قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

لم تستطع زينة كتم تلك الضحكة الواسعة التي شققت عبوس وجهها، وحاولت كتمها بصعوبة وهي تتنهد في راحه بعد أن أفزعها لترفع حاجبها محذرة عندما رأته يتقدم منها ببطء:
-ولااا أرجع مكانك بلا حضن بلا قلة أدب!
ولكن فهد ظل يتقدم منها أكثر وهو يردد مشاكسًا:
-يرضيكي الناس تاكل وشي؟
يعني كل الرجالة من أولهم لأصغرهم ياخدوا احضان و...
ثم مال يقرب وجهه منها نوعًا ما لترى بوضوح العبث الناشز من عيناه، ثم همس بمكر:.

-وحاجات تانية كده خادشة للحياء، إلا قرمط الغلبان؟
ازداد توترها وهي تعود للخلف خطوتان علها تنفض تأثيره الذي يبث ذبذبات عاطفية حارة تجعل جسدها كله ينتفض بشعور جديد وغريب عليها، ثم حاولت جعل نبرتها أجشه وهي تخبره بينما تتظاهر أنها تنظم الاشياء الموضوعة على المنضدة:
-دي الناس اللي متجوزين بجد!
-امال احنا ايه؟ متجوزين بهزار؟!

سألها ببرود عاقدًا يداه خلف ظهره يتابع حركة يدها المتوترة، ليجدها تتنفس بصوت مسموع ثم استدارت وأكملت بجدية:
-احنا جوازنا صوري ومش هيبقى غير كده وياريت متنساش إن لولا الفضيحة اللي حصلت أنا عمري ما كنت هتجوزك!
-أكيد.
قالها وهو يومئ برأسه ليُسايرها وكأنها طفلة صغيرة، فتأجج الغضب متقافزًا من بين عينيها من جديد وهي تستطرد بغيظ:
-ايوه، وعلى فكره أنا مش ناسيه أنك اتحرشت بيا وأنا نايمة،.

وأن لولا إني كنت رجلي كانت تعبان من الوقفة فعلًا أنا كنت قاومتك أكتر متفتكرش إني سهلة.
-طبعًا اومال!
قالها وهو يحرك حاجباه معًا يتعمد إغاظتها، فاقتربت هي منه بانفعال تنوي مهاجمته ليسارع هو بضمها له بقوة وذراعاه تجذبها له بقوة أكبر حتى لا تستطع التملص من بين أحضانه بينما هي تهدر برفض سريع:
-انت بتعمل إيه قولتلك ابعد عني!

ولكنه لم يعيرها اهتمام بل كان حريصًا على تقيدها بين أحضانه وعطرها يتخلل أنفه فيزيده تشبثًا، بينما هي بمجرد التصاقها به حتى عادت لتشعر بتلك الهيمنة العاطفية تفرض سيطرتها على كل ذرة بها مرة اخرى لتجعلها كالهلام بين أحضانه.

تنفس فهد بصوت مسموع، وكأنه انتصر اخيرًا في حرب العشق التي استهلكت كافة مشاعره لتجعله خالي الوفاض يتوسل انتصار يعيده لقيد الحياة...!
-فهد لو سمحت إبعد بقا...
قالتها زينة بصوت مكتوم وهي تحاول إبعاده عنها بضعف، ولكن استكانة قلبها لدفء أحضانه جعلتها تسكت ذلك الرنين بالإنذار في عقلها...

بينما حرك فهد يده ببطء يسير بها من خصرها لأعلى ليشعر بتلك الرجفة العنيفة التي هزت جسدها كالصعقة الكهربائية، وصل لطرف حجابها الذي تضعه على شعرها بغير اهتمام ليجذبه بطرف إصبعه ببطء مستغلًا حالة التيه التي تسيطر عليها، ثم اقترب منها اكثر ليدفن وجهه عند رقبتها حيث يكمن ملاذه وحيث يغمر الارتياح روحه المُتعبة.

ولكن تلك الحرارة عادت تغزو خلاياه بعنف وشعر بجلده يحترق بعاطفة حادة باتت تلازمه مؤخرًا، ليستسلم مقربًا وجهه اكثر منها ويلصق شفتاه بعنقها لاثمًا إياه بعمق.
أغمضت عيناها بعنف وقد ضغطت بقوة على قبضتها التي تمسك مقدمه قميصه، ليجبر هو نفسه على الابتعاد مقررًا كبح زمام تلك المشاعر كالعادة، ثم سمعت هي همسه الخشن جوار أذنها:
-اهدي يا حبهانتي، مش هاكلك دلوقتي موصلناش للمرحلة دي،.

ابقي اتوتري لما نوصل ليڤل الوحش!
قال اخر كلماته وهو يغمزها بطرف عيناه مراقبًا تلك الحمرة اللاهبة التي تلون وجنتاها فترضي شعوره الذي يخبره أنها تتأثر بتلك المشاعر وكأنها تجربها لأول مرة...!
اخذت زينة ثوانٍ قبل أن تستعيد ثباتها لتدفعه بعيدًا عنها وهي تصيح بشراسة تليق بها:
-على فكره أنت قليل الأدب.
فرفع فهد إصبعه ليداعب أنفها برفق وهو يردف بشقاوة:.

-امممم، ومتنكريش إن قلة أدبي دي بتأثر فيكي وبتخليكي زي البقسماطه في الشاي بلبن!

لم تدري ماذا تجيبه، بل لم تجد اجابة اصلًا وعقلها يؤكد لها صدقه مرسلًا ذكرى الدقائق القليلة التي مرت لذاكرتها، فوجدت نفسها تشير بإصبعها نحو الباب مرددة بحدة وغبطة:
-اطلع برا يا فهد.
فابتسم ببرود متعمد وهو يخبرها بهدوء:
-انتي هتيجي معايا بيتي انتي ورنا اصلًا يا عيون فهد.
فأجابت هي بغلظة مستنكرة:
-لا طبعًا أجي معاك فين أنت صدقت نفسك وصدقت إنك جوزي بجد ولا إيه!

قلب عيناه بملل قبل أن يستدير دون كلمة اخرى وهو يصيح مناديًا بصوت عالي وكأنه يلحنها ويمط كلماته:
-يا حماتي، يا حجه ام زينة...
زفرت زينة والغضب يكاد يفجر أعصابها، ثم خرجت خلفه بسرعة لتجد والدته ترد عليه بابتسامة واسعة:
-ايوه يا حبيب حماتك.
طالعت ملامح زينة المتجهمة وخمنت فسألته بشك:
-البت دي عملت حركة من حركات جنانها تاني صح؟
فمط فهد شفتاه بيأس مصطنع وقال:.

-تخيلي مش عايزه تيجي معايا البيت هي ورنا وعايزه تفضل قاعده هنا.
فاتسعت حدقتا والدتها وهي توبخها بجدية:
-نعم! انتي عايزه تحصل مشكلة وفضيحة تانية ولا إيه!
الناس لسه بتتكلم بسبب اللي ما يتسمى اللي راسه ماتتفرقش عن البطاطسايه!

أطلق فهد ضحكة صغيرة على فكاهة حماته، ليراقبها وهي تكمل في حزم:
-هتروحي معاه يا زينة يلا ادخلي جهزي هدومك وهدوم بنتك، وجوزك عارف مصلحتك ومش عايزلك غير الخير فتسمعي كلامه وماتتعبيهوش كتير وتقوليله شكرا يا حبيبي كمان!
فتحت زينة فمها تود الاعتراض بتذمر:
-نعم! يا ماما لأ انا...
-بنت عيب، قولي شكرًا يا حبيبي وادخلي جوا متضايقيش ماما!

قال فهد في نبرة مازحه وعيون شقيه فكاد تنفجر به لكن والدتها قاطعتها بنظرة حازمة جامدة جعلت زينة تتأفف وهي تتوجه نحو الداخل قبل أن ترمي فهد بنظرة مشتعلة وهي تهمس من بين أسنانها:
-دا انت أيامك سوده معايا يا حبيبي.
فصفق فهد بيداه ضاحكًا وهو يغمغم مشاكسًا:
-الله عليكي يا حماتي يا مسيطره ينصر دينك!

بعد انتهاء الحفل وحرص والدة زينة على ايصالها لأسفل بناية فهد في هرج ومرج وزغاريد متواصلة...
وصلوا منزل فهد حيث شقة متوسطة الحال، بمجرد أن مدت زينة قدمها لتدخل شعرت بربكة واعماقها تنعقد بقلق بات لا ينفصل عن كينونة شخصيتها.

ليتقدمها فهد وهو يمسك بيد رنا مشيرًا لزينة بحنو يحثها على الدخول:
-ادخلي يا زينة.
فتنهدت تنهيده خرجت من منتصف أعماقها، لتدلف بالفعل بهدوء معه، فاصبح هو جوارها تمامًا يسير معها ببطء وهو يتمتم بهدوء:
-معلش بقا الدنيا مكركبة شوية.
فهزت زينة رأسها موافقة دون رد، ليبدأ فهد بالإشارة نحو اركان المنزل ليعرفها عليه، فقال بابتسامة حانية:.

-ده هنا تقدري تعتبريه الصالون اللي بستقبل فيه ضيوفي، بس احنا ممكن نبقى نغير في ديكور الشقة كلها اصلًا ونفتح الصالون ده على الاوضه اللي جمبها.
-لا ملوش لزوم
غمغمت زينة بنبرة خفيضة، ليتنهد هو ويخبر نفسه أنه يجب أن يتحلى بالصبر معها، سيظل يركض ويركض في طريقه حتى يصل لذلك القلب العصي الذي يأبى أن يرحمه.

هبط لمستوى رنا يسألها بحنان أبوي وهو يداعب خصلاتها الناعمة:
-هاا يا روني إيه رأيك بقا في بيتنا الجديد؟
ارتسمت ابتسامة طفولية صغيرة على شفتا رنا وهي تخبره بوهن طفولي:
-جميلة.
فاحتضنها فهد وهو يقبل وجنتها متابعًا بارتياح مصطنع قاصدًا مشاكسة زينة التي كانت متجهمة صامتة:
-احمدك واشكرك يا رب ماطلعتش دبشة متنقلة زي واحدة كده.

بينما زينة كانت في عالم آخر، كانت تراقب فهد بارتياب وهو يتنقل بين باقي ارجاء المنزل يشرح لها خصوصية كل جزء، بينما هي متعجبة ووسواس الماضي يجعلها متأهبة لأي تقلب ونفور مفاجئ، للسوء الذي ستراه على يده بالتأكيد بعد فترة!

لاحظ فهد نظراتها الشاردة فيه، لم يستطع أن يفسر بما تفكر تحديدًا ولكنه يشعر بتوترها الواضح وكأنها تخوض تجربة لأول مرة تدنو أرضها وليس للمرة الثانية...!
اقترب منها خطوتان حتى أصبح امامها ليغمزها بطرف عيناه وهو يحرك رأسه متمتمًا بعبث:
-إيه؟ قمر مش كده؟!
ارتبكت زينة اكثر لتسير دون تفكير سوى أنها تريد أن تهرب من ذلك المأزق، لتصدر عنها غمغمة متذمرة سمعها:
-وماله مش عيب يااخويا.

فابتسم دون رد، ليشير لها نحو غرفة صغيرة جوار غرفة النوم الكبيرة، ثم قال:
-ادخلي مع رنا بقا غيريلها هدومها وظبطي هدومكم في الدولاب وانا هروح اجيب حاجة نتعشا بيها.
ثم أمال رأسه يسألها مضيقًا عيناه بتفكير مصطنع:
-ولا هتطبخيلنا مثلًا؟
تخصرت زينة وهي تمط شفتاها لتتشدق بسماجة وبرود مقصودين:
-مابعرفش أطبخ!
فعض فهد على طرف شفتاه بشقاوة تعيث الفوضى بين دقات قلبها وترمي بالشغف لمشاعرها دون شعور منها:.

-مبتعرفيش تطبخي ازاي بس وانتي مسويه قلبي على نار هاديه.
كالعادة يجعل زينة الشرسة تتسرب ادراج الرياح لتجد نفسها أصبحت زينة اخرى خجولة تعجز عن ترتيب حروفها لتعنفه على وقاحته وشقاوته، الخلابة!

كانت زينة تحادث صديقتها على الهاتف وقد رن بعد ذهاب فهد بفترة لتتسع عيناها مندهشة ما إن اخبرتها صديقتها أنها تعلم بزواجها من فهد ، فسألتها متعجبة:
-ايه ده انتي عرفتي منين يا هدى؟
أطلقت المدعوة بهدى ضحكة صغيرة متهكمة وهي تخبرها:
-عرفت منين إيه يا بنتي دي الناس كلها عرفت، انتي عارفه لما اهل المنطقة بيعرفوا حاجة يبقى مصر كلها عرفت خلاص مفيش حاجة بتستخبى!
فمطت زينة شفتاها مغمغمه بعدم رضا:.

-امممم وانا عارفه امي ماتتوصاش بصراحة.
ضحكت هدى بخفة، لتسألها مستفسرة بقلق:
-المهم طمنيني عنك وعن رنا؟ هي مبسوطة بالجوازة دي وبتحبه ولا لا؟
اومأت زينة برأسها كأنها تراها، وأجابت بصدق:
-رنا متأقلمة معاه جدًا جدًا ده اللي مطمني شوية يا هدى، وماما بتقولي إنه هيعوضها حنان الأب اللي اتحرمت منه.
فاجئها سؤال صديقتها التالي والذي حمل قدر لا بأس به من المكر:
-طب وانتي؟ حاسه بأيه؟ مبسوطة بالجوازة دي يا زينة؟!

صمتت زينة وصدى السؤال يتردد داخلها، عقليًا هي مرغمة على ذلك الزواج...
ولكن حينما نأتي لركن القلب نجد قلق ذلك العقل رسي تمامًا بسكون وسط صومعة المشاعر التي تحاوطها في قربها منه...!
بدأت تشعر أنها ليست قادرة على اجابة هذا السؤال حتى.
تنهدت وهي ترى هاتفها يصدر صوت معلنًا وصول اتصال اخر على قائمة الانتظار، فقالت متعجلة لهدى وكأنه انقذها من اجابة ذلك السؤال:
-طب في حد بيتصل بيا هرد وهكلمك تاني يا هدى.

-تمام ماشي، سلام يا حبيبتي
-سلام
قالتها زينة وأغلقت الاتصال لترد على الاتصال الاخر بهدوء:
-الوو مين معايا؟
جاءها صوت أجش حاد لن تنساه طيلة حياتها وهو يخبرها:
-ده أنا أبو بنتك يا ست زينة!
تجمد جسدها بصدمة قاسية وكل لحظة من لحظات الماضي اصبحت تعبر عقلها تزامنًا مع نبرة صوته الغليظة، لتخرج الحروف من بين شفتاها بصعوبة وهي تسأله:
-مدحت؟! بتتصل ليه وعايز إيه؟

-بتصل عشان عرفت إن الهانم اتجوزت، وعشان أعرفك إني مش هرضى ابدًا إن راجل تاني يربي بنتي وأبوها على وش الدنيا!
ظهرت شبح ابتسامة على ثغر زينة وهي تسأله بتهكم مرير:
-ابوها! هو فين ابوها ده طول الوقت اللي فات ده؟
سمعت زمجرته الحادة وهو يهدر:
-موجود، بس كنت مفكر إن الاحسن ليها إنها تعيش معاكي، لكن تتجوزي وهي معاكي لا وألف لا.
-أنت قصدك إيه؟ وبأي حق تتدخل في حياتي اصلًا انا حره!

صاحت زينة بجنون لا تصدق مدى وقاحته التي لا حدود لها، لتسمع رده الذي أثار الذعر بين ثنايا روحها:
-انتي حره فعلًا، بس انا بقا هاخد بنتي تعيش معايا ومش هسيبهالك يا زينة ومترجعيش تعيطي!
للحظات وقف عقلها عن العمل ولم تدري ماذا تفعل وهي تعلم كل العلم أنه قادر على حرمانها من طفلتها الوحيدة فعلًا، لذا قالت بسرعة لتهدئة مؤقتًا لحين إيجاد حل آخر:.

-طب اديني وقت افكر، انا أصلًا مكنتش موافقة على الجوازه دي وهطلق بعد فترة متقلقش!

قالت اخر جملة لها وهي تستدير بتلقائية لتنصدم من تواجد فهد الذي يبدو أنه دخل في الدقيقة الاخيرة ليسمع جملتها التي جنت جنونه وجعلت الشياطين تتلاعب بعقله، فاحتدت عيناه بنظرة غاضبة مُخيفة و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة