قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

نوفيلا صوتها الوردي للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

خرج مازن، وهو، يجر أذيال الخيبة، فهو بحق
يحبها، ولا رغبة لديه، في الابتعاد عنها، ان كل ما يتمناه هوالبقاء بقربها، فقربها يعنى ان يشعر من جديد، انه قد عاد إنسانا، أدمى المشاعر، له قلب يشعر ويحب، انه يحبها بشكل مختلف، يحبها ليعود لنفسه التي فارقته منذ زمن بعيد، والتى لا يعرفها، الا بقربها..

انها له، ولن تكون لغيره، مهما حدث، انها تنتمى اليه، لا لأى مخلوق أخر، انها حواءه الوحيدة، ولن تكون لأدم غيره، مهما يكن..
كان اكثر ما يشغله الان، هو، إمكانية اثباته لأبيها
انه يستحقها بجدارة، وانه حقا يريدها برغم اى شئ..
انه لا يلوم ابيها على قراره، فهو يتفهم تماما..
رغبته في إسعاد ابنته، وتجنيبها، معاناة جديدة.

بعد هذا الاحمق، الذي تركها، اه لو يستطيع التوصل له، لاشبعه ضربا، لانه جرحها، ثم بعد ذلك، يمطره شكرًا، انه تركها، لتكون له هو..
وهو فقط...
لكن السؤال الان، كيف سيتحقق له ذلك..!؟.
كيف سيثبت، انه جدير بها..!؟.
لقد قال إبوها أنه لن يعدم طريقة، حسنا، سأحاول، لكن كيف سيكون أسلوبى في التعامل معها، داخل الدار،!؟.
وهذا سؤال أخر يلح على رأسه، طلباً لأجابة لا يملكها..

لما لا يفهمون، انه لا يشعر بكماله، الا بقربها..
وما اروع الشعور بالكمال.!.
، وما أطيب القرب منها...!
ان شعور الضيق الذي يعتريه لا يُوصف، وخاصة
وهو يرى امه، في المقعد المجاور له بسيارته، وتلك الملامح الباردة التي تعلو وجهها، انها تكاد تنفجر قهراً، هو يعلم ذلك..
لكن هي ايضا لا تفهم، وأبدا، لن تفهم..
انه وجد الحياة، وعثر على ذاته، عندما وجدها..

خطت السيدة جميلة، داخل شقتها الشاسعة، التي تمتلىء، في كل ركن من أركانها بالتحف الثمينة..
والتى تنم عن ذوق سيدة، لا تعترف الا بكل ما يبرق، مهما كان ثمنه، لتدفع بحقيبة يدها الغالية
على اقرب مقعد لها، في غضب واضح..
ولم تمهل ابنها، مازن، حتى من أغلاق باب الشقة، لتصرخ بثورة: - هل هذه من أجبرتني، لأترك كل شؤونى، من أجل الذهاب لخطبتها..!؟.
-ما بها..!؟، سأل مازن في هدوء عجيب..

-ما بها..!؟، انت تسأل..!؟، احقا لا تدرى ما بها..!؟، صرخت غاضبة..
لم يعقب مازن على صراخ أمه، فاستطردت هي في غضب هادر: - لقد توقعت ان تكون فينوس تمشى على الارض، من لهفتك، واصرارك للذهاب لخطبتها، لثلاث ايام، بإلحاح. لا ينقطع، انها عادية، عادية في كل شئ، بل هي اقل من العادية، لو أردت الصدق، خاصة بعاهتها تلك..
-أمى..!؟، صرخ مازن في ثورة، لا تقل عن ثورتها، وخاصة، عند تطرقها، لتلك النقطة..

واستطرد غاضبا، وهو يضغط على اسنانه رغبة في السيطرة على غضبه المشتعل: - كفاكِ، أنا أريدها، بكل ما ترينه فيها من عيوب، من وجهة نظرك طبعا، لكنى، أريدها..
-، أنت تريدها، لانك لم تتعود الا الحصول على كل ما تشتهيه، وهذا خطأى للاسف..
-أمى، أنا أحبها، قالها مازن بنبرة تحمل صدق العالم، لكن هذا لم يردع أمه، لتهتف حانقة: - بل
أنت تشفق عليها، لا أكثر..

-بل أحبها، صرخ مازن من أعماق روحه، أحبها كما لم أحب من قبل، أحبها لانها أعادت إلى ذاتى.
منذ اللحظة التي أمسكت فيها ذراعى، ظناً منها أننى ضرير، وقد كانت على حق بالمناسبة، فقد كنت ضريرا، لا أهتدى لنفسى، ولا اجد ذاتى..
وكان أمساكها كفى، هو أول طريق الهداية..
انها هدايتى بعد ضلالى، ونفسى التي وجدتها بعد
تيه، وروحى التي فارقتنى منذ رحل أبى بلا عودة، ولم استردها الا عند لقياها..

أبى يا أمى، أتذكريه..!، ألا يزل حبك الاول، كما كنتِ تتشدقى أمامى، لكنه للاسف، لم يكن الأخير...
نظرات أمه المصدومة، وهي تتلقى كلماته كطعنات
كانت كفيلة بان يصمت للحظات، قبل ان يستطرد في هدوء: - انها لى، ولن تترك كفى يدها مهما حدث، انها لى، مهما كان، ومهما سيكون..
فأنا لست بأحمق، حتى اترك سبب هدايتى، من أجل ما ترينه انتِ نقص او عيب، ، وهو أمر، لا ذنب لها فيه، ولا أراه، انا كذلك..

-لكن أبيها، رفضك بشكل صريح، قالت في غضب، ويراك غير جديرا بأبنته جميلة الجميلات، اكملت في سخرية..
-لا، هو لم يرفضنى، هو على حق، وانا لا ألومه، وسأحاول أن اثبت له، أننى استحقها، وعن جدارة..

-أنت تفقدنى صوابى، هل انت مازن ابنى حقا..!؟، هل انت مازن مختار، الذي كانت تخطب وده، كريمات اعرق الأسر، وهو لا يبالى..!؟، مازن الذي يأخذ كل ما تطاله يديه، ولا يعطى، الا وهناك الف شئ بالمقابل، تأتى فتاة كهذه، لتستغل مركزه وماله، وهو سعيد ولا يُبالى الا بسعادتها، انا لا اصدق، هتفت أمه بخيبة أمل واضحة..

-نعم، انه انا، وقد استفقت اخيرا، من غفلتى، وتعلمت، ان هناك أشياء في هذه الدنيا، تعطيها وانت في قمة رضاك، وتقبلك، أشياء لا تُشترى بالمال، أشياء بلا مقابل، الحب أحداها، أمى..
-حسنا، اجابت أمه بيأس، أفعل ما يحلو لك، أنا لن أعارضك، لم أفعل طوال حياتى، ولن أفعلها اليوم..
-ليتك عارضتنى أمى، ليتك فعلتى، فربما، ما كنت اليوم، أقف أمامك الأن، وكل منا على طرفى نقيض..

ليتك فعلتى، وعلمتنى ما هو الصواب وما هو الخطأ، ما يجب، وما لا يجب ان يكون، ما هو الحلال، وكيف أجتنب الحرام، ليتك فعلتى
، امى، ليتك فعلتى..

مر يومان، لم يحضر فيهما الى الدار، مما جعل الشك يدب في قلبها، لقد رحل بلا عودة..
كان وجوده هنا، لغرض ما، وعندما علم انه لا أمل، رحل، انه حتى لم يحاول، مجرد محاولة..
ان يأتى، ليشعرها انه يبحث بحق عن طريقة ترضى أباها، فيجمعهما..
ها هو اليوم الثالث، بعد زيارته منزلهم، يكاد ينتصف، ولا أمل في عودته، لقد أمسكت نفسها متلبسة عدة مرات، وعيناها معلقة على باب القاعة
أملا في سماع صوته، او رؤية محياه..

انها تتشبث بأمل يخبو، يوم بعد يوم، وتشعر بخواء يداهمها كالطوفان، منذ رحيله..
دمعت عيناها رغما عنها، وهي تقاوم سيل المشاعر المتضاربة التي تمور في نفسها، توهن عزيمتها، وتثبط فؤادها، وتفت في روحها..
غامت عيناها بالدموع، فطأطات رأسها، أملا في مداراتها عن اطفالها الملاصقين لها...
-هل اشتقتِ إلى، حتى ولوقليلا..!؟، سمعت صوته يهمس بتلك الكلمات، قربها، يا آلهى..
هتفت في نفسها، هذا كثير، انها تسمع صوته..

يتردد على مسامعها، انها تهزى..
لكن، صرخات الاطفال، وقفزاتهم المرحة..
جعلتها ترفع رأسها منتفضة، ليطالعها محياه، فترفرف روحها بين جنباتها، كعصفور..
وتعود الانفاس للأمل المحتضر، من جديد..
كانت لابتسامته المحببة، على قلبها..
، والتى اشتاقت اليها كثيرا...
، فعل المطر على ارض عطشى..
كانت ابتسامته تملاء وجهه، وهو يحتضن الاطفال
المهللين، فرحاً بعودته، عيناه لا تفارقها، متعلقة بها، كطفل متعلق بذراع أمه..

أمسكت نفسها، كى لا تجهش بالبكاء، فرحا، وحبوراً، وعلى الرغم، من ان الشوق قاتلها، لترفع عينيها، لتطالع عيناه الآسرتين، الا انها
لم تفعل، خوفا من ان تفضحها عيناها، وتخبره
بما فعل مغيبه، بقلبها، وعقلها، وروحها..
جلس في هدوء، يمارس اريحيته المحببة اليها..
واخذ يقص على الاطفال، قصصه المبهرة، التي تعشقها، مثلما تعشق، كل ما يمت له بصلة..
او يتعلق، بمازن مختار..

رنت منها نظرة سريعة، سرقتها وهو منهمك في تفاصيل حكايته، لتتطلع الى ملامح وجهه التي اعتراها، الإرهاق، والتعب..
لماذا..!؟، سألت نفسها، لكن لا اجابة شافية..
ترضى فضولها..
هتف أحد الاطفال، في حماسة لمازن: - كيف هي الجنة، سيد مازن،!؟..
-الجنة،!؟، كرر مازن في شرود، وهي تعلم من ارتجافة جسدها، انه يتطلع اليها، متوقعاً ان ترفع عينيها اليه لتزجزه..
فلا يأتى على ذكرها، بأى وصف، كما ذكرها..

بالالوان سابقا، لكنه لم يفعل، لم يصفها، وكم تمنت لو فعل...
-الجنة، انها، تردد مازن..
ولسان حاله ينطق صارخا، انها هي الجنة..
وانا ذنوبى قد بلغت عنان السماء، ولا سبيل اليها، الا برحمة ربى، انا على الصراط، ما بين بين..
لا الجحيم ينتزعنى، فاستحق مصيرى، ولا جنتها
تتقبلنى، حتى أهنأ في رحابها..
-الجنة، هي الانسة رحاب، هتف احد الاطفال مشاغبا، لينفجر الجميع ضاحكين، واولهم مازن.

الذي غرق في قهقهاته، وهو يراها تنتفض في خجل، ووجها يصبغه اللون الاحمرالقانى حياءاً، ليستطرد الصبى مازحا: - هكذا سيكون رد السيد مازن، كما كان دائما..
ليستمر الاطفال في نوبة ضحكهم البرئ، الكل ينتشى ضاحكا، الا هما، توقفا عن الضحك..
وكل منهما، يأثر بعينيه، قلب الاخر، وروحه..
وحديث طويل، من النظرات، يحمل الف، الف
أهه عشق، ودقات قلب، وخفقات روح..

ودموع وجد، وزفرات حنين، و، الف معنى، لكلمة واحدة، أحبك، اتمناكِ، وأرغبكِ، وأريدكِ، أتوق لقربكِ، اشتاق لوصلكِ..
رفع كفه رغما عنه، وبلا إرادة، سوى إرادة ذاك القلب الخافق، بين جنباته، يوصل لها إشارة..
بثلاثة أصابع، وبنصر ووسطى تحتضنهما باطن كفه، أحبك..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة