته، بحق
، وتشرد قليلا، لتتذكر انها، منذ قليل، كانت بين ذراعيه، معلقة وخائفة، وتخشى ان يفلتها..

هناك، شعرت بتناقض غريب، ما بين الرغبة في التمسك به، والرغبة في الفرار منه، فاجأها كعادته، بالظهور، دون ان تأخذ الاستعداد الكامل
وتتسلح لظهوره، وما يخلفه من توابع، ان حضوره زلزال يهدد ثباتها واستقرار روحها، ويقتلع جذور الراحة
والسكينة من أعماقها، حضوره الطاغى، لا حل له الا الهرب، فهى لن تكون قادرة على البقاء معه
، من اجل درسه المعتاد، لا، ليس اليوم..
نهضت في سرعة، تتناول حقيبتها، ليسقط منها.

عبوة صغيرة، ملفوفة بشريط وردى جميل، لم تستطع مقاومة الفضول، في جذب الشريط وفتح العبوة، لتطالعها بجعة كرستالية جميلة، منقارها
باللون الوردي، وجناحيها خضراوان، كانت رائعة بحق، ظلت تحملق بها لثوان، ولم تكن تع
ان هناك زوج من العيون المستطلعة، تصب نظراتها عليها، باستمتاع..
لن يمكنها قبول اى هدايا منه، لا تريد ما يذكرها به، ابتسمت في سخرية، وكأنها تحتاج، لشئ ما.

يذكرها، فهو قابع في مخيلتها، بدوام كامل، اربع وعشرين ساعة في اليوم، لا يفارقها حتى بأحلامها، يا الله، انه يجتاحنى كالإعصار، ، يحتل نفسى، وَيَا له من احتلال، وما أروعه من احتلال، ، همست لنفسها
أما من سبيل للهرب،!؟، كان ذاك صوت عقلها
-أنسة رحاب، هل لى برجاء من فضلك..!؟
رفعت رأسها، وهي ماتزل ممسكة بالهدية، التي اغلقت غلافها، ووضعتها جانبا، وهي تستجمع هدوءها: - تفضل..

-هل لى بساعة من وقتك، أريد التحدث معكِ في أمر هام..!؟.
أزدرت ريقها: - للاسف، انا لدى موعد مع صديقاتى لا يمكن تأجيله، كما انى لا اقبل الخروج
معك لاى مكان، واعتقد أن هذا منطقى..
ثم تذكرت الهدية، فالتقطتها مستطردة، اه وبالمناسبة، انا ايضا لا اقبل الهدايا، من اى من كان، شكرًا، ووضعت العبوة على الطاولة المجاورة، كان يقف مشدوهاً، وهو يراها تخرج من القاعة، تاركة إياه، وقد انقلبت نظرات عينيه.

لنظرات متحدية، تمور بالشغف..
وزوج أخر من العيون، كانت تتابعها، بمزيد من
الحقد والرغبة الدفينة في الانتقام.
رغبة يمكنها ان تشعل النيران في الأخضر واليابس
وتطيح بالتعقل، بلا رجعة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة