قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

مر يومان، لم تطأ قدمه أرض الدار، ولم يرها منذ
أن أعلن عن رغبته في التطوع، بجانب حصوله على تلك الدروس، في لغة الإشارة، منها بالطبع..
اليوم أبرم الاتفاقية المبدأية لصفقة جديدة، فقرر ان يحتفل، ومن هناك أفضل من هؤلاء الملائكة، حتى يحتفل معهم، فمنذ لامست خطواته، أعتاب ذاك الدار، والخير يُصب عليه صبا، وما ان ينوى على تقديم المساعدة لهؤلاء الاطفال، والدار التي تؤويهم.

حتى يفاجأ بسيل من المنح الربانية، جعلته يتمسك
بمساعدتهم والتواجد بينهم، أكثر، فأكثر..
هو لا ينكر ان وجودها كان الشرارة الاولى، التي أشعلت أهتمامه بالدار وأهلها، الا ان شئ ما، يخصه هو، يكمن بأعماقه، ينيرها فرحة وحبوراً..
وهو بين هؤلاء الاطفال، يتلمس رضاهم وضحكاتهم
، وصل أخيراً..

فأندفع بحماس خارج سيارته، باتجاه الدار وهو يحمل الكثير من علب كرتونية، يفوح منها رائحة شهية يسيل له اللعاب، وهتف في حارس البوابة، وهو يعطيه مفتاح السيارة، ليحضر باقى العلب، خلفه..
سار حتى وصل لقاعة الدرس، التي تشغلها رحاب دوما، ودق الباب، بمقدمة حذاءه، لتفتح هي..

فيطالعها عمود من العلب الكرتونية، يخفى حامله تماما، لكن، لم يكن استنتاجا صعبا، لتعرف انه هو، فتى التوصيل، الذي يقف حاملا تلك العلب، من وجيب قلبها المتضاعف، ورغبتها في الهرب فورا، الى ابعد مكان، عن تواجده..

استفاقت من شرودها وهو يهتف في مرح، البيتزا الساخنة، حضرت، دخل القاعة، ينزل العلب في حرص، على أحدى الطاولات، وقد ظهر خلفه حارس البوابة، بالمزيد من العلب، اندفع الاطفال، عند رؤيته، وخاصة عمر الذي تعلق ببنطاله، يجذبه في مودة، كأنما يذكره بوجوده، ليرفعه في محبة، لأحضانه، ويبدأ في توزيع البيتزا على الاطفال، وجلس يأكل بينهم في شهية، وهي لازالت مأخوذة بأفعاله، تقف على الباب، لا تحرك ساكنا، فانتبه لها، متعجبا، : - ألن تتناولى طَعَامِك..!؟، انها رااائعة، دافئة، وشهية، قالها بابتسامة قاتلة، وخاصة مع كلماته الاخيرة، والتى شعرت بشكل غريزى، انه لا يقصد بها البيتزا إطلاقا...

لم ترد بحرف واحد، وإنما جلست في هدوء، في احد المقاعد الفارغة، والتى لسوء حظها، كانت في الجهة المقابلة له تماما..
رائحة البيتزا شهية، لا شك في ذلك، لكن لما اكتشفت فجأة، انها لا تشتهيها، وخاصة، وان كل قضمة تستقر في منتصف حلقها، تأبى ان تُبتلع، لا لسبب سوى، تفرسه فيها، والذى يغلق عندها منافذ الهواء، ويجعلها، لا تستطيع حتى ألتقاط انفاسها..

كان الطعام، معركة في حد ذاتها، عندما بدأ الاطفال، يتضاحكون على بعضهم من بعض، لعبثهم بمسحوق الطماطم، جلب المزيد من المرح، جعله يضحك ملء فيه، ضحكاته الرجولية الخشنة، وقهقهاته الصاخبة، كانت تفعل بها، ما لم تستشعره يوما، قلبها كان يقفز فرحا، كطفل عابث، مع كل ضحكة، ونبضاته تضرب صدرها، كالرعد العاصف، كلما انفجرت احدى تلك القهقهات المهلكة، ماذا دهاها،!؟، لقد اصابها الخبل، كيف يؤثر عليها، بهذا الشكل المخالف لطبيعتها المتزنة..!؟، هي لا تعلم، ولا تعرف..

كيف، يحدث ذلك،!؟، لو تعرف، فقط تعرف..
لاستطاعت منعه، او الحد منه، لكنه، حدثا استثنائياً في حياتها، لم تتعرض له سابقا، يحدث لا أراديا، دون اى سيطرة تذكر منها...
نهض فجأة، ليهتف في الاطفال المكفوفين. : - من يريد سماع أحدى قصصى الرائعة..!؟.
ليهتفوا في سعادة، : - نعم، أجل..

جمعهم في احد الأركان، وجلست هي بأطفالها، في الركن المجاور، وجفلت، عندما رأته يخلع عنه سترته، ورباطة عنقه، ويقذف بهما على احد المقاعد، كانت المرة الاولى، التي تراه فيها، بلا بدلة كاملة، اذا استثنت، تلك المرة، التي حدث فيها اصطدام المركز التجارى، وضع مقعدين من تلك المقاعد المخصصة للاطفال بشكل متلاصق..

تلك المقاعد لا تسبب لها مشكلة في الجلوس عليها، اما هو، فارتسمت ابتسامة على شفتيها رغما عنها، وهي تراه يجاهد، حتى يجلس براحة، على المقعدين المتلاصقين..
والادهى منذ ذلك، انه وضع مقعد ثالث، ليمدد قدمه عليه، وكأنه ببيته، يسترخى بعد وجبة دسمة..
شبك كفيه خلف رأسه، وبدأ في سرد أحداث حكايته، بعد ان تعرف على الاطفال، وأسماءهم..

، وبعد عدة دقائق، أكتشفت انها، تعطى إشارات خاطئة لأطفالها، فلقد أمسكت نفسها متلبسة، بمتابعة احداث تلك القصة الشيقة، التي يرويها..
ذاك المسترخى هناك، وكم جاهدت، لكتم قهقهاتها، وهي ترى تلك الانفعالات المرسومة على وجوه الاطفال، وهم يتابعون في استمتاع وترقب، سير الأحداث..
انه ماهر بحق، حتى ان عدد من اطفالها، ممن استخدموا السماعات الطبية حديثا، قد جذبهم سرده
الممتع، لينضموا اليه، واولهم بطبيعة الحال..

صديقه الصغير عمر، الذي باغته بقفزه على صدره
لينتفض مازن ضاحكا، ويظل محتفظا بعمر، في احضانه، متعلقا برقبته..
كانت تغوص اكثر وأكثر في خواطرها، حتى انها لم تدرك هذا الذي، جاء هامسا خلف اذنيها: - هل أعجبتك القصة،!؟.

-انها رائعة، أجابت ببلاهة وهي شاردة، وهي لا تدرك انها بهذا الاعتراف، أكدت انها كانت تعيره آذانها، بدل من العمل مع اطفالها، مما جعله يبتسم في سعادة مستطردا، وهل أعجبتك النهاية، ان يتزوج الامير بما اختارها قلبه، ويتحدى العالم لاجلها..

هل انتهت القصة!؟، سألت نفسها في ضيق، انها لم تدرك ذلك من فرط استرسالها في خواطرها، يا خسارة، هتفت لنفسها في حسرة، لكنها استطاعت استنتاج النهاية من كلماته، على أيه حال..
-هل حان وقت الدرس..!؟، سأل مازحا..
هنا فقط انتفضت، وقد استفاقت تماما، من شردوها، واحلام يقظتها البلهاء، لتقول في ثبات تحاول تصنعه، : - أجل، أجل، تفضل..

جلس قبالتها، يمد كفيه متشابكتين على الطاولة فيما بينهما، مقلدا إياها، فجمعت هي، كفيها المتشابكين، على قدميها، أسفل الطاولة
لتتنحنح في احراج، نظراتها تجول في الغرفة، وكأنها تراها للمرة الاولى، محاولة الا تستقر عليه
، رغبة في الهرب من نظراته..
-هيا، ألن نبدأ،!؟، سأل مشاكسا..

فأومأت ايجابا، وأخرجت كفيها، من تحت الطاولة، لترفعهم امام وجهها، وهي تحاول استجماع ثباتها، لتقول: - سأبدأ معك، بالإشارات الوصفية، التي تصف حالة الشخص، العطش والجوع، والفرحة، والحزن، فأرجو الانتباه، لحركات أصابعى، وكفىّ...

كانت تحاول التركيز على حركات كفها فقط دون ان تضطر لرفع نظراتها اليه، وكان هو في المقابل، يركز لثوان، ثم تحيد نظراته، كالمغناطيس لعينيها، التي كانت تتهرب من نظراته، كالمذعورة، فيبعد نظراته قصرا..

وجاء دوره، ليقلد تلك الحركات، فأجاد بعضها، وأخطأ في البعض الاخر، و تخابث، متصنعاً الخطأ في أداء بعض الحركات، لتمد كفيها، في تردد، تصحح من اوضاع أصابعه او اتجاهها، وهو مستمتع تكلل شفتيه ابتسامة شقية، وعيونه، تطل منهما..
كم لا يستهان به، من المشاكسة، والمكر..
أدركتهما هي على الفور، عندما تصادف ان اصطدمت عينيها، بنظراته..
فتوقفت فورا، لتعيد كفيها، تحت الطاولة..

ليهتف متصنعاً الاحباط: - هل انتهى الدرس..!؟.
-نعم، اجابت في اقتضاب، ونظراتها للأسفل..
-لكن، كيف اعبر عن الحب.!؟، انتفضت عندما سمعت كلماته، تصل اليها، لم تذكريه بالمناسبة، سأل متصنعاً البراءة، أليس من المشاعر التي يعبر عنها الشخص، كالحزن والفرح، سأل بلهجة عابثة، تحمل الكثير من المرح..

ذابت في خجلها، وهي ترفع كفها، بأصابع مفرودة، ، مع ضم البنصروالوسطى لباطن الكف، بأشارة الحب، صمت ولم يعقب، وطال صمته، فرفعت عينيها تستطلع ما يحدث..
لتجده، يتناول سترته ورباطة عنقه من مكانهما..
ويتجه لباب القاعة، خارجا..
بدأت في ألتقاط انفاسها..
ليتوقف لحظة، موليا وجهه اليها، فتعاود حبس انفاسها من جديد، وهو يقول في لهجة، عميقة جادة، لم تسمعها، من قبل: - سأعتبر هذا، أعتراف مؤقت...

وخرج، تاركا إياها، على ذهولها، مما قال..
فجلست في صدمة، ولم تنتبه، لكفها، الذي كان لايزل، يحمل اعتراف الحب المزعوم، لتنتفض
ضامة له، تتأكلها الحيرة، وتلعب برأسها آلاف الظنون، أما، قرع فؤادها
على باب صدرها، فكان قصة أخرى...

وصلت لمدخل الدار، وألقت التحية، على حارس الأمن الذي انتفض في احترام لتحيتها، كانت تهيئ عينيها لمطالعة ذاك البساط المهترئ الذي يكون اول ما يواجهها في مدخل الدار، لقد أطلقت عليه منذ حادثة سقوط مازن الوشيكة، والذى كان يشبه فيها
علاء الدين، وهي يترنح على بساطه السحرى، بالبساط الثأرى، أليس هو من ثأر لها، من مكر وخداع، مازن، وتماسكت حتى لا تطلق ضحكة عالية فيظنها الحارس، فقدت عقلها..

أليس هذا طبيعى، في وجود شخص كمازن مختار، في الجوار..!؟، تسألت في مرح..
وفجأة، طالعها على طول الردهة الباردة حتى مكتب السيدة رحمة، بساط طويل، من الصوف الاحمر القانى المطعم ببعض النقوش التي تزيده جمالاً..
اقتربت في تساؤل، هل هو من احضر هذا البساط..
وكانت الإجابة، اكيد، وهل يمكن لأحد غيره، القيام بذلك، فميزانية الدار لا تسمح بهذه الرفاهية..
عادت خطوات للخلف، لترجع لحارس البوابة..

تسأله في فضول: - من أحضر هذا البساط..!؟.
-انه السيد مازن، اجاب في آلية..
-هل كان هنا،!؟، سألت بتعجب..
-لا، هو ارسله، لكنه لم يأتى للدار اليوم، رد الحارس، وعلامات الاستفهام بادية على وجهه..
أومأت برأسها ايجابا، وعادت للبساط، تخط عليه في حذر، وهي مستمتعة بخطواتها المغروسة بنعومة بين طيات نسيجه، ابتسمت، ودخلت القاعة
لتفاجأها، رنات هاتفها، المتتالية، لرسائل متعاقبة
أثارت فضولها، لتفضها بسرعة..

فغرت فاها، واتسعت عيناها في دهشة، وهي تمر بسرعة على سطور الرسالة الاولى: هل أعجبك البساط..!؟.
ثم تفض الثانية. : - الترنح بسبب بساط احمق، لا يليق بكِ، على الرغم من أننى لا أمانع ذلك، بشرط واحد، ان اكون بقربك ساعتها، لا أحد غيرى...
وأضاف للرسالة، وجها تعبيريا، ساخرا..
أعادت قراءة الرسالتين، مرات، ومرات..
وهي لاتزل على نفس حالة الذهول، ماذا يفعل!؟.
من أين له، رقم هاتفها،!؟.

ولما يشترى بساط، من أجلها..!؟.
وما معنى اترنح هذه..!؟، الوقح، انا لا اترنح ابدا..
انا دائما واثقة من خطواتى، لكن، مهلا، ماذا يقصد بالسطر الاخير، وفضت الرسالة من جديد..
الوقح، قالتها ضاغطة على أسنانها في غيظ..
هل يقصد ما حدث، في وجود الدكتور خالد..!؟.
عندما كادت تسقط أرضاً، بسبب ذاك البساط..
اه لو ترى وجهه الان، لجعلت بساطه الفاخر ذاك
كفناً له، حتى ينتقى ألفاظه معها، ولا يتجرأ بنعتى.

بالمترنحة، ويريد ان يكون له السبق في انقاذى..
هو، ولا احد غيره، واااهم، صرخت بغيظ داخلى..
وهي تهمس، أى احد، سيكون الانسب، لا أنت..
مازن مختااار، فلتذهب للجحيم، على متن بساطك اللعين..
كانت أعصابها أشبه الان، بغابات تحترق، فأغلقت الهاتف وألقت به في اعماق حقيبتها، وحاولت ان تتناسى، رسائله المستفزة، وهي تغرس نفسها غرساً، بين الاطفال..
لكن من يُطفئ تلك النيران، التي تزكيها رياح غضبها
العاتى..

الأفضل لك، مازن مختار، ان لا تأتى اليوم، والأفضل، الا تأتى مطلقا، فما ستلاقيه على يديّ..
سيكون كفيلاً، بفقدان ذاكرة جزئى لكل ما يخص الدار
بما، ومن فيها..
كانت تجلس متوترة، تنتفض كلما فتح احدهم باب القاعة، وخاصة، بعد تلك الرسائل الوقحة..

لما لم يحدد أياما معينة، لمجيئه..!؟ بدلا من اضطرابها وتوترها، الذي يزداد، مع كل ساعة تمر في اليوم، حتى تتنفس الصعداء أخيرا، عندما ينتهى يوم عملها، فتعود ادراجها لبيتها، ليحتل خواطرها رغما عنها، ويغزو أحلامها دون استئذان..

منذ ذاك الإعلان المزعوم بالحب، الذي ألصقه بها، وهي لا تعرف كيف ستقابله، كيف يمكنها النظر لوجهه، والتطلع لعينيه، والادهى من ذلك كله، كيف سيمكنها ان تستمر في إعطاءه، دروس الإشارة المتفق عليها، انها تذوب خجلا، كلما تذكرت، كيف يدفعها، هذا المخادع، الذي يستغلها، بطرق ملتوية، لتحقيق ما يرغب فيه..

هي لا تعلم، لما هو بالذات، الذي احتل فكرها، في فترة وجيزة، دوما ما كانت تجنب نفسها، صراعات القلب، وتغلق قلبها، بالف الف باب..
وتحيطه بالأسوار، فالحب ليس لأمثالها، هي وهبت
نفسها، لخدمة هؤلاء الاطفال، هم بحاجة لها..
مثلما هي بحاجة لهم، هنا تشعر انها في عالمها المثالى، حيث لا خداع، لا غش، لا مكر..
لا ادعاء بمشاعر ليست حقيقية، لتحقيق أغراض..

ومصالح، هي تعرف كيف يكون الزيف، فقد ذاقت مراراته، ولا استعداد لديها، لتقابله من جديد..
فعالمها هنا، حيث اطفال بلون الأحلام، لم ترى اعينهم قاذورات العالم، ولم تسمع آذانهم ترهات البشر، هنا، هي بين الملائكة، فلما تعود للأرض
فلأنأى، بنفسى عنه، وعن كل ما يطل برأسه من العالم الخارجى، يجذبنى اليه من جديد، فأنا قد اكتفيت، حقا اكتفيت
كانت عيناها على باب القاعة، تتردد نظراتها عليه من حين لأخر، تترقب حضوره..

لكن، ليس من عادته المجئ يومين متتاليين..
لا اعتقد بامكانية مجيئه اليوم، همست..
وهي تمد كفها بشكل لا أرادى، لتبحث عن هاتفها
في اعماق حقيبتها، حيث ألقته..
واخيرا عثرت عليه، لتمتد كفها، تفتح الرسائل
من جديد، وها هي تعيد قراءتها، كنوع من انواع
تعذيب الذات، او ربما، لتعيد تزكيه تلك النيران
التي بدأت تخمد في أعماقها..
لكنها، وجدت نفسها رغما عنها، تبتسم في بلاهة.

لكلمات رسائله، وتعيد قراءتها حرفاً حرفاً، وتعتصر معانيها، كمن يستخلص العطر، من أوراق الزهر..
فتستنشق عبيرها، ليملاء روحها، ولا تكتفى..
فتعاود القراءة من جديد، وهذه الابتسامة البلهاء
الحالمة، لا تفارق شفتيها، بل انها تزداد اتساعاً..
لا تعلم حقا، ما الذي يجعلها تشعر بتلك السعادة الحمقاء، من مجرد كلمات، في رسالة، والأعجب
ان تلك الكلمات هي نفسها، ما جعلتها تستشيط غضباً
عندما قرأتها للمرة الاولى..!؟.

هذا الرجل، سيصيبنى بأنفصام حاد في الشخصية..
هتفت في وجل، واحسرتاه على عقلك الراجح..
يا رحاب، همهمت تسخر من نفسها..
وهي تعيد قراءة رسالته الاخيرة، على وجه الخصوص، للمرة الألف، ربما..
ولم تشعر بذاك الذي كان يتطلع لجوالها، من خلف ظهرها، ويشير للأطفال، طالباً منهم التزام الصمت، وخاصة، عندما بدأت همهمات ضحكاتهم لمراءه وهو يعبر داخل القاعة متسللاً..
تزداد ارتفاعاً..

قرأ كلمات الرسالة بالقرب من رأسها، لتنتفض هي من مقعدها كمن لدغته عقربة، بشكل أثار ضحكات الاطفال..
-هذا لا يجوز سيد مازن..!؟، هتفت وهي تلتقط انفاسها بصعوبة، من جراء صدمتها لوجوده المباغت..
-في وجودك، يسقط من قاموسى كل ما هو جائز او معقول حتى..!؟، همس بصدق..
أه، فلتكف الان، هتفت بداخلها في توسل، وهي توبّخ نفسها، أين ذهبت تلك الرغبة، في دفنه حياً.!؟، الان انت، تترنحين حقا، من وقع كلماته.

وبقدرة خارقة، تصنعت الغضب، ووأدت الابتسامة
التي كادت تطل على محياها، لتستبدلها، بانعقاد شبه غاضب، وغير مقنع لحاجبيها، وما ان انتهت أخيرا من استجماع شجاعتها، لتقذف بوجهه، بعض من اعتراضاتها، حتى تركها وحيدة..
وانضم للأطفال، في ذاك الركن الخاص بهم..
وبدأ في ممارسة طقوس استرخاءه، التي تقتطف ثمار ثباتها، وفي رواية حكاياته، التي تذهب بالبقية
الباقية من تركيزها..

لتجلس أمامه أخيرا، في ذاك الدرس القاهر لتحملها
وهي مسلوبة، الثبات والتركيز، فتكون لقمة سائغة
لمكره وخداعه، والذى يجيدهما، أجادته للتنفس.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة