قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

نوفيلا صاحبة السعادة والسيد حزن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

بعد اخر تقارب بينهما اصبح الدنو منها مهلكا واصبح التعامل معه حذرا، كلاهما كان يتعامل مع الاخر من وراء ستار يحجب عن الاخر مشاعره الحقيقية، هي تستشعر ان من الواجب والمفروض ان تنتظر ابيها حتى يعود ليكون لها حياة خاصة بعلمه ومباركته، وهو ينأى عنها لانه أعطاها وعدا بان يظل الزواج شكليا لحمايتها وصونها حتى عودة ابيها وهو لن يسمح لمشاعره بان تجعله يخسر رجولته بكسر وعده لها مهما حدث ومهما كان القرب منها مضني والبعاد اكثر وجعا من انتزاع الروح..

طرق على الباب المتهالك عدة مرات حتى ظهرت نعمات من خلف الطاقة التي كانت تضع مكان بعض اسياخها المفقودة قطعة كرتونية، تطلعت اليه للحظة ثم هتفت في نبرة حانقة: - نعم!؟.
هم بالحديث الا انها هتفت من جديد هذه المرة بادراك لكنيته: - مش انت اللي جيت قبل كده مع البت سعادة!؟.
غض الطرف متحدثا: - اه يا ست نعمات، اني..
هو..
قاطعته متسائلة في فضول: - امال هي فين!؟، مجتش معاك ليه!؟.

ابتسم ساخرا فقد تعجب من سؤالها وهي التي طردت سعادة باخر مرة كانت معه هنا تسأل عن ابيها وهتف في عجالة: - هتبجى تاچي معاي المرة الچاية بس هو الحاچ سعيد رچع!؟..
اطلقت نعمات ضحكة ماجنة مجلجلة جعلته يجفل في حرج وهتفت متشدقة بكلماتها في سخرية: - سعيد بقى حاج!؟، وده من امتى!؟، ع العموم هو لا جه ولا ورانا وشه من ساعة جوازة الشوم، بس انت بتسال عليه ليه!؟.

مد حزن كفه بورقة مطوية تسلمتها هي من خلال الطاقة المشرعة هاتفا: - ده عنوان سعادة، لما يرچع بالسلامة جوليله انها ساكنة ف البيت ده..
هتفت نعمات متطلعة للورقة في حيرة وأخيرا هتفت في لامبالاة: - طيب يا خويا، بس هو يظهر ويبان وهبلغه..
هتف حزن بالتحية في عجالة ورحل مبتعدا تاركا إياها تتفرس بالورقة في تمعن ثم أغلقت الطاقة ودفعت بالورقة بأحد ادراج الطاولة المتهالكة والوحيدة بالشقة..

سار باتجاه البيت لا يعلم ان كان ما قام به صحيحا ام لا فهو كل غرضه ان يستأذن من ابيها في الزواج بها، قلبه يستشعر ان هذا هو سبب تمنعها الوحيد وهو يريد ان يلتزم بوعده معها ويفعل ما يريحها..
مر بالخرابة التي جمعتهما يوما فابتسم عندما تذكر كيف خرجت له من بين الركام والفوضى كجنية ارعبته يومها ولم يكن يعلم انها سرقت قلبه في غيبوبته التي سقط بها عندما طالعه محياها المرعب المسربل بالسواد لحظتها..

تحسس حافظة نقوده وابتسم فما كان يتوقع ان يحصل يوما على مبلغ كهذا الذي يحمله بداخلها، كان يعلم ان وجودها بحياته سبب كل السرور ومصدر كل السعادة التي يتمني اكتمالها عندما يضمها بين ذراعيه زوجة طائعة..
وصل لباب حجرته وطرقها في تأدب لتفتح هي الباب وقد ارتدت ردائها الجديد، هديته اليها، تطلع اليها وقد خطفت ناظريه تتبعها أينما حلت بأركان الغرفة التي كان تعمل بها في جهد لتحضر له وجبة الغذاء..

جلس على حصيرته لتحمل له الاطباق لتضعها امامه الا انه شعر بالاختناق داخل الغرفة فنهض مسرعا امرا إياها: - هاتي الاكل بره، الاوضة خانجة وريحتها كلها طبيخ..
حملت خلفه الاطباق طائعة وهمست وهى تضعها امامه ارضا: - حاضر انا هفتح الشباك مع الباب وأهويها قبل ما تدخل تنام..
هتف في حنق: - ومين جال اني هنام چوه!؟، اني هسحب الحصيرة وأنام هنا ف الطل..
هتفت تعارضه: - لكن الدنيا هاتبقى برد عليك..

هتف وهو يمد كفه يتناول طعامه مجيبا دون ان يرفع عينيه اليها: - لاااه، اني هرتاح كده، اجفلي عليك بابك وسيبيني براحتي..
رفع ناظريه أخيرا ليجد عيونها تحمل دمعا محبوسا بمآقيها وهمست في حيرة: - هو انا زعلتك ف حاجة يا سي حزن!؟.
هتف مؤكدا: - لاااه، ليه بتجولي كده!؟.
همست منكسة الرأس: - اصل بقالك كام يوم وانت مش زي عوايدك..
هتف معللا: - يمكن تعب الشغل، اصل ربنا فاتحها عليا الحمد لله، والبركة فيك..

هتفت متضرعة: - ربنا يوسع رزقك، ويكفيك شر طريقك..
هتف في راحة وقد زال كل هم بصدره الا الرغبة في وصالها والتي تنغص عليه عيشه: - اللهم امين..
انهى طعامه لتضع بين كفيه كوب من الشاي الساخن ارتشف منه رشفة في استمتاع، واستأذنت متثائبة: - انا رايحة انام يا سي حزن، عايز حاجة!؟.
هم بان ينطقها: - ايوه، عايزك..

لكنه احجم وهز راسه نفيا وهو يعلم علم اليقين انها تحاول ان تحتجب بالغرفة والوقت لايزل مبكرا جدا على النوم الذي ادعت الرغبة فيه، لكنه استشعر ان ذاك افضل للجميع، امسك بالكوب وسار بخطوات وئيدة يتطلع من فوق سطح البيت على الحارة وخاصة ذاك المقهى الذي يديره عزوز الذي كان يجلس بإحدى الطاولات بركن بعيد يتابع كل ما يحدث بمقهاه..

لقد اعتبره اهل الحارة واحدا من الابطال لشجاره مع عزوز وهزيمته بضربة العصا التي يضع حول موضع اصابتها عصابة حتى الان، ويعتبرون ان جرحه الذي اندمل والحمد لله إصابة حرب جاءت غدرا من يد عزوز الخسيس..
لقد كان الجميع من أبناء الحارة يستقبله استقبال الفاتحين ما ان يمر عليهم الا عزوز ورجاله الذين يستشعر من نظراتهم اضمارا للشر..

فهو على يقين ان عزوز لن يترك ما حدث بينهما يمر مرور الكرام دون ان يرد له الصاع صاعين ليستعيد مكانته وهيبته المفقودة بالحارة..
انهى كوبه وسار نحو الحصيرة التي انتزعها من الداخل مسرعا ووضعها جانبا وتمدد عليها يحاول ان يمسك بخيوط النعاس الذي يجافيه..

لكنه انتفض ما ان تناهى لمسامعه صرخة مكتومة قادمة من داخل الغرفة جعلته يطرق بابها في لهفة وعندما ساد الصمت ولم يتلق ردا دفع بالباب ودخل متوجها رأسا الى المرتبة التي كانت تجلس عليها متكومة تضم ركبتيها لصدرها وتبكي في ذعر واضح جلس على طرف المرتبة هاتفا في قلق عليها: - ايه في!؟، ايه اللي حصل!؟.
ساد الصمت الا من صوت نحيبها وأخيرا همست آسفة: - معلش، انا خضيتك، بس اصله كان حلم صعب..

نهض بسرعة وتناول القلة الفخارية وعاد بها ليجلس من جديد مقدمها اليها هامسا في تفهم: - ولا يهمك، خدي اشربي، ده يمكن عشان كلتي ونمتي طوالي..
ارتشفت بضع رشفات من الماء ليعيد القلة الفخارية لموضعها هاتفا في نبرة مطمئنة وهو يهم بالخروج من الغرفة حيث حصيره الممدود على السطح بعيدا عن الغرفة: - سمي الله ونامي واني چارك ع السطح لو عوزتي أي حاچة، نادمي..
همست تناديه قبل ان تخط قدمه اعتاب الغرفة: - حزن..

كانت المرة الأولى التي تناديه باسمه مجردا، توقف متسمرا ونظر تجاهها ليجدها تفرك كفيها اضطرابا وهمست: - ينفع يعني، تنام هنا ف الاوضة، مش بحس بالأمان وانت بعيد..
هتف مازحا يحاول السيطرة على تلك الرجفة التي اصابت قلبه لمطلبها بذاك الصوت الناعس: - ده انت هتبجي ف الأمان اكتر واني بره..
وهم بالخروج لتناديه من جديد: - حزن..
هتف واضعا كفيه على هامته: - يا حزنك يا حزن..

وتطلع اليها هامسا: - يا بت الناس نامي وسيبيني ف حالي الله يكرمك..
نهضت من موضعها متجهة الي الخارج مرورا به مما اشعل نيران صدره التي لم تهدأ جزوتها من أساسه..
وهتفت وهى تقف بوسط السطح: - انا مش جاي لي نوم..
هتف هو معاندا: - اما اني بجى هنام..
وتمدد على حصيرته هاتفا في حنق: - تصبحي على خير..

تركته يفعل ما يحلو له وجلست بأحد اركان السطح تتطلع الى الذاهب والأيب، وأخيرا شعرت بالملل فقررت التوجه لغرفتها لعلها تجد النعاس الذي ولى هاربا من بين جفونها جراء ذاك الكابوس الذي رأت فيه ابيها كفه مدرجة بالدماء التي كان يرغب في ان يلطخ بها ثوبها الجديد الذي جلبه لها حزن وهي تفر مبتعدة حتى لا تطالها يده..

كان تلك الصورة هي المسيطرة على تفكيرها في تلك اللحظة فلم تبصر تلك القطع الممزقة من الحصير التي اشتبكت بقدمها لتتعثر رغما عنها لتطلق الصرخة الثانية لهذه الليلة وهى تسقط لينتفض هو موضعه مذعورا متلقيا إياها بين ذراعيه..
ساد الصمت وظل الوضع على ما هو عليه للحظات حتى رفعت نظراتها متطلعة اليه بنظرات تحمل كم من الأسف لا بأس به وكم من المحبة لا يستهان به كذلك..

مد كفيه مطوقا خصرها حتى لا تنهض هاربة وهمس بصوت أبح: - اني رايدك يا سعادة، وهموت من شوجي، جوليها، اني ريداك يا حزن وفكي الوعد اللي مطوج رجبتي، جوليها يا سعادة..
همست متعلثمة غير قادرة على الإفصاح عما بداخلها فالحروف لا تطاوعها جراء ذاك الصخب الدائر بداخلها: - انا، ايوه، انا كمان ريداك..

اعتصرها شوقا بين ذراعيه ونهض من موضعه جاذبا إياها في اتجاه الغرفة الا انه توقف لحظة وتركها على أعتابها هاتفا في لهفة: - بصي، شوية وراچع..
هتفت متعجبة: - على فين!؟.
اكد وهو يندفع هابطا الدرج: - هتعرفي لما ارچع..

تطلعت اليه في دهشة، واتسعت ابتسامتها وهي تدخل الغرفة تضم جسدها بذراعيها في سعادة فقد كانت منذ لحظات بين ذراعيه وبعض قليل يعود ليدثرها بحنان قلبه ويغمرها بحبه وتصبح احضانه موطنها الدافئ للأبد..

جال سعيد بنظراته مستوضحا ذاك العنوان الذي يطالعه بالورقة التي يحمل، شاهده عزوز من على البعد وهو يقف حائرا فتقدم نحوه متسائلا: - أي خدمة يا حضرت!؟.
هتف سعيد: - انا بدور على عنوان بنتي، قالوا لي ساكنة هنا ف البيت ده..
تطلع عزوز للورقة مؤكدا: - اه مظبوط، بتك اسمها ايه!؟.
هتف سعيد: - اسمها سعادة..
انتفض عزوز صارخا: - مرات الواد الصعيدي اللي اسمه حزن!؟.

هتف سعيد في حنق: - مراته!؟، ده حصل ازاي وامتى!؟.
هتف عزوز في فرحة غامرة: - هو كمان متجوزها من غير علمك!؟، انا قلت من ساعة ما شوفته انه واد مش تمام..
اندفع سعيد لداخل البيت تاركا عزوز وصعد الدرجات مسرعا حتى وصل للسطح وهتف باسمها في غضب: - بت يا سعادة..
انتفضت سعادة من داخل الحجرة مندفعة للخارج عندما تناهى لمسامعها صوت ابيها..

تطلعت اليه في شوق واندفعت تطوقه بذراعيها الا انه دفع بها بعيدا في عنف كاد ان يسقطها ارضا لولا محاولتها التوازن لتقف متعجبة من رد فعله العجيب وهو يهتف: - اتجوزتي!؟، اتجوزتي ومن غير شورتي ومن واحد جربوع مش لاقي لقمته!؟.

همت سعادة بالنطق لتوضيح الصورة له الا انه لم يمهلها هاتفا في غضب هادر وهو يمسك برسغها جاذبا إياها خلفة كالذبيحة: - ياللاه بينا، ده مش مكانك، مكانك اعلى من هنا بكتير، هطلقك م الشحات ده واجوزك سيد سيده..
انتزعت سعادة رسغها من كف ابيها هاتفة في هدوء: - لكن انا مش عايزة اسيب جوزي ومش هطلق عشان اتجوز الاحسن منه لان مفيش احسن منه..

قهقه ابوها ساخرا: - ايه اللي عاجبك ف القرف اللي انت عيشاه ده، منيمك على حصير، فيه اللي ينيمك على حرير ويتمنى لك الرضا ترضي..
هتفت في إصرار: - وانا مش هرضى الا بيه..
هتف سعيد: - يا بنتي فوقي، حتى متفكريش ف نفسك، فكري ف أخواتك الغلابة وأبوك اللي مش عارف يأكلهم، بموافقتك الجواز من العريس اللي انا جايبهولك هتعيشي وتعيشينا معاك فعز محدش شافه..

هتفت سعادة: - مبعش جوزي ولا بكنوز الدنيا ومش هبقى بيعة وشروة عشان خاطرك او خاطر اخواتي اللي انت أصلا راميهم ومش سائل فيهم..
هتف سعيد في حنق: - هو ده اخر كلام عندك..
اكدت سعادة في حزم: - ومعنديش غيره..
هتف سعيد في غل وهو يهم بالمغادرة: - تمام، يبقى انت اللي اختارني..

جلست على اقرب مقعد لها في صدمة من أفعال ابيها وهي التي كانت تنتظره رغبة في إتمام زواجها من حزن فإذا به يأتي بعد كل هذا الانتظار من اجل تزويجها من شخص اخر كصفقة رابحة تدر عليه دخلا يسعده ويسعد اخوتها وتكون هي الخاسر الوحيد فيها..
بكت وارتفع نحيبها حتى انها لم تدرك مجئ حزن والسعادة تحمله على جناحيها ليقف متطلعا في تعجب لتلك التي تركها في قمة الفرح ليعود ليجدها بقمة الحزن..

اقترب حزن منها واضعا تلك اللفافة التي احضرها جانبا وأنحني بمستواها يرفع ذقنها لتواجه نظراته هامسا: - ليه البكا وانت السعادة كلها!؟، اذا كنت غيرتي رايك، خلاص ولا يهمك..
واستطرد مازحا رغم ان داخله يتمزق: - رغم اني هموت مجهور لحد ما ابوك يرچع، لكن..
هتفت سعادة في وجع: - ابويا رجع يا حزن..
واستطردت في قهر: - وعايزك تطلقني عشان يجوزني واحد غني على هواه..

هم حزن بالرد عليها الا ان ابوها الذي كان يقف في تلك اللحظة على اعتاب السطح وسمع حوارهما الأخير هتف في غضب وخلفه عزوز وبعض رجاله: - وهيطلقك، برضاه او غصب عنه..
واستطرد سعيد امرا في قسوة: - شوف شغلك يا عزوز..
انتفض حزن يزود عنها يقف في ثبات امامها ما ان رأى عزوز ورجاله يقتربون منه في بطء وتشفي وعلى وجههم ابتسامة صفراء فقد حان اللحظة التي انتظرها عزوز لينل ثأره ولكن بطريقة وضيعة كأصله..

وقعت من يديه تلك اللفافة التي كان يحملها وهو يقف كجبل شامخ يشهر كفين عاريتين الا من قوة حق يزود بها عن سعادة التي احتمت خلف ظهره هربا من اقرب الناس اليها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة