قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الثالث

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الثالث

نوفيلا حلقة سمك للكاتبتان وسام أسامة و دينا ابراهيم الفصل الثالث

في غرفة صغيرة بأثاث بسيط يشوبه القدم صدح صوت الهاتف الصغير فتململ طاهر في فراشه قبل أن يجذبه من أعلى وسادته ويرى المتصل، تنهد وفرك عينيه بوخم الا يزال الوقت مبكرًا قليلًا على مكالمة شقيقته الكبري المتوقعة، فكر بضيق قبل ان يجيب:
-صباح الخير يا دليله!
-صباح الفل على سيد الرجالة، عامل ايه واد يا طاهر؟
ضحك وهو يعتدل في فرشته وتثاءت وهو يجيب:
-الحمدلله سيد الرجالة الواد طاهر كويس وانتي وعيالك؟

-بخير طول ما انت بخير يا حبيبي اللمض، ايه مش ناوي تيجي شويه البنات عايزين خالهم.
فرك طاهر وجهه في محاولة للاستفاقة بشكل كامل وقال ممازحًا:
-عايزين خالو ولا طمعانين في خالو!
علت ضحكة شقيقته لتقول:
-طمعانين طبعًا ومستنينك تشور وتجوز زي ماعملت مع امهم واخواتك الاتنين ولا هي سايبه يا طاهر بيه!
ضحك بخفه ليقول:
-المهم انتي عامله ايه مع جوزك واخواتك عاملين ايه؟
-كلنا تمام وبخير ومش ناقصنا غير فرحتنا بيك!

ارتفع حاجبه ليقول متسائلا:
-تفرحوا بيا، اشمعمى؟
-الله انت مش عايز تتجوز واحدة تهننك وتدلعك، مش أحسن ماترجع مبلول وعريان بعد نص الليل!
غلب على حديثها التهكم وانهت جملتها الاخيرة بعتاب.
فحرك طاهر رأسه وهو يبتسم بغيط من تلك الجارة الثرثارة المزعجة ليجيب بهدوء:
-حبيت انزل البحر شويه بعد تعب الشغل، ايه المشكله ولا انا بنت المفروض اتحاسب؟
جاءت الاجابة سريعة من شقيقته:.

-وانا اقدر يا حبيبي انا بس خايفة عليك والصراحة انا والبنات شايفين ان اولى الفلوس اللي هتتقبض من الجمعية دي تتجوز بيها وبلاش المحل دلوقتي!
-بصي يا دليله لو فاكرين اني عشان قبلت الفلوس بتاعت الجمعية دي اني همشي ورا كلامكم تبقوا غلطانين ثم ان المحل هيقدرني ارجع الفلوس دي تاني ليكم!

-يوة اخس عليك يا طاهر، فلوس ايه ياواد اللي ترجعها دي ولا حاجه من شحطتك علينا انا واخواتك لحد ما شورتنا وجوزتنا واحده واحده رغم انك اصغرنا، الفلوس دي ولا حاجه يا طاهر وانا واخواتك لما عملنا الجمعية دي عملناها من اللي فاض منا يعني مش مأثره فينا في حاجه وده حقك علينا لو حسبت اللي غرمته علينا هتعرف ان الفلوس دي نقطه ف بحر، احنا بنقولك كده مش بنتحكم فيك لا سمح الله احنا خايفين عليك يا واد وانت قمر وفيك الطمع كده.

قفز من فراشه بنشاط فقد انعشته كلماتها الصادقة وأسعدت قلبه ثم قال بنبرة ساخرة ومراوغة:
-ايوة صح لازم تفرحوا بيا وتستوني زي ما كنتوا بتعملوا فيا زمان يا ولوود ال، ولا بلاش الله يرحمهم!
خرجت ضحكة دليله الرنانه وهي تمازحه بمكر:
-لا لا اخس عليك ده انت قلبك اسود مكنوش توكتين وشويه مانكير بنحطهملك وانت نونو وبعدين ما انت بقيت شحط اهوه وبتطلعه على قفانا واحنا ساكتين!

هز طاهر رأسه بابتسامه صادقة لينهي المكالمة بقوله:
-شوية مجانين كنت عايش معاهم، ربنا يعين جوازكم عليكم، يلا يا ستي اتفضلي روحي شوفي عيالك وسبيني اشوف اكل عيشي!

أتسعت أبتسامتها بحماس طفله وهي تأخذ الثوب ذو الألوان الزاهيه، والورد الكثيرة التي لا تفارق ملابسها، لتقول بفرحه:
-الله ياماما!
دا حلو أوي، عملتيه أحلي من الي في خيالي.
أبتسمت والدتها بحنان وهي تتابع فرحة أبنتها بالثوب التي فصلته بنفسها لأجل صغيرتها..
-تلبسيه وتدوبيه في عرق العافيه ياحبيبتي،
بس مش كفايه ورد بقا!
تمايلت بسعاده محتضنه الثوب الجديد:
-أنا بحب الورد وبحبك ياقمر أنتي.

قطع بهجتهم صوت المفتاح في باب شقتهم الصغيره ويليها حشرجه حنجره خشنه، لتبتأس ملامحهم بحزن حاد وخاصه صباح صاحبة الوجه المتورم
دلف فوزي الي غرفة الجلوس، وجلس بعشوائيه علي أحد المقاعد البسيطه لتنكمش وسيله جوار والدتها بخوف من شخصية أباها
ومن صراخه، وصفعاته وأي شيئ عنيف به ليقول بصوت خشن، وعينان زائغه:
-هاتي ٢٠٠جني ياصباح.

لم تندهش صباح من تبجح زوجها، ولكن المنصدمه هي وسيله، فا أمس لم يترك والدها أنش في جسد والدتها ألا ونال من قبضته ما يجب، والآن يجلس أمامها ببرود ويطالب بمال لم يتعب في حصده.
تحدثت صباح قاطعة استنكار وسيلة في برود مبطن بالألم الذي يكوي قلبها قبل جسدها:
-ممعيش فلوس، لا ٢٠٠ ولا حتي ١٠٠
روح شوفلك صرفه تجيب بيها السم الهاري دا بعيد عننا.

ألقت كلماتها بهدوء ثم أتجهت الي غرفتها بينما ألقت وسيلة والدها بنظرات حزينه مشمئزه، ليزداد غيظه من صباح ويقول بحده:
-قومي يابت أعمليلي كوباية شاي، واعدلي بصاتك عشان معمكيش، قومي غوري من قدامي!
دمعت عيناها بخوف لتقف سريعاً متجهه الي المطبخ لتنفيذ ما أمر به أباها، بينما وقف فوزي واتجه لغرفة صباح ليجدها منحنيه جوار الفراش تربت على الأرضية بحرص، تمعن ثوان في ما تفعله ثم صرخ بها بغيظ:.

-بقا معكيش ٢٠٠جني ياصباح؟
هبت واقفه بفزع وهي تنظر له بريبه ولكن غيظه جعلها تطمئن لعدم رؤيه ما تفعله:
-أه معيش يافوزي، وسيبني في حالي الله لا يسيئك مش هشقي وأصرف فلوسي عليك أصلي.
أقترب منها صافعا أياها دون مبرر صارخًا:
-بقا كدا ياصباح، قلة أدبك كترت والضرب مبقاش يأثر فيكي هااا، مبقاش يأثر فيكي الضرب ياوليه
كان يتحدث ويداه تسبقه على وجهها وجسدها بعشوائيه.

وهي تحاول تفادي ضرباته بحذر وحزن عميق في قلبها الملكوم، إلي ان جائت وسيله صارخه تحاول تخليص والدتها من قبضات فوزي العنيفة لتنال صفعة حادة على وجهها مصحوبة بدفعه قوية جعلتها تقع ارضًا مصتدمه بأحد احرف الفراش، لتتأوه ببكاء حاد، جعل فوزي يرتبك ويترك صباح الباكية ويخرج من المنزل بعد ألقاء زوبعة من الألفاظ البذيئه، والمتوعده لوسيله بعقاب قاسي.

تجاهلت صباح ألمها وأتجهت إلى صغيرتها الباكيه وهي تحتضنها بمواساه هامسةٍ بحنان:
-تتقطع أيده البعيد معلش يا ضنايا ابوكي المدعوق اللي بيبلبعه لحسه بس متخافيش أنا مش هسيبك للحظة لوحدك في البيت معاه ومن بكره هاخدك معايا الشغل، اهدي ياضنايا عشان خاطري.
احتضنت وسيلة والدتها بذعر وانغمست كلتاهما في حزن عميق يحاوطهم.

أصوات البائعين الذين يصيحون للمشتري ان يزور بضائعهم ملئ
المنطقة ومنهم والدتها الحبيبه، التي تصيح معهم بصوت مبحوح
ترتق الدمع في مقلتي وسيله وشعور الشفقه والحزن علي حال والدتها يغمرها بقسوه، كيف تتحمل والدتها كل هذا بصمود، بصمود أمرأه قويه تحارب في معركه لا أحد يعلم عنها شيئ..
خطف أنتباهها قدوم طاهر من بعيد وعلي كتفه حاوية السمك كما رأته المره السابقه..
ولكن لما يخفق قلبها هكذا؟!

ولما تشعر بالأضطراب!
ولما تشعر بتوهج وجنتيها بتلك الحراره اللاهبة وهي تتذكر مشهد تلامسهم البرئ في الماء
واخيرًا لما تشعر بذلك الأنجذاب نحوه!
نظرت لهيئتها سريعًا تهندم نفسها بأهتمام بالغ ثم أعادت النظر إليه مرة أخرى تراقب تفاصيله السمراء الجذابه وهيأته القويه وخصلاته الناعمه، وكل مافيه يجعلها تضطرب، تخجل، وتهيم..

أنتبه طاهر لنظراتها الشاردة به لتتسع أبتسامته وهو يدرك فيما تفكر ولكنه تجاهل وجودها تمامًا ليقول لصباح:
-ازيك ياست صباح، صحتك عامله ايه دلوقتي؟
أبتسمت صباح بأمتنان لذلك الشاب الخلوق:
-الحمدلله يابني أحسن، أنت عامل ايه؟
أنزل حاوية السمك أرضًا وهو يرمي نظرات ضاحكه لوسيله المنكمشه بضيق وخجل:
-أنا زي الفل ياست صباح.

أنشغلت صباح في تفحص الاسماك بينما تفرست عيناي طاهر بتلك التي ترتدي فستان بألوان زاهية كما حجابها
ولكن حلق أنفها غير موجود!
كاد أن يكمل تفحصها ولكن جذبته عينان أخري تتفحص وسيله بوقاحه، عينان يعرفها جيدا، عينان عادل مسعد..
حول أنظاره بحده لوجه وسيله التي لازالت شاردة بوجهه
لتلين ملامحه فور معرفته بأنها ليست منتبهه للأخر من الأساس، ليسألها بصوت اجش:
-أزيك!
شقت أبتسامه ناعمه ثغرها لتقول بهمس لم يصله بوضوح:.

-كويسه.
ثم أتصلت عيناهما بمشاعر فوضاويه وذلك الشعور بالانجذاب الذي يجرهم من قلوبهم جراً.
قطعت صباح تواصلهم لتقول بأنتباه:
-تمام ياطاهر،
عدي عليا أخر النهار عشان تاخد حق الصيده متقلقش همشي متأخر.
قطعت كلماتها وهي تلاحظ نظراته اللامعة كالنجوم في الفجر والموجهه إلي صغيرتها وسيلة قبل ان يهز رأسه كي يخرج من تيهه وبصمت تحرك مبتعدًا مكتفي بجر حاويته الفارغة خلفه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة