قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

كانت تجلس ((شمس,)) في حديقة القصر تستنشق الهواء بعمق وهي تُفكر في مصيرها مع سليمان؟!
ما الذي ينوي فعله معها؟! هل سيجعلها تحمل فقط لتأتي بالولد؟! وبعدها سيتركها ذليلة وحيدة؟!
وإن لم تأت به؟!
كل هذه التساؤلات دارت بخلدها منذ الوهلة الأولى لها معه وحينها وجدت أنها الخاسرة في كل شيء لذا ابتسمت ساخرة وأغمضت عينيها قائلة في نفسها:
-عشان خاطر حرقة قلبي يا سليمان وعشان استخدامك ليا هدمرك..

فتحت عينيها وصُدمت به يقف أمامها بشموخه، ابتلعت لعابها بخوف وحملقت به بارتباك، وبعد صمت طويل قال بصوت أجش:
-كنتِ سرحانة في إيه؟!
-ولا، ولا حاجة عادي..
ضاقت عيناه بغموض وقال بهدوء:
-تمام، أخبار التحليل إيه؟!
قالت بتوتر:
-لسة معملتش..
رد محتدا:
-ليه؟!
-مكنتش فاضية!
ضغط على نواجذه وتابع بضيق:
-تعمليه وتقوليلي النتيجة، مفهوم؟!
لم ينتظر منها رد وانصرف على ذلك، فقالت في وليجة نفسها:.

-عاوز تاخد كل حاجة! دا في أحلامك يا سليمان!

سار سليمان عدة خطوات في حديقة القصر ليجد فتاته جالسة تحت شجرة ما ويبدو عليها الحزن الشديد , نظر لها بأسف وراح يجلس جوارها ببساطة ومسد على شعرها قائلا بحنو:
-ندى حبيبتي مالك قاعدة كدا ليه؟!
رفعت الصغيرة رأسها إليه وقالت بهدوء؛
-زعلانة يا بابي..
-من إيه يا حبيبي؟
-منك أنت يا بابي..
تنهد سليمان تمهيداً ممدوا بعمق فهو كان يتوقع هذه العبارة منها، فقال متسائلا:
-ممكن أعرف ليه؟
-عشان أنت مش بتحبني!

صدمه ردها عليه، فرفع وجهها إليه قائلا ببعض الحدة:
-ليه بتقولي كدا يا ندى دا أنتِ أغلى حاجة عندي.
قالت ندى ببراءة:
-أنت مش بتحبني ومش بتحب أي بنت في الدنيا عشان لو بتحبني يا بابي كنت مش هتتجوز على مامي عشان يبقى عندك ولد ولو بتحب البنات مكنتش هتضرب مامي، لأن مامي بنت وأنت بتضربها واللي بيحب حد مش بيضربه ومش بيزعله..
سليمان وقد انتابته دهشة كبيرة:.

-أنتِ عرفتي الكلام دا منين يا ندى؟ الكلام دا كلام كبار يا حبيبتي.
ردت الصغيرة وهي تمط شفتيها:
-بابي أنا عندي ١٠ سنين أنا فاهمة كل حاجة وبسمع كل الكلام اللي بتقولوه مش بيكون قصدي اتصنت بس الصوت بتاعكم بيكون عالي أوي..
صمت سليمان بضيق وهو ينظر إلى الفراغ، فأكملت الفتاة:
-بابي أنا ممكن أكون سندك لما أكبر مش شرط أكون ولد.

-عارف يا حبيبتي بس مهما كان أنتِ ضعيفة ومحتاجة حد يحميكي أنا يا حبيبي مش هعيش العمر كله لكن لو ليكي أخ هيحميكي وهيكونلك سند...
الفتاة بعقلانية:
-وأنا يا بابا هعيش العمر كله؟أو أخويا هيعيش العمر كله؟ ممكن يا بابي نموت صغيرين...!
الأب في حالة استغراب شديدة:
-ما شاء الله يا نودي إيه العقل دا؟ وازاي بتقدري تفكري كدا..
ندى وقد قالت باسمة:.

-مامي دائما بتفهمني وبتخليني أقرأ حاجات كتير تفيدني بصراحة يا بابي مامي كويسة أوي ممكن تسيب طنط شمس ومش تحرق قلب مامي؟ بليز يا بابي بليز..
ابتسم سليمان وضمها إلى صدره قائلا بحنين:
-مامي دي أجمل حاجة في الدنيا يا ندى...
ابتسمت ندى وأكدت على قوله قائلة:
-فعلا يابابي، بس ممكن تراجع نفسك؟!
هز رأسها باسما وقال:
-حاضر يا حبيبتي...

بعد مرور يومين...
تمنى سليمان لو أن هذا كان كابوسا، تمنى لو يستيقظ الآن ويجدها جواره!
هل ذهبت بالفعل؟!
هل تركته يتألم ورحلت عنه؟!
كيف تم هذا؟!
وهو الذي وضع رجال شُداد، حُراس عليها، فكيف خدعتهم وهربت منه؟!
هل هان عليها سليمان لتتركه يموت وهو على قيد الحياة؟!
لا لن يتحمل بُعدها عنه، لن يتحمل أبدا...
صرخ وطاح بكل شيء موضوع أمامه في قهر إلى أن جُرحت يده، وكاد يبكي!
سليمان باشا يدمع!

حسرةً وألما عليها، على حبيبته..
هكذا يُحبها بعنف..
الأمر ليس بيده، لقد وضع الله محبتها داخل قلبه بهذا القدر الكبير، وجودها حياة وبُعدها موت!
فكيف السبيل إلى حياته الآن؟!

فُتح الباب وولجت منه السيدة (عِفت ) على مقعدها المتحرك في أسف، تحركت ناحية إبنها الذي كانت حالته يُرثى لها وأصبح في ضياع تام..
ثيابه غير نظيفة، شعره مشعث، عيناه ذابلتان..
بحث عنها ولم يجدها، لم يذق النوم منذ رحيلها عنه، لم يتذوق طعام...
لم يتذوق الحياة فهي الحياة!
هو من أضاعها يعلم ذلك..!

-سليمان، يابني متحرقش قلبي عليك، أنت بقالك يومين متدوقتش طعم الأكل ولا بتنام ولا بتشوف شغلك، ليه كل دا يا حبيبي بُعدها مش نهاية العالم!
-لا نهايته!
هكذا صاح بغضب، وتابع في مرارة:
-أنا بحبها بحبها يا أمي مأقدرش أعيش من غيرها هي وبنتي حد يفهمني بقى لوجه الله!
-كانت معاك ولو بتحبك مكنتش سابتك يابني..
سليمان وقد نظر لها بحدة:.

-كفاية ظلم ليها بقى!؛أنا اللي خلتها تعمل كدا وتسيبني وأنتي كمان يا ماما! على الأقل كنتِ وقفتيني عند حدي فوقتيني، قوليلي متتجوزش وارضى بنصيبك بس أنتي طاوعتيني وكسرتيها بكلامك زي ما أنا عملت!
صمت يجاهد في ضبط أعصابه، ثم تحدث من جديد:
-سبيني من فضلك لوحدي..
تنهدت الأم بقلة حيلة وكادت تخرج من الغرفة، لكنها وجدت (شمس) تلج إلى الغرفة ومعها كأس من العصير، ابتسمت لـ سليمان وأعطته الكأس قائلة:.

-حبيبي اشرب دا يروق دمك...
قبل أن يصدر منه أي رد، دخل أحد الغرفة مندفعا وأطاح بالكوب فتهشم الكوب على الأرض..
ونظر الجميع بذهول إلى الخادمة التي تصرفت بطريقة غريبة وجريئة!
قالت عفت بصدمة:
-إيه اللي عملتيه دا يا بنت؟
فقالت الخادمة وهي ترتجف خوفا:
-العصير دا محطوط فيه حاجة يا باشا أنا كان لازم أمنع حضرتك منه حتى لو عيشي هيتقطع بعدها..

اتسعت عيني سليمان ونظر إلى شمس بذهول، شمس التي انقضدت عليها تُكذبها وتعنفها صارخةً بوجهها، نهض سليمان وأبعدها عنها بعنف لدرجة أنها سقطت على الأرض..
صاح بصوت كاد يهز الجدران:
-أنا مصدقها حتى من غير ما تحلف، مصدق إنك تعملي كدا وأكتر، أنتِ أكبر غلطة عملتها في حياتي يا شمس، أنتِ طالق، طالق، طالق!
نهضت متحاملة على نفسها وهي تشعر بأن لديها نزيف عميق في قلبها الجريح..
قالت بنبرة واهنة:.

-كنت عارفة إنك هتعمل كدا في أي وقت، بس تعرف أنا بتمنى ميادة مترجعش لك تاني وتسيبك تتألم ولا تطولها ولا تطول الولد اللي بتتمناه وبتمنى بنتك تموت ومتلحقش تتهنى بيها..
صفعها بقسوة هادرا:
-اخرسي، يا مريضة!
ضحكت بهستيرية قائلة:
-أقولك على حاجة كمان؟! أنا كنت باخد حبوب منع الحمل عشان محققش اللي نفسك فيه إيه رأيك؟ طلعت مغفل مش كدا..؟

جذبها من شعرها وجرها جرا خارج الغرفة وعلى الدرج ومن ثم أسرع يلقها خارج القصر صارخا باهتياج:
-براااا، مش عاوز أشوف وشك تاني..
أغلق الباب وهبط متهالكا خلفه وهو يشعر أن الحياة ضاقت عليه وبشدة!
أين ميادة!
أين هي ليرتمي بين أحضانها، فيزول همه بعدها...
لمَ غابت شمسه المُشرقة وتركته بين غياهب الليل الحزين...

وكانت السيدة عفت تراقبه من أعلى الدرج بعينين دامعتين وهي تشعر بالعجز الشديد عن مواساته، فما كان منها إلا أن تحركت في سرعة إلى غُرفتها والتقطت هاتفها بين يديها ثم أجرت اتصالا على ميادة، لكنها لم تجد رد منها..
كررت الاتصال وأيضا لا رد، إلى أن يأست في أن ترد عليها...

وتمر الأيام، يوما خلف آخر والحنين يزداد لدى سُليمان..
كان يوميا يتصل عليها..
لا بل كل ثانية!
لكنها لم ترد عليه قط..
لقد كان يبكي حقا، اجتاح قلبه الشوق لها ولفتاته الصغيرة..
غيابهما شكل فارقا كبيرا جدا...
اتصل على والديها مرارا وتكرارا وتوسل لهما أن يخبراه بمكانها، لكن الرد منهما كان منعرفش عنها حاجة ..
فيزداد حزنه وتضيق دنياه أكثر..

مر إسبوع على غِيابها، ليال عجاف وأيام ثقيلة كانت كفيلة أنها تُمرضه...
شعر بضعف قواه رويدا رويدا جراء طعامه القليل جدا وشرابه...
وحزنه الشديد قضى على ثباته، ليقع أسير مرضه على فراشه الخاوي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة