قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

انتابتها نوبة من الهلع العصبي معتقدة أنه سينال منها ويعتدي عليها رغمًا عنها، خاصة أن فارق القوى الجسمانية يُحسب لصالحه، فشحنت قواها الغاضبة لتدفعه عنها، أخذت تحرك معصميها بأقصى طاقتها لتحررهما منه حتى خارت مقاومتها معه، أحس بفزعها الكبير فامتص انتفاضتها ببراعة مرددًا بثبات:
اهدئي، لن أفعل بكِ شيئًا!

ورغم أن كلماته كانت مطمئنة لها، إلا أنها استمرت في الحركة والتشنج علها تنجح، نهض عنها لكنه لم يحررها، وأوقفها على قدميها قائلاً بصرامة:
سنعود للمنزل الآن
ردت بعصبية:
دعني أذهب
أجابها بجمود وهو يدفعها أمامه:
ليس الآن!
لم يفلت رسغيها من قبضتيه وأجبرها على السير معه حتى عادا إلى المنزل، كانت في حالة يرثى لها، فقد تلطخ ثوبها وجسدها بالوحل الملتصق بالعشب الرطب، أجلسها على الأريكة قائلاً:.

انتظري هنا، ورجاءً لا تكرري محاولة الهرب، فأنا ليس لدي ما أفعله سوى مراقبتك!
زفرت بصوت مسموع مديرة وجهها في الاتجاه الأخر ومتمتمة بكلمات مبهمة لكنها غاضبة، توجه للمطبخ ليحضر لها وعاءً يحوي ماءً نظيفًا وبعض المناشف الجافة، دنا منها مرددًا بهدوء:
هل تسمحي لي؟
نظرت في اتجاهه بغرابة وهي تسأله بتجهم:
ماذا تريد؟
أشار لها بعينيه قائلاً:
جرحك بحاجة للعناية.

أخفضت أنظارها لتحدق في ركبتيها لتجدهما قد تأذتا بفعل الارتطام العنيف مما سبب لها بعض الجروح النازفة، أزعجها أنه كان محدقًا بها، فسحبت ثوبها القصير نحو ركبتيها رافضة بضيق:
لا أريد!
لم يصغِ إليها بل جثى على ركبته أمامها واضعًا الوعاء إلى جواره، ثم أمسك بالمنشفة النظيفة بيد، وبالأخرى ثبت ركبتيها قائلاً بجدية:
أنتِ بحاجة للعناية!

لم تستطع مقاومته فنظراته كانت موحية بالشدة، فتجنبت الجدال معه وتركته ينظف جروحها، شعر برجفة بشرتها وهو يزيل أثار الدماء الجافة عن جرحها، تنفس بعمق وهو يقول بتريث كمحاولة جادة منه لبث الطمأنينة لنفسها المرتعدة منه:
اسمعي نيكول، أنا لست شخصًا سيئًا، اعطني الفرصة لأوضح لكِ
سألته بصوت مختنق وهي تهز رأسها بيأس:
لما لا تتركني أرحل؟
أسبل عينيه نحوها مرددًا بامتعاض:
عدنا للحديث الفارغ من جديد!

انتهى مما يفعل فأمسك بالوعاء ونهض من مكانه ليبتعد عنها، وقفت على قدميها تتبعه بضيق وهي تصيح به:
أريد الذهاب من هذا الجحيم
رد عليها بجمود دون أن يستدير نحوها:
منزلي ليس بهذا السوء
شعرت بدوار طفيف يعصف برأسها، فوضعت يدها على جبينها مرددة بتعب:
لقد سئمت الجدال معك!
التفت برأسه للجانب ليجدها شاحبة، هزيلة، مستندة بيدها على حافة الأريكة، فتوجس خيفة من أن يكون قد أصابها شيء ما، فسألها مهتمًا:
نيكول، ماذا بك؟

لم تعلق عليه فتحرك فورًا نحوها ليضع يده على كتفها، فأزاحتها بوهن وهي ترد:
دعني
شعر بخبو قوتها بضعفها المقلق، فأحاطها من خصرها قائلاً بهدوء:
أنتِ بحاجة للراحة وتناول شيء ما
جاهدت لإبعاده عنها هامسة باعتراض:
ليس من شأنك!
رد مؤكدًا بثقة:
بل أنتِ شأني شئتِ أم أبيتِ
انحنى ليحملها دون أي مقدمات قائلاً بصوت رخيم:
والآن دعيني أضعك في الفراش حتى تستعيدي طاقتك.

لم تعترض على ما فعله، فقد كانت بحاجة ماسة للنوم والراحة، لكنها همست بصوت خفيض وهي تسند رأسها على صدره:
أريد العودة لمنزلي
أجابها بهدوء:
ستعودين حينما يحين الوقت
ولج بها إلى داخل الغرفة ليضعها على الفراش، نظر إلى ثوبها المتسخ والممزق في بعض أجزائه بحيرة، كانت بحاجة إلى تبديله، تردد للحظة فيما سيفعل، لكن إن تركها هكذا حتمًا ستمرض، لذلك عقد العزم على معاونتها على تبديل ثوبها بأخر نظيف ومريح.

لاحقًا، انتهى أندرو من تنظيف جسد نيكول بمنشفة مبتلة، وألبسها ثيابًا مريحة تخصه ثم دثرها جيدًا في الفراش، ومسح على جبينها برفق، تطلع إلى وجهها الهادئ بنظرات مطولة متأملاً ملامحها بتمعن، كانت مثل صورها جميلة ورقيقة، أزاح خصلة متدلية على صدغها تحجبها عنه بحذر، وتلمس بشرتها الناعمة خلسة، همست له فجأة:
أبي، لماذا تركتني؟

أبعد يده سريعًا قبل أن تكتشف أمره وتثور عليه، واكتفى بالتحديق الصامت لها، تابعت قائلة بأنين متألم:
ألم تعد تحبني؟ لست من تركك!
لم يفهم ما الذي تقوله، فقد كان حديثها غامضًا بالنسبة له، مال عليها برأسه متسائلاً:
نيكول؟ أنتِ بخير؟
ردت عليه بنحيب خفيض وكأنها تبكي في نومها:
ألم تمل من الهجر والبعاد؟ أنا أشتاق لك كثيرًا!
شعر بوجود خطب ما بها، فتلمس جبينها بحذر فأحش بتلك السخونة المنبعثة منه، ردد بخوف:.

إنكِ دافئة!
تسللت عبرة من مقلتها لتبلل وجهها وهي تتوسل:
لا تتركني أبي!
تفحصها أندرو باهتمام، حرارتها شبه مرتفعة، فظن أنها مصابة بالحمى، تابعت شكواها اللاواعية مرددة:
أبي، لا ترحل عني مثل أمي، أنا وحيدة بدونك!
شعر باختناق أنفاسها خلال هلوستها، فجلس إلى جوارها، وأمسك بكفها يمسح عليه بإبهامه قائلاً
أنا إلى جوارك!
انقبض قلبه بقوة حينما تابعت برجاء:
أبي لا تجعل ذو الوشم يقتلني.

أزعجه للغاية، بل وأصابه بالإحباط أن تظن فيه شيئًا كهذا، أن تعتقد أنه من معتادي الإجرام وهو أبعد ما يكون عن ذلك، ابتلع غصة مريرة في حلقه متسائلاً بحذر:
ولماذا تظنين هذا؟
صمتت للحظات قبل أن تجيبه بخفوت شديد:
أخاف منه!
ابتسم ساخرًا، هي تخشاه رغم أنه لم يتعرض لها، بل أنقذها من شر ربما لأودى بحياتها، أكملت بهمس:
لديه وشم يصيبني بالقشعريرة، اطلب منه أن يخفيه.

زادت ابتسامته اتساعًا من خوفها الساذج، وانحنى على رأسها ليطبع قبلة صغيرة عليه وهو يقول:
اطمئني لن أفعل لكِ شيئًا!

أعاد الغطاء على جسدها، وظل طوال الليل إلى جوارها يخفض بالماء الفاتر درجة حرارة جسدها المرتفعة حتى عادت إلى طبيعتها، وسكنت تمامًا، باحت بالكثير خلال هلوستها، وعرف منها ما أثار فضوله واهتمامه، لم تكن بالفتاة المدللة، بل كانت مثله تعاني الوحدة والغربة، تشتاق لعائلتها، أتعبها الفراق والبعد، أراد أن يهون عليها ألمها، لكن كيف سيفعل ذلك؟ هي لن تسمح له، هي تظنه خارجًا عن القانون، أغراه سكونها لتلمس بشرتها من جديد، شعر بشيء ما يؤجج حواسه ويحركه نحوها، تحركت عيناه نحو فمها، مرر إبهامه على خطوط شفتيها برفق شديد وهو مغمض العينين متلذذًا بذلك الإحساس الغريب الذي عصف بكيانه، ألحت عليه رغبة مثيرة بداخله لتذوق طعم الحب من على شفتيها، لكنه قاوم تلك الرغبات الشيطانية التي تفتك برأسه بصعوبة شديدة، وتركها مبتعدًا ليغفو بالخارج معاتبًا نفسه بقسوة على التفكير فيها بتلك الصورة الدنيئة، لكنه كان يرغب فيها وبشدة، هو علم عنها الكثير، ولم يكن قد قابلها بعد، لكنها كانت كالكتاب المفتوح بالنسبة له، أيعقل أن يكون أحبها من قبل واكتشف ذلك توًا؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة