قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل السادس

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل السادس

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل السادس

بمنتصف بيت الحاج مُسعد جلست نادية زوجته السليطة الطباع واللسان تحادث إحدى خليلاتها العقارب إلى أن اغلقت الهاتف بعد ساعات من التخطيط للتخلص من تلك الفتاة ووالدتها الماجنة الراغبة بسرقة ولدها الرائع حرسه الله من أعينهم الوقحة.
نظرت للهدوء من حولها ثم ارتفع حاجبها الرفيع وهي تضع ساق على أخري وتصيح بالخادمة:
-انتي يا مقصوفة الرقبة فين القهوة بتاعتي.
-انا جاية ياستي اهوه.

اجابتها الطفلة وهي تضع فنجان القهوة بتوتر ثم انتفضت حين صاحت بها نادية:
-امشي انجري ناديلي سيدك عادل من جوا.
ركضت الصغيرة وهي تدعوا على عمها الذي تركها تحت رحمة تلك السيدة وخدمتها من بين كل البيوت.

سردت الصغيرة على عادل رغبه والدته وذهبت لإكمال مهامها، فرك عادل عينيه بانزعاج لايزال يشعر بالضيق منها لما فعلته به وبوالده حين علمت برغبته في التقدم لوسيلة وزادت من البلة طين حين رفضت الذهاب معهم وبرغم من ذلك سرعان ما كان في الخارج يلبي طلبها ويجاور والدته لتفادي غضبها عليه ثم تساءل:
-صباح الخير، في حاجه يا امى!حركت ناديه قدمها وهي تقول بغموض:
-عامل ايه مع بت صباح؟

حملق بها عادل لسؤالها عنها بتوتر ورد:
-تمام الحمدلله.
-اممم بتخرجوا يعني وبتكلمها و كده؟
ابتلع عادل ريقه وتذكر اغلاق وسيلة للهاتف بوجهه بالأمس لأنه اخبرها بعمق حبه لها وارتبك اكثر من نظرات والدته الخبيثة وكأنها، وكأنها تعلم فقال:
-بكلمها ساعات بس مش بنخرج اكيد احنا مبقالناش اسبوع مقري فتحتنا وست صباح مش هترضا اصلًا.
علا من صدرها شهقه اعتراضيه وهي تقول:.

-ومترضاش ده ايه يا عنية، مبقاش إلا بياعة السمك كمان، بقولك ايه يا واد انت اوعي تخلي الناس المعفنة دي تقعد على قفاك وتدلدل رجليها.
لوح عادل يده بضيق ورد برفض:
-ايه يا امى الكلام ده بس، انا مش فاهم انتي مش بتحبيهم ليه؟
وقفت والدته امامه وتخصرت هاتفه:
-عشان مش قيمتك يا ضنايا ولا من توبك ومعرفش ماسك فيها على ايه.
-بحبها ارتاحتي بحبها وعجباني.

ضربت ناديه كف على آخر وتنفست بانتظام لتهدأ وتستعيد روعها ثم قالت بهدوء:
-وماله يا حبيبي حبها.
رمقها عادل بشك من هذا التحول ولكنها استكملت باعتيادية:
-فعلًا الحب مالوش كبير وطالما انت عايز كده يبقى خلاص مينفعش اقف في طريق سعادتك.
انفرجت اساريرة بابتسامه ساذجة واقترب يمسك اصابعها متسائلًا بأمل:
-يعني هتديها فرصة؟
رسمت نادية ابتسامه مجبورة على فمها واومأت قائلة:
-اه طبعا ده انت نور عيني، بس..

طالعها عادل بترقب وسأل:
-بس ايه؟
فاستكملت وهي تبعد عيناها الخبيثة عنه:
-كنت عايزاك تكلمها وتجبها انهارده!
-اشمعنى؟
-عادي هقعد اتكلم معاها واتعرف عليها.
-بس مش عارف الست صباح هتوافق ولا...
هبت به والدته بغضب وهي تحرك ساعديها في وجهه بتوعد:
-اقسم بالله لو قولت كده قدامي تاني لا انا امك ولا اعرفك، هو انا مش مربية راجل ولا ايه ولا انت بقى ملكش كلمة على المحروسة.

طأطأ رأسه بضيق بينما تدس هي سمها في رأسه دون ان يجيب فجاورته تربت على ذراعه وهمست:
-انت هتبقى جوزها ياواد يعني لو مش هتسمع كلامك انت هتسمع كلا مين وشد عليهم ميهمكش هما يلاقوا ضفرك فين!

في عالم اخر من الأفكار المضطربة جلست وسيلة شارده في الأسماك أمامها بضياع استمر يحاوطها منذ رحيلها من أمام طاهر بلقائهم الأخير، وعبوسه وكلماته المتألمه وأخيرًا أختفائه الغريب عنها.
ترتق الدمع في عيناها وهي تهمس بألم:
-ربنا يسامحك ياماما، فينك بس ياطاهر.

زادت كآبتها وهي تلاحظ قدوم عادل اليها ذلك الرجل الذي لا ينفك أن يردد بحبه وعشقه لها ويذوب بيعيناها وهواها لكنها تقابله بصمت كئيب أو بإغلاق الهاتف دون سماع المزيد.
عادل لا يعيبه شئ، سوا أنه ليس طاهر، آاااه من طاهر، وعينان طاهر وأبتسامة طاهر..
لم يخبرها يومًا بحبه، ولكن صرخت عيناه فعلت ذلك، ورغم جهلها بلغة العيون، إلا انها قرأتها بوضوح.
أفاقت على صوت عادل ووجهه العبوس على غير العاده:.

-أزيك ياوسيلة، عامله ايه؟
مصمصت شفتيها بضيق، ولكن أجابت بتهذيب:
-الحمدلله انا كويسه.
صمتها وعدم سؤالها عن صحته هو الاخر زاد من عبوسه
ولكنه تابع:
-أمال فين ست صباح؟
مش شايفها من الصبح يعني وأنتي ليه مقولتليش انك جايه؟
-ماما تعبانه شويه، أنا نزلت مكانها أنهارده
وهي بكره هتيجي.
حرك رأسه بأيجاب وهو يفكر.

بأن غياب السيدة صباح سيوفر عليه مجهود جمًا فهكذا سيأخذ وسيله بهدوء الي والدته ليتخلص من كلماتها السامه حول علاقته بها، خرج عن صمته وافكاره ليقول بجديه:
-أمي عايزه تشوفك ضروري، وانا شايف انه ميصحش ماتشوفش خطيبة أبنها لحد دلوقتي.
عضت باطن فمها بضيق تود أن تصرخ به
مش عايزه أشوفك ولا عايزه اشوف وش أمك
لكنها أكتفت بأن تجيب بخفوت:
-اه نبقى نزورها أنا وماما قريب.
-قريب ليه!.

تعالي دلوقتي نشوفها على السريع العماره أهي هناك، قومي يلا وانا هقعد صبي مكانك.
وقف ليثبت كلماته وهو يضبط قميصه لتطالعه هي بتعطب وحيره ورفض في آن واحد، فنظرت حولها رافضه:
-لا ياعادل أمي مش هنا، وممكن تبهدل الدنيا لو عرفت أني سيبت الحلقه وجيت معاك.
طرقت كلمات والدته رأسه دون توقف بأن وسيله ستركب على ظهره وتدلدل قدمها بتسلط، ولم يعي سوا وهو يزجرها:
-هو أنتي روحتي مع واحد من الشارع، ولا هاخدك أغتصبك.

بقولك شقتنا في العماره الي قدامك أهي..
اخلصي ياوسيله أنا مش فاضي لدلع البنات دا!
كلماته الزاجره جعلت جسدها يهتز بقلق وخوف وكأن والدها يتجسد أمامها بعادل وكم تكره الحده، وتكرهه.
وقفت بتردد ليشير إليها أن تسبقه بخطوه ففعلت والتردد يغلفها، من عادل، ووالدته، ووالدتها إن علمت.

أعياء يسحبها عن الوعي، والشعور بما يجري حولها
لا تدري أن كانت ساخنة أم باردة، أم أنها تشعر بالأثنين معاً
فكل ماتشعر به، أن جسدها ممد على الفراش لا حول لها ولا قوه، متعرقه بأعياء شديد.
تنفست الصعداء بتيه وهي تحاول فتح عيناها المغلقه
حتى نجحت أخيرًا وفي خضم صراعها تخيلت بأحد يجلس بجوار فراشها ويعبث بالأرضيه بخربشه مستفزة.

همهمت بتعب وهي تتذكر إنها ارسلت وسيلة لتشغل حلقه السمك، عوجت رأسها لعل الصوره تضح أكثر، لتجد فوزي يبتسم بأتساع وهو ينظر لرُزم الأموال التي تخفيها تحت إحدى البلاطات.
أغمضت عيناها مره أخري وهي تشعر بأنها تحلم، نعم تحلم
بل إنه كابوس يصور لها نجاح فوزي في سرقة تعب السنوات لأجل زواج وسيلة.

دقيقتان لا أكثر حتى فتحت عيناها بفزع حين حل الصمت وجاهدت للأعتدال وعيناها تتحرك بخشيه تجاه الأرضيه الرماديه جوار الفراش لتجدها محفوره بالفعل، وإحدى البلاطات متحركه من مكانها الطبيعي..
تحركت من الفراش بأهتزاز وعدم أتزان، حتى وصلت الي تلك البلاطات، وهي تدعو بقلب صادق أن يكون هذا مجرد كابوس لا غير...
ولكن لا تدرك المطالب بالتمني...

وجدت الحفره الصغيرة التي جمعت بها أكثر من أربعون الف من الأموال فارغه وكأنها لم تفكر في جمع المال بها ولا وجود له فقد سرقهم فوزي بالفعل!
تحركت يدها بصدمه وعدم أستيعاب بين الرمال والبلاط
ولكن لا أثر للمال ولا أثر لمجهود السنين، أطلقت صرخة رعب وهي تقف وتبحث عن فوزي في جميع أركان شقتها الصغيره، دون جدوى فلا أثر له هو الأخر.
أرتفع نحيبها بعويل لتتلوها صرخة عاجزة، كيف ستجمع مال جديد من أجل شوار وسيله.

كيف ستعافر من جديد لأجل جمع تلك الأموال، لقد مرت بظروف عصيبه وأكثر لقد وفرت من طعامهم لأجل جمع المال
بل ومن ملابسهم، هي حرفيًا توفر من كل شيئ لأجل جمع تلك الأموال.
حتى أنها أشترت ماكينة خياطه بالتقسيط لأجل سد حاجة أبنتها للملابس ببضع أثواب تهواها ضعيفة الخامه.
وكذلك أجرها من تفصيل للجارات حتى انحني ظهرها واختفى نظرها انتهى.
وبالأخير وبعد طول شقاء وعناء زوجها السكير يسرقهم ببساطه!

صرخت صباح باكية وهي تصفع بيدها على قدمها قائله:
-ياااااارب، دا يرضي مين دا يارب،
اشتغل زي المكنه ليل نهار، عشان يجي نص راجل يسرق شقي السنين، يرضي مين داا، يرضي مين...
صارت تصفع وجهها تاره ورأسها وقدمها تاره أخري
والاعياء يتمكن منها أكثر فأكثر والقهر يتملكها
حتى ركنت ظهرها لحائط جانبي وهي تنتحب في حزن عظيم وشعور الصمود ينهار، ينهار تمامًا
شعرت بالوهن والأحتياج الي صغيرتها جعلها تقف بأعياء.

محاولة ضبط توزنها والأعتزام على الذهاب لحلقة السمك يدفعها أكثر من الوهن نفسه.
جذبت وشاحها الأسود ولفته على رأسها كيفما أتفق
وأتجهت سريعاً نحو حلقة السمك.

عدلت وسيلة حجابها وانتقلت من ساق إلي أخرى بعدم ارتياح من نظرات نادية التي تقلبها كل على كفافة الجوانب بعدم رضا، ثم رمقت عادل بتساؤل بسبب الصمت الذي خيم المكان منذ دلفت منزلهم، فهي لاترغب في شئ سوي أن تنطق تلك المرأة بما تريده منها لتعود للحلقة قبل ان تقتلها والدتها، كما إن نظرات السيدة تزعجها وتشعرها بالضيق والغضب الشديد، قطع تفكيرها صوت نادية المنزعج:
-أيه ريحة الزفارة دي انتي مبتستحميش؟!

رفعت وسيلة رأسها نحوها واتسعت عيناها بصدمه لوقاحتها وقبل ان تنطق سبقها عادل المرتعب:
-دي ريحتي انا يا امى ثم احنا عايشين ورزقنا من الزفارة دي.
هزت رقبتها بملل كأنها لم تقصد إهانتها ثم عادت ترمق وسيلة من اسفلها لأعلاها فانفجرت الفتاة من سوء المعاملة ووقفت قائلة:
-واضح ان مفيش كلام هيتقال، استأذنكم انا.
-أقعدي مكانك واياكي تقومي تاني من غير ما اذنلك!

أمرتها نادية بصرامة وحده أرعبتها فجلست تريح ساقيها المهتزة غير مصدقة ان تلك الأسرة ستنضم اليها قريبًا، وفكرت كيف ستستطيع التعامل مع أم زوج كريهه كتلك بل وزوج لا تطيق رؤيته، انتبهت لحديث نادية مع ولدها:
-روح شغلك يا عادل، انا عايزة وسيلة لوحدها.
ارتبك عادل وكذب قائلًا:
-لا انا هستنها عشان هوصلها انا وعدت امها بكده!
مصمصت شفتيها بعدم رضا وقالت:
-يبقى تستناها تحت يا ضنايا قوم على طول!

بعد صراع شديد داخله بين طاعة كلمات والدته ونظرات وسيلة المتوسلة بأن لا يتركها طأطأ رأسه واتجه للأسفل تنفيذًا لكلام والدته.
شعرت وسيلة برغبه شديدة بالبكاء خاصة عندما سألتها بحده:
-انتي لابسه الطرحه ليه ماتقلعيها ولا انتي قارعه!
نظرت لها وسيلة بغضب ولكنها تخشي من والدتها ان اساءت التصرف مع تلك الشمطاء وبأيدي مهتزة خلعت حجابها لتظهر خصلاتها العسلية المربوطه أعلى رأسها بعناية.

غمغمت نادية بكلمات غير مفهومه ثم سألت بخبث:
-ايه اتضايقتي عشان بقولك اقلعي الطرحه اومال لو عرفتي إني عايزاكي تقلعي كل هدومك هتعملي ايه!
طالعتها وسيلة بنظرة بلهاء لاتدرك مغزى حديثها وشعرت بانقباضه غريبة تسيطر على صدرها لتتساءل وكأن أُذنها قد خانتها:
-أقلع؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة