قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

تطلعت الى القروش القليلة التي كانت ملقاة على الصينية النحاسية وانحنت لتجمعها واخذت تعدها في فرحة فهي المرة الاولي التي تحتضن كفها هذا العدد من القروش وتشعر انه ملكها..
قفزت الى ذهنها فكرة فقررت على الفور تنفيذها
فخرجت من الحجرة تتأكد ان عباءتها قد جفت فانتزعتها من على الحبل ودخلت تبدلها وخرجت مغلقة الباب خلفها..

غابت بعض الوقت تبحث عن ضالتها المنشودة حتى وجدتها أخيرا فقررت العودة ادراجها قبل ان يعود حزن للغرفة فلا يجدها..
دخلت الحارة وما ان وصلت لمنتصفها تقريبا حتى ظهر امامها ذاك الرجل الذي يشبه جبل انشقت عنه الأرض ببنيته الضخمة وشعره الأشعث وشاربه الكث الذي تغيب تحته شفته العلوية وحاجبيه الكثيفين ونظراته الغير مريحة بالمرة والتي كانت تتفرسها في وقاحة منقطعة النظير..

حاولت تجاهله والمرور جواره كانها لم تره الا انه اعترض طريقها من جديد هاتفا بصوت جهوري لبعض من تابعيه ومن على شاكلته من رواد المقهى الذي كان يديره: - مين الوارد الجديد دي..!؟، مشفتش قبل كده الجمال ده ف الحتة!؟.
هتف احد تابعيه: - دي مرات واد صعيدي اسمه حزن..
قهقه الرجل بقوة اجفلها ساخرا: - يا حزن الحزن، بقى دي تبقى مرات الحزن!؟، امال مرات الفرفشة والانبساط تبقى ايه!؟.

قهقه تابعيه مجاملة لترتجف سعادة لا تدري ما عليها فعله وكل ما جال بخاطرها هو الجري هربا من امام ذاك الضخم حتى تصل لعتبة البيت الذي تقطنه لكنها عدلت عن الفكرة فقد يتبعها ورجاله..
وقفت في اضطراب تحاول المرور مبتعدة عن طريقه لكنه لم يتح لها فرصة لذلك..

تضرعت داخليا ان ينقذها احدهم لكن ابدا لم يتحرك احد لنجدتها فقررت الدفاع عن نفسها امام بطش ذاك البلطجي وليكن ما يكون وهتفت في سخط: - اوعى من طريقي خليني اروح اشوف حالي..
هتف البلطجي في مجون: - طب مينفعش أبقى انا حالك يا جميل..
دفعت به مبعدة آياه عنها عندما مال نحوها في جرأة وهتفت من جديد بلهجة اشد سخطا: - بقولك ابعد عن طريقي احسن لك..
هتف بلهجة سمجة: - هتعمل ايه يا قمر قولي!؟.

همت بدفعه من جديد والانحناء لتناول حذائها كسلاح في مواجهته الا ان صوته كان النجدة التي انتظرتها من الله وهو يهتف في غضب: - هي مش هاتعمل حاچة، بس چوزها اللي هايعمل..
وصل لموضعها في لحظة ليجعل من جسده حائطا فاصلا بينها وبين ذاك البلطجي مستطردا في حمية امرا إياها: - اطلعي على فوج واجفلي عليك الباب ومتنزليش مهما حصل، سمعاني!؟.

اومأت في طاعة واندفعت تدخل باب البيت وأغلقته خلفها مدعية صعودها لغرفتهما لكن قلبها لم يطاوعها فظلت تختلس النظرات الى موضع وقوفه بجسده الذي على الرغم من قوته الا انه لا يعادل نصف جسد ذاك الرجل الذي يشبه المقطورة..
دفع عزوز البلطجي بحزن في قوة هاتفا في غضب: - بقى انت بتتحداني!؟، طب انا هوريك مقامك..

وجذب زجاجة من زجاجات المياه الغازية من على احدى طاولات القهوة وضربها بقوة بالجدار القريب منه محتفظا بنصفها المكسور بيده واندفع كالثور الهائج في اتجاه حزن الذي لحسن الحظ ابصر احدى العصي بيد شخص قريب منه فانتزعها في سرعة وفي اللحظة المناسبة أشاح بها لتطيح بالزجاجة وبحركة ماهرة نزل بها على عزوز لتشج رأسه لينفجر الدم من موضع الإصابة فيترنح في عدم اتزان وخر على ركبتيه متطلعا الى حزن في غل واضح..

قذف حزن بالعصا من يده وهم بالابتعاد لداخل البيت الذي يقطنه الا ان ذاك الضخم نهض فجأة منقضا عليه في ثورة يحمل مطواة قابضا عليها بكفه وملوحا بها في رعونة، حاول حزن تفادي ضربات المطواة التي كان يلوح بها ذاك الاحمق في عشوائية لكنها اصابته في كتفه ممزقة جزء من جلبابه ومصيبة الكتف بجرح نافذ جعل حزن يترنح واضعا كفه بكاملها مبسوطة على موضع النزف الذي بدأ يتسرب مغرقا أصابعه..

سقط ذاك البلطجي كذلك بين يدي اتباعه والذين حملوه لتطييب جراحه بينما سقط حزن مضرجا في دمائه بين يدي سعادة التي صرخت مدفوعة اليه من خلف باب البيت، لتتلقفه بأحضانها صارخة باسمه..

جال بناظريه في تيه يحاول ان يتذكر اين يكون
حتى وقع ناظريه عليها وهي تنكفئ بجبينها على ذراعيها المتشابكين فوق ركبتيها المضمومة لصدرها بالقرب من المرتبة التي من المفترض انها موضع نومها..
حاول النهوض لكنه توجع رغما عنه فانتفضت متطلعة اليه هاتفة في لهفة: - سي حزن، انت كويس!؟.

استند متحاملا على ذراعه الأخرى بعيدا عن موضع الإصابة بالقرب من كتفه الأيسر وما ان اعتدل قليلا حتى هتفت سعادة: - حمدالله ع السلامة، خضتني عليك..
وما ان همت بالنهوض لتحضر له بعض الطعام ليستعيد ما فقده من قوة بعد نزيف جرحه حتى جذبها من كفها لتسقط على صدره تشهق في صدمة، تطلع اليها في غضب: - ايه اللي نزلك الحارة من غير أذني!؟، اني مش جايل لك جبل ما انزل عايزة حاچة جلتي لاااه!؟.

تطلعت لعينيه بنظرات دامعة مما أورثه شعورا بالذنب لمعاملتها بمثل هذه الخشونة التي لم تعتدها منه، لكنه ظل متحجر الملامح وهي تهمس بصوت متحشرج تأثرا: - معدتش تتكرر، انا مكنش قصدي انزل من غير اذنك، ولا كان ف بالي انزل من أساسه، بس..
تطلع اليها متسائلا وقد لانت قسماته بعض الشئ: - بس ايه!؟، ايه المهم جوي ده اللي يخليكي تنزلي وتسمعي كلمتين بايخين من اللي يسوى واللي ما يسواشي!؟.

همست من جديد وهي لا تقو على رفع نظراتها لتقابل ناظريه: - اصل لقيتك سايب لي فلوس فقلت يعني..
قاطعها هاتفا: - اشتريتي حاچات لنفسك يعني!؟، طب وماله، بس كنتي جلتي..
نكست رأسها ولم تعقب ليهمس مطيبا خاطرها وهو يمد كفه ليرفع ذقنها ليتطلع لناظريها الدامعتين: - خلاص سماح المرة دي..

نهضت من وضعها تحضر له الطعام ليتناول ما بقي من طعام الإفطار ويحاول النهوض لينام على حصيرته الا انها ابت ان ينهض تاركة له المرتبة لهذه الليلة ليتمدد عليها وذهب للنوم سريعا من شدة الإرهاق..

حاول ان يتمدد بطول المرتبة وان يتقلب عليها بأريحية الا انه شعر بوجع موضع جرحه تحت كتفه الأيسر والأعلى من موضع القلب عدة ستنيمترات جعلت النجاة من طعنة عزوز البلطجي منة وفضل من الله..
تحرك في حرص لكن قدمه ضربت شيء ما فتطلع اليه يحاول ان يستوضحه عبر بصيص الضوء النافذ من خصاص النافذة الوحيدة بالغرفة والأقرب الى مكانه اللحظة..

استجمع قوته ومد كفه متناولا تلك اللفافة متذكرا انه قد أعطاها لها عندما امرها بالصعود للغرفة قبل بدء المعركة مع عزوز..
ضم اللفافة البنية اللون لصدره وشعر بالذنب لانه قسى عليها البارحة، حاول ان يتمدد من جديد في انتظارها حتى تستيقظ الا انه سمعها تهمس من خلف الستار القائم بينهما: - انت صحيت يا سي حزن!؟.
همس بدوره مضطربا لسماع نبرات صوتها الشجي: - اه، صحيت من دجيجتين..

همست: - طب هقوم اعمل لك لقمة تاكلها..
هتف يستدعيها: - لاه تعالي عايزك ف الأول..
نهضت من موضعها على الحصير الممدود بالقرب من الساتر الذي ازاحته قليلا فرأته يحتضن تلك اللفافة فنكست رأسها ليهتف هو بنبرة تحمل بعض من اعتذار وندم وهو يمد كفه باللفافة: - مدي يدك خدي دي ليك..
همست متعجبة: - بس دي تخصك يا سي حزن!؟
هتف متعجبا: - تخصني كيف!؟، مش هي دي اللفة اللي عطتهالك ساعة العركة!؟.

هزت رأسها نفيا اشارت حيث كان هناك لفافة أخرى بنفس اللون تقبع على الطاولة..
زم حزن ما بين حاجبيه مندهشا ونفض اللفافة الورقية بذراعه السليمة ليمتد نسيج جميل من لون رمادي فرده امام ناظريه ليكتشف انه جلباب جديد لأجله، رفع رأسه متطلعا اليها في محبة وهتف ممتنا: - دي عشاني!؟.
هزت رأسها مؤكدة دون ان تفوه بحرف ليستطرد متسائلا: - دي اللي نزلتي لجل ما تشتريها بالفلوس اللي سبتهالك!؟.

هزت رأسها إيجابا من جديد وهمست في تلعثم: - اصل انت محلتكش الا الجلابية اللي انت لابسها وكان لازم يبقى معاك حتى واحدة تانية، قلت اجبها اهو تقلع القديمة تتغسل وتلبس الجديدة وتبدل فيهم..
ازداد تمعنه في محياها الخجل وما عاد قادرا على النطق بحرف، لقد فكرت به وفضلت ان تشتري له ما ينقصه على ادخار المال من اجل الطعام..
همس بصوت متحشرج: - طب ما تشوفي اللفة التانية فيها ايه!؟.

تحركت باتجاهها وفضتها في وجل متطلعة لذاك الثوب في انبهار وهتفت في فرحة: - ده ليا يا سي حزن!؟.
هتف مازحا: - اومال ليا!؟، اني لسه مچربتش ألبس چلبيات فيها ورد ودانتيلة..
تطلعت اليه وعلى وجهها سعادة لا يمكن وصفها فقد تذكرها كما تذكرته، احضر لها ثوبا جديدا رغم انه كان يمكنها الاكتفاء بما لديها نظرا لضيق الحال، لكنه لم يبخل وهو اكثر الناس حاجة..

لم تستطع ان تعبر عما بداخلها وهو لم ينتظر كلمة شكر واحدة بل هتف يستحثها: - روحي چربيه وفرچيني، يا رب أكون عرفت اچيب المجاس الصح..
مدت كفها في حرج وسحبت الستار القائم بينهما ليهتف في مشاكسة: - هو لازما يعني!؟.
قهقه عندما نظرت اليه عاتبة وهتف مؤكدا: - كنت بضحك معاك، تحبي اجوم ابني لك حيط مسلح عشان ترتاحي!؟.
أكملت جذب الستاربينهما هاتفة في لهجة مازحة بدورها: - بعد ما تقوم بالسلامة ان شاء الله..

مرت بضع دقائق قبل ان تهتف في خجل: - انا خلصت..
أزاح هو الستار متطلعا اليها في أنبهار وهمست وهي تقف في حياء: - هااا، حلو..
هتف وهو يملي عينيه من جمال قسماتها المليحة هاتفا: - حلو بس، ده ياخد العجل، ده احلو عشان انت اللي لبساه..
همست في اضطراب: - ربنا يجبر بخاطرك يا سي حزن..
واندفعت تحاول الهرب من حصار نظراته مستطردة: - اما اروح احضر لك لقمة ترم عضمك بيها..

أشعلت (وابور الجاز) بعد بعض الجهد لتضئ عينه معتمدة على قليل من الكيروسين الذي كان بخزانه، دقائق وكان الحساء مصبوبا بأحد الصحون الثلاثة الموجودة على الطاولة وتقدمت تضعه امامه مع بعض الخبز الناشف المسمي
( قرقوش)..
تطلع حزن للحساء الذي كان به بعض اللحم والى الخبر كذلك ومن ثم رفع ناظريه متطلعا اليها في حنق هاتفا: - انت نزلتي الحارة لوحدك تاني!؟، وچبتي منين فلوس الأكل ده!؟.

هتفت في عجالة في محاولة لتجنب غضبته: - لا منزلتش والله، ولا جبت الاكل، ده الشيخ صالح الله يستره لما عرف اللي جرى جاب الحاجات دي بنفسه ودخل طل عليك ولما رفضت اخدهم قالي انت وافقتي أكون مطرح ابوك ف كتابة عقد جوازك، يعني متقوليش لا لما ادخل عليكي انت باللي يلزمك وجوزك راقد تعبان، لكن والله ما عتبت بره الباب ده من ساعة ما شالوك على هنا وانا جنبك ومتحركتش..

هدأت نيران غضبه ومد كفه للملعقة يتناول الحساء ملتهما قطعة اللحم لتمد هي كفها تكسر الخبز اليابس بالحساء حتى يتناوله متشربا بالمرق..
همس دون ان يرفع ناظريه اليها وهو لايزل يتناول طعامه: - كلتي!؟.
همست بدورها: - لا، بس كل انت الأول وبعدين انا..
قاطعها رافعا شريحة من اللحم بكفه امام فمها وابتسم يهز رأسه امرا لتتناولها، فتحت فمها وألتقمتها وعينيها معلقة بنظراته الحانية التي اسرتها كليا..

ظل يتناول بعض الحساء ويرفع لها كفه ببعض اللحم حتى انتهيا ولاتزل النظرات على تعلقها المحموم بنظيراتها..
همس مشيرا لجيب جلبابه الكائن على الجانب المصاب من جسده والذي كان بعيد المنال عن يده السليمة: - حطي يدك بچيبي وطلعي اللي فيه..

اقتربت منه بشكل حميمي وانحنت تضع كفها بجيبه تحاول اخراج ما هو موجود، كانت لحظة الاقتراب تلك مهلكة وهو يستشعرها اقرب اليه من أنفاسه، كانت تجاهد لإخراج حافظة نقوده ورفعت ناظريها معتذرة: - معلش، شكلها مش..
تقابلت نظراتهما من جديد ليخرسها ذاك البريق العجيب بعمق عينيه، اتحدت الأرواح للحظة وتألفت بعد التعارف، وقد ايقن كلاهما ان قلبه اصبح ملكا لصاحبه، وان الوصل محتم ونهاية رحلة التيه والبعاد قد حانت..

همس باسمها في صوت مهتز النبرات يشي بكل ما يعتمل بدواخله من مشاعر: - سعادة..

انتفضت عندما همس باسمها وكأنما كانت تنتمي لعالم اخر وتطلعت حولها في اضطراب تحاول ان لا تتعلق نظراته بعينيه من جديد فتقع باسر اخر لن يكون لها القدرة على الفكاك منه، وأخيرا نهضت مبتعدة تحتمي بحصيرتها ليسود الصمت للحظات وينهض هو في تثاقل مستندا على جدران الغرفة حتى الباب الذي فتحه وخرج لبراح السطح الذي اصبح اكثر اتساعا من براح روحه يحاول استنشاق الهواء البارد لعله يطفئ بعض من نار الجوى المستعرة بين جنباته..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة