قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

مشاعرنا! تلك الأحاسيس الجميلة التي نخفيها داخل قلوبنا خشية الإفصاح عنها فلا نجني سوى الخذلان، نعبر عنها فقط حين نخلو بأنفسنا، ربما دوناها في أوراقنا. أو رسمناها على حوائطنا. وربما تذكرناها فقط بإبتسامة.
حينها فقط. نعترف أننا، نعشق.
قالت (أزاد) وهي تجلس إلى جانب (عمار)على تلك الأريكة في غرفة الكشف الخاصة ب(تيم):.

أسبوع مرهق للغاية، وحالات كتير مرت علينا. من أول الهوس الاكتئابي والفصام مرورا بمتلازمة توريت وكل أنواع الفوبيا والإدمان.
قال (عمار): نعم ولكن مايهون الأمر علينا أن تلك الحالات بدأت تستجيب للعلاج.
تراجع( تيم) في مقعده شابكا أصابعه أمام وجهه قائلا: مش كل الحالات!
نظر إليه( عمار )قائلا: بل كلها...

ليقطع كلماته وعيونه تلمع قائلا بخبث: آه تقصد تلك الحالات التي منعتنا والدتك عنها، خاصة تلك الحالة التي تحوم حولها طيلة الأسبوع وتقضي جميع أوقات فراغك في مراقبتها. أليس كذلك؟
رمقه (تيم)بحنق قائلا: ده انت مراقبني بقى؟
إبتسم (عمار)قائلا: فقط أطمئن على صديقي!
أشاح (تيم)عنه بوجهه ينظر إلى (أزاد) الشاردة قائلا: سرحانة في إيه يادكتورة؟

أفاقت (أزاد)من شرودها قائلة: أفكر في الحالة بدوري، بصراحة الفتاة صغيرة ورقيقة وقد رأيت بعض رسوماتها، داخلها فنانة مبدعة، ولكنها تعيش في عالم منفصل، وحيدة! وهذا يشعرني بالشفقة عليها، ربما إن تلقت العلاج المناسب. هتكون واحدة تانية خالص!
قال(تيم): وده بالظبط اللي بفكر فيه، لو بس ماما تسمحلي أحاول معاها، مين عارف. مش يمكن أقدر أعالجها!

قال (عمار) متهكما: لا أعتقد أن والدتك ستوافق,فهي عنيدة تماما مثلك، وحين تقول ابتعدوا عن تلك الحالة فهي تقصد ماتعنيه تماما.
أومأ(تيم)برأسه موافقا، وكاد أن يقول شيئا ولكن قاطعه وصول بعض الرسائل إلى هاتف (أزاد) فنظرت إلى شاشته تتصفح رسائلها بسرعة، تهلل وجهها بإبتسامة مشرقة ثم كتبت بعض الكلمات بسرعة.

تبادل( عمار) النظرات مع (تيم) ليهز( تيم) كتفيه بحيرة، عادا بنظراتهما إليها فكانت هي تغلق هاتفها وتضعه في جيبها قائلة بإبتسامة مشرقة وهي تنقل عينيها بينهما:
وأخيرا اعترف( أركان) بحبه ل(يلدز)وطلب منها تتجوزه، وقد وافقت، وعقد قرانهما الأسبوع القادم وهو يدعونا جميعا. أنا فرحانة جدا!

قال (عمار)متهكما: وأخيرا فعلها، الجميع أدرك مشاعره تجاه(يلدز) ما الذي كان ينتظره لكي يعترف لها بحبه، أن تذوب جبال الثلج مثلا أو ربما أن تقوم الحرب العالمية الثالثة!
رمقه (تيم)بنظرة توحي: إنظروا من يتحدث.

بينما رمقته (أزاد)بحنق قائلة: لا يهم! هما سعيدين وده كفاية، عن إذنكم مضطرة أمشي، لدي موعد مع مريض يعاني الوسواس القهري، آخر شكواه أن الممرضة عندنا تحقنه بدواء تمزجه بمادة تجعله ينسى، وأنها متورطة مع الجيش الراغب بمحو ذاكرته عن كل تلك العمليات القتالية الخطرة التي قام بها حين كان رائدا. تخيلوا!
إبتسم (تيم)قائلا: بالتوفيق!

إبتسمت ثم رمقت (عمار)بحنق قبل أن تغادر، إلتفت( عمار )إلى(تيم)قائلا بدهشة: ماذا فعلت؟
قال(تيم): يعني عايز تتريأ على أخوها ومتتضايقش؟
ظهر التفكير على وجهه ليستطرد (تيم)قائلا: وبعدين يادكتور أنت بالذات مكنش لازم التعليق ده يطلع منك، طيب( أركان) وبيحب (يلدز) من سنتين ولسة معترف ليها، حضرتك بقى اللي بتحب(أزاد) تقريبا من عشر سنين عملت إيه. ها؟ قلتلها انك بتحبها؟ لمحتلها حتى؟

أطرق (عمار)برأسه أرضا قائلا: لا! لم أفصح لها عن مكنون قلبي لإنى خائف.
قال(تيم): خايف؟
رفع (عمار) رأسه ينظر مباشرة إلى عينيه قائلا: نعم. أخشى الخذلان! أخشى أن أبوح لها بسر هذا القلب المتيم بحبها فتصدني، أو تبتعد عني، أخشى أن تقول بكل بساطة لنكن أصدقاء وقتها ستنهار آمالي، وقتها سيتحطم قلبي!

تنهد(تيم) قائلا: لو فاكر إنك بالصداقة بتحافظ على علاقتك بيها، لو فاكر انها لما تفضل صديقة أفضل من خسارتها فصدقني انت غلطان! لإن هييجي اليوم وهتحب هي وتتحب، هتتجوز واحد تاني وساعتها غصب عنك هتخسرها للشخص ده.
أطارت تلك الفكرة عقله ليعقد حاجبيه بقوة تثور الدماء في عروقه، تنهد (تيم)وهو يجمع أوراقه ناهضا يقول بهدوء: فكر كويس يا(عمار)قبل ما تخسر كل حاجة وأولهم الصداقة اللي انت متمسك بيها دى.

ثم تركه مغادرا الحجرة لينهض ويجول بين أركانها وصورة (أزاد)وهي عروس لغيره تحتل تفكيره تجعله يتلظى بنيران الخوف.

كانت ترسم على لوحتها تمزج الألوان بشكل رائع, الصورة لمشهد ريفي خلاب، يكاد يجزم أنه المكان الذي نشأت به، مدت يدها ترجع تلك الخصلة الشاردة لخلف أذنها، أخفقت في البداية ثم نجحت، ليتلون خدها بهذا الطلاء الذي تحمله فرشاتها، إنتبهت إلى ضحكة (فاطمة) لتنظر إليها بحيرة، إقتربت منها (فاطمة)وأشارت إلى وجنتها دون أن تلمسها قائلة بإبتسامة: خدك يابنتي. خدك بقى كله ألوان!

عقدت (وجد)حاجبيها ترفع يدها تلمس وجنتها التي أشارت إليها (فاطمة)لتشعر بها رطبة بالفعل، أنزلت يدها لترى اللون على أصابعها، لتبتسم وهي تنظر إلى (فاطمة)، قبل أن ترفع فرشاتها وتلون به أنف(فاطمة)التي تراجعت شاهقة وهي تقول: كدة برضه يا(وجد)؟

إتسعت إبتسامة (وجد)تدريجيا لتصبح ضحكة صافية رائعة فإبتسمت (فاطمة )رغما عنها وهي تقع تحت تأثير تلك الضحكة البريئة، ثم تشاركها ضحكاتها، بينما إرتسمت على شفتي مراقبها إبتسامة بدوره، يدرك أن بداخل أميرته البيضاء طفلة تتوق للخروج. وكم يتمنى لو يستطيع مساعدتها.

الشعور بالحب هو إحساس بالسعادة, هو الاهتمام بالآخر وبكل مايخصه، لا نعاني أبدا من قلق الفقدان، لا نخشى الفراق لأي سبب كان.
ولكن حين نشعر بالخوف فهذا يعني أن علينا الإختيار وبسرعة إما أن نعترف بعشقنا للطرف الآخر ونحظى به في حياتنا أو نطلق سراحه ونحاول النسيان.
قال (عمار) بحنق يحدث نفسه.

ماذا تنتظر أيها الأبله؟ أن يختطفها أحدهم ويجعلها عروس له؟ لقد جاءتك أكثر من فرصة لكي تعترف لها بمشاعرك وفي كل مرة تنحبس الكلمات في صدرك ويعجز لسانك عن التفوه بحرف.
زفر مغلقا عينيه بقوة يمسك هذا الجسر بين عينيه بإصبعيه السبابة والإبهام، ليفتح عينيه فجأة وقد إلتمعت بفكرة ما، ربما حان الوقت للإستعانة بصديق. أو على الأحرى، بأم.

كانت (فاطمة)تهرول على درجات السلم يتبعها(حسين)زوج إبنتها. تقول بنبرة قلقة: انت متأكد ان الدكتور قالك إن الجنين منزلش يا(حسين)وان (زينب)والجنين بخير؟
قال (حسين) وهو يهرول خلفها: آه والله ياخالتى. هو قال ان الدم اللى نزل منها ده كان نتيجة الارهاق بس، وانها محتاجة ترتاح وتنام على ضهرها. وإنها لو كملت الأسبوع ده على خير يبقى كل شيئ تمام.

خرجت (فاطمة)من باب البناية التي تقطن بها قائلة بنبرة ملتاعة: ياحبيبتى يابنتي كان مستخبيلك ده كله فين بس؟
قال (حسين): ماهي ياخالتى اللى مش مريحة نفسها. فيه واحدة حامل في الدنيا تطلع تشيل الستاير عشان تغسلها أهى وقعت...
قاطع كلماته توقفها وإستدارتها ترمقه بغضب قائلة: بنتى نضيفة فلة يا(حسين)، وده مش عيب فيها على فكرة، عموما ربك ستر وعدت على خير. قول الحمد لله.

ابتلع ريقه قائلا: الحمد لله ياخالتي. الحمد لله.
إلتفتت تكمل مسيرتها بخطوات سريعة. تهمس بحنق: بس أطمن عليكى يا(زينب). وبعدين هقطم رقبتك عشان تعقلى.
كان (تيم)يعرض بعض التقارير على والدته. يتناقشان في بعض الحالات. حين طرق الباب بقوة ثم اندفعت الممرضة للداخل دون إستئذان. نظرت إليها الطبيبة (منى) بدهشة بينما اعتدل(تيم)والممرضة تقول بجزع: إلحقينا يادكتورة. الحالة اللى في أوضة ( C/4).

تأهب (تيم) بينما قالت (منى)بقلق: مالها؟
قالت الممرضة: فى حالة هياج شديد و(فاطمة)مش موجودة عشان تهديها ومحدش من الإستاف بتاعنا قادر يقرب منها عشان يديها حقنة مهدئة.
قالت (منى): طيب روحي انتي دلوقتي وأنا هتصرف!

أومأت الممرضة برأسها قبل أن تخرج من الحجرة لتقول(منى) وهي تنهض بسرعة: هضطر أتعامل مع الحالة بنفسي ولو إن حالتها خطيرة وصعب نتعامل معاها والوحيدة اللي كانت بتهديها كانت(فاطمة)بس مع الأسف اتصلت وأخدت أجازة النهاردة عشان بنتها تعبانة.
قال (تيم): سيبيهالي ياماما، أنا مراقب حالتها كويس وهعرف أتعامل معاها.
نظرت إليه (منى)بقلق قائلة: أيوة بس...
قاطعها وهو يمسك يدها قائلا بثبات: خلي عندك ثقة فية!

رمقته لثوان قبل أن تقول بحزم: طيب، تعالى معايا!
تقدمته يتبعها وفي عينيه إرتسم التحدي.
دلف (تيم)إلى الحجرة التي تمنى أن يدلف إليها منذ اللحظة الأولى بوجوده في هذه المستشفى وجدها تضم قبضتيها وتضرب رأسها بوتيرة واحدة، وهي تهتز للأمام والخلف، عيناها زائغة وكأنها تبحث عن شيء أو ربما شخص ما، إقترب منها قائلا بصوت رخيم: (وجد)!

لم تستجب لندائه ولم تنظر إليه فإقترب منها أكثر قائلا: (وجد). أنا(تيم) دكتورك الجديد!
أصدرت صوتا هو مزيج من التأوه والغضب متجسدا في نشيج حزين يقطع نياط القلب يعلو شيئا فشيئا، حتى صار صراخا، إلتفتت تواليه ظهرها ثم شرعت تضرب وجهها بقوة إقترب منها محاولا منعها عن إيذاء نفسها فكتفها من الخلف يمسك كلتا يديها بيد قائلا: إهدي يا(وجد ) أنا مش هأذيكي!

بينما حاول باليد الأخرى أن يسحب تلك الحقنة المهدئة من يده ليحقنها بها، ولكنها قاومته بعنف فوقعت الحقنة من يده على الأرض، ظلت تركله صارخة، تحاول عضه، تفاداها بصعوبة يتعجب من تلك القوة التي تصدر من هذا الجسد الضعيف، حتى إستطاعت أن تصل إلى يده وجرحته بأظافرها بعمق فسالت دماءه، تركها وهو يتأوه، فتراجعت إلى الحائط تلتصق به بقوة تصرخ وهي تعود لضرب وجهها بقبضتيها...

نظر إلى عيناها الزائغتين مجددا، أدرك أنها خائفة، فدقات قلبها متسارعة و كفيها ووجهها متعرقين.
شعورها بالخوف هذا بالتأكيد ناتج عن إحساسها بالتهديد كما تتصور، يدرك أنها قد تؤذي نفسها أن طالت مدة هذا الخوف وعليه أن يساعدها لتخطيه خوفها، عليه أن يهدأ روعها ولكن كيف؟
الأغنية. نعم! تلك التي كان يرى (فاطمة) تغنيها لها، ماذا كانت تقول كلماتها، تذكرها، فشرع يغني قائلا:
كان يامكان، كان في زمان.

في أرض الأحلام. عصفور.
واقف حيران...
قدام أميرة صغنونة...
رفرف وحط على أيدها...
حس بأمان...
لم يتغير وضعها بل ظلت تضرب وجهها وإن خف صراخها قليلا، ربما من التعب، فإستمر يغني قائلا: الأميرة حلوة وطيوبة.
بس جواها أحزان.
سألها العصفور. مالك ياأمورة. ليه قلبك تعبان!

فجأة هدأ صراخها وتوقفت عن ضرب وجهها، لتهبط ببطئ تجلس على الأرض، تضم ركبتيها لصدرها تهز رأسها وتدور بعينيها في المكان، ظل يغني، وهو يستوعب حالتها، هي تبحث عن شيء. نعم. شيء! هي متعلقة به و يمنحها الأمان والدفء والإحتواء.
قالتلو الأميرة...
عايزة جناحين. وأطير لفوق.
ألمس غيوم. وأقطف نجوم.
وأشوف كل البلدان.
نزل العصفور من إيدها.
وبقى عصفور كبير. كبير كتير!

لمعت عيناه، إنه دبها القطني. ، هذا الذي لا يفارقها أبدا، نعم هو، لقد كتب في تقريرها أنه ذكرى من والدها، هو من أهداها إياه قبل أن يموت، بحث بعينيه في أرجاء الغرفة عنه وهو يشدو.
قالها. تعالي ياأمورة.
نحقق الأحلام.
ضحكت الأميرة. وضحكتها جنان!
وطارت لفوق. وحست بأمان.
وجده، تحت سريرها، أسرع يقترب منها ليمنحها إياه، لم يرد أن يلمسها مجددا، لقد هدأ نشيجها بالكاد، ليضعه أمامها وهو يقول.
دبدوبك ياأميرتي!

أمسكته بلهفة تضمه إلى صدرها، نزل إلى مستواها ينظر إلى عينيها الفيروزيتان، ليقول لها بإبتسامة: إيه رأيك نبقى أصحاب؟
حانت منها نظرة إليه قبل أن تبعد بناظريها عنه تهتز ببطئ، لينهض قائلا: كدة يبقى إتفقنا. هشوفك بكرة!
نهض ثم غادر حجرتها توقف خارجها ينظر إلى ذراعه المجروحة، يدرك أنه فاز في جولته الأولى معها بأقل الخسائر ولكن تظل الحرب قائمة وعليه في النهاية أن يرفع راية النصر، عاليا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة