قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

خرج من اجتماعه المقرر، مع احد العملاء..
لتوريد بعض الأجهزة والمعدات الطبية، ان تلك الصفقة كانت تعنى له الكثير، فهى من اكبر الصفقات، التي استلمتها شركته، وقد حضر لها
منذ وقت طويل بكل جهد، رغبة في الحصول عليها
بأى ثمن، فتلك الصفقة كانت ستنقل شركته، نقلة
نوعية كبيرة في مجالها، تجعلها تزاحم لتحتل مكانا في الصف الاول..
لتنافس كثير من الشركات الكبرى، لكنه، وفجأة..

لا يعلم ما الذي حدث!؟، فقد الصفقة في لمح البصر، دون اى مبررات قوية من جانب العميل..
ليس هذا فقط، بل ان ما يثير حنقه اكثر، انها الصفقة الثانية، التي يخسرها في خلال اسبوع واحد. و، لا يستطيع إنهاءها لحسابه، ولا تكون لصالحه، كما هو معتاد، انه لا يعرف، أين الخطأ بالضبط،!؟.

فكل الامور، كانت تسير على ما يرام، ثم، فجأة في اللحظات الاخيرة. ينقلب الحال، وتخرج الصفقة، من بين يديه، مودعة..
دفع كفه، لداخل حقيبته، وهو يجلس داخل سيارته، ينتظر انتهاء تلك الإشارات المرورية، التي ما ان تنتهى واحدة، حتى تظهر الاخرى.

فتزيده ضيقا على ضيق، ووصل لمف تلك الصفقة الاخيرة التي خسرها لتوه، يريد ان يلقى نظرة، على بعض البنود، ربما يجد هناك احد الثغرات التي تخبره، أين يكمن السبب في الخسارة، لعله يتفاداه، في صفقات اخرى، فتح الملف، يقلب في الصفحات..
لتسقط بين يديه فجأة، احد البطاقات، يلتقطها، ويقرأ العنوان، ويتلفت حوله، انه تقريبا امام العنوان المذكور بالبطاقة، انها بطاقة السيدة رحمة.

صاحبة دار الأيتام المكفوفين، وضعاف السمع، ، و التي دوما ما تزعجه بطلباتها لتلك الدار..
لا يعلم، لما انحرف بسيارته قليلا، وتوقف..
مترجلا، متطلعا، لإيجاد عنوان البطاقة..
بضع خطوات، وكان يقف أمامه..

ألقى نظرة شاملة على مدخل الدار، وتلك اللوحة التي تحمل الاسم ثم اخفض نظراته، يتطلع للمدخل المتهالك الدرجات، والذى كان حريصا، وهو يتخطى احد درجاته المكسورة، ما الذي أتى بك لهنا..!؟، خاطبه صوت داخلى متعجب، لكنه لم يجد اجابة مناسبة، الا الصمت، والتجاهل، والمضى في طريقه، مدفوع بشكل لا أرادى، دلف للداخل، بقامة مديدة، وأنف متغطرس..

وخطوات تحمل الكثير من النرجسية، والتعالي، وكأنه يقول لكل من يقابله، انه ليس مكانى المفضل، ولا اعلم، ماذا افعل هنا، وخاصة بنظارته الشمسية الغالية، وبدلته الثمينة، وحذائه
الذي كان يصدر صوتا رتيبا متمهلا، مع خطواته الواثقة، وهو يسير على طول تلك الردهة الباردة
الخالية من أى مظهر من مظاهر الفخامة أو الرفاهية، الا من سجادة طولية متهالكة أكل عليها الزمان وشرب، تجنب السير عليها، مترفعاً..

لم يكن هناك من أحد، وكأنه مكان مهجور، حتى على البوابة الخارجية، كان مكان حارس البوابة، شاغرا..
فسار بلا حماس، يتطلع لما حوله، بشئ من
الاذدراء، فقد كان الدار ينقصه الكثير بالفعل..
مر بجانب، احد النوافذ الزجاجية، ولم يعرها أهتماما يذكر، ليطل منها، ولو مستطلعاً، الا ان أصوات ضحكات طفولية، قد جذبه، ليعود متطلعا منها، يتفرس في تلك القاعة، فلا يجد سوى مجموعة أطفال متجمهرين، يتضاحكون، لا يعرف
ما السبب!؟.

وهنا، انتفض في دهشة وهو يراها، تقف من بين الاطفال، وقد كانت غائبة بينهم، بجسدها الضئيل
، فلم يستطع تبينها في البداية، انها الرائعة التي اصطدم بها في المركز التجارى، اطال النظر، ليتأكد حتى، اصبح على يقين، انها هي..
فاندفع في سرعة، باتجاه باب القاعة، التي تشغلها، وأطفالها، ولم ينسى بالطبع..

، وهو يبتسم في خبث، ومشاكسة، ان يعيد نظارته الشمسية، على عينيه، ويفتح الباب في بطء، ويهتف في نفسه، لما لا نلهو قليلا..
تمهل في الدخول، حتى يجذب انتباهها..
وهذا ما حصل عليه، ، فما ان فُتح الباب..
وطل هو منه، في هدوء وثقة، حتى اندفعت هي واقفة، وهللت، : - مرحبا، تفضل..
كانت قد وصلت اليه، وكما توقع، يديها الكريمتين.

احتضنت مرفقه، وكفه، التي رحبت بكفها في سعادة، وهي تصطحبه لأقرب مقعد، كم ود لو اختفت المقاعد، في تلك اللحظة، حتى تظل كفه تأسر كفها، ولا تضطر لتركها مغصوبة، بعد ان سحبت هي كفها، وجلست في المقعد المقابل..
-لابد وأنك المعلم الجديد، للاطفال المكفوفين..!؟
تشرفت بمقابلتك، وشكرا على تبرعك بوقتك الثمين من اجل تعليم الاطفال..

مدت يدها من جديد، وطبعا مع ظنها، عدم رؤيته ليدها الممدودة، ألتقطت كفه، ومنحها هو كفه بفيض من كرم وافر، وهو يبادلها ابتسامتها تلك الابتسامة الساحرة النقية، والتى وصلت لعمق عينيها، لتضئ روحها بمشعل من طهر وبراءة، لمست جانب ما في أعماقه المظلمة، واستدركت وهي تقول بأريحية: - أنا رحاب، اعمل هنا، من
اجل الاطفال ضعاف السمع، واعتقد انا مدينة لك باعتزاز جديد، تنحنحت محرجة..

فأنا تلك الفتاة التي اصطدمت بك، منذ ايام بالمركز التجارى
قال مبتسما: - وانا مازن، ، هل حقا انت هي، فتاة المركز التجارى، كم الدنيا صغيرة..!، وزاد اتساع ابتسامته، وكأنه لم يكن يعرف، المخادع، على ايه حال، تشرفت بمعرفتك، رحاب، نطق اسمها بأريحية ادهشتها، ولم يضع اى لقب يسبقه، وهذا لم يعجبها بالطبع، فقررت ان توصل له الرسالة..
-أرجو ان ترتاح معنا هنا، سيد مازن..

ألتقط الرسالة بذكاء، وقال مؤكدا: - انا مرتاح بالفعل، أشكركِ، آنسة رحاب..
ابتسمت عندما ايقنت ادراكه لرسالتها، وهي لا تعلم انه، يرصد تلك البسمات، من خلف نظارته
بكل وقاحة..
اندفع احد الاطفال اليها، يشير لها بالعودة لطاولتهم، لتلعب معهم، لعبتها الشهيرة..
في قراءة الشفاة..
-استأذنك الإن، على العودة للاطفال، والسيدة رحمة، في سبيلها إليك، لتشرح لك طبيعة العمل.

هنا، سعدت بلقاءك مرة اخرى، ولم تمد يدها للتحية كما تمنى، بل رحلت في هدوء، لتجلس في الطاولة المقابلة، تبدأ في تلك اللعبة المثيرة للأعصاب، أعصابه هو بالتأكيد، فها هو يدقق النظر من خلف عدسات نظارته القاتمة، ليراها تمد.

شفتيها، في اخراج بعض الأحرف، ليهتف الاطفال، بسعادة، عندما يتوصلون للكلمة الصحيحة المتوافقة مع تلك الصورة التي تحملها بين يديها، ظل على حاله يتابعها، وهو مأخوذ بطاقة الحنان والتفهم، التي تشع من تلك المخلوقة
الضئيلة، التي لا يزيد طولها، باى حال من الاحوال، ليصل قمة رأسها بالكاد لمستوى كتفيه، ابتسم في سعادة بلهاء، لا يعرف سببها..
عيونها، تلمع بنقاء عجيب، لا يعلم مصدره..

وابتسامتها المتوجة لهاتين الشفتين، والتى تخلب لبه في تلك اللحظة، وهي تدرب الاطفال، على نطق حرف (ن)، جعلهما أشبه بشفاه، تواقه للقبل، تفعل به العجائب..
لم يستفيق من شروده، وتفرسه، الا على صوت
السيدة رحمة المرحب ببهجة، وعدم تصديق: - وأخيراااا، سيد مازن، في جمعيتنا المتواضعة..
جذب صوت الترحيب الحار، نظرات رحاب، لتنتبه لنهوضه وتبادل التحية مع السيدة رحمة..
والتى أشارت لرحاب لتنضم إليهما..

-هذه الانسة رحاب، خير من يعمل معنا..
وصلت رحاب لتقف قبالته، و السيدة رحمة تكمل في حماسة، وهي خير من يحدثك عن أنشطة الجمعية، ثم نظرت السيدة رحمة لها، رحاب هذا السيد مازن مختار، مالك شركة الصفوة، للاجهزة الطبية، وقد كنت بمكتبه من عدة ايام، ودعوته لزيارة جمعيتنا..
كانت رحاب تقف مصدومة، لا تستطيع النطق بحرف واحد، تتطلع اليه، ثم تعاود التطلع الى السيدة رحمة، بنظرات مترددة، ومحتارة..

حتى سألت اخيرا، عندما وجدت صوتها: - أليس
هو، واشارت لمازن، المعلم الجديد،!؟.
-لا، بالطبع، ضحكت السيدة رحمة، الا اذا كان عنده دراية، بطريقة بريل،!؟..

هنا خلع مازن نظارته الشمسية، وهو ينظر اليها في مرح، لكن هي، لم تكن نظراتها تحمل سوى الحنق، والرغبة في سلخه حيّا، وتعليقه بالخارج، شعرت بأنها حمقاء، وانه تم استغفالها، بشكل حقير، كلل الغضب نظراتها، امام نظراته المشاكسة، نظرات كاذبة، محتالة، ، نظرات قادرة على الخداع بمهارة، كان من الأفضل
لو لم يخلع نظارته الشمسية، فهى كانت تخفى الكثير من هذا، المكر، المطل بجلاء من عينيه..

مد كفه، وهو يقول في تثاقل: - تشرفنا أنسة رحاب، لم تستطع تجاهل اليد الممدودة، رغم رغبتها الملحة، لتفعل، لكن وجود السيدة رحمة، وضع حد لتلك الرغبة، فمدت كفها، لتلقى التحية، برغبة صادقة في عدم اللقاء من جديد..
وصلت له، كل مشاعرها، عبر كفها الرقيق والذى استكان للحظات، في احضان كفه..
شتان، بين هذه الكف العدائية اللمسة، وبين ذاك الكف الذي تلقفه منذ ايام، والذى استقبلته بحفاوة منذ دقائق..

-هيا رحاب، اصطحبى السيد مازن، في جولة سريعة، بداخل الجمعية، وعند الانتهاء، سأكون بانتظاركما في مكتبى، ثم اكملت موجهة حديثها لمازن، في انتظارك بمكتبى، وشرفتنا، كان بودى اصطحابك بنفسى في تلك الجولة، لكن لدى لجنة من الوزارة، سأتركك في أيد أمينة...
نظر نظرة جانبية لرحاب والتى كانت تقف تكظم غيظها، معلقا على كلمة السيدة رحمة الاخيرة، : - أنا متأكد من ذلك..

لم تنطق رحاب بحرف واحد، وهي تنظر اليه، نظرات متوهجة، تجلده، وتحذره من مخاطر الاستمرار في عبثه..
، كانت لديها رغبة قوية بحق، لتنفجر فيه، لاستغفالها في المرة الاولى، في المركز التجارى
، ثم تماديه في ذلك، بكل صفاقة..
كم تمنت لو توقع عليه عقاب ما، يجعلها تشفى
غليلها ولو قليلا، لكنها، آثرت التجاهل، وهي تقول في لهجة حاولت ان تكسوها بالبرود قدر استطاعتها، حتى لا يلاحظ ما يعتريها: - تفضل من هنا، سيد مازن..

سار بجوارها، خارجا من القاعة، مفسحا الطريق لها لتسبقه خارجا، لكنها رفضت، بشكل قاطع
تاركة له المجال ليمر أولا، خطوات، فقط خطوات
سارها بجوارها، مختالا، وقد نسى هذا البساط المتهالك، ليخطو عليه، وهو شاردا في كلماتها
التي بدأت بها جولتها، وفجأة، يندفع به البساط
ليترنح، في سبيله للسقوط، لولا استماتته، على
الصمود، كان يشبه الان، علاء الدين، وهو يترنح على بساطه السحرى، عندما صعد اليه..

للمرة الاولى، حاولت ان تكتم قهقهاتها، قدر الإمكان، لكن فرحتها بالثأر السريع، ومظهره
الان، وهو يقف ليعدل من هندامه، ليعود متبخترا
كالطاووس، محاولا تناسى ما حدث، جعلها لا تستطيع، ان توقف تلك القهقهات العفوية التي صدرت منها..
تقدم منها، وقد نسى بالفعل ما حدث، مشدوهاً
ومشدودا لتلك الضحكات الرنانة، التي دقت أجراسها، بعقله، وتردد صداها بقلبه، لتستفيق
روحه، من سباتها، منتشية، لقدوم الأعياد..
مصحوبة بالفرحة..

كانت تعتقد انه سيخطو اليها متجهما، بسبب ما حدث، ساخطا على البساط الغبى، لاعناً أصحابه
الا انه، ولدهشتها، وجدت ابتسامته تملاء وجهه
ذو الملامح الرجولية الصارخة، الا ان تلك الابتسامة منحته مظهراً، أقل خشونة، وهو يهتف: -، أراكِ سعيدة جداً، لما حدث.!؟.
وأدت ضحكاتها وهي تجيب في جدية مصطنعة. : - ولما قد أكون..!؟.
-لقد أخذ البساط بثأرك، أسرع مما تتخيلى..
هالها قدرته على قراءة أفكارها، فهتفت ببرود.

حاولت ان يكسو نبراتها. : - انا ابدا، لا أسعى لأثأر
مطلقاً..
-أنا واثق من ذلك، فمثلك لا يملك تلك القدرة على الثأر، و الذي يحتاج لطاقة كره رهيبة، لا تملكها
الأرواح الشفافة، فغرت فاها لكلماته، فاستكمل
ببشاشة، فلنقل أذن، انه انتقام ربانى، حتى لا أعبث مع أصحاب الأرواح الطاهرة من جديد..

تاهت في معانى كلماته، والتى اخذتها لتشرد للحظات، الا ان صوت عقلها ناداها محذرا، احترسى، ذاك المخادع قادر على اللعب بالالفاظ
والكلمات، ببراعة، كما باستطاعته، التنفس
فألقى بتلك الكلمات خلف ظهرك، وانتبهى جيدا
لخطواتك، وانت تسيرين بدربه..
وربما يأتى الخلاص، ولا يعود للدار من جديد
فهى لا تعلم، ما الذي دفعه للمجئ، وقد وصفته
السيدة رحمة، عندما عادت بخفى حنين من مقابلته
بانه، من ذاك النوع من البشر، الذي لا يعطى.

الا اذا ضمن المقابل..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة