قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الخامس

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الخامس

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الخامس

جالس في المعديه وسط الماء وعقله شارد بقلق، وخوف، وضيق، السيدة صباح لم تطمئنه بردة فعلها، كلماتها كانت واضحه برفضها، رغم أنها طلبت فرصه للتفكير، ولكنه أدرك الرد صدح صوت من مذياعه القديم بصوت كئيب وكأنه أتفق مع حالته الصامته وحالة قلبه الذي ينبض بأضطراب حقيقي.

طلي عندي لما توحشيني كلميني لما تنسيني سيبتي كل ذكرى ويا غيري فوقت بس لما سبتيني، بعدك انتي كل شئ كئيب كل ما امشي ببفتكرني بيه فيكي مني كل شئ غريب زي ليل البرد مابمشي.
شعور بالجزع تملكه عند سماع تلك الأغنيه اللعينه أهي رساله!
أطفأ المذياع بعنف وهو يتنفس بحده، افكاره وقلقه يشكلان طاقه سلبيه تحيطه بقسوة، بأن وسيلة لن تكن له.

أمسك المذياع ليلقيه بعنف في ماء البحر وصدره ينخفض ويرتفع بغضب مكتومهنا وعينان حزينه تتابع هيأته الحادة، الآن علمت رد والدتها.
شهقة حزينه خرجت من فمها لينتبه الأخر لها ويلتفت بملامح واجمه يراقب وجهها الحزين، ليدرك معرفتها بالأمر وتأكيدها لظنونه فوالدتها ترفض زواجه منها.
-طاهر.
همست بصوت مرتجف قرأه على شفتيها لكنه ابعد وجهه عنها وغصة مره تسيل في حنجرته.

تلك الأوزه حزينه من الرفض القاسي وتوده ولكن والدتها حسمت القرار لتجرح كبريائه رجولتة.
زمجر بها بعنف عندما وجدها تحاول الهبوط من الصخرة لتسبح وسط الماء الفاتر من حراره الشمس البسيطه:
-وسيله روحي على بيتكم!
تجاهلت حديثه وهي تقفز في الماء برشاقه وتسبح لتصل الي المعديه التي تهتز علي الماء برتابه تتنافى مع الطوفان داخلها فهي تحب طاهر، تحبه للغايه وليس مجرد انجذاب.

ولأنها سباحة ماهرة خشي عليها من عمق الماء متذكرًا تعلقها برقبته حين كان ينقذها، ليقفز من المعديه بغضب ناري، غضب منها ومن والدتها
غضب من الرفض ومن جرح مشاعره الفتية.
التقطها يداه القويه بين أمواج البحر المتلاطمه بخفة لتهمس بصوت متهدج من تأثير الماء:
-طاهر.
أسكتها واضعاً يده علي فمها المبتل وهو يصارع رغبته بها وتأثره من ملمس شفتيها الناعمه ليقول بصوت جامد لا يعكس تأثره وحزنه:.

-هتطلعي من المايه دلوقتي وتروحي علي بيتكم واياكي تعملي كده تاني وسط الناس، واتمنى مشوفكيش صدفه ياوسيله..
أنهي كلماته وهو يرفعها على المعديه بخفه ويقفز عليها هو الأخر، أرتعشت وسيلة مستحضره البكاء، البكاء علي جموده، وأمره الصريح انه لا يود رؤيتها، لقد أستسلم طاهر من اول رفض، ويفضل الأبتعاد عن المحاوله.
همست بصوت مرتعش ظن انه من البرد ولكنه في الحقيقه مرتعش من مشاعرها المتألمة:.

-طاهر كلمها تاني، ممكن توا..
قاطعها طاهر مزمجرًا:
-امك شايفاني مش قد المئام ياوسيله، عايزالك واحد يوزنك دهب، انما تاخدي واحد عنده أستعداد يشقي علشانك لا
وطبيعي يكون رأيك زيها.
ألقي جملته الأخيرة بسخريه رغم أدراكه لميل وسيله له
لتقول بنفي وجزع:
-لالا ياطاهر، أنا أنا بحبك، وموافقه عليك و.

قطعت حديثها باكيه وهي تلاحظ جمود وجهه وصمته القاتل، سيجرحها أن تحدث، وهو يفضل الصمت لأنهاء ذلك الأنجذاب بأدب وتحضر، أوقف المعديه معلناً أن عليها الرحيل
لتنظر له بأنكسار دامعه ثم تهرب من أمامه، خاطفه قلبه معها، لقد دلفت إلى حياته لتخطف نظره، ورحلت سالبه إياه قلبه، أي عدل هذا!
تسائل في نفسه بعذاب، ضارباً خشب المعديه بقبضة يده القوية وشعور القهر يلفه بعذاب وألم.

مرت سبعة أيام عجاف على قلب طاهر ووسيلة، سبعة أيام لم يفكر أن يراها وكان يبعث بصديقه سامح ليوصل الأسماك ويأخذ المال من السيدة صباح.
لم يحاول فرض نفسه أو العتاب
بل اكتفي أن يبقى بعيدا بقدر الإمكان عن وسيلة، لأجلها ولأجل قلبه، هكذا فكر طاهر وهو يقف عن بُعد يتأمل وسيلة الجالسه بشرود جوار صباح
وصديقه يعطيها الأسماك ويأخذ منها المقابل.

فكر بحزن عميق في شرود كما حدث لوسيلة غزالته التي أصبحت شاردة واجمه تفقد حمرتها الرائعة، ولكن حزنها وشرودها لم يمنعاها من أرتداء أحد فساتينها الزاهيه أو وضع حلق الأنف ذو الفص اللامع، ضحك بشرود، هيأتها الحزينه أعطت له أمل ودافع للتقدم لها من جديد، وتلك المرة سيقنع السيده صباح، شائت أم أبت ستكون وسيله زوجته!
أفاق علي صوت سامح قائلا:
-روح أدي سلطان مستني السمك بقاله نص ساعه وأنت واقفلي كدا ياجدع!

هز رأسه بضيق وهو يتجه نحو حلقة سلطان مؤجلا الحديث مع صباح مؤقتا، ولكن كله أمل، في أسترجاع وسيله.

ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وجائت الليله الحاسمة
، ليلة قدوم عادل برفقة والده الريس مُسهد ليثبت لصباح جديته في خطوه الزواج من أبنتها وسيلة.
وقفت صباح أمام أبنتها الباكيه لتقول بحده:
-بت أنتي الناس جايين دلوقتي، تفردي وشك وهتتجوزي عادل يعني هتتجوزيه وقسمًا بالله لو رفضتي أو فتحتي بؤك بحرف قلبي وربي غضبانين عليكي ياوسيله!

لم تمتلك وسيلة إلا أن تحرك رأسها بضعف ووالدتها تعيد عليها الموشح اليومي منذ اسبوع، مرافقة تحذيراتها الكثيرة
لتبتلع رفضها بألم ولكن ما باليد حيله.
أستفاقت على طرقات الباب القويه لتدلف إلى غرفتها سريعًا بينما تولت صباح فتح الباب لهم وتولي أمور الضيافه،
لتجدهم مُحملين بأشهى الحلويات والكثير من العصائر وعُلب الحلوي والحلويات الشرقية فكان من الواضح كرمهم وبزخهم من أول لقاء في منزلها.

هتفت بأسم وسيلة لتأتي إلى المجلس كي تسلم على مُسعد وولده عادل ثم تجلس بصمت تتابع موضع قدمها بوجوم، أبتسمت صباح بقلق وحرج قائله:
-أمال فين الحجه ياريس مسعد؟
صمت مسعد تمامًا ليبرر عادل بأرتباك:
-اممم ماما تعبانه، مقدرتش تيجي، هتيجي على الخطوبه أن شاء الله ياست صباح.
حركت رأسها بأيجاب وهي تدرك رفض المرأه لأبنتها
فزوجه الريس مُسهد مغروره صاحبة لسان صلف.

وسلوك متكبر، لذا لم تنتظر مجيئها أو تتعجب من رفضها لوجود أبنتها البسيطه بينهم.
وبعد حديث طويل عن أمور الشبكه والمهر والمؤخر التي أرضت صباح بالكامل بل وزادت فرحتها ببزخ مسعد وولده
لترفع يدها بأبتسامه واسعه في النهاية:
-كدا أتفقنا على بركة الله نقرأ الفاتحه!
رفعو أيديهم ماعدا وسيلة الساكنه بمحلها بشرود ودموع رافضه لتقول والدتها محذره:
-أقرأي الفاتحه ياوسيلة.
كتمت وسيله دموعها ورفعت كفها داعيه بقلب صادق.

يااارب أجعلني من نصيب طاهر، يارب لو خير قربه مني، ولو شر أهديه وقربه مني بردو ومتجعلنيش لحد غيره
ظنت والدتها أنها تقرا الفاتحه ولكن وسيلة كانت تدعو الله قرب حبيبها إلي أن وقفت باكيه هاربة الي غرفتها غير آبهه لمسعد ولا بولده اللذان يطالعان أثرها بدهشه لتقول صباح بتوتر معلله:
-هي مكسوفه بس، أصل وسيلة بتخجل من أقل حاجه.
القت كلماتها آمله أن يصدقاها.

وبالفعل صدقاها بينما ارتمت وسيلة تدفن رأسها في وسادتها باكيه تنعي حظها العثر.

في اليوم التالي عند حلقة السمك وقف سامح مع صديقه طاهر قائلًا:
-سبحان مغير الأحوال، انت مش قولت هتكلمها تاني أنت غريب يا جدع.
قالها وهو يرفع حاوية الاسماك من طاهر لأعلى كتفه ثم تحرك في اتجاه حلقة السيدة صباح.
راقبه طاهر بحزن وهو يبتعد وقلبه يتلوى بين ضلوعه يرغب في ملاحقته ورؤيه سارقة النوم ولكنه يخشى فتح محادثة تنتهي برفض وتنتهى فرصته للأبد.

زفر واستتبعها باستغفار على ما آل إليه حاله واتجه بالحاوية الأخرى إلي حلقة سمك في الجهه المقابلة منتظرًا إنتهاء صاحب الحلقة من مكالمة يجريها، بوجه واجم يملئه الهم وعيون شاردة لا ترغب في رؤية سواها.
ولكن كلمات البائع المنشغل بمكالمته سرقت انتباهه بقسوة ومزقت آماله الخفية:
-يا سلام ده مبروك بالقوي يا حاج مسعد انت زين ما اخترت الست صباح ست جدعة وبنتها آية في الأخلاق.

وقف طاهر مصدومًا وكلمات البائع المنسابة صارت مهمشه لا يسمع منها سوى طنين أذنية، خرج طاهر من صدمته وهو يلقى يحاويته بأهمال ارضًا دون اهتمام بالبائع الذي يناديه بتعجب ما ان انتبه لزوبعته.
تحرك بعزم وغضب صوب هدفه بجسدها النحيل وجهها القاسي كقلبها المتحجر:
-هو ده اللي بتفكري يا ست صباح مش واجب بردو كنتي تقوليلي الرد قبل ما تروحي تخطبيها للمحروس ابن مسعد.

قال باندفاعيه من بين انفاسه الهوجاء فانعقد حاجبي صباح بضيق والتفتت له قائلة بصدق:
-انت مسألتش يا طاهر عشان ارد عليك وبعدين كل شئ قسمة ونصيب وانت متكرهش الخير لبنتي، لا انت هتقدر على سعادتها ولا هي حمل مرمطه يا ابني!
حملق بها بعيون يحرق غضبها الأخضر واليابس ثم نظر لتلك المزوية برأس منكسره هاتفًا قسوة:
-مبروك عليكي اللي هيقدر يسعدك!
استدار دون انتظار لأي حديث أخر يشعر بنخزات في صدره تقتله.

هرول بلا شعور للعالم حوله مبتعدًا في غضب وألم يمزق احشائه تحرك دون وجهه وسار لوقت طويل دون توقف، حتى غابت الشمس عنه، وقف يلتقط أنفاسه ثم طالع المكان الذي يجلس فيه يحاول تبين إلي أين صارت به قدميه يشعر بتيه مرير كأنه طفل صغير، صغير للغاية يكتشف لتوه أنه فقد أمان ذويه، التي تحمل الحجارة امام عينيه اسمائهم فلم يجد سوى البكاء الحارق شكوة لغيابهم ومن قسوة الزمن.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة