قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

اندفع مازن لمكتبه، تتبعه سكرتيرته الحسناء..
متعجلة، تستلم حقيبته، لتضعها في موضعها المعتاد، وتضع احد الملفات أمامه، على سطح مكتبه..
-هل من مواعيد اليوم،!؟، سأل في جدية وهو يجلس خلف مكتبه، ينظر الى ساعته، فقد تأخر
في العودة، بعد كل تلك الاجتماعات الخارجية، لعقد صفقات، لشركة الأجهزة الطبية
التي يملكها، ويديرها..
-نعم، ميعاد واحد، صاحبته تنتظرك منذ مدة طويلة..
-من..!؟، سأل عاقدا حاجبيه..

-السيدة رحمة، رئيسة جمعية الرحمة، لضعاف السمع والمكفوفين..
-أه، من جديد، ألا تمل تلك السيدة، أصرفيها..
فأنا اعانى صداعا شديدا، وليس لى قبل على تحمل
تفاهاتها، واطلبى لى فنجان القهوة، من فضلك
أومأت السكرتيرة، موافقة، وهمت بالخروج..
فأوقفها مناديا. : - نسرين، يمكنك ان تدخليها..
لكن، هي الاخيرة، لا مقابلات اخرى اليوم..
-حاضر، أجابت وقد تركت الباب مفتوحا، لتسمح
للسيدة رحمة، لتدخل وتغلق الباب خلفها...

-مرحبا، سيد مازن، ألقت السيدة رحمة السلام في هدوء ومودة على الرغم من تجاهله لها، متعللا بالتطلع لاوراق ذاك الملف، على سطح مكتبه، واخيرا رفع رأسه بتثاقل، مرددا التحية
بشئ من الفتور، : - مرحبا سيدة رحمة، هل من خدمة استطيع تقديمها لكِ..!؟.
-بالطبع، واتسعت ابتسامتها الودودة، هناك الكثير سيد مازن، تحتاج الجمعية، لمساعدتك، فكما تعلم، اننا...

قاطعها، راغبا في إنهاء الحوار الذي استمع اليه من قبل، اه معلوم طبعا، تحتاجون لاجهزة طبية
لضعاف السمع، ولكن، على هيئة تبرعات او هبات، بدون مقابل مادى، وقد أوضحت لك سابقا على ما اذكر، أننى لا أعطى شيئا، بلا مقابل، ابدا..

-يا سيد مازن، اعتبره صدقة او ذكاة، عن مالك وصحتك، من اجل..
-انا أتصدق بالشكل الذي يرضينى، لا رغبة في ارضاء اى من كان، واظن أننى أوضحت لكِ..
ذلك في المرة السابقة، وأتعجب من قدومكِ من جديد، بنفس الطلب السابق..
-انا لا امل بسرعة، ابتسمت في هدوء، وقلت ربما تكون غيرت رأيك..
-لا، قالها في نفاذ صبر، لم أغيره، ولن أغيره.

-حسنا، قالت في ثبات، وابتسامتها الصافية لم تغادر وجهها، وهي تخرج احدى البطاقات من حقيبتها وتضعها على مقدمة مكتبه، قائلة: - هذا هو عنوان
الجمعية، سيشرفنا استقبالك في اى وقت..
وخرجت في هدوء، وهو يزفر خلفها في ضيق..
ومد يده، ينظر للبطاقة في ضجر، ثم ألقى بها، أمامه في لامبالاة، تناول هاتفه..
يطلب رقما ما، ثوان وتلقى الرد وقد تبدلت حالته
وابتسم في شقاوة، : - مرحبا يا عصفورتى..

لتبادله الحديث، فتاة ذات ضحكة ماجنة، تعاتبه في دلال، على إهماله لها، وعدم اتصاله بها كالمعتاد.

-تأخرتِ كثيرا هذه المرة، سيدة رحمة، لكن هل نجحتى..!؟، سألت رحاب، بتوجس، مديرة الدار التي تعمل بها، وهي تراها مندفعة لداخل الدار في هذه الساعة المتأخرة من النهار، بعد مقابلة مع احد اصحاب الشركات الطبية..
-للاسف لا، وليس الاخير، فما عاد من يعطى شيئا بلا مقابل، في دنيانا تلك يا ابنتى، الكل يريد المقابل، ومقدما لو أمكن..
-يا آلهى، أين ذهبت الرحمة،!؟، همست في حزن حقيقى..

فاجأبت السيدة رحمة بغية اثارة روح المرح، : - انها أمامك، انا هناااا، لكن ما باليد حيلة..
فابتسمت رحاب، التي بادرتها السيدة رحمة قائلة: -، استعدى لاستقبال المدرب الجديد للأولاد
-هل سيصل اليوم..!؟، سألت رحاب في فرحة..
-نعم، سيأتى اليوم لتفقد الاولاد، والتعرف على من بالدار، حتى يباشر عمله، في تعليم الاطفال..
القراءة بطريقة بريل، الاطفال المكفوفون في حاجة اليها للتعرف على العالم الخارجى من خلال القراءة.

، انه كفيف ايضا، تطوع لتعليم الاطفال، حقا، لا يشعر بك، الا من عانى مثل ألمك..
تغيرت ملامح رحاب للحزن الدفين، وهي تومئ برأسها ايجابا، مصدقة على كلام السيدة رحمة
هامسة، نعم، انتِ على حق، لا يشعر بك الا من ذاق نفس ألمك، وشعر بنفس حسرتك..

تنحنحت رحاب، وهي تخرج نفسها من خواطرها، واستأذنت، لتعود للأولاد، دخلت تلك القاعة التي تضمهم، يجلسون بهدوء كملائكة تمشى على الارض، يتبادلون فيما بينهم إشارات يدوية، كنوع من انواع التواصل التي دربتهم عليها
كانت تراقبهم في فرحة، فهم كضعاف سمع، العالم بكل ما يكتنفه من أصوات، لا يسترعى انتباههم، ولا يعلمون بها من الاساس، لا يعلمون
الا بوجود ذاك الصمت المطبق، الذي يكسو آذانهم.

فلا يستطيعون ان يجدوا للأصوات سبيلا..

ليتعرفوا على ما يحيط بهم، بعضهم بحاجة لسماعة طبية، تكون وسيلته ليعود ثانية للعالم كشخص طبيعى قادر على التواصل بشكل جيد، والبعض الاخر بحاجة لإجراء عملية دقيقة، ليعود له سمعه من جديد، قبل ان تضيع فرصته، ويصبح سنه غير مناسب لاجراءها، فيوصم، بالاصم، طوال عمره، تنهدت وهي تتذكر، من يملك قلبا، يمكن ان يرى هؤلاء الملائكة الأيتام، ولا يمد لهم يد العون، دون التفكير في مقابل، لخدماته.!؟

الا تكفى من وجهة نظره العقيمة، تلك الابتسامة
الرائعة على وجوهم، عندما تعود لهم الحياة
لتضحك من جديد، كمقابل، لا يقدر بثمن، على عودة، نعمة من نعم الله، لهم..
الا تكفى، عودة كل منهم للحياة بشكل طبيعى..
دون الحاجة لمعونة احد، و التخلص من سخرية بعض الأشخاص، الذين يقابلهم في حياته
وتعطيه الامل، في التواصل الطبيعى مع البشر
والانفتاح على العالم...
ألا يعد ذلك مقابل كافً، بل انها تراه اكثر من كافٍ..!؟

اندمجت مع الاولاد، تشير بكلتا يديها، ليلتفوا جميعها حولهم، وتبدأ معهم لعبة جميلة، لتساعدهم على سرعة تعلم قراءة الشفاه..
وارتفعت ضحكاتهم، وهي تحرك شفتيها في بطء
لتساعدهم على استنتاج احرف الكلمات التي تختارها
، تلك الضحكات، التي لا تصل لآذان احدهما الاخر، ، فكل منهم محبوس داخل ذاته لا يستمع الا لضحكته، وكأنه معزول بعالم، لا يعيش به سواه، ضحكات، لا تصل الا اليها هي..

فتدمع عيناها فرحا، وشجنا في آن واحد...
وتتمنى لو تملاء هذا العالم، بأصداء تلك الضحكات البريئة، فتصل لأصحاب القلوب المليئة بالخير والعطاء، لتكون، الرحمة، هي السبيل، لتنتهى آلام هؤلاء الاطفال، للأبد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة