قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل السادس

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل السادس

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل السادس

دلفت الحاجة (صفية)إلى حجرة الضيوف تستند إلى عكازها، فوجدت هذا الشاب الذي يواليها ظهره يتطلع إلى صور العائلة التي تعلقها على الحائط، عقدت حاجبيها وهي تقول: آفندم. حضرتك طلبت تشوفني!
إلتفت إليها(تيم) يطالعها بدهشة، فنبرات صوتها القوية لا تعكس أبدا مظهرها الضعيف هذا، إزداد إنعقاد حاجبيها فتنحنح وهو يمد يده إليها قائلا: إحمم. أنا أبقى الدكتور (تيم)!

لم تمد إليه يدها، بل رفعت إحدى حاجبيها وكأنها تقول هل من المفترض أن يكون إسمك كافيا لأعرف سبب حضورك وإزعاجك لي
ليضم قبضته وهو يعيد يده إلى جواره قائلا: أنا الدكتور اللي بعالج دلوقتي حالة (وجد).
تحولت ملامحها من البرودة إلى القلق وهي تقول: مالها (وجد)! فاقت من غيبوبتها؟ حصلها حاجة؟
أسرع يقول بنفي: لأ. الحالة مستقرة بس...

وصمت يظهر على وجهه التردد لتقول (صفية) بلهفة تستحثه على الحديث قائلة: بس إيه يادكتور؟
قال بهدوء: بس لازم أخرجها من الغيبوبة الإرادية اللي مصرة تفضل فيها ورافضة ترجع منها لعالمنا من تاني
عقدت (صفية)حاجبيها قائلة: ياريت، بس إزاي! وأعذرني في سؤالي بس أنا ممكن أفيدك بإيه؟
نظر إلى عينيها مباشرة وهو يقول: بإنك تديني عنوان مامتها في اليونان.

إتسعت عينا(صفية) بصدمة,ليستطرد (تيم) قائلا: الحل الوحيد عشان (وجد)تخرج من غيبوبتها إننا نرجعلها والدتها من تاني، لازم تسمع صوتها عشان تقاوم الغيبوبة وترجع لدنيتنا.
هزت (صفية)رأسها برفض قاطع وهي تقول: لأ طبعا مش ممكن! أنا ما صدقت إن الست دي خرجت من حياتنا نهائي ومش مستعدة ترجعلنا من تاني!
قال(تيم): من فضلك تنحي كل الخلافات اللي بينكم عشان خاطر حفيدتك، رجوعها هيضايقك بس هيرجع (وجد)تاني للحياة.

رآها صامتة، مازالت ترفض الفكرة ليتنهد قائلا: حتى لو إنتي شايفاها زوجة مش كويسة أو حتى أم مش مقبولة، فهي في الأول والآخر هتفضل والدة (وجد)، الست مهما كانت فالأمومة جواها شيء فطري، هي العاطفة الأكبر في حياتها، هي الملاذ، الحضن اللي بيضم ولادها لما تضيق بيهم السبل، الأم حنان ورحمة، وفي حالة (وجد)هي محتاجة لأم. محتاجة لمامتها يامدام(صفية)!

نظرت إليه نظرة طويلة، رأى فيها الصراع متجسدا ولكنها مالبثت أن إلتفتت لتغادر، ظهرت خيبة الأمل على ملامحه ولكن مالبثت أن إختفت و(صفية)تستدير بجانب وجهها فقط قائلة: (آريانا)هتلاقيها بكرة في (أثينا) في حي (بلاكا) عندها معرض للوحاتها هناك، الخبر منشور في جريدة إمبارح، هبعتهلك الجريدة مع (جميلة)
كانت تغادر الحجرة وهو يقول بإمتنان: أنا مش عارف أشكرك إزاي يامدام(صفية).

توقفت مجددا قائلة دون أن تلتفت إليه: رجعلي حفيدتي يادكتور!
ثم غادرت المكان فلم تسمعه وهو يقول بتصميم: هرجعهالك وده وعد!
في تركيا...
وتحديدا في مدينة (إسطنبول)كان عقد القران قد تم ودعست العروس قدم عريسها ثم أخذت البطاقة كما هي العادات في تركيا، وسط جو من المرح، ثم نهض الجميع للرقص، بينما كان هناك من يشعر بالغليان وهو يشاهد هذا الذي يضع يده على خصر (أزاد)وهما يرقصان وسط الجمع.

كانت (نازلي) تجلس بجوار(ملك)على تلك الطاولة التي يشاركهما فيها(عمار)بينما ذهبت (أزاد)لترقص مع(بوراك)...
قالت ملك: حفل رائع يانازلي، مبارك لهما!
قالت(نازلي): شكرا لك، العاقبة ل(عمار)! (أركان)يكاد أن يطير من السعادة و(يلدز)تبدو في أوج جمالها تشع الفرحة من ملامحها.
قالت (ملك): بارك الله لهما وبارك عليهما وجمعهما على خير.
قالت (نازلي): آمين.
ثم إلتفتت إلى (ملك)قائلة: أتدرين ماينقصنا الآن؟

قالت(ملك )بإبتسامة: بالطبع، حبيبتي(منى)، لولا إنشغالها بتلك الحالات في مشفاها بمصر لكانت معنا الآن تشاركنا بهذا الفرحة.
قالت(نازلي): بالفعل، وعزيزي(تيم)، ترى إلى من سافر إلى اليونان؟
قالت(ملك): إلى والدة تلك الحالة التي دخلت في غيبوبة يعتقد أن السبيل الوحيد لعلاجها هو العثور على أمها وعودتها إليها، يقول عنها أنها ملاذها الوحيد، هكذا أخبرني ولدي(عمار). أليس كذلك بني؟

كان (عمار)يقضم أظافره غيظا في تلك اللحظة وهو يرى هذا ال(بوراك)يسحب (أزاد)من وسط الجموع ويذهب بها إلى الخارج، لينتفض على صوت والدته وهي تقول بحنق: (عمار)!
نظر إليها وهو ينهض قائلا بسرعة: أعذريني أمي سأعود حالا!
ليقول متمتما في سره وهو يتجه بسرعة إلى حيث إختفت (أزاد)قائلا بغيظ: بعد أن اهشم فك هذا الغبي (بوراك)او أكسر أنفه.
لتنظر (ملك) في إثره بدهشة قائلة: لقد جن الولد!
فى اليونان...

وتحديدا ب(أثينا)، في قاعة أنيقة بحي (بلاكا) كان (تيم)يقف محملقا بإحدى اللوحات بإعجاب يدرك الآن أن تلك الموهبة لدى(وجد)قد ورثتها من والدتها (آريانا آريس)، لقد قرأ عنها بعض المقالات، لا يستطيع أن ينكر أنها إمرأة جميلة وموهوبة، تمتلك الكثير ولكنها بالتأكيد تفتقد لإحساس الأمومة أو ربما تواريه خلف طموحها،.

لاتدري أن أعظم شعور بالعالم هو أن يكون لديك شخص من لحمك ودمك يطالعك وكأنك الكون بالنسبة إليه، لا تدرك أي مكانة عظيمة تخلت عنها من أجل أهوائها، فالأم شمعة مقدسة تنير ظلمات الكون لوليدها، هي هبة الله في الأرض ودونها لا أمل لوليدها ولا، ملاذ!
سمع صوت يقول من خلفه باليونانية: Sas arései هل أعجبتك؟

إلتفت يطالع صاحبة الصوت، هي نسخة كبيرة من تلك الفتاة التي تركها في مصر في غيبوبتها ولكن عيونها باردة لا حياة فيهما، بعكس عيني (وجد)التي تشع بالبراءة والحيوية، نحى أفكاره جانبا وهو يقول: هي فعلا عجبتني، كل لوحك تقريبا رائعة، بس مش هي السبب اللي خلاني آجي المعرض النهاردة.
إبتسمت قائلة: مصري! يسرني أن لوحاتي تعجبك ولكن إن لم تكن موهبتي وراء حضورك للمعرض. فيا ترى ما السبب الذي جئت من أجله؟

نظر إليها مباشرة وهو يقول: (وجد)!
لتتسع عيونها بدهشة.
إقترب(عمار)من هذا الثنائي فتناهى إلى مسامعه صوت (بوراك ) يقول: الحقيقة لقد كانت فرصة لأتقرب إليك، فلطالما كنت معجبا بك(أزاد)! وقدت بدت كفرصة جيدة لتبادليني مشاعري!
قالت(أزاد)بتوتر: (بوراك)لقد فاجأتني. أنت تعلم أنني...
أمسك يدها قائلا: أعلم ولكن كان لدي أمل لتنسي تلك الأوهام وتفتحي عينيك على حقيقة واحدة، وهي أنني أنا من يستحق مشاعرك. أنا أحبك!

إلى هنا وكفى! لم يعد يستطيع التحمل، لقد كان يخشى ان يخسرها إن أخبرها بمشاعره ولكن يبدو أنها ستضيع منه على كل حال. لذا فليخرج مكنون قلبه لها ويحارب من أجلها كما أخبره (تيم)مرارا، وليخسر بشرف، حينها سيدرك أنه فعل مابوسعه ولكن تظل الكلمة الأخيرة للقدر.
إندفع إليهما بتلك اللحظة يسحب يدها من يد (بوراك)بحدة ويرجعها إلى خلفه مواجها (بوراك) الذي إرتسم التحدى بعينيه، ليقول(عمار)بعنف:.

إبتعد(بوراك)فإن(أزاد)لي!
تطلع إليه (بوراك)قائلا بسخرية: لم أرى في يدها محبسا يدل على ذلك ولم أسمعها تؤكد كلماتك، أرى أنك واهم ياحكيم! وتحتاج لأن تستفيق من أوهامك.
قال (عمار)بحدة: هي الحقيقة الوحيدة بحياتي!

إلتفت يطالع (أزاد)التي نظرت إليه بحيرة قائلا: أحببتك منذ أن عرفتك، ولكنني خفت أن أبوح لك بحبي فتصدينني، فتقتلني خيبة الأمل إستسلمت لعجزي، كنت كجمل يسير في صحراء قاحلة أكاد أموت عطشا وفوق ظهرى الماء ولكنني لا أراه، فشكوت ظمأي، خفت ان يجلب إعترافي أطلالا موحشة بغيابك ولم أدرك أنني إن لم أصارحك قد تغيبين ويعم الخراب في كياني.
بإعترافي هذا قد أسقط صريع الغياب ولكنني سأغدو شهيدا. شهيد عشقك ياأميرتى.

تأملته بعيون غشيتها الدموع، وتأملها بعيون سكنهما العشق...
قطع حديث العيون صوت (بوراك)الحانق وهو يقول: تأخرت كثيرا أيها التعس!
إنتفخت أوداج (عمار)غضبا، لتدرك (ازاد) أنه على وشك إرتكاب جريمة فأسرعت بإمساك يديه بين يديها تنظر إلى عيني (عمار)الحائرة لتقول موجهة حديثها إلى (بوراك)دون أن تحيد بنظرها عن (عمار): إبتعد (بوراك)فلا مكان لك بين المحبين.

نظر إليها (عمار)بلهفة غير مصدق لما تقول بينما غادر(بوراك)حانقا لتستطرد (أزاد)قائلة: نعم أحبك ياغبي!
لتتسع عيناه بصدمة إمتزجت بالفرح.
قالت (آريانا)ببرود: لا أستطيع الرحيل معك إلى القاهرة فكما ترى أنا مشغولة للغاية بعرض لوحاتي، كما أن لا وقت لدي...

قاطعها قائلا بغضب: وهي اللوحات دي أهم عندك من بنتك؟ بنتك المرمية دلوقتي في أوضة بتصارع في عقلها بين رغبتها في الاستسلام او الرجوع لدنيتنا، بنتك اللي محتاجة حافز واحد عشان تتمسك بالعالم، قالوا عن الام إنها الوحيدة اللي بتوهب كل حياتها لولادها من غير ما تنتظر مقابل، قالوا أنها العاطفة الأقوى عند المرأة، وإنها شمس بتنورلهم كونهم، قالوا إنها الملاذ لولادها لو في يوم إحتاجولها. والحقيقة إني مش شايف أدامي أي أم. الظاهر إني فعلا غلط لما جيتلك!

تجهمت ملامح(آريانا)قائلة وهي تشير إليه بالمغادرة: من فضلك غادر المكان لم يعد مرحبا بك هنا!
طالعها (تيم) بخيبة أمل قبل أن يتجه للخارج ولكنه توقف قائلا وهو يواليها ظهره: كارتي والمكان اللي قاعد فيه هتلاقيه برة في الإستعلامات، بس لازم تعرفي إن آخر حاجة قالتها (وجد)قبل ما تستسلم للغيبوبة هي جملة واحدة
I mam mou den fgei! (لا ترحلى ياأمى)
ثم غادر ليتهاوى قناع الجمود من ملامحها ويحل محله، الألم.

قال (عمار) بدهشة: تحبينني أنا؟

إبتسمت (ازاد)قائلة: نعم أحببتك منذ زمن وظننتك لا تبادلني مشاعري، حتى سمعت حديثك مع (تيم)في ذاك اليوم، وادركت أنك تخفي عني مشاعرك خوفا من الجرح، أصابني الحنق من انانيتك، تفضل جرح كرامتك على حبي! يتملكك الجبن وتفضله على المواجهة ونيلي، فطر هذا قلبي، أردت أن أصفعك لتستفيق، فكانت كلمات (تيم)من منحتني الفكرة، أردت أن أرى هل أنت مستعد حقا للتخلي عنى لغيرك فقط خشية ألم الرفض! فكانت الخطة، أن أحضر صديقي (بوراك)إلى ساحة المعركة، وقد كان. وها أنت ذا تثبت لي أن عشقي لك يستحق العناء.

نظر إليها بدهشة قائلا: هل تعني أن كل ماحدث كان خطة من قبلك. إختبار مثلا؟
إبتسمت تهز رأسها موافقة ليستطرد قائلا: وأمي والخالة (نازلى)كانتا مشتركتان معك. أليس كذلك؟
رفعت حاجبيها صعودا وهبوطا بإبتسامة واسعة، ليمسك رقبتها فجأة فقالت بفزع: (عمار)ماذا تفعل هل ستقتلني؟

إبتسم قائلا وهو يزيح هذا العقد من حول رقبتها الذي كان هدية من (بوراك) لها: حتما سأعاقبك لما جعلتني أعانيه ولكن قبل أن أفعل سأتزوجك، وسأريك العقاب على طريقة (عمار أنجين).

كان (تيم)يجول جيئة وذهابا في رواق قسم الإنتظار بالمطار، يطالع ساعته بقلق، فقد حان وقت إقلاع طائرته ولم يستطع الوصول لوالدته بعد كي يطمئن على حالة(وجد)، أعلن عن طائرته فحمل حقيبته الصغيرة وكاد أن يتوجه إليها حين سمع صوتا يأتيه من خلفه يقول: إنتظر، سآتي معك.
إلتفت يطالع (آريانا)بعيون تلمع وإبتسامة إعتلت ثغره، تتسع ببطىء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة