قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

نوفيلا حرم سليمان باشا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

عاد ((سُليمان )) من شركته ومقر عمله مساءً حيث يمتلك مجموعة شركات هائلة تُسمى بشركات سليمان باشا...

أغلق باب الغرفة وأخذ يتنفس بعمق ويحاول ضبط أعصابه الثائرة والتحكم بها قدر استطاعته، بينما تتجه ((زوجته)) إليه وتخلع عنه سترته بهدوء وابتسامة، بينما يجلس بانهاك على طرف الفراش وتهبط هي بدورها لتخلع عنه حذائه والإبتسامة لا تفارق وجهها، نظر لها مطولا يحاول أن يبادلها الابتسامة أو نظرة الشغف التي في عينيها لكنه يعجز!
ماذا فعل بنفسه!

أظلمت الدنيا في عينيه وحلت عليه غياهب الحزن، منذ تلك الليلة التي تزوج بها للمرة الثانية وكانت القهرة له ولحبيبته ((ميادة)) لقد كسر قلبها، القاسِ!
ولم يكتف بعد! مازال يكسرها ويقهرها أي حب يذعمه هذا؟!
تذبحه نظرة عينيها وتقتله دموعها قتلا بلا شفقة!

-حبيبي مالك؟!
انتشله سؤالها من شروده ويديها اللتين راحتا تدلكان كتفيه بحنان، فابتعد عنها بصمت قصير ونهض واقفا ليقول بصوته الأجش:
-نامي أنتِ هتمشى شوية في الجنينة وبعدين هبقى أطلع وأنام..
فقالت بضيق:
-تمام..

خرج من الغرفة وكأنه يهرب إلى ملجأه، بخطوات سريعة تُشبه الركض اتجه إلى غرفته الثانية الدافئة التي تضم بين جدرانها حبيبته ميادة عشقه وجوهرته الثمينة..
فتح بمفتاحه وولج بهدوء ليجدها نائمة وتبدو متعبة..
حبيبته المسكينة، الشرسة!
مسكينة في عشقها له!
وشرسة في تمردها عليه..!

ابتسم واقترب من فراشها وجلس جوارها تماما بحذر، ولم يلمسها خوفا من أن تستيقظ وتثور عليه وتبعده عنها، يكفي أنه بجوارها الآن يستنشق عبيرها المنتشر في أرجاء الغرفة، آهٍ يا ميادة، يا ملاذي الوحيد.

لم يستطع الصمود أكثر من ذلك واقترب منها بتمهل إلى أن قبّل وجنتها برفق وشوق، لكنها استيقظت على إثر القبلة ثم انتفضت جالسة وصرخت بوجهه بحدة قاسية:
-إيه اللي جابك هنا؟!، ابعد عني..
زفر بضيق ولم يبتعد عنها بل قال بغضب:
-كفاية بقى يا ميادة أنا مش هسكت على اللي بتعمليه دا كتير أنتِ فاهمة؟!
نهضت عن الفراش بعنف بعد أن دفعته في صدره باشمئزاز وكأنه أصبح شخص تبغضه بشدة ليس حبيبها الذي كانت ترغبه بشدة!

ومن ثم صاحت بتمرد:
-مش هتسكت؟!، يعني هتعمل إيه يا سليمان باشا؟! أنا مابقتش أخاف منك! ميادة بتاعة زمان دي تنساها خالص أنت فاهم؟!
توسعت عيناه بغضب شديد وذهول!
لم يصدق ما تقوله زوجته!
وماذا كان ينتظر منها بعد أن كسرها بيده، بكامل إرادته وكامل جبروته أيضاً!
نعم هي زوجته، تتحداه، تثور عليه وتتمرد ولن تخشاه بعد اليوم..
-ميادة!

هكذا صاح بصوت جهوري وهو يقترب منها بضيق شديد يجتاح صدره، بينما يشير لها بسبابته محذرا:
-اصحي لكلامك يا ميادة واعرفي إنك بتكلمي جوزك تمام؟
-مش تمام!
صرخت واستأنفت:
-مابقتش بعتبرك جوزي أصلا...
وما إن ختمت جملتها تلك حتى تلقت منه صفعة قاسية أسكتتها وجعلت شفتيها تنزف، لكنها لم تتخل عن تمردها بعد ودفعته في صدره صارخة:
-طلقني يا سليمان مابقتش عاوزة أعيش معاك هو بالعافية يا أخي!

وانهارت باكية بمرارة، ليجذبها بعنف إلى صدره ويضمها إليه في عناق قاس وكأنه يثبت له ولها أن أحضانه هي فقط مقرها!
ومهما ثارت هي أو غضب هو ستسير الحياة وهما معا وكما يريد هو لن يسمح لها بالابتعاد بالطبع!
المسكينة تظنه يتركها ولو للحظة واحدة!
-بحبك، بحبك يا ميادة...
راح يهمس في آذنيها بنبرةٍ كانت قادرة على تهدئتها رغم ثورة قلبها، تشعر بصدق قوله ولكن فعله!
يا للعجب يا سليمان، تعشقني وأنتَ لي السجان!

شدد من احتوائه لها وكرر بنفس النبرة ولا حبيت ولا هحب حد قدك مهما كان، أقسم لك يا ميادة
وبنبرة هادئة قالت بعد أن رفعت رأسها إليه بالكاد:
-إزاي وأنت كسرتني وروحت اتجوزت عليا عشان أسباب تافهه؟ أنت بتفكر إزاي؟ إزاي بتحبني؟ إزاي إزااااي أنت مجنون أكيد مجنون!
ابتسم بثبات تام وراح يمسح على وجنتها ثم على شعرها ثم يعود ويضمها مرة أخرى إلى صدره ويتنهد بعمق ويخبرها:.

-مجنون ومهووس بيكي أنتِ يا قلبي، والله قلبي يا دودو...
عجيب...
هو إنسان عجيب غريب ماذا يفعل بها؟!
هل يلعب بها ويحركها كيف يشاء؟!
ويا للعجب إن مشاعرها تجاهه تتحرك كما يريد يؤثر عليها بشكل قوي جدا، عشقه كالخدر حين يتخلل في ثناياها تكاد تفقد وعيها..
شعر بسكونها التام بين ذراعيه، فابتسم بثقة وحملها بخفة وكأنه أيقظها بذلك!
فأفلتت من بين ذراعيه وابتعدت في سرعة عنه واستجمعت ثباتها وهي تعيد عليه السؤال بحدة:.

-مجاوبتش على أسئلتي وعمال تتهرب؟!
-مابتهربش وأنتي عارفة الإجابة كويس!
-إجابة مش مقنعة وكلها تفاهات!
-بنتنا يا ميادة عندها ١٠ سنين ومن ساعة ما خلفتيها ماحصلش حمل تاني وأنا بكبر بقى عندي ٤٠ سنة ولازم أجيب الواد بأي طريقة حتى لو مش منك..
ابتسمت بسخرية مريرة:
-أنت بني آدم أناني ومش بتحمد ربنا يا سليمان!
ضيق عيناه وجلس على الفراش بهدوء وراح يسند ظهره على ظهر الفراش قائلاً باسترخاء استفزها:.

-بطلي غلط بقى يا ميادة أنا ساكت عن كلامك ومش راضي أزعلك فمتسوقيش فيها بقى أوك؟!
-أنت مستحمل نفسك كدا إزاي يا سليمان بجد؟!، مش ملاحظ إنك مستفز ودمك تقيل؟!
رفع حاجبه واتسعت عينيه قليلا مع قوله:
-أنا دمي تقيل؟!
-أيوة..
-مقبولة منك يا ميادة، ممكن تيجي جنبي بقى عشان ننام الوقت أتأخر!
كشرت عن جبينها وهي تسأله بغضب:
-نعم؟ أنت هتنام هنا؟
-اه عندك اعتراض؟!

-أيوة طبعا عندي اعتراض ما تروح عند مراتك التانية أنا مش عاوزاك ولا طايقة ريحتك حتى!
-يا ميادة بجدد هتغابى عليكي لمي نفسك!
-طلقني يا سليمان بجد لو عندك دم طلقني وسبني لحالي!
كز شفتيه بعنف ونظر لها بغضب ناري، بينما يهتف:
-اتعدتي حدودك معايا يا ميادة ومش عاوز أمد إيدي عليكي تاني بجد، اسكتي!؛
صمتت تحاشيا له ولكنها ظلت بمكانها بعيدة عنه، أما هو فقد قال لها بجدية:
-هتفضلي واقفة مكانك لحد امتى؟!

-لحد ما تخرج من الأوضة..
-مش خارج من الأوضة!
-يبقى هنام في الأرض، مش ممكن هنام جنبك بقولك مش طايقة ريحتك...
هنا نهض متجها إليها بنفاد صبر، لكنها فرت هاربة منه وفتحت الباب ثم خرجت من الغرفة كي تثير غضبه، أخذت عهد على نفسها بأن تفعل كل ما يعضبه، ستقهره كما قهرها..
خرج خلفها ركضا وهو ينادي عليها بغضب شديد:
-ميادة، ميادة!

تجمهر بعض الخدم على إثر صوته وراقبون ما يحدث بحذر بينما خرجت زوجته الثانية تشاهد ما يفعلاه...
سليمان باشا يركض وكأنه يركض خلف طفلة، الذي يهابه الجميع يركض بهذا الشكل خلف زوجته!
بل يتوسلها أن تكف عن الركض!
المجنونة جعلته يفعل أشياء لا تليق بشخصٍ مثله!
أسرع في خطاه إلى أن لحق بها واعتقلها مجدداً بين ذراعيه وهو يصيح بها غاضبا:
-إيه لعب العيال دا أنتِ اتجننتي!
-سبني بقى يا أخي طلقني بقولك مابتفهمش!

-إيه دا إيه قلة الأدب والسفالة اللي أنا سمعاها دي يا ميادة هانم؟!
وكانت هذه العبارة للسيدة ((عفت )) التي أتت على كرسيها المتحرك في غضب...

وأخرتها إيه يا مرات إبني؟!
هكذا استأنفت (عفت) حديثها الحاد، وأضافت ساخرة:
-إبني من حقه يتجوز واحدة واتنين وتلاتة يا حبيبتي ودا شرع ربنا كفاية بقى دلع ماسخ مالوش طعم!
تخلصت ميادة من ذراعي زوجها وردت بحدة مماثلة:
-من حقه يتجوز لما أكون أنا مش مالية عينه ولما أكون أنا موافقة على جوازه مش غصب عني يا عفت هانم!
-اسكتي بقى!
نطق سليمان وهو يحذرها بعينيه ويتوعدها، بينما تكمل والدته باستهجان: .

-هو مين قالك إنك مالية عينه يا حبيبتي؟!
اتسعت عيني ميادة بغضب، بينما تكلم سليمان بضيق:
-ماما من فضلك!
نظرت له ميادة وهتفت:
-ماما من فضلك!هو دا اللي قدرت عليه؟ ما ترد وتقول إذا كنت مالية عينك ولا لا؟! قول إنك طماع ومريض عشان ربنا اداك بنت وأنت عاوز ولد أتكلم ساكت ليه؟
-ميادة كفاية مأتخلنيش أمد إيدي قدام حد لمي الدور وتعالي معايا يلا!
بينما تتحدث عفت قاصدة إفساد كل شيء:.

-دي يا بني عاوزة الدبح مش مد الايد، هو فيه واحدة ترد وتغلط في جوزها كدا؟! والله ستات آخر زمن!
بينما انضمت زوجته الثانية ((شمس)) إليهم في صمت، فقط تبادلت النظرات النارية مع ((ميادة)) وبينما تضيف عفت بابتسامة عريضة:
-تعالي يا حبيبتي، تعالي ماتتكسفيش أنتِ زيك زيها هنا وهي مش أحسن منك في حاجة، تعالي دا أنتِ الغالية اللي هتجيب لإبني اللي نفسه فيه!
ضحكت ميادة بتهكم يشوبه مرارة كالعلقم:.

-أنتوا مجانين، مش طبعيين أبدا أصلا..
ثم التفتت إليه صارخة باهتياج:
-لو عندك كرامة يا سليمان طلقني!
وكالعادة!
كان رده قاس مثله تماما، كانت صفعة عنيفة منه وبعدها!
حملها وصعد بها إلى غرفتها تاركا والدته وزوجته تبتسمان برضى!
وعن ميادة كانت تركله بقدمها وتصرخ بلا توقف وهو يحاول تهدئتها بشتى الطرق إلا أنها كانت ترفض منه كل شيء..
ظالم قاسي، وقاهر!
-بكرهك، بكرهك!
-آسف والله آسف..
هكذا قالت وهكذا رد...

هكذا تدفعه وهكذا يحتضنها...
يُحبها؟!
أجل يُحبها حبا جما..
فلمَ جرح الفؤاد وجاء يطلب السماح؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة