قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

خيّم الحزن على عائلة سيدرا، فقد إنقلب حال تلك الأسرة الصغيرة رأساً على عقب، ومن بيدها الخيار الآن هي سيدرا..
لم يجرؤ أحد على الحديث معها، فهي صاحبة القرار، وطوال اليوم ظلت هي قابعة في غرفتها، تفكر في مصيرها ومصير عائلتها، فحريتها في كفة، وحياة عائلتها بأسرها في الكفة الأخرى..

ضمت سيدرا ساقيها إلى صدرها، وإستندت برأسها على ركبتيها وهي عاقدة لكفي يدها أمام ساقيها، وظلت تنظر أمامها بأعين فارغة شاردة لا تعرف ما تخبئه لها الأيام
ثم سمعت صوت طرقات خفيفة على باب غرفتها، فاستدارت برأسها ناحية الباب، ثم..
-سيدرا بصوت متحشرج ومبحوح: تفضل
أُدير مقبض الباب لتطل الصغيرة سيلين برأسها منه، فتبتسم لها سيدرا بنصف ابتسامة قبل أن تدلف كلياً إلى الداخل..

سارت سيلين ناحية فراش أختها، وظلت ترمقها بنظراتها البريئة..
ثم أشارت لها سيدرا بعينيها لكي تصعد إلى الفراش، وتجلس إلى جوارها..
تمددت الصغيرة إلى جوار أختها، ثم مالت برأسها ناحيتها لتستند على ذراعها و..
-سيلين بنبرة طفولية حزينة: هل حقاً سنطرد من منزلنا هذا؟
ابتلعت سيدرا ريقها المليء بمرارة الذل والخزي، ونظرت إلى أختها بعينيها الدامعتين، ولم تعقب..

أعادت سيلين تكرار سؤالها على مسامع أختها، وتلك المرة تنهدت بآسى وهي تردف ب..
-سيدرا بنبرة حزينة، ونظرات منكسرة: لن أسمح بحدوث مكروه لكم، فأنتم عائلتي الوحيدة
-سيلين متسائلة بفضول: وكيف ستمنعنين حدوث هذا؟
تنهدت سيدرا في امتعاض، ورمقت أختها الصغرى بنظرات حانية، ثم أرخت قبضتيها عن ساقيها المثنية لتحتضن أختها بحنان بالغ وتضمها إلى صدرها..

لقد اتخذت القرار، فهي لن تسمح بضياع مستقبل عائلتها، ولا بأن يصيروا مشردين بعد ذلك العمر، بلى ستخسر حريتها في مقابل استقرار عائلتها، لقد حان الوقت لكي تضحي من أجل عائلتها..
نهضت سيدرا عن الفراش، وكذلك فعلت سيلين، ثم مدت كفها الرقيق لتمسك بكف أختها الصغير وسارت كلتاهما ناحية باب الغرفة..

دلفت الاثنتين إلى خارج الغرفة، وتوجهتا ناحية الدرج، ثم نزلتا عليه لتجدا الجدة مريام جالسة وهي مقطبة لجبينها، وعابسة الوجه..
زفرت سيدرا في انزعاج، ثم مالت على أختها الصغرى وهمست لها في أذنها بشيء لتوميء الصغيرة لها برأسها، ومن ثم تركتها ورحلت..
ثم سارت هي في اتجاه جدتها إلى أن وقفت قبالتها وهي جالسة على الأريكة، ثم جثت على ركبتيها، واستندت برأسها على حجر جدتها، و..

-سيدرا بصوت خافت وحزين: أنا موافقة جدتي
فغرت الجدة مريام شفتيها في صدمة، واتسعت عينيها في اندهاش وذهول، وإزداد وميض عينيها، كما إزداد انعقاد حاجبيها و..
-الجدة مريام بنبرة متعجبة، ونظرات متسعة: ماذا تقولين؟
-سيدرا متابعة بنفس النبرة المريرة: أنا موافقة على عرض الزواج، أبلغي ابن السيد خالد بموافقتي
-الجدة مريام بنبرة منزعجة: لا بُنيتي، لا تقحمي نفسك في تلك المسألة، سوف نجد بديلاً عما قريب.

-سيدرا بنبرة متصلبة، ونظرات حادة: جدتي هذا قراري الأخير، أنا موافقة، ولن أتراجع عنه..
-الجدة مريام بتذمر: ولكن..
-سيدرا مقاطعة بجدية: جدتي، هذه هي حياتي، وأظن أن السيد سليم مصمم على الزواج بي، وإلا ما كان قد كلف نفسه العناء لكي يطلبني للزواج
مدت الجدة مريام يديها لتمسك برأس سيدرا وترفعها لكي تنظر إلى عينيها الزرقاوتين و..

-الجدة مريام بنبرة حزينة: ولكنه قايضنا بك، الدين مقابل حريتك، وأنا لا يمكنني أن أفعل هذا بك حبيبتي
وضعت سيدرا يدها على راحة يد الجدة مريام المجعدة، ثم أسندت رأسها على كفها، وظلت تمسح بوجهها عليه، ثم أغمضت عينيها و...
-سيدرا بخفوت وبنبرة متلعثمة وهي تبتلع ريقها بمرارة: ولكني، آآ، أحبه
-الجدة مريام متسائلة بذهول: ماذا؟

لقد إدعت سيدرا كذباً أنها تحب سليم حتى تتمكن من إقناع جدتها برغبتها في الزواج منه، وأوهمتها أنها قد عقدت معه هذا الاتفاق من أجل أن يظفر هو بها، وتظفر هي بحبه...
ورغم أن حديثها كان مرتباً ومنمقاً إلا أن الجدة مريام لم تكن بالمرأة الساذجة، لقد أدركت أن حفيدتها اختارت أن تضحي بحياتها من أجل انقاذ عائلتها من براثن التشرد والفقر..

ظلت سيدرا تلح على جدتها، وتكرر على مسامعها موافقتها بهذا العرض المغرى للزواج..
-الجدة مريام بنبرة معترضة: وكيف يعقل أن تتزوجا لأشهر معدودة؟
ارتبكت سيدرا أمام جدتها، وتغيرت ملامح وجهها للتوتر، و...
-سيدرا بنبرة متلعثمة: إنه شرط زائف جدتي حتى نتمكن من إقناعكم بالزواج
-الجدة مريام بنبرة ضائقة: هذا غير مقبول بالمرة
-سيدرا بنبرة عنيدة: جدتي، لأجلي وافقي، فأنا أحبه حقاً..

وفي النهاية اضطرت الجدة مريام أن ترضخ لإلحاح حفيدتها، وتبارك تلك الزيجة..
ثم زفرت سيدرا في ارتياح بعد أن نجحت في اقناع جدتها، ثم نهضت عن الأرضية الخشبية لتكمل مهمتها في إبلاغ باقي أفراد العائلة بموافقتها على عرض الزواج، ورغم ملامح الحزن البادية على وجهها، إلا أنها حاولت أن ترسم ابتسامة زائفة على شفتيها...

جن جنون هيثم حينما علم بما فعله رفيقه، وعقده لتلك المقايضة البغيضة مع عائلة الجد حمدان و..
-هيثم وهو يزمجر بحدة: كيف يمكن أن تفعل هذا؟ أنت حقاً فقدت عقلك
-سليم ببرود مستفز، ونظرات قاسية: لقد اتخذت قراري، فلا داعي لحديثك هذا
-هيثم بنبرة منفعلة، ونظرات معاتبة: وما ذنب تلك الفتاة، وعائلتها البائسة لتجعلهم جميعاً يعانون؟!
-سليم بغضب هادر، ونظرات حانقة: ذنبهم أنهم فلاحون..!
-هيثم بحنق: أنت مجنون!

-سليم بنفس الانفعال الجلي: لستُ بمجنون، ولكن ها قد سنحت ليَ الفرصة لكي أنتقم من هؤلاء الحمقى
-هيثم محذراً بنبرة قوية: لا تجعل الغضب يعميك، فأنت في حالة لا تسمح ب، آآآ...
-سليم مقاطعاً بقسوة: انتهى الأمر، فلا داعي للجدال معي
قاطع جدالهما القوي صوت طرقات على باب غرفة المكتب، فتوجه سليم إليه لكي يفتحه، فرأى المربية سوسن وهي مطرقة الرأس تقف أمام الباب و..
-سوسن بخفوت: هناك من يرغب في رؤيتك سيدي.

-سليم متسائلاً بنبرة متشنجة: من؟
-سوسن بإيجاز: إنه الجد حمدان..!
لوى سليم فمه في تهكم، ثم أشار لمربيته بعينيه لكي تنصرف، و...
-سليم بلهجة آمرة: أخبريه أن ينتظر خارج بيتي
ثم أغلق باب الغرفة في وجهها، وعاد ليجلس على مقعد مكتبه الوثير، ويعلو ثغره ابتسامة شيطانية..

في حين ارتسمت علامات الضيق الجلية على وجه هيثم، فهو يدرك أن سليم يُلقي بنفسه في التهلكة دون إكتراث، ولن يكف أبداً عن تدمير الأخرين فقط بسبب عُقد الماضي..

انتظر الجد حمدان لفترة أمام باب ذلك المنزل الكبير ورأسه محني من الخزي والخذلان، فهو لم يستطعْ أن يحمي عائلته كما ينبغي، وفجأة رأى من يطل عليه من الباب وهو واضع لكلتا يديه في جيبي بنطاله الرصاصي، فرفع رأسه لينظر إليه، فوجده السيد سليم الذي كان يرمقه بنظرات الاحتقار..
أوجز الجد حمدان في كلماته، وأبلغه بموافقة حفيدته على عرض الزواج، فابتسم سليم في غرور و...

-سليم متسائلاً بنبرة مليئة بالإهانة: وأين هي؟ ما لي لا أراها معك؟ أم هي تظن أنها عروساً بحق!
ابتلع الجد حمدان الإهانة على مضض، ثم..
-الجد حمدان بنبرة مخزية: كنت أظن أنك ستأتي معي لكي تصطحبها و، آآآ..
-سليم بنبرة متعجرفة: أنا لا أصطحب الخدم..!
مجدداً ابتلع الجد الإهانة، ولكنه لم يعقب، بل فرت من مقلته عبرة آسفة على حاله، ثم..
-سليم متابعاً بقسوة: قل لحفيدتك أن تأتي إلى هنا بمفردها، وأنا سأتكفل بالبقية.

نظر الجد حمدان إليه بنظرات منكسرة، ثم هز رأسه في عدم فهم و...
-الجد حمدان بنبرة مخذولة: ماذا تقصد؟
-سليم بنبرة مستفزة، ونظرات إزدراء: أقصد أني سأتزوج حفيدتك بدون وجود أي أحد منكم
-الجد حمدان بنظرات مصدومة، وهو فاغر فمه في ذهول: كيف هذا؟
-سليم ببرود قاسي: هذا هو الحال مع أمثالكم
ثم رفع يده أمامه في الهواء و...

-سليم مضيفاً بنبرة جافة، ونظرات قاتلة: أخبرها أن تأتي بعد ساعة، وإلا، أنت تعرف النهاية مسبقاً، فلا داعي للمماطلة..!
ثم تركه واقفاً يتخبط في حاله، ودلف إلى داخل منزله، وهو متيقن أنه قد نجح في الظفر بأول معارك إذلال هؤلاء الفلاحين..

عاد الجد حمدان إلى منزله ورأسه مشحون بالحزن والأسف، لا يعرف كيف سيخبر عائلته بما آمره به سليم، ولكن هذا هو الحال، لقد قضي الأمر وانتهى المطاف بحفيدته لكي تصير خادمة في منزل ذو القلب المتحجر..
تأسف الجميع على حال سيدرا والتي أبت أن تذرف دمعة إشفاق واحدة على حالها، بل تعهدت لنفسها بأن تجعل ذلك المتعجرف القاسي يعاني الأمرين معها..

توجهت بعد ذلك إلى غرفتها، ثم أفرغت بعضاً من ملابسها الموضوعة في الخزانة بداخل حقيبة سفر جلدية، وأحكمت غلقها..
كانت سيدرا تقاوم عبراتها التي تكافح للانهمار من عينيها، ودلفت إلى المرحاض الملحق بغرفتها من أجل غسل وجهها، وتبديل ثيابها بفستانها الأرجواني..

بعد عدة دقائق قضتها بالداخل، دلفت هي خارج المرحاض وقد نجحت في رسم قناع البرود على وجهها المرهق من كثرة البكاء والحزن، ثم أمسكت بحقيبة سفرها وحملتها بكف يدها، ودلفت إلى خارج غرفتها بعد أن ألقت نظرة أخيرة على محتوياتها..

ودعت سيدرا جميع أفراد عائلتها الذين لم يكفوا للحظة عن البكاء بحرقة، ولكنها على قدر الإمكان حاولت أن تتماسك أمامهم وتبدو قوية على الرغم من أنها كانت مدمرة نفسياً من داخلها، ثم حملت حالها، واتجهت ناحية باب المنزل، وخرجت منه وهي رافعة رأسها للسماء، لقد أقسمت لنفسها ألا تجعل رأسها ينحني مهما كلفها الأمر..
ثم سارت بضعة خطوات للأمام، ولكنها توقفت على إثر صوت صراخ أختها الصغرى العالي ب...

-سيلين ببكاء صارخ: سيدرا، لا ترحلي أرجوكي
استدارت سيدرا بجسدها للخلف، ثم انحنت للأسفل قليلاً لتترك حقيبتها على الأرض، ومن ثم فتحت ذراعيها لتركض الصغيرة سيلين نحوها، وترتمي في أحضانها، فتضمها هي بحنو إلى صدرها قد جثت على ركبتيها و...
-سيدرا بنبرة مريرة وهي مغمضة لعينيها: لا تقلقي حلوتي، فأنا سأعود عما قريب
-سيلين بنبرة طفولية باكية: لا، أنتِ تكذبين، سوف ترحلين للأبد.

-سيدرا وهو تبتلع تلك الغصة المريرة في حلقها: بل سأعود، وأنا أعدك بهذا...!
ثم أبعدت الصغيرة عنها، ونهضت عن الأرض لتقف على قدميها، ثم سارت بكل كبرياء نحو الطريق..

وقفت الجدة مريام بجوار شرفة المنزل وهي تبكي فراق حفيدتها، في حين لم تكف ريحانة عن الانتحاب وهي ترى ابنتها تفني شبابها مع انسان بغيض وقاسٍ كهذا فقط من أجل إنقاذ عائلتها من مذلة الدين، أما حال الجد حمدان لم يختلف عنهما كثيراً، فهو يلوم نفسه لأنه قد تسبب فيما حدث لحفيدته، وحاول أن يفكر في طريقة ما لتدبير قيمة الدين، ولكن عقله يأبى الانصياع إليه، وكأنه قد توقف عن التفكير تماماً وصار عاجزاً..

وقف سليم أمام نافذة منزله ينتظر قدوم تلك المتكبرة التي سيلقنها درساً لن تنساه أبداً في حياتها، لقد أحضر بالفعل من سيتولى توثيق تلك الزيجة، بالإضافة إلى الشهود على عقد الزواج، وأعدت المربية سوسن غرفة الصالون من أجل هذا الاتفاق..
بينما رفض هيثم أن يكون مشاركاً في تلك الجريمة – كما أسماها، وأثر الرحيل بعد أن احتدم جداله مع رفيقه..

لمح سليم طيف شخص ما يقترب من بعيد، فحدق فيه جيداً محاولاً معرفته، وأمعن النظر هو مضيق لعينيه، وحينما اقترب ذلك الطيف من المنزل ابتسم في تشفي حينما وجد أنها سيدرا..
ورغم أنها كانت تشعر بالخزي والانكسار بداخلها، إلا أن رأسها كان مرفوعاً في شموخ كالجبال، لقد سارت بخطوات واثقة ثابتة نحو باب منزله الضخم، وأقنعت نفسها بأنها لن تصبح لقمة سائغة له..

تحرك سليم من امام النافذة، وتوجه ناحية باب المنزل لكي يكون في استقبالها، فهو يريد أن يرى نظرات الانكسار في عينيها، يريد أن يتلذذ بإخضاعها، وكسر إرادتها..
فتح سليم الباب وتحرك خطوتين للأمام، ثم وقف عاقداً ساعديه أمام صدره - وعلى وجهه علامات الغرور الممزوجة بالتشفي واضحة – ليراها بوضوح، وظل يرمقها بنظرات إحتقار...

توقفت سيدرا على بعد خطوات معدودة منه، ولم تحيد ببصرها عنه، بل على العكس كانت تنظر إليه بعينيها الزرقاوتين اللامعتين، و بادلته نظرات التوعد الممزوجة بالبغض
كانت لحظة اللقاء بينهما متوترة للغاية، فكلاهما متربص بالأخر، ولم ينبس أحدهما بكلمة، بل كان حديث النظرات هو أقوى حديث..
ثم قاطع ذلك الصمت القاتل صوت المربية سوسن الذي أتى من الخلف ب...
-سوسن بنبرة خافتة ومألوفة: تفضلي بنيتي، الجميع في انتظارك.

انتبه كلاهما إلى صوتها، ونظرا ناحيتها، ثم تحركت سيدرا بكل كبرياء وشموخ إلى الأمام، ورغم أن قلبها كان يخفق بشدة من الرعب والخوف، إلا أنها بدت متماسكة للغاية أمامه..
راقب سليم حركاتها كالصياد الذي يترقب فريسته من أجل اصطيادها في لحظة مناسبة..

وماهي إلا لحظات حتى بدأت مراسم ذلك الزواج الذي زعم سليم بأنه مشروط ولمدة محددة، ولكن كانت الحقيقة غير هذا، فقد استغل هو سذاجة هؤلاء البسطاء في إيهامهم بأن زواجه من سيدرا سينتهي بعد فترة قصيرة، ولكنه كان عقد زواج أبدي...
أعطى أحد الأشخاص قلماً من الحبر إلى سيدرا وطلب منها أن توقع على وثيقة الزواج..

أمسكت سيدرا بالقلم ويدها كانت ترتعش إلى حد ما، وظلت توزع نظرها ما بين وثيقة الزواج، وبين نظرات سليم الشرسة..
ترددت هي للحظة في إكمال ما إنتوت عليه، ولكن مر ببالها طائف ما قد يصير بعائلتها إن امتنعت عن الزواج من هذا القاسي، ورفضت عرضه المغري..

وفي النهاية حسمت أمرها بالتوقيع، وبالفعل خطت بيدها حروف تنازلها عن حريتها تحت مسمى الزواج، ومع كل حرف كانت تكتبه، كانت ابتسامة سليم تزداد شراسة، وعينيه تتسعان في قساوة، فقد كانت تظن أنها ستفقد حريتها لأشهر معدودة، ولكنها غفلت عن قراءة عقد الزواج، وأكملت توقيعها دون أن تقرأ أي من بنوده..
ثم وقع هو الأخر على وثيقة تنازله عن الدين، وأعطاها إليها وهو يرمقها بنظرات متفرسة..

استعد المتواجدين بمنزل سليم للانصراف بعد أن تم كل شيء في هدوء، وظل هو ملازماً إياهم ومتحدثاً معهم في بعض الأمور، في حين اقتربت المربية سوسن من سيدرا التي كانت تجلس منكمشة على نفسها في تلك الأريكة الثمينة، ومالت عليها بجسدها قليلاً و..
-سوسن بخفوت: تعالي معي بُنيتي لكي أريكي غرفتك
التفتت سيدرا برأسها ناحية تلك المربية الوقور، ونظرت إليها بنظرات ثابتة و..

-سيدرا بنبرة أقرب للهمس: شكراً لكِ، ولكني لن أتحرك من هنا
-سوسن بهدوء: أرجوكِ صغيرتي، لا تعاندي، فأنا هنا لمساعدتك
-سيدرا بتبرم: لا أريد أي مساعدة من أحد، فأنا قادرة على آآ...
لم تكمل سيدرا عبارتها الأخيرة حيث وجدت سليم واقفاً بطوله الفاره قبالتها بعد أن ودع ضيوفه للخارج، فتوجست خيفة منه، وبدأ قلبها يخفق مجدداً من الرعب، ثم ابتلعت ريقها في توتر، ونظرت إليه بنظرات شبه خائفة.

أشار هو بعينيه الرماديتين للمربية سوسن بالانصراف، فإمتثلت بهدوء لأمره، وتركت كلاهما معاً..
مال سليم بجذعه على سيدرا الجالسة على الأريكة، ثم استند بكلا ذراعيه على حافتيها، وحاصر سيدرا بينهما و...
-سليم بنبرة مخيفة ومتوعدة، ونظرات فارغة من الحياة: الآن ستعرفين المعنى الحقيقي للعذاب، وستتمني الموت ولكنك لن تحصلي عليه...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة