قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل السادس

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل السادس

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل السادس

كان صخر يسرع الخطوات بإتجاه جناح تلك الفتاة التي إستطاعت شغل قلبه وعقله، وإستحقت عن جدارة وجمال وحكمة هدم بعض حصونه والتسلل إلى كيانه القاسي فألانته، ورغم خشيته من ضعف يصاحب لين القلب، إلا أنه معها لا يشعر بهذا الضعف مطلقا، بل يشعر بقوة جامحة تجتاحه، تجعله يشعر بأنه قادر على فعل المستحيل، قادر على أن يكون ذلك الملك الذي كان يتمناه يوما، كاد أن يدخل إلى الجناح ولكنه توقف فجأة ثم إبتسم وهو يطرق الباب إنصياعا لأوامر مليكته فجاءه صوتها الرقيق يأمره بالدخول، ليوارى إبتسامته وهو يدخل الجناح، يراها برداء زهري رائع، أبرز جمالها الملائكي الخلاب، ليتوقف في مكانه صامتا متأملا إياها وكأنه في محرابها عابدا متعبدا، زادها خجلها جمالا، ليسقط قلبه صريع جمالها، يدرك مجددا أنه عاشق، وأن قلبه ما عاد ملكا له بل صار لها كلية، أفاق من شروده بها على صوتها يقول في إضطراب:.

تفضل يامولاي.
إبتسم مقتربا منها قائلا:
صخر، أخبرتك أن إسمي هو صخر.
أومأت برأسها دون كلمة وقد أعجزتها دقات قلبها المتسارعة عن الكلام، ترى إقترابه منها خطرا على هذا القلب الذي بات يعشقه، تود لو تطلق العنان لمشاعرها ولكنها تخشى أن تكون له نزوة لا أكثر، أو نوع جديد من النساء، بعد أن ينالها يزهدها، ويكون مصيرها الويل وحرقة القلب.
توقف أمامها تماما ليمد يده يمررها على طول ذراعها لامسا كم ردائها برقة قائلا:.

لماذا لا أراك بتلك العباءة التي تتخفين بها عن عيون العامة، وتحولك من قمر إلى سعد، رغم أننى لا أعترض مطلقا على رؤيتك بهذا الرداء، فقد زادك حسنا في عينى وبهاءا.
إبتلعت ريقها بصعوبة، ويده تثير في كيانها أعتى المشاعر، تتراجع خطوة إلى الوراء، قائلة بصوت مضطرب النبرات:.

أنا، نعم، تقصد تلك العباءة، حسنا، لن نغادر القصر اليوم فدرسنا سيكون هنا بين جنباته، أو على الأحرى في حديقته، فسنتحدث اليوم عن شئون البلاد يامو...
قاطعها بنظراته، لتبتسم قائلة:
ياصخر.
ما أجمل إسمه حين نطقت حروفه بذلك الثغر الوردي الرائع والذي يسحره الآن ليود فقط الإقتراب منه ينهل من سحره حد الإكتفاء، ولكنه خرج من دوامة مشاعره بصعوبة وهو يمد ذراعه إليها يبتسم قائلا:
حسنا، ماذا تنتظرين؟، هيا بنا.

أخذت نفسا عميقا قبل أن تمد يدها تضعها على ذراعه، لتشعر بزلزلة في كيانها كله عندما لامسته، أغمضت عينيها ترغم نفسها على تمالك دقات قلبها، قبل أن تفتحهما مجددا تمشى بجواره بهدوء، ولكنها في الحقيقة، تذوب عشقا.

حاولت قمر أن تنحى مشاعرها جانبا وهي تمشى مع صخر في جنبات تلك الحديقة الرائعة بأزهارها الملونة ذات الرائحة العطرة وأشجارها الجميلة، تركز على ما تريد أن تخبره به، تستجمع أفكارها التي تشتت تماما في قربه، بينما مشي صخر إلى جوارها يشعر بأنه بات لا يبغى شيئا سوى قربها هي، أن يكون هنا معها، في كل لحظة، حلم لا يريد أن يستيقظ منه، ليتساءل في صمت، لماذا قربها قد يكون له حلما وهو صخر؟، ملك تلك المدينة بأكملها، وإن أراد أمرا حققه، إن رغب حلما حوله إلى واقع، ليدرك أنه ليحول حلمه إلى واقع لابد وأن تبادله قمر مشاعره، إسترق النظر إلى وجهها الفاتن والتي تتأمل به حديقة القصر الغناء بعشق، لتتمهل عيناه على ملامحها لا تريد أن تطيع أمره وتبتعد عنها، ليتمنى قلبه فقط لو بادلته تلك الجميلة العشق فقط، لترك الدنيا ومافيها وإكتفى بها...

نفض افكاره جانبا وهو يقول:
أردتى الحديث عن شئون البلاد وها آنا ذا أراك صامتة،
نظرت إليه تغرق في سحر عينيه اللتان أصبحتا الآن بدفء ليلة صيفية رقيقة النسمات، لتنفض أفكارها العاشقة جانبا، وهي تقول:.

اليوم سأخبرك أمرا ترددت كثيرا قبل أن أبوح لك به، ولكن ما حسم ترددى هو رغبتك التي أراها حقا في مقلتيك، أراك ترغب حقا في صلاح شئون مملكتك، ولن يصلح شأن البلاد، حتى تفعل شيئا واحدا، أو بالأحرى تبعد عنها شخصا واحدا.
توقف على الفور ناظرا إليها عاقدا حاجبيه في حيرة قائلا:
من تقصدين بكلماتك؟
نظرت إليه قائلة بحزم:
مظفر، وزيرك يامولاي.
ظهرت الصدمة على وجهه لثوان، ليقول بعدها بصوت مازالت الصدمة في طياته:.

لماذا أبعد مظفر عن مملكتى؟
قالت قمر بهدوء:
لأنه بإبتعاده سيصلح شأن البلاد وستستعيد مجدها الماضى، سترى وقتها أفعاله التي كنت غافلا عنها، وستصحح تلك الأفعال فتعود مملكة الفيروز كما كانت في سابق عهدها يامولاي.
قال صخر عاقدا حاجبيه:
مهلا، مهلا، فلتخبرينى أولا، عن مقصدك بأفعاله تلك التي كنت غافلا عنها كما تقولين، وهل لديك ما يثبت كلماتك بدليل قاطع لا ريب فيه؟
هزت قمر كتفيها قائلة:.

سأخبرك عن أفعاله، اما الدليل فبالطبع لا أملكه، لا أملك سوى يقينى بأنه السبب وراء كل ما يحدث في مملكتنا، فلا أنتظر من خائن خدم إمرأة غدرت بملكه سوى أن يخون مبادئه وبلاده وكل عزيز وغال لديه، ولا أدرى كيف وثقت به مجددا وجعلته وزيرا لك كما كان لأبيك وجولنار من بعده؟
قال صخر بحيرة:.

لقد أظهر ولائه لى حين إنقلب على الملكة ومكننى من الحكم، كما أخبرنى أنه كان مضطرا لخدمتها خوفا على المملكة من أفعالها الشائنة.
قالت قمر في غضب:
كان أحرى بك أن تخشى منه، إنه كالحرباء يتلون بألف لون كي يظل بالسلطة، ثعبان غادر خائن، خان والدك الملك وإتحد مع الملكة، ثم خان الملكة وإتحد معك، ولا أستبعد أن يخونك إن وجد من يحل مكانك ويمنحه سلطة أكبر.

عقد صخر حاجبيه مطرقا رأسه أرضا، يفكر في كلماتها للحظات، قبل أن تتجمد ملامحه وتقسو وهو يرفع إليها وجهه قائلا:
فلتخبرينى في البداية بما لديك عن أفعاله ولنرى بعدها.
أومأت قمر برأسها قائلة بهدوء:.

حسنا، لقد بدأ الأمر منذ ظهور جولنار في المملكة، ليصدر أمرا بزيادة الضرائب على عامة الشعب الفقير وإعفاء أغنيائها، ومن لا يستطيع الدفع يزج به في السجون، حتى إمتلأت تلك السجون بغير القادرين من شعب لم يعد يدرى كيف يدفع تلك الضرائب وهو بالكاد يكسب قوت يومه، ليسود الجهل وقد توقف الناس أيضا عن تعليم أبنائهم في دواوين العلم التي أعدها والدك في الماضى لتعليم أبناء الشعب، وبارت الفتيات ولم تعد تجد من يستطيع تحمل نفقات الزواج، ثم أدخل مظفر المملكة في صراعات وحروب مع جيرانها لا داع لها، بأوامر من جولنار بالطبع، تلك الحروب اودت بحياة الكثيرين من شبابها، الذين تركوا خلفهم نساء وأطفالا وأمهات عجائز لا حيلة لهم ولا عائل ولا مصدر دخل يعينهم على الحياة، ولا تعويض من البلاد يكفيهم شر العوز، كتلك السيدة العجوز التي أقوم برعايتها والتي فقدت إبنها في الحرب منذ سنوات، إلى جانب أنه...

رفع صخر كفه أمامها مقاطعا إياها، قائلا بصوت إمتزجت فيه الصدمة بالغضب قائلا:
مهلا مهلا، فلنبحث اولا في تلك الأفعال البغيضة التي أخبرتنى بها، ونرى مدى صحتها وكيف من الممكن تداركها، ومحاسبة المسئول عنها أيا كان، وأعدك إن كان مظفر من قام بتلك الأمور، فلن ارحمه بل سأجعله عبرة لكل من سولت له نفسه على أذى مملكتى وشعبها.

نظرت إليه قمر، تومئ برأسها بهدوء، تشعر بالطمأنينة وقد أدركت من ملامح صخر أن مملكة الفيروز لها ملكا، لن يهدأ ولن ينام حتى ينال شعبها راحة بعد عناء وأمنا بعد خوفا، وسلام ورخاء للأبد بإذن الله.

لتسير بجواره مجددا، يسود الصمت بينهما، تتركه لأفكاره التي تدرك جيدا الآن أنها تدور حول شعبها ومملكتها، بينما كانا غافلين عن أذن إستمعت إلى حديثهما ليدرك صاحبهما أنه كان محقا في خشيته من تلك الفتاة، والتي جعلت صخر يبحث وراءه وبالتأكيد سيعرف كل أفعاله النكراء والتي أخفاها عنه لتقسوا عينيه وقد ظهر الشر فيهما، ينوى أن ينفذ ما خطط إليه، لينجو بنفسه من غضب ملك يدرك بيقين سوء إنتقامه.

إندفعت زمردة وصيفة قمر الزمان إلى جناحها قائلة:
هيا غادرن يافتيات، فالملك آت.
أسرعن الفتيات بمغادرة الجناح الملكي، بينما أسرعت قمر إلى مرآتها، تتطلع إلى صورتها، لتبتسم زمردة قائلة:
قمر الإسم والوصف يامولاتى.
إلتفتت إليها قمر تقول بخجل:
أحقا أبدو جميلة يازمردة؟وهل أناسب...
تركت جملتها معلقة لا تدرى كيف تكملها، أدركت زمردة حيرة مليكتها، فإقتربت منها تحتضن كفيها بيديها قائلة:.

لم أرى من تناسبه سواك يامولاتى، ولا أقصد جمالك الفاتن فحسب، بل روحك الطيبة والتي إنعكست على سيدى، فجعلته شخص آخر، أتعلمين ماذا فعل مولاي الملك في اليومين الماضيين؟
نظرت إليها قمر في تساؤل لتستطرد زمردة قائلة:.

لقد ألغى الضرائب عن عامة الشعب من الفقراء، وأطلق سراح الغارمين من السجون، ومن لم يستطع الدفع، وقام بجعل التعليم في الدواوين مجاني، وأقام ديوانا خاصا، جعل مهمته تزويج كل من لا يستطيع تحمل تكاليف الزواج، ومنح مبلغ مالي شهري لأهل كل قتلى الحروب ومصابيهم، إلى جانب أنه بعث رسل لأمراء وملوك الممالك المجاورة، برسالة يدعوهم فيها لإجتماع صلح وهدنة، طالبا منهم أن يبدأو معه عهد جديد فيه عدل وأخوة كعهد أبيه بالماضى تماما،.

ظهرت دموع الفرح في عيني قمر، تدرك أنه تحقق من كلامها وسعي لإصلاح كل شئ على الفور، يثبت لها أن شعورها تجاهه صحيح كلية وأنه يستحق حقا ان يكون ملكا للبلاد، بل أعدل الملوك على وجه الأرض، إن ترك قلبه يقوم بالحكم يمتزج بعقل تدرك حكمته، إن ترك فقط رماد الماضى تزروه الرياح...

قاطع أفكارها طرقات باتت تدركها، ثم دخول الملك وعيونه تبحث عنها حتى إستقرت عليها، تجول على ملامحها بنظرة ظهر الشوق فيها، لتبادله نظراته وقد إشتاقت إليه بدورها، لتتسلل زمردة مغادرة، وعلى وجهها إرتسمت إبتسامة سعيدة،
إقترب صخر منها دون أن يحيد بنظراته عنها حتى توقف أمامها تماما، ليقول:
كيف حالك؟
أجابته بهدوء لا يعكس ضربات قلبها المتسارعة:
بخير يا...
رمقها بنظرة ذات مغزي فإبتسمت قائلة:
صخر.

إبتسم بدوره قائلا:
أترين؟ليس صعبا نطق إسمى، أليس كذلك؟
إكتفت بإبتسامة خجول، ليستطرد قائلا:
هل وصلتك الأخبار؟
إبتسمت قائلة:
علمتها للتو ياصخر، هنيئا لك ما صنعت، وإنى شغوفة اليوم لأخرج إلى المدينة قرب الفجر، أرى رأي الناس فيما فعلت.
إبتسم قائلا:
سنخرج سويا فقد إشتقت إلى طرقات المملكة ومساعدة المحتاجين، فإنتظرينى ولا تذهبى بدونى.
إبتسمت قائلة بمشاكسة:.

سيحبك الناس أكثر من سعد وأكثر منى، فأنت تفعل في أيام ما عجزنا عن فعله طوال السنوات الماضية.
إتسعت إبتسامته وهو يمد يده يرفع خصلة هاربة من شعرها إلى ماوراء أذنيها بهدوء خلب لبها وأطلق العنان لدقات خافقها وهو يقول برقة ألهبت مشاعرها:
لولا سعد ماعاش ملكهم، ولولا قمر ما أحبوه، فإن كنت حقا ملكا محبوبا بينهم اليوم، فهذا بسببك وحدك يامليكتى.

إبتلعت قمر ريقها بصعوبة تشعر بالذوبان في عشق هذا الرجل الماثل امامها والذي إستقرت يده على وجنتها، تشعل كيانها إشتعالا، لتتنحنح وهي تتراجع خطوة إلى الوراء، تقول بصوت متهدج من أثر مشاعرها المضطربة عشقا:
وماذا عن مظفر يامولاي، أمازال هاربا؟

نجحت قمر في إخراج صخر من تلك الحالة العاشقة لها، والتي كانت ستودى به في النهاية لخاتمة حتمية وهي تحويل زواجه الصوري إلى حقيقي، نعم هو يرغب بذلك من كل قلبه ولكنه يرى أن الوقت فقط ليس مناسبا لتلك الخاتمة قبل ان يتأكد تماما من مشاعرها تجاهه، يتأكد من عشق يراه بعينيها ولكنه يحتاج إلى إعتراف منها بذلك العشق، الذي يراها تتهرب منه دوما، يخشى ان يصارحها هو بعشقه فلا يجد صدى لمشاعره في قلبها ويكون جل ما يجمعهما هو مصلحة مملكة الفيروز وشعبها...

ليقول بعيون ظهرت بهم قسوة جاءت مصاحبة لذكر إسم هذا الخائن:
نعم مازال هاربا ولكننى سأجده مهما كلفنى الأمر بعد ان تأكدت من كل أفعاله النكراء وسيحصل على مصير يليق بأفعاله، وهذا وعد منى بذلك.
إبتسمت قائلة:
أثق بك تماما.
لا تدرى ماذا فعلت قمر بقلبه في تلك اللحظة، كلماتها البسيطة جعلته ينبض بعشق تجرى قوته في شرايينه فتمنحه كل ما يحتاج من أجل أن يكون الملك الذي تحلم به قمر وكل فرد في مملكة الفيروز.

فتح الباب فإلتفتت جولنار لترى زائرها الأول منذ أن حبسها صخر في هذا البرج الحصين والذي لم تستطع منه هروبا وقد فقدت صولجانها، عقدت حاجبيها في قسوة حين رأت مظفر قائلة:
وأخيرا أتيت، إنتظرتك طويلا حتى كدت ان أفقد الأمل في حضورك.
إبتسم مظفر بخبث قائلا:
كنت انتظر فقط الوقت المناسب يامليكتى، حتى أستطيع إنقاذك.
نظرت إلى وجهه تدرك كذبه، تود لو فتكت به ولكنها الآن تحتاجه، لتقول بسخرية:
وهل حان الوقت؟

قال مظفر بحقد:
نعم حان يامولاتى، فلقد صار الملك ضعيف القلب، يتبع زوجته الصغيرة، يقوم بهدم كل ما بنيناه، ويوزع المال الذي جمعناه، يحاول أن يصلح بعض ما أفسدناه وسعينا إليه سنوات طوال.
تأملته في هدوء قائلة:
وماذا تنتظر؟، هيا بنا لنحضر صولجانى، وندمره هو ومملكة الفيروز، لنتحد مع ملك الجان الأحمر ونقيم مدينة لا تقهر.
إنحنى مظفر قائلا:.

وأنا تحت أمرك يامولاتى، خادمك وخادم مملكة الجان، وقد حان حقا الأوان، لإستعادة الصولجان.
إبتسمت جولنار بكبرياء وهي تسير أمامه بخيلاء، ليسير خلفها بهدوء، تدرك بأنها أخيرا تحررت، وأصبح حلمها على وشك التحقيق، وقريبا ستصبح ملكة خالدة، بعد ان تتحد مع ملك الجان الأحمر، وتصبح كتلك المملكة التي ستبنيها، قوية، حصينة، ولا تقهر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة