قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

الحيرة تعملقت بقلب (تيم)، أصابته بتفكير مضن، لا يدري ما الصواب لفعله، واقع بين قلبه ومهنيته، إن تسيد قلبه فسيضطر لمواجهة الجميع من أجلها، وإن اختار مهنيته، لن يخسر شيء، لن يلومه أحد ولن يتهمه أحد. ولكنه سيفرط فيها ويجعلها عرضة للأذى، وهو يعتبرها مسؤوليته، كان بالنسبة لها كالملجأ، وكانت بالنسبة له نفسه التائهة التي وجدها...

كان يدور بغرفته والأفكار تتناطح برأسه ينتابه صداع شديد، مر يومان وكلمات السيدة (صفية) لاتزال عالقة بذهنه، كانت حالة (وجد) تتحسن، وبدأت تخرج برفقته إلى الحديقة، وغرفتها البيضاء أصبحت تضج بالألوان، لقد أهداها الكثير من الألوان والفرش، فرسمت على جدران الغرفة صورا رائعة. رسمت على الأول حلمها، وعلى الثاني عائلتها، وعلى الثالث الخيل ورجل التنورة الذي شاهدته في حفل خطوبة (أزاد وعمار) من خلال هاتف (تيم). أما الرابع فبقي أبيض،!

بينما كانت أفكاره بين مد وجزر رن هاتفه يظهر إسم (الجدة صفية ) زفر بضيق وأجابها: أهلا صفية هانم! الحمد لله بخير. أيوة، تمام!
ماقاله كلمات متقطعة تنم عن اتفاقه معها على موعد بعد ساعة في بيتها.
بالرغم الصداع الذي كان يطبق على رأسه حتى أنه شعر ببعض الدوار لكنه تجاهله، فقاد سيارته واتجه نحو منزل السيدة (صفية) التي استقبلته بترحاب، جلسا في حديقة منزلها يحتسيان القهوة، تنحنحت السيدة (صفية) وقالت بثبات:.

عارفة إني بطلب منك الكتير، والموضوع كبير لإنه يمس شغلك، بس يابني أنا ست كبيرة عايزة تأمن على حفيدتها، اعذر انانيتي!
(وجد) هتضيع من بعدي لو مكنش فيه سند ليها، أوعى تصدق أمها، هي رجعت معاك عشان بتخطط لحاجة أنا متأكدة، هي خسرت كل حاجة هناك. شغلها وفلوسها، وبقت مدمنة كحول. استغفر الله.

كان (تيم) يتابع كلامها بصمت واهتمام. وهي تستطرد: عشان مابقاش ظلمتك معاها، أنا ماعنديش مانع تتجوز من تاني، أنا مش عايزة منك غير تاخد بالك منها وتحاول تخليها تحب الحياة وماترجعش تقفل على نفسها من تاني، تسيبها بالمستشفى أو تخرجها منه إنت حر، المهم إنها تكون كويسة!
مش عايزة اضغط عليك، لو عايز وقت كمان عشان...
قاطعها (تيم) وقال: أنا موافق!

تهللت أسارير السيدة (صفية) وقالت: أنا متشكرة جدا يادكتور ماخيبتش ظني! أنا مستعدة اعملك اللي انت عايزه وأي تسهيلات تساعدك في تعاملك مع (وجد).
قال بامتعاض وقد شعر أنها ترمي لشيء مادي: بعد ما اتجوزها هتبقى مسؤوليتي ياصفية هانم! كل اللي هطلبوا دلوقتي إن الموضوع دا يفضل سر بينا لحد ماتستقر حالتها وميبقاش فيه داعي لوجودها بالمستشفى. ساعتها هبقى اتصرف تصرف تاني!

قالت (صفية) بابتسامة: ماعنديش مانع يابني! حدد الوقت اللي أنت عايزه عشان نكتب الكتاب، وكمان تمضي عقود الوصاية عليها وعلى كل ثروتها!
كان (تيم) يشعر بألم شديد يمنعه من التركيز فحاول مقاومته وقال بصوت ثابت: زي ماتحبي ياهانم! مش هيفرق الوقت معايا...
لتقول بلهفة: حالا!
نظر إليها بعدم فهم وقال بينما هي تنادي على الخادمة: نعم! حالا!

ابتسمت وقالت موجهة كلامها إلى الخادمة: اتصلي ب(طلعت) خليه ييجي ويجيب العقود اللي طلبت منه يعملها واتنين شهود في طريقه، وابعتي (مختار) الجنايني يجيب مأذون.!
نظرت إليها الخادمة ببلاهة لتنهرها السيدة وتطلب منها الإسراع فهرولت وهي تردد: يامثبت العقل يارب، العجوزة دي باين عليها خرفت ولا ايه، لا تكون عايزة تجوز؟!

لم يكن (تيم) في حالة تجعله يناقشها، كان يجاهد فقط الدوار والألم برأسه، تنحنح و قال وهو يستقيم:
عندي صداع رهيب، أستأذنك أوصل للعربية أجيب مسكن وأرجع.
قالت بسرعة كأنها خائفة أن يذهب فلا يعود: استريح ماتتعبش نفسك، (جميلة) هتجبهولك.
ونادت عليها من جديد وأمرتها بإحضار مسكن وكوب ماء بسرعة.

بعد لحظات أقبل عليهما المحامي (طلعت )و شخصان يرافقانه، وخلفه المأذون الذي احضره (مختار)، جلسوا جميعا إلى الطاولة، فقالت (صفية) هانم توجه كلامها إلى الشيخ:
بعد إذنك يامولانا، أنا وكيلة ( وجد محمد زيدان) عايزة أجوزها للدكتور (تيم كمال أوجاك) ونظرت إلى المحامي، فوضع أمامه بطاقتها وشهادة ميلادها والوثائق اللازمة لعقد القران.

نظر الشيخ إلى السيدة على يمينه والمحامي على يساره، وهذا العريس الذي أمامه ثم قال بتحقيق:
هي فين العروسة!؟
ليجيبه المحامي بعملية: العروس فاقدة الأهلية يامولانا!
ليقول الشيخ وهو يتمعن في بطاقتها: هي قاصر؟، لأ مش قاصر، سنها قانوني للجواز! فاقدة الأهلية إزاي يعني؟!

قدم نحوه المحامي تقرير من المشفى عن حالتها، فقرأه الشيخ بتمعن وقال: بس دي لا تصلح للجواز، يعني مش فاقدة الأهلية وبس، فاقدة كل المقومات إلى تسمحلها بالجواز. يعني دي طفلة سفيهة!
الجواز دا ماينفعش!
قال المحامي بنفاذ صبر من غلبة هذا الشيخ: الزواج مش هيكون فعلي يامولانا، هيكون قانوني، يعني هتنتقل الوصاية من السيدة (صفية) جدتها، لجوزها، ودا ضمن عقود قانونية! يعني كل مافي الموضوع. وصاية وبس!

وزع المأذون نظراته عليهم من جديد، وحدق في (تيم) الذي كان يبدو شاحبا قليلا وقال:
وأنا المطلوب مني إيه دلوقتي؟! الأمر قانوني بحت مش شرعي!
قالت (صفية) بنفاذ صبر: الكتاب يامولانا! اكتب الكتاب!
تناول الشيخ كتابه وهو غير مقتنع بما سيفعله، وبعد أن خط فيه ما توجب عليه أن يخط قدمه للشهود و العريس و وكيل العروسة للتوقيع عليه، ثم قال:
بارك الله لكما و...

صمت بعد أن شعر بالغرابة وهو يردد مباركته التي تعود عليها، ثم انصرف عنهم برفقة (مختار) كما أتى.
قدم المحامي كافة العقود إلى (تيم) الذي وقعها ويده ترتجف، كان يعرف أنه يقدم على حماقة كبيرة ستكلفه مسيرته المهنية التي لم تلبث أن بدأت لتوها، حمل نسخة منهم وانصرف بعد أن استأذن الرحيل من السيدة التي لاحظت إعياءه، فلم ترد الضغط عليه أكثر.

عاد إلى المنزل وخبأ تلك الأوراق جيدا في خزانته و تمدد على سريره يغرق في نوم عميق
وجسده كله يتفصد عرقا باردا بينما توردت وجنتيه.
في المشفى.
كانت د. (منى) تجلس في الحديقة برفقة د. (رياض) يحتسيان القهوة وينظران إلى (وجد) التي تجلس على العشب ترسم المرضى وكل شيء حولها، كانت (فاطمة) برفقتها تقرأ لها قصيدة.
لنفترض أنني رأيتك في المنام
ترتدي ثوبا أبيض
وتطوف حول قلبي سبعة أعوام
لنفترض أن الحب حقيقة.

وأن الوخزة الوحيدة في ساعدي قبل أن نعقد القران
هي الألم الوحيد الذي طالني معك!
وأنت تبتسم بجانبي في لوحة على الحائط
لنفترض أنني أحبك!
وأنك أول وجه أستفتح به حياتي كل صباح
(من كتاب في كل قلب مقبرة ندى ناصر).
كانت (وجد) تتطلع ب(فاطمة) وتبتسم لها، وتارة تضع يدها على خدها بحنان، قالت (د. منى):
الحمد لله، اتحسنت جدا، حتى الدوا بياخد مفعوله معاها، بص قد إيه هي مبسوطة ومستمتعة بوقتها!

ليقول (د. رياض) وهو يعدل عويناته: الدوا الوحيد اللي كانت محتاجاه هو الأمان، مشكلتها إنها كانت خايفة جدا، وحيدة بعد ما خسرت باباها وجدها، احساسها أنها غير مرغوب فيها بنى عندها حاجز بينها وبين عالمنا، فضلت تبقى جوة ذاتها لأنها اعتبرتها الملجأ الوحيد ليها، (الست بيضا) خلتها تفتح باب جواها لحد تاني غيرها. بقت (فاطمة) جوة (وجد) كمان!

قالت (منى): أمم. فعلا معاك حق! (فاطمة) عاملتها بحنية وصلت لذاتها، و(تيم) عرضها لصدمة خلتها تخرج من ذاتها، العقدة بحياتها كانت مامتها اللي تخلت عنها، بس لما سمعت منها حست بالسكينة وبقت كإنها متصالحة مع نفسها!
قال (د. رياض) وهو يحرك كوب القهوة ويبتسم: الدكاترة (تيم و عمار وأزاد)، كانوا إضافة هايلة للطاقم الطبي بالمستشفى يادكتورة اهنيكي على اقناعهم!

همت لتقول (منى) شيء إلا أن (وجد) اقتربت منها وبيدها رسمة، تناولتها منها ورفعت يدها تبعد خصلة شعرها التي تخفي ملامحها البريئة وقالت:
الله ااا دي أنا!
وعرضتها على (د. رياض) الذي تأملها باهتمام وأردفت وهي تقبل وجنة (وجد): تسلم ايدك ياأميرة!
عادت (وجد) إلى مكانها قرب (فاطمة)، فقال (د. رياض): (وجد) ذكية جدا! وعندها نظرة عميقة واعية لكل شيء، بصي في الصورة كويس يادكتورة.

نظرت إلى الرسمة لبضع ثوان فاستطرد قائلا: الضحكة و اللون الوردي على الخدين، والعيون الغرقانة بالدموع، ملامح القوة بتقطيبة الجبين. والضعف بالهالات إلى تحت العينين!
قال (د. رياض) وهو يستقيم: هي لوحة بعنوان، إبتسامة حزن!
انصرف عنها وتركها شاردة فلم تنتبه لإقبال (عمار وأزاد) عليها، فانتفضت حين ألقيا عليها التحية، فردتها بالارتباك واستأذنتها المغادرة لإنهاء بعض الأعمال، بينما تقدما هما من (وجد).

كانت (أزاد) تحمل لعبة (بازل) لرسمة ( ألسا وأنا و أولاف ) الشخصيات الكرتونية من (فيلم فروزن) جلسا على الأرض بجانبها وفتحتها أزاد وهي تقول:
هنلعب لعبة حلوة يا(وجد) إيه رأيك؟!
تحمست (وجد) وقامت بحركتها المعتادة، فبدأت (أزاد) تشرح لها اللعبة وهي تهز برأسها، بينما (عمار) يراقب حبيبته (أزاد) ويتراود في ذهنه أنها ستكون أما رائعة!

انتهى اليوم بأحداث رتيبة عادية فطواه الليل ليأتي نهار آخر يحمل الكثير.

استفاق (تيم) الذي قضى وقتا كبيرا في النوم على غير عادته يشعر كأن صخرة عظيمة تجثم على رأسه وأطرافه، كأنما وقع من جرف يتدحرج الى أسفله فأصاب جسده الألم والإرهاق، سحبت أقدامه جسده الثقيل إلى الحمام ووقف تحت الماء الدافيء للكثير من الوقت، من بين ماحدث كان يشعر بسعادة تملأ قلبه، لقد أحبها فعلا وتعلق بها فلما لا يسعده الارتباط بها! لكنه كان يتجهم كل ما راودته فكرة أنه سلبها حقها في الإختيار. بين الرفض والقبول!

بينما هو كذلك دخل (عمار) غرفته بضجة كبيرة كالمعتاد، يصفر ويدندن ويلقي النكات البائخة،
خرج (تيم) من الحمام ممتعض وهو يقول: أهدى يا(عمار) ع الصبح! دماغي وجعاني، لم نكتك البايخة واطلع برا!
حدجه (عمار) بنظرات شك وقال: أشم رائحة شيء. اختفيت فين. البارحة؟
جلس (تيم) على طرف سريره يمسك بجبينه وقال: عملت حاجة شكلها هتوديني في داهية.

لم يكن هذا الصباح المميز عند (تيم) يحمل خيرا، جهزت (جميلة) طاولة الإفطار في الحديقة كما جرت العادة، وصعدت إلى الطابق العلوي تتفقد سيدتها التي لم تستيقظ بعد، طرقت على بابها عدة مرات لكنها لم تجبها أو تأذن لها بالدخول، فدفعت الباب ودخلت وهي تناديها.

ملأت صرخات (جميلة) المنزل فهرع (مختار وحسين) إليها بعدما سمعاها ليجدوا السيدة (صفية) متمددة على سريرها غارقة في دمائها وخنجر يستقر بصدرها، ارتعب الجميع مما رأو وراحوا ينتحبون ويولولون خارج الغرفة، اتصل (مختار) بالشرطة التي أتت على الفور من أجل التحقيق في هذه الجريمة، التي كانت تبدو أنها
سرقة، من الأغراض المبعثرة والخزانة المنبوشة في غرفة المغدورة.

اتصل (حسين) ب(فاطمة) وأخبرها بموت السيدة (صفية)، شحب وجه (فاطمة) واغرقته الدموع ألما وحسرة على (وجد)، وخوفا عليها من أن تعود إلى حالتها بعدما أصبحت أخيرا تتقبل من حولها.
أمسكت (فاطمة) هاتفها واتصلت ب (تيم) وأخبرته ما حدث ليقف كالمشلول مكانه مما أرعب (عمار) ليسأله:
ماذا حدث! مالك ياتيم!
قال (تيم): ماتت. لقوها مقتولة! جدة (وجد)! (صفية) هانم!

وضع (عمار) يده على رأسه وقال: أووو! رحمها الله! ستنتكس (وجد) مجددا, للأسف! كأن هذه الفتاة مصابة بلعنة من قدرها.
ركض (تيم) إلى سيارته ليتوجه إلى المشفى وهو لا يفكر سوى أنه سيخسر حبيبته. ربما إلى الأبد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة