قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والأخير

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والأخير

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والأخير

أسرعت الخادمة إلى الهاتف وأجرت اتصالا على ((ميادة)) كي تُخبرها بحالة زوجها بناءً على تعليمات منها!
تلقت ميــادة خبر مرضه كالصاعقة فجحظت عيناها بصدمة ودق قلبها بعنف شديد...
أغلقت الهاتف بلا مقدمات وراحت ترتدي ملابسها وهي تحاول الصمود أمام الصغيرة حيث قالت بحسم:
-ندى يلا حبيبتي هنروح لبابا..
الصغيرة بفرحة:
-بجد يا مامي..؟
أومأت ميادة وهي تحبس عبراتها بالكاد وأكملت ارتداء ملابسها وذهبت بصحبة الفتاة...

وصلت إلى القصر بعد مرور بعض الوقت..
وهرولت إلى الداخل في قلق بالغ، توجهت نحو غرفتهما وفتحت باندفاع ذاهبة إليه..
كانت والدته تجلس على كرسيها المتحرك أمامه وتدعو له..
جلست ميادة جواره ومسدت على جبهته فكانت حرارته مرتفعة للغاية..
يتعرق بشدة، وأنفاسه في صعود وهبوط..
مالت عليه تُقبله بحنين وهي تهمس باسمه، ليأتها رد والدته:.

-مكنتش أعرف يا ميادة إن غيابك عن إبني هيعمل فيه كدا، يا بنتي لأول مرة بترجاكي وبقولك متبعديش عنه أنا متأكدة إنه هيخف طول ما أنتِ جنبه...
ولو لساكِ زعلانة مني على اللي عملته معاكي سامحيني واعتبريني زي أمك بس متبعديش عن سليمان..
أومأت ميادة برأسها وهي تنظر له بحزن قائلة من بين دموعها:
-مش هبعد عنه أبدا، أبدا..
راحت تقبل كل إنش في وجهه وتمسح على رأسه بحنو، فسمعته يهذي ويقول:
-ميادة، ندى، ميادة...

فردت وقالت:
-أنا جنبك..
خرجت السيدة عفت بصحبة حفيدتها ندى وتركتها معه، فقامت ميادة تعالجه بوضع الكمادات على جبينه وكامل وجهه وهي تحدثه قائلة بأمل:
-هتبقى بخير يا سليمان وهتفضل سندي وسند بنتك دايما يا حبيبي..

ظلت تفعل له الكمادات لفترة دامت إلى ثلاث ساعات متواصلة، . وحينما شعرت بانخفاض الحرارة قامت لتتوضأ وأدت ركعتين صلاة شكر لله، ودعت له أن تتحسن صحته وتعود عافيته..
وبعدها راحت تتدثر جواره وأغمضت عينيها متعبة، ثم غطت في نوم عميق..

وفي المساء...

فتح ((سليمان)) عينيه ببطء وهو يشعر بثقل شديد في رأسه وثقل آخر على صدره!
هبط بنظره إلى صدره واتسعت عينيه بصدمة عارمة يشوبها فرحة ليس لها مثيل...
دار بعينيه في أنحاء الغرفة وهو يدعو أن لا يكون هذا حلم وسيستيقظ منه بعد قليل!
ميادة؟! ميادة معه بجواره؟! هذا ليس بحلم؟!
لا هو يشتم رائحتها ويشعر بها جيدا وهو الآن في كامل وعيه!

وضع يده برفق على ذراعها وخفق قلبه بشدة، أغمض عيناه متألما من شدة صداع رأسه لكنه عاد يفتحهما مرة ثانية ونظر لها وقد تهللت أسارير وجهه رغم إعياءه..
-ميادة!
همس اسمها وهو ينتظر أن تفتح عيناها الحبيبتان، وبالفعل انصاعت لندائه الخافت واستيقظت برفق رافعة وجهها إليه وكأن الكون كله أضاء له في هذه اللحظة...
تأمل ملامحها عن كثب وفي صمت، البوح كان مشاعره التي ظهرت في عينيه الواسعتين...
-حمدلله على سلامتك..

هكذا قالت بخفوت شديد وهي تضع يدها على جبهته تتحسسها، ثم قالت متنهدة:
-الحمدلله الحرارة نزلت...
ظل ينظر لها بصمت وهي ابتسمت له بدورها، لتقول هي تمسك أرنبة أنفه بمرح:
-وحشتني..
أغمض عينيه وجذبها من يدها إليه وعانقها بقوة واشتياق شديدين..
ثم أرخى ذراعيه عنها وهو يقول بحزم هادئ:
-كنتِ فين المدة دي كلها؟ وازاي تتجرأي تعملي كدا؟!
هو سليمان، لن يتغير..
ضحكت بخفوت وهي تقول له بمزاح:
-أنت لسة زي ما أنت؟!

-كنتِ فييين ردي!
ردت كي تُريحه:
-كنت في بيت جدي الله يرحمه، بيت متعرفش عنه حاجة ماما كانت شايلة معايا مفاتيحه، ومتخافش البيت فاضي مفهوش حد وفي منطقة هادية ومتكلمتش مع حد خالص اطمن..
نظر لها بعتاب شديد وفاجئها بقوله:
-هونت عليكِ؟!
تنهدت بعمق ونظرت إلى عينيه قائلة:
-كان لازم أعمل كدا عشان مكنتش هقدر أستحمل إني أعيش معاك من غير ما أخد موقف..
ثم صمتت قليلا وعادت تتكلم بابتسامة.

-أو أديك درس يغيرك، بس معرفش غيرك ولا لأ؟ قولي أنت اتغيرت ولا لأ؟!
صمت مغلقا عيناه بارتياح شديد لفترة قصيرة إلى أن قال بنبرة جامدة تبدو مرحة:
-أنا اتربيت من أول وجديد..
ضحكت برقة وقبلت رأسه بحب، ليقول وهو ينظر باشتياق إلى عينيها:
-أخف بس وهربيكي أنتِ كمان يا ميادة..
-سماح بقى يا حبيبي..
قالتها بدلال وخجل، ليقول متسائلا:
-قوليلي إزاي عرفتي تهربي مني؟!
ضحكت وقالت:.

-قلت لك كتير أنا لو عاوزة أمشي همشي لو حطيت ألف واحد صح!؛
قال بنفاد صبر:
-طب انجزي وردي!
-سميرة كان بتساعديني في الموضوع دا، (الخادمة)..
-إزاي؟!
شرحت له التفاصيل قائلة:
-سميرة لها أخت متجوزة بتيجي كل فترة تزورها هنا وأختها دي منتقبة، أنا بقى أخدت النقاب منها وعيالها وخرجت من القصر..
أنهت جملتها ضاحكة على تعبير وجهه المذهول، ليقول بنبرة شرسة:
-سميرة مرفودة من القصر!

-لا يا سليمان بالله عليك أنا اللي طلبت منها هي ملهاش ذنب! وبعدين يا أخي لو عاوز تعاقب حد يبقى أنا!
نظر لها في غيظ:
-هربيكي!
ضحكت مرة أخرى وأراحت رأسها على صدره بارتياح، فوضع يده على ظهرها مبتسما برضى، ليقول بعد دقائق:
-فين ندى؟
-مع جدتها..
قال بشوق:
-اندهي لها وحشتني..
أومأت في طاعة وذهبت لتفعل...
جاءت الفتاة بعد قليل واستقرت في حضن والدها الذي قبلها بشوق كبير وهو يقول بنبرة حانية يشوبها بعض العتاب:.

-كدا برضوه يا نودي تبعدي عن بابا كل دا؟!
هزت الفتاة كتفيها وقالت هادئة كعادتها:
-معلش يا بابي أنا أسفة، بس كان لازم أسمع كلام مامي عشان نقدر نبقى كويسين وبس يا بابي..
رفع سليمان حاجبه ونظر إلى ميادة قائلة:
-نسخة منك..!
ابتسمت ميادة برقة، فقال سليمان بانهاك:
-هاتي علاج الصداع راسي هتنفجر...
ميادة بجدية:
-الصداع دا من قلة الأكل، الأكل نص العلاج، لازم تاكل الأول، نودي يلا انزلي قوللهم يجيبوا أكل بابا..

-تمام يا مامي..
انصرفت الفتاة وهي تركض بينما ابتسم سليمان بارتياح وهو يقول:
-شكرا عشان رجعتيلي تاني يا ميادة، وأسف على كل اللي عملته الفترة اللي فاتت..
ميادة وقد ابتسمت:
-بتتأسف على الفترة اللي فاتت بس؟ المفروض من يوم ما بقيت حرمك!
ضحك قائلا:
-متسوقيش فيها بقى..
-بحبك، بحبك يا مجنني ومدوخني..

حضر الطعام بعد قليل، وبدأت تطعمه ميادة بيدها وتناول منها سليمان الطعام بارتياح شديد، مستمتعا بملمس أصابعها على شفتيه...

مرت الأيام وتحسنت حالته الصحية وأصبحت جيدة واستعاد كامل عافيته...
عدة شهور مرت ما بين حب وشجار، شجار وحب...
لا تخلو الحياة من غيرته...
مازال يغير عليها حد الجنون، ومازالت تغفر له كل شيء رغم كل شيء!

مـــــر عام...

حدثت فيه أحداث كثيرة وكان أعظم حدث على الإطلاق في هذا العام هو حمل ميادة!
بعد سنوات طويلة لم يحدث حمل لكن الله أراد الآن!
والأدهى من ذلك أن الطبيبة المتابعة لحالتها أكدت أن الجنين ولد!
يا لفرحة سُليمان...
فرحة عارمة قوية وسعادة جلية..
حلمه أخيرا على وشك أن يبقى حقيقة..
وها هي ميادة تسير في حديقة القصر ذهابا وإيابا بناء على تعليمات الطبيبة ولـ اقتراب موعد ولادتها..

كانت تضع يد على بطنها المنتفخ ويد على جبينها المتعرق...
تعرقل قدمها في شيء ما وكادت تسقط لولا وجود احد أفراد الحراسة الذي أمسك يدها يمنعها بالسقوط..
فشكرته بود وهناك من عنفه بمنتهى الحدة!
لقد كان سليمان الذي أتى من خلفه ونار غضبه تزداد، ليقول بصوت صارم:
-مش عاوز أشوفك في القصر دا تاني برااا
-يا باشا أنا...
-برا بقولك برااااا
توسعت عيني ميادة بغضب وسارت من أمامه تزفر بضيق شديد، فأسرع خلفها يقول بغضب:.

-استني يا هانم!
-مافيش فايدة فيك هتفضل ظالم..
جذبها من يدها إليه وقال محتدا:
-ماينفعش حد يلمسك..
-كنت هقع كنت هقعععع والراجل لحقني
-ولو برضوه ماينفعش
-طب رجع الراجل الشغل ربنا مايجعلك من قطاع الأرزاق عشان خاطري يا سليمان أنا داخلة على ولادة وعاوزين ربنا يكرمنا..
زفر بحدة وقال:
-حاضر هرجعه بطلي زن بقى..
هزت رأسها وصمتت، فقال:
-ومتزعليش الزعل غلط عليكي..!
-حاضر، حاجة تاني؟
-اه، بحبك جدا..

ضحكت ومسكت يديه الاثنين معا قائلة:
-مجنون والله..

بعد مرور شهر، في مستشفى الولادة..
خرجت الممرضة تقول بفرحة عارمة وهي تحمل المولود:
-مبروك يا أستاذ، بنوتة زي القمر..
سليمان بصدمة وهو يحمل الطفلة مرددا:
-بنوتة!
ظل ينظر إلى الفتاة متأملا ملامحها وهو يردد قائلا:
-سبحان الله! اومال الدكتورة قالت ولد ليه!
لكنه ابتسم قائلا وهو يقبلها برفق:
-ربنا عاوز كدا، الحمدلله...
دخل بها إلى غرفة زوجته وراح يجلس جوارها قائلا:
-حمدلله على سلامتك يا قلبي أنا..

-الله يسلمك يا حبيبي، وريني بنتي..
أعطاها إياها برفق شديد وقال بمرح:
-كان نفسي يكون ابننا يا ميادة!
ميادة بارهاق:
-تاااني يا سليمان قول الحمدلله غيرنا مش لاقي
-ألف حمد يا ميادة...
-سبحان الله الدكتورة أكدت أنه ولد بس ربنا فوق كل شيء يا سليمان
سليمان مؤكدا:
-ونعم بالله يا حبيبتي، بس دا ميمنعش إني مش هيأس لحد ما أجيبه..
ختم جملته بقبلة على جبينها، لتقول متنهدة بحب:.

-مش عارفة أعمل فيك إيه! ومين قالك إني هعملها تاني أصلا..
-مش بمزاجك أصلا! بمزاجي أنا..
-سليمان!
-ميادة!
ضحك خاتما حديثه وأضاف كلمته الأخيرة:
-بحبك...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة