قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

تملك الغضب الجم من سليم وهدر بصوت مخيف في المربية سوسن بعد أن أشاح بوجهه عنها و...
-سليم بنبرة صادحة، وعيني حانقتين: كيف تجرؤ تلك الحمقاء على اقتحام منزلي هكذا؟ كيف تسمحين لها بهذا؟
-سوسن بنبرة مرتعدة: لقد، لقد قالت لي أنها آآ...
-سليم مقاطعاً بنبرة آمرة وصلبة، ونظرات شرسة: اطرديها خارج منزلي، ولا تسمحي لأمثالها بالمجيء إلى هنا مجدداً، هل تسمعين؟

عضت سيدرا على شفتيها من الغيظ المختلط بالحنق الشديد، ورمقت سليم بنظرات مميتة، ودت لو استطاعت أن تفتك به، أو حتى تصفعه بشدة لتخرسه، ولكنها تحاملت على نفسها من أجل عائلتها، وإبتعلت مرارة الإهانة بصعوبة، فقد أشعلت جذوة نيران الغضب لديها عنجهيته المفرطة..
-سوسن بنبرة خافتة: هي أبلغتني أنك أعطيت لها موعداً يا سيدي، وإلا ما كنت تركتها تمرق للداخل
استدار سليم برأسه ناحية سيدرا ليرمقها بنظرات مهينة، و..

-سليم متابعاً وهو يزمجر بغضب: وكيف أعطي لأمثالها موعداً، هل جننتي؟
هنا استشاطت سيدرا، وغليت الدماء في رأسها، ودلفت لداخل مكتبه بخطوات غاضبة، ثم طرقت بقبضتي يدها بعنف على سطح زجاج مكتبه و..
-سيدرا بنبرة هادرة، ونظرات محتقنة: لولا الظروف، ما كنت خطوت بقدمي إلى مثل هذا المكان الكريه، ورأيت وجهك البغيض مجدداً
ضيق سليم نظراته، وحدق في سيدرا بحنق وهو عاقد حاجبيه في توتر ملموس و..

-سليم متسائلاً وهو يلوي فمه في تهكم: عن اي ظروف تتكلمين؟
-سيدرا باقتضاب: ظروف جدي، ودينه الذي آآآ...
-سليم مقاطعاً بسخرية: أها، لقد فهمت الآن، لقد عجز جدك عن سداد دينه، فقرر أن يرسل حفيدته البلهاء لعلها تنجح في اقناعي بتأجيل الدين.

اتسعت عيني سيدرا في ذهول، وفغرت شفتيها في صدمة، فقد أهانها سليم مجدداً، لقد عجزت سيدرا لوهلة عن الدفاع عن نفسها وتجمدت الكلمات على شفتيها، فابتسم هو ابتسامة شيطانية فقد أصاب في رأيه، ثم تابع ب...
-سليم متابعاً بإبتسامة أكثر قسوة: هكذا الأمر اذن!
-سيدرا وهي تبتلع ريقها بمرارة: ليس بالظبط، ولكننا نطمع في مهلة أكبر حتى نسدد الدين
-سليم متسائلاً بحيرة: وكيف ستفعلي هذا؟

-سيدرا وهي تتمتم بصوت مختنق: لا شأن لك
مط سليم شفتيه في امتعاض، وعقد ساعديه أمام صدره، ونظر إليها بإمعان و...
-سليم بنبرة ساخرة: إنه شأني، أم أنكِ تحاولين الايقاع بي في شباكك؟
-سيدرا معترضة بحدة: أنا لست بتلك الأخلاق البذيئة!
-سليم بتهكم: وكيف أعرف هذا؟ فكلكن هنا سواسية في إيقاع الرجال مهما اختلفت هيئتكن!

-سيدرا بنبرة تحمل القليل من الكبرياء، ونظرات اعتزاز: أنت مخطيء في ظنك، وإن كان الأمر مرفوض بالنسبة لك، فلا داعي لهراءك السخيف هذا معي، فأنا لست كمن تظن! كما أنك لا تعرفني لكي تصدر أحكاماً عليّ..!
-سليم ببرودة ساخرة، ونبرة جافة: لا أريد هذا الشرف، فهذا لا يليق بي، كما أن أمثالكم من الفلاحين والرعاة لا يصلحون إلا لخدمة أسيادهم..
-سيدرا فاغرة شفتيها: هه
التفت سليم برأسه إلى المربية سوسن، و..

-سليم متابعاً ببرود قاسي: لا أقصد الإساءة سوسن! ولكني لا أتحمل حماقات الجهلاء والعبيد!
جزت سيدرا على أسنانها في غل، ثم رمقت سليم بنظرات استهجان و...
-سيدرا بنبرة مستنكرة: أنا لست بخادمة أو عبدة عندك، فأنا امرأة حرة، لن يملكني أحد مهما حييت، ويوماً ما سألقن أمثالك درساً عمن وصفتهم بالجهلاء.

لوى سليم فمه في تهكم، ورمقها بنظرات متمهلة ومتفحصة لهيئتها الريفية البسيطة التي أثارت حنقه، فقد ذكرته بتلك المرأة التي تسببت في تدمير حياة والدته كوثر، وانعكست على حياته هو فأصبح مشتتاً مدمراً، فقست ملامحه أكثر، وضاقت عينيه و..
-سليم بنبرة استخفاف، ونظرات قاتمة: أبلغي جدك أن عرضه الرخيص مرفوض، وأسلوبه المنحل في إرسال حفيدته للايقاع بي وإقناعي ببراءتها المستفزة لن ينجح معي، فأنا آآآ...

لم يكمل سليم عبارته الأخيرة حيث رفعت سيدرا يدها عالياً في الهواء، وهوت بها على وجهه لتصفعه بحدة، فنظر إليها في ذهول تام...
-سيدرا بصراخ عنيف: كفى!

حدق سليم بشراسة في عيني سيدرا الزرقاوتين، و التي ارتجفت أوصالها من نظراته المميتة لها، وظنت أنه سيقتلها فوراً، فتراجعت خطوتين للخلف، وانتفض قلبها رعباً، وتسارعت دقاته لدرجة أنها ظنت أنها ستصاب بالصمم من صوت خفقانه الهادر، هي لم تعرف كيف جاءتها تلك الشجاعة المهلكة لكي تتمكن من صفعة بكل قسوة هكذا دون أن ترمش أو يرتد لها طرف..

صُدمت المربية سوسن مما فعلته سيدرا، وشهقت في فزع، ونظرت إلى كليهما بنظرات زائغة مضطربة، لقد خشيت المربية سوسن على سيدرا من عصبية السيد سليم المفرطة..
تسمر سليم في مكانه، وقد تحول وجهه بالكامل لجمرة متقدة، في حين تسارعت أنفاس سيدرا وهي تترقب ردة فعله عليها..

أرادت المربية سوسن أن تحول بينهما حقناً للدماء وإنقاذاً للموقف، ولكن رفع سليم كف يده في وجهها لتصمت قبل أن تفتح شفتيها، وظل مسلطاً بصره على سيدرا و...
-سليم بنبرة آمرة و مختنقة من الغضب: اتركينا بمفردنا.

إنتاب سيدرا الرعب وتسربت برودة قارصة في أطرافها، وعقدت العزم على الفرار فوراً من أمامه، فقد ظنت أنه سيلقنها درساً قاسياً لا محالة، وربما سيرديها قتيلة إذا ما ظلت واقفة أمامه، لذا لم تنتظر في مكانها، بل ركضت سريعاً للخارج ووجهها شاحب للغاية، واتجهت ناحية باب المنزل لتمسك بمقبضه، ثم فتحته بلا هوادة، ومن ثَم هربت من ذلك المكان المشحون بالكره، وهي خائفة مما هي مقبلة عليه لاحقاً.

ركضت سيدرا وكأن شبحاً مخيفاً يُطاردها، لم تعبىء بالوشاح الذي طار عن رأسها وكشف وجهها، بل إنها لم تهتم بالشريطة التي حُلت عقدتها ليتحرر شعرها ويتمرد بقسوة على وجهها، ولم تكترث بأنين ساقيها المتآلمة نتيجة ركضها السريع، فقد كان شاغلها الأكبر هو أن تبتعد عنه، تبتعد عن طيفه القاسي المتحجر الذي كان يتجسد أمامها..

لقد كان جدها حمدان محقاً، فلم تنلْ من لقائها به سوى الإهانة والمذلة، وأضف فوق هذا انتقامه الشيطاني المنتظر...

عادت سيدرا إلى منزلها وهي في حالة لا تُحسد عليها، فتحت باب المنزل بأيادٍ مرتعشة، وجابت المكان بنظرات خائفة، ثم ركضت ناحية الدرج وأمسكت بالدرابزون وصعدت عليه بخطوات قافزة، واتجهت إلى غرفتها، ومن ثم أوصدت الباب بالمفتاح عقب دلوفها لداخل الغرفة...
إستندت هي بجسدها على الباب وظلت تلهث بصعوبة بالغة محاولة تهدئة روعتها..

لقد أدركت أنها تصرفت برعونة، ولم تحسب نتائج فعلتها تلك، فأجهشت بالبكاء المرير، وخارت قواها وجلست على الأرض وهي تلعن حظها العاثر الذي أوقعها مع ذلك اللعين مجدداً..
لم تدرْ سيدرا كم من الوقت مر عليها وهي جالسة على تلك الحالة منتحبة، شاردة، خائفة، و مترقبة لما سيحدث لاحقاً..

ثم قررت أن تنهض عن الأرض، وتبدل ثيابها سريعاً وترتدي منامتها، ثم ترمي بنفسها في أحضان فراشها لعلها تحصل على السلام الداخلي حينما تغفو...

ظل سليم يدور ذهاباً وإياباً في غرفة المكتب الموجودة بمنزله الكبير والعصبية المفرطة تسيطر على كل كيانه، فلم تتجرأ أي امرأة عليه من قبل مثلها، ظل صدى اسمها يتردد في أذنيه مشعلاً نيران الغضب أكثر بداخله، فأمسك بكأسه يتجرع منه الخمر لعله يهدأ، ولكنه كان بركان غضبه يزداد اتقاداً، فضغط بقسوة على الكأس بقبضة يده مما جعله يتحطم، وتتناثر بقايا الزجاج على الأرضية، و...

-سليم وهو يجز على أسنانه بنبرة مميتة، وبنظرات شيطانية مخيفة وحانقة: سيدرا، سيدرا، سيدرا، سأريكي من أنا يا سيدرا...!

غطت سيدرا في نوم عميق، حيث هاجمتها الكوابيس المزعجة عن سليم وبيته المرعب، لقد ظلت تجاهد في حلمها لكي تقاوم انجرافها نحو فوهة نيران تندفع من داخل منزله، ولكن للأسف انزلقت قدميها، وهوت ناحية الفوهة، لتفيق فجأة من نومها وهي تتصبب عرقاً غزيراً وتحاول التقاط أنفاسها اللاهثة..
-سيدرا بنبرة مرتعدة، ونظرات مضطربة: يا الله! كم كان مخيفاً بحق!

لم تستطع أن تنكر أنه شغل تفكيرها بحق، ولم تغب طلته المخيفة والمهيبة - في ذات الوقت - عن عقلها للحظة، فقد شعرت لوهلة أن به سحراً غامضاً قد أسرها وجعلها تقع فريسة في شباكه، فحاولت هي أن تنفض عن تفكيرها تلك الأفكار، وأقنعت نفسها بأنه فظ وقح يستحق ما ناله، ولكن ظلت تطاردها تلك الأفكار عن شخصه الغامض، ثم قررت أن تنهض عن الفراش، و سحبت إحدى المناشف القطنية لتدلف إلى مرحاض غرفتها الصغير وتغتسل...

وبعد أن انتهت، دلفت خارج المرحاض وهي ملتفة بالمنشفة، ثم اقتربت من خزانة ملابسها الصغيرة، وفتحتها، ثم جابت بعينيها سريعاً بين فساتينها المتدلية والمعدودة لتنتقي لنفسها فستاناً أخر من اللون الأزرق السماوي، والذي يقارب زرقة عينيها...
ارتدت هي هذا الفستان البسيط في تصميمه وتفاصيله، والذي حاكته لها والدتها قبل فترة، ثم مشطت شعرها بهدوء أمام المرآة..

تأملت سيدرا عينيها المنتفختين وأنفها المتورم من كثرة البكاء، وحاولت جاهدة أن تخفي أثارهم بمساحيق التجميل..
لقد نجحت هي نوعاً ما في أن تجعل وجهها الشاحب طبيعياً، ثم سارت ناحية فراشها، وقامت بترتيبه وهي تفكر في طريقة ما لإخبار جدها وجدتها بما فعلته..
تعلم أنها ستتلقى اللوم والتوبيخ على تهورها، ولكن لا داعي لإخفاء ما فعلته عنهما، فهي لا تريد أن يسوء الوضع أكثر من هذا ويتفاجئا لاحقاً بما فعلته...

أخذت سيدرا نفساً عميقاً، ثم زفرته ببطء، ونظرت إلى هيئتها مرة أخيرة في المرآة قبل أن تتجه إلى باب غرفتها..
ثم دلفت خارج الغرفة ونظرت حولها فلم تجد والدتها أو أختها الصغرى في غرفتها، فتوجهت للدرج ونزلت للأسفل لتتفاجيء بجميع أفراد عائلتها مجتمعين في غرفة الصالون، ومعهم شخص غريب يتحدث بصوت رجولي هامس وآجش
عقدت سيدرا حاجبيها في حيرة، و..
-سيدرا متسائلة بخفوت: من هذا يا تُرى؟

دلفت سيدرا إلى داخل غرفة الصالون، وعلى وجهها ابتسامة زائفة ليختفي شبح تلك الابتسامة حينما وجدت سليم جالساً على الأريكة القديمة بكل هيبة وبرود واضعاً ساقاً فوق الأخرى..

جحظت عينيها في صدمة، ونظرت إلى أفراد عائلتها بتوجس شديد، ولكنها لم تنبس بكلمة، لقد أيقنت سيدرا أن سليم قد أخبر عائلتها بما فعلته معه في الصباح الباكر، وأنه موجود هنا للانتقام منها ومن عائلتها، ولكنها ارتبكت حينما أنزل ساقه، واعتدل في جلسته وكأنه جلاد الموت ينتظر إشارة الانقضاض على ضحيته التالية ببرود قاسٍ..

رمقها سليم بعينيه الرماديتين بنظرات شيطانية متوعدة رغم أن ملامحه العامة كانت خالية من التعبير، ثم نهض فجأة عن الأريكة، واستدار برأسه في اتجاه الجد حمدان و...
-سليم بفتور مخيف: هذا عرضي الأخير، وسأنتظر ردك عليه مساءاً
تسمرت سيدرا في مكانها، وحاولت أن تستوعب بعقلها ما الذي يرمي إليه بكلماته المقتضبة عن عرض أخير، ورد ينتظره..

في نفس الوقت سار سليم في اتجاه سيدرا التي حبست أنفاسها، وشحب لون وجهها مجدداً بشكل غير عادي، ثم وقف قبالتها لثوانٍ، وحدق فيها بنظرات خطفت أنفاسها بحق، نظرات لو نطقت لقالت أن الجحيم بعينه في انتظارها، ثم أشاح بوجهه بعيداً عنها، ليسير في اتجاه باب المنزل بخطوات مغترة أثارت خوفها وجنونها في نفس الوقت، فتابعته هي بعينيها إلى أن اختفى عن ناظريها تماماً، فشردت لوهلة تحاول إيجاد تفسير لما حدث تواً...

صفع سليم الباب من خلفه بقوة لتنتفض سيدرا خيفة في مكانها وتعود إلى أرض الواقع بعد أن سرحت في هيئته، وتفيق من شرودها هذا، وتنظر حولها لتجد جدها مطرق لرأسه في حزن، و جدتها تستند برأسها على ساعدها في إنكسار، ووالدتها تتنهد في آسى مرير..
-سيدرا بنظرات حائرة، وبصوت مرتبك خائف وحائر: م، ما الأمر؟
زفر الجد حمدان في حزن عميق، ثم رفع بصره قليلاً لينظر إلى سيدرا بنظرات منكسرة، ثم أردف ب...

-الجد حمدان بنبرة ذليلة: لقد عرض السيد سليم أن يتزوجك في مقابل التنازل عن الدين
-سيدرا بنظرات مشدوهة، وهي فاغرة شفتيها: ماذا؟!

شردت سيدرا فيما قاله جدها، وظنت في البداية أنها نجحت في خطف أنظاره كما فعل هو معها، وانها بشجاعتها – أي مواجهتها له - قد حركت رجولته نحوها، فأعجب بها وبشغفها بعائلتها، فأرادها له، فابتسمت عفوياً، ولكن حينما أعاد الجد حمدان على مسامعها ما قاله، وركزت في كل كلمة قالها، اختفت ابتسامتها تماماً، وذبلت ملامح وجهها أكثر، حيث أدركت أنه قد بدأ انتقامه الفعلي منها، فهو يريدها لنفسه فقط لكي يحني إرادتها، لكي يُهينها، ويجعلها تعاني الويلات معه، لكي يلقنها ما عجز عن تلقينه لها وهي تقف أمامه، وليس كما ظنت أنه يريدها لأنها استطاعت أن تسلب عقله، وتخطف قلبه بشخصيتها الفريدة والقوية، لقد نجح سليم في مساومة عائلتها بحق، فهي الآن أمام خيارين إما أن تقبل بعرض زواجه وتستعد للجحيم المنتظر معه، أو ترفض وتعاني من الضياع والتشرد مع عائلتها الضعيفة..

يالهما من خيارين، أقلهما ضرراً سيهلكها لا محالة، وهي فقط من عليها الاختيار، وتحديد مصائر الجميع...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة