قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

حاول سليم اللحاق بسيدرا، ولكن ظهرت المربية سوسن فجأة أمامه لتمنعه من المرور، و...
-سوسن بنبرة ضائقة وآمرة: ابتعد عنها، لا تقترب منها أبداً، ألا يكفيك ما فعلته بها
-سليم بنبرة متشنجة، ونظرات حانقة: إنها زوجتي
-سوسن بحدية: إنها مسألة أيام وسينتهي كل شيء، هي لم تكن لك من البداية
-سليم بحنق: هي لي، شئتِ أنتِ أم أبيتِ فهي لي، ولن أتخلى عنها أبداً
-سوسن بنبرة مهددة: وأنا لن أسمح لك بالاقتراب منها.

-سليم بصراخ هادر، وبنظرات شرسة وهو يشير بيده: ابتعدي عن طريقي سوسن، فأنا لن أتخلى عن زوجتي.

ارتطمت سيدرا بدون قصد منها بالسيدة كوثر مما جعل كأسها المليء بالخمر ينسكب على فستانها اللامع، فلطخه بشدة، وجعلها تثور بحدة و...
-كوثر وهي تهدر بعنف: أأنتِ عمياء! سأعاقبك بشدة على فعلتك أيتها الحمقاء
نظرت إليها سيدرا بأعين خائفة، ونظرات زائغة، في حين تابعت كوثر ب...
-كوثر بصراخ حاد، ونظرات قاتلة: اخرجي من هنا أيتها البلهاء، أنتِ مطرودة.

انتفضت سيدرا على إثر صراخها، وركضت مسرعة من أمامها وعينيها مغرورقتين بالدموع إلى أن دلفت خارج بوابة القصر الحديدية..

ظلت تركض عبر الطرقات المظلمة وهي لا تعرف إلى أين تتجه، كانت بين الحين والأخر تتلفت حولها لتتأكد من أنه لا يوجد من يلاحقها، وفجأة سطع ضوء قوي اخترق ظلام ذلك الطريق الذي تركض عليه بشدة أمام وجهها، فوضعت كلتا يديها أمام عينيها لتحجبه عنهما، وإذ بهذا الضوء يقترب منها بسرعة رهيبة، فصرخت في خوف رهيب، وانحنت بجسدها للأسفل وكأنها تحاول تفاديه، ثم سمعت صوت مكابح قوي يصدر من مسافة قريبة، فأدركت أن هذا الضوء الساطع ماهو إلا لسيارة قادمة من بعيد كانت تحاول تنبيهها وهي تركض بدون وعي..

جثت سيدرا على ركبتيها، وظلت تلهث بصعوبة وهي تشهق بصوت مرتفع، في حين ترجل قائد السيارة منها، وسار بخطوات راكضة في اتجاهها، ثم تسمر مكانه للحظة حينما رأها، و...
-هيثم بنظرات مصدومة وهو فاغر شفتيه: سيدرا..!
لم تنتبه هي له، بل ظلت على وضعيتها الحالية، ومستندة بكفي يدها على الأرضية الاسفلتية، ومطرقة رأسها للأسفل وهي تبكي بمرارة...

اقترب هيثم منها، ثم وقف خلفها، وإنحنى بجذعه قليلاً عليها، وأسند يده على كتفها، و...
-هيثم بنبرة قلقة، ونظرات حائرة: سيدرا، أأنت بخير؟
لم تجبه سيدرا بل بكت بحرقة اكثر، وتعالت شهقاتها، ثم انهارت تماماً أمام ناظريه ومالت بجسدها للأمام، ثم تمددت على الأرضية، وفقدت وعيها، فتوجس هيثم خيفة عليها، وجثى على أحد ركبتيه، ومد ذراعه نحو وجهها، وحاول تحريكه، وبالذراع الأخر أمسك كف يدها الرقيق و...

-هيثم بنبرة مرتبكة، ونظرات مضطربة: سيدرا، أجيبني، سيدرا، ماذا حدث لكِ؟

تفحصها هيثم بنظرات قلقة، وحاول إفاقتها، ولكنه لم يستطع، فأسرع بوضع أحد ذراعيه خلف عنقها، وأسند ذراعه الأخر أسفل ركبتيها، ثم اقترب منها أكثر، وقام بحملها بين ذراعيه، ونهض عن الأرضية الاسفلتية، وتوجه ناحية باب المقعد الخلفي لسيارته، وحاول فتحه بأطراف أصابعه، ثم مال بجذعه لداخل السيارة، وأسندها على المقعد الخلفي، وأراح رأسها للجانب، ثم أغلق الباب، ودار حول السيارة بخطوات راكضة، ثم ركب خلف المقود، وأدار السيارة، وانطلق بها مسرعاً محاولاً إنقاذها...

في نفس التوقيت خرج سليم من المطبخ بعد أن دفع مربيته من كتفها، ثم استدار برأسه ناحيتها، ونظر إليها بنظرات متحدية و...
-سليم بنبرة عنيدة: أسف، لن أتركها أبداً حتى لو رفضت هي هذا، وسأردها إن تم الطلاق، وهذا لن يحدث، فهي ستظل زوجتي..!

توجه هو إلى الردهة وجاب ببصره بين الحاضرين، فشعر أن هناك خطب ما بهم، وخاصة حينما سمع بعض الهمهمات الجانبية عن خادمة ما تصرفت بوقاحة مع سيدة القصر، فتوجه ببصره ناحية والدته، فوجد بعض السيدات تحاوطها، فسار في اتجاهها بخطوات غاضبة إلى أن وقف قبالتها و...
-سليم متسائلاً بضيق: ما الذي حدث؟
-كوثر بنبرة غاضبة، ونظرات مستنكرة: البلهاء أفسدت سهرتي
ضيق سليم عينيه، ورمقها بنظرات ضجرة و...

-سليم بنبرة متذمرة: من تقصدين؟
-كوثر بنبرة مستفزة وحانقة: أقصد الغبية سيدرا
اتسعت عينيه في صدمة، ثم قطب جبينه في انزعاج واضح و...
-سليم بنبرة متصلبة: إنها ليست غبية
-كوثر مقاطعة بحدة: بل غبية ولا تفهم أي شيء، حمداً لله أني تخلصتُ منها
أمسك سليم بذراعي والدته، ثم هزها بحدة وهو ينظر إليها بنظرات حانقة و...
-سليم متسائلاً بصراخ عنيف: ماذا فعلتِ بسيدرا؟
-كوثر بنبرة مغتاظة، ونظرات ثابتة: لقد طردتها، وآآ...

-سليم مقاطعاً بغضب هادر: كيف تجرؤين أمي، كيف؟
نفضت السيدة كوثر ذراعي ابنها القابضتين عليها، ورمقته بنظرات ساخطة و...
-كوثر بنبرة حادة ومستفزة: أنا حرة لأفعل ما شئت بخدمي، ولن تحاسبني على ذلك...!
-سليم وهو يصدح بعنف: إنها ليست خادمة، إنها زوجتي التي أحبها
جحظت عيني السيدة كوثر في صدمة شديدة، وفغرت شفتيها في عدم تصديق و...
-كوثر بنبرة مشدوهة: م، ماذا؟ أنت تهذيء.

-سليم بنظرات قاسية، ونبرة حانقة وعالية: هذه هي الحقيقة التي تنكرينها، سيدرا هي زوجتي، بلى الخادمة هي زوجتي، هل سمعتي كوثر هانم، الخادمة هي زوجتي
ثم تركها سليم على حالتها المصدومة تلك، واخترق جموع الحاضرين، وركض مسرعاً إلى الخارج محاولاً إيجاد زوجته..

تابع هيثم حالة سيدرا من مرآة سيارته الأمامية، فوجدها تحرك رأسها للأمام، فتنفس الصعداء، وتنهد في ارتياح، وارتخت ملامح وجهه المشدودة، و...
-هيثم بنبرة متلهفة: سيدرا، هل تسمعيني؟ سيدرا، أجيبي عليّ من فضلك
هزت سيدرا رأسها بضعف، ثم فتحت عينيها قليلاً لتنظر أمامها، ثم عاودت إغلاقهما في تعب، بينما ظل هو متابعاً إياها عن كثب، وموزعاً بصره بينها وبين الطريق..

-هيثم متسائلاً بنبرة قلقة: هل تودين الذهاب للمشفى؟
أومأت هي برأسها بالرفض، فنظر إليها بنظرات متفحصة اكثر و..
-هيثم متسائلاً بحيرة: إلى أين تريدين الذهاب؟
-سيدرا بخفوت شديد، وبملامح شاحبة: لا أعرف..
فكر هيثم لبرهة في المكان الذي سيوصل سيدرا إليه، ثم دار بخلده أن يأخذها إلى منزله حيث توجد والدته المسنة، والتي ربما توافق على استضافتها ريثما ترتب هي أوضاعها..

حاول هو أن يتجاذب أطراف الحديث معها، ويستشف منها ما الذي حدث تحديداً، فتقريباً أصبحت روابط الصلة بينه وبين رفيقه سليم نوعاً ما شبه مقطوعة خاصة بعد الذي صار مع سيدرا، فدفعه الفضول لمعرفة كيفية مجيئها إلى هنا، وظهورها بهذا الشكل المخيف في هذا التوقيت المتأخر من الليل على قارعة الطريق...
لم تجب سيدرا عليه إلا بكلمات مقتضبة، ولم يردْ هو أن يُطيل في الحديث معها..

لاحقاً وصل هيثم بسيارته إلى منزله المتواضع، ثم صف السيارة بجانب الطريق، وترجل منها ليدور حولها ويمسك بمقبض الباب الخلفي ويفتحه من أجل سيدرا التي أستندت على كف يده لكي تترجل هي الأخرى منها..
ترددت هي في قبول دعوته بقضاء هذه الليلة في منزله بصحبة والدته، وشعرت بالحرج والخجل الشديد والغريب من طلبه هذا، ولكن لم يكن أمامها أي خيار أخر..

فالوقت قد بات متأخراً للغاية، وهي لا تعرف إلى أين تذهب حالياَ، كما أنها كانت تخشى من أن يصل إليها سليم وبالتالي يحول دون عودتها إلى ضيعتها..
سارت سيدرا بخطوات متكاسلة نوعاً ما ناحية مدخل المنزل، في حين التفت هيثم برأسه للخلف بعد أن فتح باب منزله بالمفتاح و..
-هيثم بهدوء حذر: لا تخافي سيدرا، فوالدتي متواجدة بالمنزل، وأنا لن أفعل أي شيء قد يلحق الأذى بكِ.

-سيدرا بخفوت يحمل الرهبة: أظن أنه يجب أن أرحل، لا يجب أن أبقى هنا
-هيثم بنبرة شبه هادئة: سيدرا!، لا تقلقي، أنا أعلم أنك متوجسة مني، فربما تظنين أني أخدعك، ولكن أقسم لكِ أن والدتي موجودة، فقط انتظريها هنا.

ثم أشار لها بيده لكي تظل ثابتة في مكانها، ثم دلف هو سريعاً إلى داخل منزله، وغاب لدقائق معدودة في الداخل، فشعرت سيدرا بالحرج، وغرابة الوضع فقررت أن ترحل، لذا إستدارت بجسدها، وكانت على وشك الانصراف، ولكن أوقفها صوت هيثم ب...
-هيثم بنبرة عالية: انتظري سيدرا، هذه هي يا أمي.

التفتت سيدرا برأسها لتجد سيدة كبيرة في السن تنظر غليها بحنو، ملامحها مألوفة للغاية ومريحة، التجاعيد تبدو ظاهرة بوضوح أسفل عينيها، وشعرها مغطى بحجاب بسيط، وترتدي عباءة منزلية فضفاضة، ثم أشارت لها بيدها لكي تدلف إلى الداخل، فرضخت هي إلى طلبها، وسارت خلفها للداخل، ثم...
-إبتسام بنبرة صافية: مرحباً بك غاليتي في بيتنا المتواضع، أنا الحاجة ابتسام، أم هيثم
أطرقت سيدرا رأسها في خجل شديد، و..

-سيدرا بنبرة هامسة وهي مجفلة لعينيها: شكراً لكِ على استضافتي هنا، وأسفة على الازعاج
-إبتسام بنبرة دافئة: لا تقلقي بُنيتي، فهيثم لا يمكث هنا إلا نادراً، فغالبية وقته يقضيه في سفره للعمل، وأنا أظل دائماً بمفردي
-سيدرا بنبرة متلعثمة: سأرحل ب، باكراً، ف...
-إبتسام مقاطعة بجدية: لا تتحدثي الآن، فأنا أراكِ مرهقة للغاية، تعالي معي لكي ترتاحي قليلاً.

ثم وضعت يدها على ظهر سيدرا، واصطحبتها معها إلى داخل غرفة نومها الواسعة، وأحضرت لها عباءة فضفاضة مريحة قطنية لكي تبدل فيها ثيابها، ثم تركتها بمفردها في الغرفة وذهبت لإحضار مشروب دافيء لها..
أوصى هيثم والدته على رعاية سيدرا والاهتمام بها ريثما يتدبر لها الطريقة المناسبة من أجل ضمان عودتها إلى أهلها..

كانت السيدة إبتسام على علم مسبق بما دار مع سيدرا وزوجها سليم، فقد سرد لها هيثم من قبل تفاصيل ما جرى بين كليهما، وسبب ابتعاده عن رفيقه، لذا تلمست هي العذر لها، وطمأنت ابنها عليها...
بعد أن تأكد هيثم من استقرار سيدرا في منزل والدته، استأذن هو بالانصراف لكي يترك الاثنتين على راحتهما دون أن يسبب لهما الانزعاج...

أحبت السيدة ابتسام سيدرا كثيراً، حيث وجدت فيها الابنة الطيبة والخلوقة، وأشفقت على وضعها الحالي، ورغم هذا إلا أنها رفضت أن تتركها وترحل، وألحت عليها لكي تظل باقية معها تؤنس وحدتها وتسليها في وقتها الطويل، وخلال الأيام التالية ظلت سيدرا ماكثة مع تلك السيدة الحنونة، وشعرت بالدفء وجو الأسرة الذي افتقدته منذ زمن، ولم تكف السيدة ابتسام عن سرد ذكريات ماضيها الغالية عليها، وفي إحدى المرات سألتها عما تنتوي فعله في المستقبل، و...

-سيدرا وهي تمط شفتيها في عدم مبالاة: لا شيء تحديداً
-ابتسام بنبرة دافئة، ونظرات صافية: لماذا لا تكملين دراستك؟
انتبهت إليها سيدرا عقب جملتها الأخيرة، ورمقتها بنظرات متفحصة وهي ترفع أحد حاجبيها و...
-سيدرا بنبرة جادة: ماذا؟
-ابتسام متابعة بنفس هدوئها الانفعالي: تكملين الدراسة، أنتِ كنتي مجتهدة، لماذا لا توظفين طاقتك تلك في شيء مفيد يعود عليك بالنفع مستقبلاً؟!

-سيدرا بنبرة متلعثمة: آآآ، و، ولكني آآ، حالياً لا، لا أستطيع
-ابتسام بجدية شديدة: بل يمكنك أن تفعلي هذا، فأنا أثق بك
ثم واظبت على حثها وتشجيعها على إكمال مشوارها الدراسي، وبدأت تذلل لها العقبات التي يمكن أن تقابلها سواء من النواحي المادية أو المعنوية..

شعرت سيدرا بالحماسة وتأثرت بحديث السيدة ابتسام الهام، وتملكتها الرغبة في أن تلتحق بالجامعة، وتشجعت للفكرة كثيراً، وأبدت استعدادها التام لتحقيق ذلك الحلم..

في تلك الأثناء بحث سليم عن زوجته سيدرا في كل مكان توقع أن تذهب هي إليه، حتى أنه سافر إلى ضيعتها وقابل أفراد عائلتها ولكن للأسف لم يعرفوا عنها أي شيء، و تشاجروا معه، وحملوه مسئولية هروبها، و...
-الجدة مريام بنبرة غاضبة: أضعت ابنتنا بعد أن استئمناك عليها
-سيلين بنبرة حزينة: أين أختي؟ أنا أريدها
-الجد حمدان بصوت هادر: هل هذا كان اتفاقنا؟

-ريحانة بنبرة باكية، وأعين براقة: أريد ابنتي، أريد سيدرا، أين أخذتها؟
حاول سليم أن يبرر لهم موقفه، ولكنهم تحاملوا عليه كثيراً، و..
-الجد حمدان بنبرة متوعدة وهو يشير بيده: لن أدعك في شأنك، بل سأشتكي عليك في المخفر، لن أتركك تهنأ للحظة.

أطرق هو رأسه للأسفل في ندم شديد، ولم يجب عليه، فهو متيقن أن أفراد عائلتها أكثر الناس حرصاً عليها، وهو لم يكن مثلهم في اهتمامه بها أو حتى في رعايته لها، بل كان فظاً غليظاً معها، وفوق كل هذا اعتدى عليها بلا رحمة، ولم يستطع إلى الآن أن يمحي تلك الذكرى الآليمة من ذاكرتها..
مسحت ريحانة دموعها بكف يدها، واتجهت ناحية سليم، ثم رفعت يدها عالياً في الهواء لتهوي بها على وجهه وتصفعه بقوة و...

-ريحانة بنبرة متشنجة، وبنظرات قاسية: اخرج من هنا ولا تعد أبداً، وابنتي لن أتخلى عنها وسأبحث عنها في كل مكان
تحمل سليم آلم الصفعة، وكور قبضته في ضيق، ولكنه أثر الصمت، ثم انصرف خارج منزلهم العتيق بخطوات راكضة..
أمسكت الصغيرة سيلين بطرف عباءة والدتها، وقامت بجذبه للأسفل وهي تنظر إليها بنظرات دامعة و...
-سيلين بنبرة طفولية حزينة: أمي أين سيدرا؟

التفتت إليها ريحانة، ووضعت يدها على رأسها، ومسدت برفق على شعرها و...
-ريحانة بنبرة قوية: اختك ستعود، وسأبحث أنا عنها..
-الجد حمدان بنبرة جادة: وأنا لن أتركك تبحثين عنها بمفردك، أنا معك ريحانة
حاول الجد حمدان ومعه ابنته ريحانة البحث عن سيدرا في كل مكان كان من المتوقع أن تذهب إليه، ولكن كان مسعاهما دون جدوى، فقد انقطعت الأخبار تماماً عنها، ولم يعرف أي أحد وجهتها...

طلبت السيدة ابتسام من ابنها هيثم أن يتقدم بطلب لسيدرا لكي تلتحق بالجامعة، فتحمس هو لتلك الفكرة كثيراً، وقرر أن يدعم والدته في طلبها هذا ويتكفل بكل ما تحتاج هي إليه، ولكن رفضت سيدرا أن تكون عبئاً عليهما أكثر من هذا، وطلبت منه أن يدبر لها عملاً لتتربح منه وتنفق به على نفسها، فوعدها أن يجد لها ما يناسبها...

كانت سيدرا مترددة في التواصل مع عائلتها، ولكنها خشيت أن يصل إليها سليم إن عرف منهم طريقها، لذا فضلت أن تختفي عن أعين الجميع حتى تطمئن على استقرار أوضاعها، بالإضافة إلى مرور وقت كافي على انتهاء عقد الزواج، ومن ثم تضمن عدم استطاعته الظفر بها مجدداً...

وبالفعل بعد عدة أيام كان هيثم قد تدبر لها عملاً في مطبعة أحد معارفه، بالإضافة إلى تقديم أوراقها للالتحاق بكلية الحقوق، فسعدت هي كثيراً بتلك الخطوة الهامة في حياتها، وبدأت ترتب حياتها من جديد، وتستعيد ثقتها بنفسها...

اضطر سليم أن يسافر مع والده إلى الخارج بسبب إجرائه لجراحة عاجلة، فهو لن يتخلى عنه في مثل تلك الظروف، ورغم عدم قدرته على البحث عن سيدرا إلا أنه حاول أن يكلف من يتولى تلك المهمة عنه ريثما تنتهي رحلة علاج والده السيد خالد ليستأنف هو بحثه الدؤوب عنها...

ساءت أوضاع السيدة كوثر مع زوجها الحالي كثيراً والذي اكتشف مصادفة خداعها له، واستغلالها السيء لسمعته، فقرر أن يتخلى عنها، كما تعثرت أوضاعها المادية بعد أن خسرت أموالاً طائلة في صفقات غير مضمونة مما انعكس عليها بدرجة كبيرة، وبدأ الملتفون حولها في النقصان تدريجياً..
وحاولت هي أن تستعيد ثقتها بزوجها مجدداً، ولكنه حسم أمره بالانفصال نهائياً عنها..

مر شهرين، واندمجت سيدرا بسلاسة في دراستها التي أحبتها، كما اجتهدت في عملها بالمطبعة كثيراً، وأثبتت جدارتها فيه، وحاولت بكل الطرق أن تشغل وقتها حتى لا يكون أمامها أي فرصة للتفكير في حياتها الماضية، خاصة أنها تدرك مشاعرها الحقيقية تجاه سليم، فهي بكل ما أوتيت من عزيمة تحاول مقاومة رغبتها في إعطائه المغفرة، فقد قضت ليالي وهي تتذكر كل ما مرت به معه، ودائماً ما كان يتردد في آذانها توسلاته ورجائه لها بالسماح..

كانت تخشى أن تحن هي إليه، أن تضعف مجدداً أمامه، فقد كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تسامحه، ولكنها دائماً تذكر نفسها بأنه المغتصب الشرس الذي أرادها ليدمرها، ليكسر إرادتها، ويحنيها للأبد، وها هي اليوم تقف على أعتاب مستقبلها المشرق..
لم تنكر سيدرا أنها كانت تحن إلى ذكريات ماضيها القريب، تشتاق لكل فرد من عائلتها، ولكنها تخاف أن ينهار ما بدأته إذا ما استسلمت لرغبتها في رؤيتهم..

كما أتيحت فرصة أخرى لها لكي تتلقى التدريب في أحد مكاتب المحاماة الشهيرة بعد وساطة من والدة هيثم السيدة ابتسام لصاحب المكتب الأستاذ رائف و الذي كان على صلة قرابة بها، فرحب بوجودها، وأعطاها الفرصة لكي تتلمذ وتتعلم على يده وأيضاً على أيادي زملائه في المكتب، فاستثمرت سيدرا تلك الفرصة، وبدأت تثقل مهارتها بطريقة أكثر احترافية...

ذات ليلة، صعدت إحدى الخادمات إلى غرفة السيدة كوثر بالقصر لكي تقدم لها طعام العشاء، فطرقت الباب عدة مرات، ولكنها لم تتلقْ أي استجابة منها، فأمسكت بالمقبض، وقررت أن تفتح الباب دون أن تنتظر ردها..
وما إن فتحت الباب حتى تفاجئت الخادمة بسيدتها ملاقاة على فراشها، والدماء تنزف بغزارة من رسغها ولوثت ملاءتها الوردية بلون الدماء القاتم، فشهقت بصراخ و...
-الخادمة بنبرة فزعة وعالية: كوثر هانم..!

تجمع باقي الخدم ومدبرة المنزل على إثر صراخ الخادمة الهادر، وتفاجئوا هم أيضاً بإنتحارها، ثم ركضت مدبرة المنزل نحوها لتتفقد أنفاسها، ولكنها كانت زائغة البصر، لا حياة في أوردتها، بينما أسرع خادم أخر في الاتصال بالمخفر ليستدعي الشرطة ليبلغهم بما حدث، ويتولى أفراد الشرطة مهمة ابلاغ باقي أفراد عائلتها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة