قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الرابع

بعد أيام على هذا المنوال ولقاءات عديدة ساخرة بين طاهر ووسيلة في حلقة السمك وحرب النظرات الدائرة بينهما بالمساء قرر طاهر اتخاذ خطوة بمساعدة صديقة الابله وليته لم يفعل.
رمق طاهر صديقه اللامبالي وهو يلوك العلكة ويتكأ بكل اريحيه جواره، فلكزه طاهر بأتهام:
-ما تروح يا جدع متستفزناش!
اتسعت ابتسامة صديقه وهو يعتدل في جلسته مؤكداً:
-لا، انا رايح معاك!
-انا استاهل ضرب القباقيب اني قولتلك تعالى اقعد مكاني!

قال طاهر بلهجة تملئها الحنق والغيظ فضحك سامح وهو يلاعب حاجبيه:
-متقلقش ما انا مش هقعد مكانك انا رجلي على رجلك عشان اشوف اللي خلتك تطلب لاول مرة في حياتك خدمه مني عشان تتصرمح وراها يا و...
تاهت كلماته الأخيرة عن أُذُني طاهر وقد داعب عيونه من بعيد جسد أنثوي ملفوف بقماش يصرخ بألوانه الزاهيو، معلن عن هوية صاحبته لا محال، فقاطع سامح وهو يمرر اصابعه بين خصلاته بتوتر:.

-ولااا، اخرس نهائي وإياك تعمل حاجه تشلني والا وديني هرميك من على المعديه!
حرك سامح اصبعيه المضمومين أمام شفتيه بحركة ساخرة تدل على التزامه بالصمت والتصق بصديقه كي يرى ايًا من تلك الحوريات فتنته، زاغت عيناه بين مجموعة الفتيات الضاحكات واتسعت ضحكته ليهتف:
-أيووة يامرسي يا ابو العباس!
-سامح ورحمة أبويا هقتلك!
هدد طاهر من بين انفاسه بعيون غليظة فأبتعد سامح لموضعه ناظرًا للجهه الاخري.

التحمت عيون الاوزة المكحلة بأحترافية بعيونه الحادة المتطلبة، وهبط طاهر بأنظاره للحلق اللامع بأنفها ليخطفه من لمعانه لون أحمر شفاها البارق كالورد البري، لمح طرف ابتسامه تلوح على شفتيها قبل ان تلتفت وتحادث صديقتها.
فعض طرف شفتيه وهو يراها تبالغ في تمايلها الهادئ أمام شوق عينيه بتحدي أنثوي صامت، خبط المحرك بكفه الكبير بأنفعال وعلو صوته النسبي خطف انتباهها مرة أخرى:.

-جاهزين ومحدش يعاتب غير نفسه على التأخير!
حركت يدها امام فمها تخفي ابتسامه حمقاء ولم تستطع منع أنظارها من التنقل نحوه بين الحين والأخر.
لاحظ طاهر نظراتها المرتبكة منذ جلست، بسعادة رفرف لها قلبه ولم يستطع بدوره كبح ابتسامه ارتسمت على جانب وجهه طوال الطريق وهو يبادلها تلك النظرات لتترعرع بينهم براعم شعور مصدره الحب لا محال ونهايته العشق والهيام.

قفز طاهر من المعديه حال وصولهم للشط الأخر خلف الاوزه ما ان هبطت وقال لسامح وهو يمشي بخطوات مسرعة:
-اربطها انت وحصلني.
حرك رأسه يبحث عنها بين الجموع المتحركة في الشوارع المزدحمة وتنفس براحة ما ان وجدها تطالع وجهت إحدي المحلات التجارية، وقف بعيدًا عنها يراقب كل تحركاتها برضا غريب وسكون.

رفعت وسيلة هاتفها الصغير تلتقط صورة لإحدي الفساتين الرائعة التصميم والصارخة أموال والكثير من الأموال، ثم نظرت للصورة ضعيفة الجودة والصغيرة نوعًا ما برضا والتفتت لتعيد الهاتف إلى حقيبتها، فدق قلبها بفرحة وشعور غريب ما أن لمحت الأسمر الجذاب يراقبها من بعيد، اعطته ظهرها وابتسمت بقوة وسعادة مفكرة، ايهاجمه نفس الشعور بمراقبتها والذي يراودها كلما لمحته؟

قاطع تفكيرها ضحكة صديقتها الرنانة فهزت رأسها حين لمحت بعض الرؤوس تلتفت نحوهم ودفعتهم بخفة للمضي في الطريق.

لا تدري لما تشعر بتلك السعادة والحرية معهن رغم سوء أفعالهن، ولكن أي شئ أفضل من البقاء حبيسة تحت جناح والدتها التي تخشى عليها من مجرد الظهور أمام احد، ابتسمت وهي تتذكر يوم حنة جارتهم عند ثقبت لها إحدي الفتيات أنفها وتذكرت هلع وجنون والدتها حين رأت الحلقة الصغيرة في انفها، المسكينة ظنتها ستفقد الوعي ولكن بالتأكيد والدتها ليست كأي والدة فقد اخذتها من خصلات شعرها واعطتها درسًا مبرحًا او كما يطلق عليه علقة سخنة لأنها تركت المخابيل أصدقائها على حد قولها بالعبث بأنفها وجعلها مثل الثور!

كانت منغمسة للغاية بتفكيرها لدرجة الهتها عن شخص أخر ينهشها بعينيه، لم يلح الشخص بتفكيرها يومًا ولكنها تنهش أفكاره وأحلامه ليله بعد أخري.
توسط عادل أبن الحاح مُسعد رفاقه الأغبياء ولكن عقله وتركيزة كاملًا كان في وسيلة التي تتمايل كالفراشة بين صديقاتها، دقائق وترك ثرثرة الرجال حوله وانطلق كالمغيب نحوها يعترض طريقها.

كتمت وسيلة صرخة كادت تنفلت منها حين اعترض طريقها بجسده، فنظرت له بانزعاج وكادت تتخطيه حين اوقفها مرة أخرى وأستطرد:
-ازيك يا وسيلة وازي الست الصباح؟
تنقلت أبصارها بين صديقاتها ونظراتهم المتعجبة لتقول بخفوت:
-الحمدلله احنا بخير!
ابتسم بصبيانية وهو يردد بهيام:
-يارب دايمًا بخير!
ضحكت إحدي الفتيات ودفعت وسيلة قائلة:
-طيب عن اذنك يا اخويا، متشكرين على السؤال!

علا صوت ضحكاتهن الخبيثه وشاركتهن وسيلة بعد مده بابتسامات متعجبة من ذاك المتطفل.
ولكن على الجهه الأخرى وقف طاهر يغلى وهو يراقب ابن الحاج مسعد الأصغر يقترب من حبيبته، حبيبته؟!، تغاضى عن السؤال بقصد ووجد نفسه يسير على مقربه من عادل ودون وعي منه دفع كتفه في كتف الشاب الهائم بتلك المتمايلة بغنج والتي سيحطم رأسها تحطيمًا.
-مش تحاسب يا اخ وتاخد بالك!
رد عليه طاهر بعنف غريب يتملكه:.

-ما تحاسب انت وتركز في حالك بدل ما انت حاشرة مع اللي رايح واللي جاي!
تعلقت أنظارهما بتحدي ذكوريٍ واهٍ لا تستطيع كاتبة بمثل جاذبيتي الأنثوية أن تصفهُ.
تجاهله عادل ثم تحرك اولاً للحاق بها واتبعه طاهر الذي يوشك على قتله بمنتصف الطريق.

جلست وسيلة مع صديقاتها على جانب الطريق يأكلن الذرة المشوي دون انتباه للغوغاء المنبعثه منهن، بينما ظلت وسيلة تبحث عن طاهر بين المارة ولمعت عيناها حين وجدته ولكنها قضبت حاجبيها بحيرة ما ان رأته يناظرها بغضب مشتعل.

اختفت الابتسامة الخفيفة من على فمها بتروي وتوتر وتظاهرت بالانشغال مع صديقاتها ولكن شاغلها الحقيقي كانت تطالعه بارتباك كل ثلاث ثوان وكاد جنونها ان يدفعها إلى التوجه اليه والمطالبة بمعرفة سبب غضبه عليها.

جز عادل على اسنانه ورأسه تنتقل بين نظراتها وبين نظرات ذلك الصياد الأحمق، كيف يجرؤ على سرقتها منه وكيف نجح في جذب انظارها وهو الهائم بها لأكثر من شهور يفشل في سرقة نظرة اهتمام واحدة منها؟، فكر باستنكار والتحمت انظاره بأنظار طاهر الغامضة مرة أخري وشعر بنار تعتريه حين قابله الأخير بابتسامه ثقة وانتصار وكأنه يظن، يظن بانه ظفر بها!، لا في أحلامك يا بغيض!

هدأ طاهر قليلًا عندما تأكد بأنه ظفر بكل اهتمامها ونظراتها بينما غريمه يقف بعيدًا يتلوى كالسمك المقلي وكم يهوى طهو الأسماك المقلية بيديه، لاحظ ارتباك وسيلة فمنحها ابتسامه راضيه ليغمره بعدها سعادة واكتفاء حين ظهرت الراحة جليه على وجهها واتبعتها بابتسامه خجلة.

في الصباح بخلقة السمك بين أصوات الباعة كان الكل منشغل بلقمة عيشه، ومنهم السيده صباح، التي برغم ألم جسدها من زوجها الهمجي، إلا أنها أنسجمت سريعا في بيع أسماكها الطازجه بينما صغيرتها تجلس جوارها بشرود، وأبتسامه خائنه مرتسمه علي شفتيها وهي تسترجع نظرات طاهر لها وما حدث بالأمس بين غضبه، بسمته، وملامحه الراضيه.
أخذت شهيق طويل وعقلها الحالم ينسج سيناريوهات رومانسية تجمعها بصيادها الجذاب.

التقطه عيناها بعد مدة في شرودها وهو يقف مع والدتها علي بُعد خطوات، يحادثها بجديه، وعيناه ترسل لها رسائل عديده لم تفهمها بوضوح، ولكنها فهمت ملامح والدتها الواجمه بوضوح وكأن حديث طاهر لم يعجبها!
تري هل أختلفا على أسعار الأسماك!

التفت رأسها بعيداً عنهما لتلمح من بعيد الشاب الذي أوقفها على الشاطئ ليسألها عن صحة والدتها ينظر لها بوقاحه، ثم ينتقل بنظراته لطاهر ملقياً إليه نظرات حادة، حاولت تذكر أسمه إلى أن تذكرته أخيراً عادل مُسعد
تشعر بشحنات غضب متبادله غير مبررة بين الأثنين!
بينما انشغل طاهر في حديثه بجديه وتوتر خفي مع السيدة صباح:
-ياست صباح أنا مش أبن أمبارح، انا الحمدلله جاهز من كله.

عندي بيت أبويا وأمي الله يرحمهم، ومعايا فلوسي الي هفتح بيهم محل سمك هيكبر أن شاء الله، ده غير أني شغال علي المعديه بليل، يبقا ايه لازمته كلامك دا؟
عضت صباح باطن وجهها بضيق لتقول بوضوح:
-هو عشان خايفه على مستقبل بنتي يبقا كلامي ملوش لازمه ياطاهر!
بص ياابني علي الابيض كدا، أنا مش عايزه بنتي تتمرمط زيي، فا أعذرني ياطاهر أديني فرصه أفكر!

ثم اتجهت جوار أبنتها متأفأفه بضيق بينما سار طاهر بعيدًا عنهما دون أن يلقي عليها سلام، كما المرات السابقه.
نظرت لوالدتها قائله بتساؤل:
-في ايه ياماما؟
طاهر كان بيقولك ايه؟
نظرت لها صباح مطولًا لتقول بنبره خافته:
-طاهر اتقدملك، عايز يتجوزك، لا وكمان مستعجل عايز يتمم خطوبه.
أنشرحت ملامحها بسعاده واضحه وقلبها صار يقرع راقصًا بفرحه لتهمس بصوت مهتز:
-طاهر، عايز يتجوزني!

تأكدت شكوك صباح حول العلاقه الخفيه بينهم لتمسك مرفق وسيله بحده قائله بين أسنانها:
-بت أنتي في حاجه بينك وبينه!
أضطربت وسيله من حدة والدتها لتقول..
-حاجه ايه ياماما، احنا عمرنا ماأتكلمنا حتي!
في ايه يا ماما هو أنتي مش موافقه؟
قلبت صباح عيناها بصمت متجاهله أبنتها التي تجلس على صفيحً ساخن، شعرت بأضطرابها وحركة قدمها بتوتر.

فأبنتها تميل لطاهر، وهذا واضح للعيان، ابنتها تهوي الشقاء، كما هوته هي مع زوجها السكير..
تزوجته مُحبه لعقله المتلاعب وقدرته علي نسج أحاديث الغرام، وها هي تجلس في سوق تبيع الأسماك، لتطعم أبنتها وتقدر علي معاشهم، بل وأيضًا تنفق علي زوجها السكير و بمعني اوضح يغصب عليها الإنفاق.
تجمع الدمع الخائن في مُقلتيها لتحتد ملامحها زاجره أبنتها:.

-بت أنتي قومي روحي على البيت، أجي الاقي الغدا معمول والبيت نضيف، يلا أمشي أنجري
فوجئت وسيله من هجوم والدتها لتقف بحيره جاذبه حقيبتها قبل أن ترمي لوالدتها نظرات دهشه
ثم غادرت.
استغل عادل فرصه خلو السيدة صباح في المكان وقد كان يتابع من بعيد، ليقف عن مقعده متجهاً إليها وعلى وجهه أمارات التصميم والأمل، ليقول لصباح الشارده بصوت مبتسم:
-أزيك ياست صباح، عامله ايه؟
أنتبهت إلى وقوفه أمامها لتقول بترحيب واهٍ:.

-أهلا ياأستاذ عادل، انا بخير
جذب مقعد وجلس أمامها بلهفه قائلًا:
-أستاذ أيه، أنا زي أبنك ياست صباح، ولا ايه.
تعجبت صباح من حديثه وتواضعه الغريب معها، لتقول مجاريه أياها بأنتباه:
-اه طبعا زي أبني أومال
-بصي ياست صباح، انا بقالي مُده بتابع المحروسه بنتك
أدب أيه وأخلاق أيه وجمال ايه، بسم الله ماشاء الله عليها
وعشان كدا أنا طالب منك الحلال، عايز أتجوز وسيله ياست صباح.

ذُهلت صباح، بل صُدمت، عادل خريج كلية التجاره
والموظف قريبًا في أحد البنوك، بل والذكر الوحيد الوريث سلسلة محلات أولاد مُسعد للأسماك الطازجه يتقدم لصغيرتها وسيله!
أبتهجت ملامحها بأشراقه لم تُخفي عن عين عادل
ولكنها كبحتها قائله بهدوء:
-لينا الشرف طبعا يابني، بس أهلك..؟
قاطعها بلهفه:
-أنا قايل لأهلي ياست صباح، وابويا قالي أجس نبضتكم الأول، عشان لو في نصيب نتقدم.

صمتت صباح وعقلها يفكر كالماكينه فربما يتلاعب بها عادل ويود قضاء بعض الوقت المرح مع ابنتها دون رباط ولكن تحت شعار أتكلمت عليها
كما انها لم تأمن لرغبته المليئه باللهفه، رغم علمها بجمال ابنتها الاصيل لتقول بعد صمت وتفكير:
-الريس مُسعد يكلمني وأنا أديك كلمتي يابني
وعلي رأي المثل الي ملوش كبير
أكمل عادل عنها بثقه:
-وأنا وكبيري هنكون عندكم الليله لو تحبي ياست صباح،
المهم ننول الرضا من ست البنات.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة