قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

نوفيلا حالة وجد للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

استيقظت الشمس باكرا على غير عادتها، اليوم لم تكتفي بالإبتسام بل تضحك وتبعث الدفء اللطيف في الأجواء، تتسلل أشعتها فتربت على القلوب كأنها الفرج بعد الضيق، مر يومان هادئان لم يتواجد فيهما غير الأمل.

لم تفارق جملة (وجد) أذني (تيم) , كان للمرة الأولى يسمعها، كانت أول من يطلب منه أن لا يحزن، غمرت روحه فشعر بالطمأنينة، كان يزورها لبضع دقائق في وقت متأخر من الليل، ويقضي وقت فراغه القليل يراقبها من غرفة المراقبة، كانت هادئة جدا، تستفيق لبعض الوقت ثم تعود للنوم...
اليوم تبدو حركة غير إعتيادية بالبيت، هناك همسات بين د. (منى) والشابين، مما جعل (أزاد)تشك بالأمر.

كانوا يجلسون أربعتهم إلى طاولة الإفطار و مجددا يتبادل (عمار وتيم) الوشوشات لتقول (أزاد) بغيظ:
اووه! ماذا يحدث بينكما أنتما الإثنين؟
أمسكت السكين ووجهته نحوهما وأردفت: هااا. هتقولوا ولا تحبو أستخدم العنف؟
رفعا يديهما باستسلام وقال (عمار): اهدي بلاش تهور! كنا هنعملك مفاجأة ولكن يبدو أن وشك مش وش مفاجآت.
قالت بحيرة: مفاجأة؟! مفاجأة إيه!
تنحنح (عمار) وقال: هنروح كلنا المسا على مزرعة جدي بالفيوم!

قالت ببلاهة: جدك! إنت ليك جد بالفيوم وأنا لا أعلم!
ضربه (تيم) بخفة على رأسه وقال: هو جدي أنا يا (أزاد)! ومالك ركزتي ع الجد كدا إحنا بنقول مزرعة وفيوم وإنتي مركزة ع الجد!
تداركت الأمر وقالت: لالا طبعا مبسوطة بحب الطبيعة جدا! بس استغربت لأن قال جدي وهو مالوش جد حي!
تناول (عمار) يدها وقبلها وقال: اAkm! المهم تكوني مبسوطة، دا جدنا كلنا!

قالت الدكتورة (منى) بحزم: لو خلصتوا أكل ورومانسيات خلونا نمشي عشان نخلص قبل الضهر ونسافر!
تحرك الجميع إلى المشفى لإنهاء أعمالهم، فكان (عمار) المتذمر الوحيد الذي راح يهمس ل (تيم) قائلا:
من المفترض أن يكون يومي مميز لكني هبتديه بمريضة البارانويا اللي فكراني جاسوس
والاخ بتاع الفصام اللي فاكر نفسه فأر!
ضحك (تيم) بأعلى صوته لتلتف (أزاد) قائلة: مش هتخلصوا وشوشة بقى!

ليتبادل كل منها الإتهام بأن الآخر من ابتدى...

لم يكن هذا الصباح جيدا بالنسبة للجميع على كل حال، وقف (حسين) أمام باب شقة حماته يرن الجرس لبعض الوقت ثم راح ينادي:
ياحماتي! ياااخالتييي! اازينب! الله اا، افتحوا الباب يا جماعة وخلينا نستهدى بالله.
أسرعت (فاطمة) وفتحت الباب وسحبته إلى الداخل بعنف وهي تقول: الجيران نايمة، يهدك! هتفضحنا معاهم كمان!

ليقول ببلاهة: ياخالتي هو انا عملت حاجة أنا عرضت اوصلها والست طيبة وقبلت، وشغلتني كمان عندها وبقيت بلبس بدلة اهون ومرتب. يالهوي ع المرتب قالت هتديني الف جنية للشهر. هشيل عنك حمل ياخالتي والله!
ضربته (فاطمة) على كتفه وهي تقول: هو أنا اشتكيتلك ياراجل! بقى تصغرني قدام الست اللي عملالي اعتبار عشان اراعي بنتها، هحط وشي فين منها. اااه يامراري!

لتأتي (زينب) خلفها وهي تقول: بلاش ترفعي ضغطك معاه ياماما! دا عمره ماهيتعدل، امشي من هنا يا(حسين) مش عايزة أشوف وشك...
قال بحنق: لإمتى يا(زينب) القطيعة دي!
قالت بغضب وهي تجلس إلى الطاولة: لحد ماربك يريد!
خرج (حسين) وصفع الباب وراءه وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة، انضمت (فاطمة) إلى ابنتها التي بدأت في البكاء وقالت لها وهي تمسح دموعها:.

يابنتي دا (حسين) وإنتي عارفاه مابيفكرش بأي كلام أو أي حاجة قبل مايعملها، بس دا مايمنعش أنه طيب وعلى قد نياته، اهدي يومين كدا عشان يتعلم يفكر قبل مايتكلم، وبعدين ارجعي بيتك.
قالت من بين دموعها: ياماما أنا مش عايزة...

قاطعتها (فاطمة) قائلة بحزم: لأ! الزعل مايباتش بين الست وجوزها، كملي زعل في بيتك. تكملي ايه! لا طبعا تفطري وترجعي بيتك، تطبخي اكله عدلة لجوزك وتتصالحوا، يابنتي انتو عيلة، وفي عيل جاي في السكة ماتتعودوش ع البعد والخناق والزعل.
حلوا مشاكلكم بالهداوة. ووصيتي ليكي، عيالك ماتعيشهمش مشاكلك، عيشيهم في حب علميهم يحبوا أبوهم وأهله ويحبو الناس.

وضعت بفمها قطعة خبز بالمربى وربتت على وجنتها وقالت: الله يرضى عليكم يابنتي، ويصلح مابينكم!
قبلت (زينب) يد والدتها وابتسمت برضا.
في المشفى.
كان (عمار) بغرفة (صافي) وبرفقته والدها، وبعد أن فحصها، توجها إلى مكتبه فعرض عليه (عمار) كوب قهوة وجلس يحدثه لبعض الوقت وقال:
(أحمد) بيك! حالة (صافي) مستقرة، الآن مع الأدوية لم تعد تتوهم كثيرا، هي لسه بتعاني من إضطربات بس وضعها تحت السيطرة لا تقلق!

ليقول والدها: أحسن حاجة انى دخلتها المستشفى! على الأقل مش هتعمل مشاكل مع الناس، هنا هرتاح شوية.
شعر (عمار) بنوع من التقزز اتجاه هذا الأب وقال باقتضاب وهو ينظر إلى ساعته: سنراقب حالتها على مدى شهر لنرى ما يستجد بحالتها، والآن عن إذنك عندي حالة تانية لازم أمر عليها. استمتع بالقهوة!
صافحه وغادر وهو يخاطب نفسه هذا الأحمد أحق بالمشفى من إبنته، ما هذا ياإلهي!

كان يتوجه نحو غرفة حالة المصاب بالفصام فتوقف أمام غرفة الكشف العام يطالع (أزاد) من النافذة الزجاجية، حيث كانت تتوسط مجموعة من المدمنين، كحلقة لاسترجاع ثقتهم بأنفسهم والبوح بمشاكلهم علنا دون حرج...
أما هي فكانت تحاورهم والبسمة لا تفارقها، كأنها الشمس التي تبعث النور لتجلي ظلام الكواكب المحيطة بها، أراد أن تنتهي هذه الساعات سريعا من أجل قضاء لحظات سعيدة معها...
واصل سيره إلى وجهته...

وقتذاك كان (تيم) بغرفة (وجد)، استفاقت صباحا ولم تبدي أي رد فعل، كانت هادئة تضم رجليها إلى صدرها كعادتها، كانت قد رسمت الكثير من الرسومات
و بورتريهات على أوراق متناثرة تملأ السرير،
اغلبها لوالدها. وجهه، صورته واقفا وهو يحمل فتاة صغيرة. بورتريه لجدها. وصورته وهو جالس يجدل شعرها، بورتريه لجدتها، وآخر لفاطمة. و آخر لأمها. وآخر له!

حملهم (تيم) بين يديه وراح يقلبهم منبهرا بإتقانها وإبداعها الفني، شعر بسعادة ما أن وجد صورته بينهم، ووجد صورة أخرى، صورة الحلم الذي راودها، سماء رائقة وماء صافي ونوارس محلقة وفتاة تلعب مع الأسماك التي تمر تحت قدميها، عرف أن عالمها نقي جدا، بريء وجميل، وجد أيضا من بين رسومات بورتريه آخر. لفتاة ربما، لم يكن كاملا. كان مجرد وجه بدون ملامح. ورأسا بدون شعر!

وضع باقي الأوراق جانبا وجلس بقربها وقال: وجد! صورك جميلة جدا، وصورتي كمان، مكنتش أعرف إني وسيم كدا! بس في رسمة هنا مش كاملة، إيه رأيك تكمليها! أكيد هتطلع حلوة زي الباقي!
رفعت رأسها ونظرت إلى الرسمة التي بيده ثم نظرت نحوه وقالت ببراءة الأطفال: هي كاملة!
صوتها كان ناعم جدا مخملي، كأنه لحن هاديء، نظر بدوره إلى الصورة بين يديه وقال:
بس دي مافيهاش ملامح. يعني مش كاملة!

وضعت يدها على الصورة ثم وضعت يدها على وجهها وقالت: أنا مش عارفاهم، ملامحي! فهي كدة كاملة!
نظر إليها (تيم) بحزن وقال: طب إنتي عايزة تشوفي ملامحك!
لم تجيبه كانت تنظر إليه فحسب، أخرج هاتفه وقام بتصويرها ثم وضعه أمامها وقال: شوفي بقى! دي الأميرة الحلوة (وجد).

وضعت يدها فوق صورتها وراحت تتحسس وجهها من جديد، ثم نظرت إليه بابتسامة مشعة، كانت تصرفات (وجد) بعد استفاقتها لا تختلف عن تصرفات وسذاجة طفلة بعمر العشر سنوات كأكبر تقدير، لكنها عادت للتفاعل مع الناس. أقربهم إليها، وعادت للكلام من جديد!
كان هذا أكبر إنجاز حققه (تيم) بحالتها.
أعطاها ورقة رسم جديدة وأقلامها وقال: أنا عايز أشوف رسمة ل(وجد) بس تكون كاملة!

أخرجت لسانها فوق شفتها السفلى كعادتها حين تتحمس أو ينتابها الفضول اتجاه شيء، ثم انصرف عنها وهو يشعر ببعض الراحة اتجاه حالتها، واعتبر تحسنها هذا بداية جديدة مبشرة بالخير...

في المزرعة...
لقد أصبح المكان ساحرا، وسط الأشجار الخضراء الغضة المزينة بقناديل وبقربها أعمدة الإنارة المنسدل على جذعها أزهار التوليب البيضاء ومنصة بيضاء كبيرة، حتى الطاولات والكراسي بلون أبيض وعليها أزهار بيضاء ببتلات خضراء، وفي المطبخ النسوة يشرفن على تحضير الطعام برفقة الجد (فاضل) الطيب.

الذي كان يشعر بفرحة غامرة بهذه الحركة غير الإعتيادية ببيته، فكان يشاركهم بالتحضيرات بكل سرور، حتى الخيل وضعت عليها أكاليل الزهور
الملونة.
بعد لحظات وصلت د. (منى) تحمل صندوقا كبيرا بين يديها، وضعته جانبا وسلمت على والدها و(ملك ونازلي)، فقالت (ملك) متساءلة:
هل هذا الفستان!
أومأت (د. منى) برأسها وطلبت منها وضعه بغرفة (أزاد).
السعادة الآن تشبه الحلم، الذي يحاول (عمار)
تحقيقه والإستمتاع بالعيش بداخله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة