قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

كان صخر يزرع الحجرة جيئة وذهابا يشعر بالغيظ يأكل قلبه ويشعل فيه النيران، لم يسبق لإمرأة أن تمنعت عنه، وقاومته هكذا كتلك القمر التي يذهب إليها كل ليلة، يبغى قربها، وإتمام زواجهما، لترفضه مدعية أنها تحتاج مجددا لبعض الوقت كي تتعرف عليه وتحمل له في قلبها بعض المشاعر، ليتساءل في غضب، كيف ستتعرف عليه وهي تحبس نفسها في حجرتها طوال الوقت؟، لا تخرج منها أبدا، ولا يراها طوال النهار سوى بضع دقائق، يلمحها فيهم فقط تقف في شرفتها تنظر إلى السماء بشرود، تتمايل خصلاتها الشقراء بنعومة وتتطاير مع النسمات، ليقع تحت سحر جمالها ورقتها للحظات، ثم ينفض عنه السحر بسرعة، مذكرا نفسه بأن النساء الجميلات لعنات، خائنات، طامعات، ليقسو قلبه مجددا وهو يشيح عنها بنظره، مانحا شرفتها ظهره ومغلقا عنها وجدانه الذي أصابته بالإرتباك، ليقرر كل يوم أن ينتهى منها ويتمم زواجه بها ليطلقها باليوم التالى كما إعتاد أن يفعل، لينتهى إلى الأبد من تلك الترهات، فيضعف أمام كلماتها التي تطالبه بالصبر والتأنى، تذكره بوعده لها الذي قطعه على نفسه، تبا لهذا الوعد الذي يحول بينه وبين تحقيق مأربه، يمنعه من الوصول لها والإنتهاء من الأمر، يشعر بأنه يضعف معها رويدا رويدا يرق قلبه لها،.

ليقرر اليوم قرارا حاسما لا رجعة فيه، عليه ان ينتهى من إتمام الزواج اليوم، حتى لو كان هذا رغما عنها، نعم، هذا ما سوف يفعله تماما.

إرتسم على وجهه التصميم، وحلت القسوة في عينيه وهو يتجه بخطوات واسعة بإتجاه جناحها، ليفتح بابه بقوة ويدخل إلى الجناح، إنتفضت قمر الزمان، ونهضت تنظر إليه بوجل، تلاحظ تغير ملامحه الباردة والتي يواجهها دائما بها، ليظهر على وجهه أعتى عواصف الغضب، إقترب منها بسرعة لتتراجع بضع خطوات رغما عنها خوفا حتى شعرت بالحائط الصلب خلفها لتتوقف، تنظر إليه بنظرات متسائلة وجلة، توقف بدوره يطالعها بعينين قاسيتين أدركت أن صاحبهما لن يترفق بها، لتدعمه كلماته الصارمة وهو يقول بحدة:.

ألن تنتهى تلك المسرحية الهزلية، ألن ننتهى من هذا الهراء؟، لقد مللت حقا.
إبتلعت ريقها بصعوبة، تمرر لسانها على شفتيها الجافتين، ثم تقول بإرتباك:
ما الذي تقصده يامولاي؟
رغما عنه تاه صخر بين ثنايا ثغرها الكرزي في شرود، ليرفع عيناه بصعوبة عنه ويقابل عيني قمر الوجلتين، ليفيق من شروده في ثغرها الساحر، وهو يقول ببرود:
زواجنا، تلك المسرحية الهزلية التي طالت دون داع، فلننتهى منه ونكمل حياتنا.

تأملت ملامحه لثوان في صمت ثم قالت ببرود:
حسنا، فليكن.
عقد حاجبيه وهو يتراجع للوراء خطوة واحدة في صدمة ظهرت على ملامحه، قبل أن يتمالك نفسه بسرعة قائلا:
توافقين بتلك السهولة؟لابد وأن في الأمر شئ غامض، أو ربما تريدين شيئا بالمقابل؟
نظرت إلى عمق عينيه قائلة:
الدنيا لا تقوم على المصالح والمقايضات يامولاي، هناك بعض البشر يفعلون المعروف لوجه الله، لا يبغون عليه أجرا.

تذكر كلماتها التي قالتها له بالماضى، إحتار في أمرها، بالفعل وقتها لم تنتظر منه حتى كلمة شكر على معروفها، فهل هناك من البشر من هم مثلها حقا؟تذكر هذا الشيخ العجوز الذي آواه دون مقابل، بل كان لوجه الله أيضا، هذا الرجل الذي أحسن إليه حتى توفاه الله، شعر بقلبه يلين، ليرفض لين القلب الذي يضعفه، قائلا بسخرية:
أتطلقين على إتمام زواجنا معروفا؟إنه واجبك يافتاة، فبيننا عقد يلزمك بذلك.
قالت قمر بهدوء:.

نعم بيننا عقد، عقد بارد لا روح فيه، فإن أردت إتمامه فليكن، لن أبالى، فيبدو أننى لم و لن أكن لك مشاعر في يوم من الأيام على أية حال، فما سمعته عنك لا يشجعنى على الإطلاق.
عقد حاجبيه قائلا في غضب:
ما سمعتيه عني؟ماذا سمعتى وممن؟
نظرت إليه بقوة وهي تقول:.

سمعت أنك لا قلب لك، تسكن البرودة جنباتك، لا تهتم بشعبك، بل تهتم بروحك الفانية فقط، تعيش فقط كشهريار، بل تكاد تماثله إن قتلت زوجاتك ولم تطلقهن فحسب، يعيش سكان مدينتك الفقر المدقع، ويا أسفاه، تعيش أنت في ترف، ولا تبالى.
إنتفخت أوداج صخر من الغضب ليمسكها من ذراعها قائلا بصرامة:.

كيف تجرؤين على أن تقولى لى مثل هذه الكلمات؟هل جننتى أم أن صبرى عليك قد منحك أوهاما بأن عشقك قد ملك علي قلبى، لذا فلن أعاقبك، حسنا، سترين الآن عقابى الرادع لأمثالك من النساء، سأحبسك في هذا البرج العالى مع تلك الساحرة المأفونة ولن أبالى حقا كما تقولين.
أغروقت عيناها بالدموع رغما عنها، كاد صخر أن يرق لدموعها الحبيسة داخل مقلتيها، ولكنه قاوم ضعفه الذي إكتشف أنه يشعر به فقط بجوارها، ليقول لها ببرود:.

إبكى ولن أهتم وسترين ياقمر، جلمودى وثلجى اللذان سيحيطان بك يعذبانك حتى تستنجدين.

ثم تركها وفر هاربا من نظراتها التي تعاتبه، لتنظر قمر في إثره بحزن، تتأسف على ملك يصارع مشاعره، يدعى قسوة لا تليق به، تدرك أنه فقط لو ألان قلبه قليلا، ونظر إلى قاع مدينته الذي يعانى، فربما حل مشكلاته وأصبح أعدل حكام المدينة، ليشبه والده في عدله قبل أن يتزوج تلك الساحرة الشريرة والتي دمرت المدينة كلية، إقشعر بدنها، وقد تذكرت تهديد صخر لها بحبسها مع تلك الساحرة، لتنفض تلك الفكرة وهي تدرك أن الملك يطلق تهديداته فقط ولن ينفذها، فهل هي على حق، أم هي حقا واهمة؟، في الوقت الحالى هي مضطربة بالفعل، حائرة، ولا تدرى شيئا.

إقتربت الشمس أن تنهض من سباتها ليبزغ فجر جديد على المملكة، و كلمات قمر تدوى كالرعد في أذن صخر، تفقده السيطرة على نفسه كلية، يسأل نفسه، كيف تراه بهذا السوء؟ماذا فعل لها لتنعته بأنه لا قلب له ولا يهتم بشعبه، يعيش كشهريار، وبينما يعانى سكان مدينته، يعيش هو الترف ولا يبالى، بل إنه حقا يبالى، لقد أرجع الحقوق لأصحابها، ومنح الفقراء المال، ربما إنشغل قليلا عنهم بإعادة هيكلة ديوانه وإحاطة نفسه بمن يثق بهم حقا، والإنتقام ممن خانوا والده، وربما إنجرف قليلا في إنتقامه ليمتد إلى جنس حواء بوجه عام، ولكنه لم يجبر إحداهن أبدا على الزواج منه، هو فقط يتزوجهن ويطلقهن في اليوم التالى ويشترط على آبائهن أن لا يتزوجن بعده وإلا سجنوا للأبد أو قتلوا، وبهذا تظل الفتاة عالقة في شباكه، وحيدة، للأبد، جزاء لها على طمعها وجشع أبيها، ورغم شروطه التي يفرضها، كان يجد الجميع مرحبا، عارضا فتياته للزواج من الملك، طامعين في المال والسلطة، لم يجد منهن من قاومت جشعها ورفضت عرض الملك، حتى يأس تماما، يدرك أن كل فتيات حواء سيئات، ولكن تلك القمر مميزة حقا ورغم طول لسانها إلا أنه لا يستطيع أن ينكر أنها ساحرة، تملك الجمال والعقل في مزيج خطير، من الأفضل أن يبتعد عنها كلية، ربما عليه أن يطلق سراحها، فهي إن أصبحت زوجته حقا ام لا، وفي كل الأحوال ستشكل خطر على سلامة قلبه، خطر يهدد بإذابة جليده، وهو لا يريد لهذا الجليد أن يزول عن قلبه، حتى لا يستطيع أحد أن يصل إليه ويجرحه جرحا قد يقتله، لذا عاد مجددا إلى جناح قمر، ليخبرها بما قرر فعله، لينتهى من هذا الأمر وبسرعة...

دخل صخر الجناح فلم يجدها، عقد حاجبيه بحيرة، وهو يمر بعينيه في أرجاء جناحها ليلمح ظلا عند الشرفة إقترب بسرعة ليرى لصا متخفيا بعبائته ينزل من الشرفة بخفة، كاد أن يصرخ في الحراس ليمسكوا به، ليلمح خصلات ذهبية تتدلى من خارج العباءة عرف صاحبتها على الفور، أصابته الصدمة لثوان وهو يدرك أنها هي، يتساءل في صمت عن سر تسللها لخارج القصر، لينتابه الغضب وقد أصابته الظنون، يدرك أن في تمنعها عنه سرا إكتشفه الآن فقط، قمر تحب رجلا آخر تتسلل لتراه، أصابته الحقيقة بغصة، ولكنه نفض عن قلبه هذا الألم، تقسو عيناه وهو يتبعها على الفور، ينوى أن يعرف هذا العشيق المجهول، ثم يقتلهما سويا، ويشفى غليله، ممن يدرك الآن أنها جرحت قلبه وبقسوة.

كان صخر يتبع زوجته في طرقات المدينة بوجه جامد الملامح، لم يرق أبدا رغم أنها وحتى الآن لم تفعل ما يوجب عقابها، على العكس تماما، فكل ما تفعله منذ أن غادرت جدران القصر هو مساعدة كل من صادف وجوده في طريقها، فقد ساعدت طفلة في تنظيف دميتها التي وقعت في الطين وإتسخت بشدة ثم ساعدت طفل بإحضار كرته التي علقت بين أغصان الشجر حين قذفها عاليا فتسلقت الشجرة بمهارة ثم أحضرتها له لترتسم إبتسامة سعيدة على شفتي ذلك الطفل، ونقلت مع هذا العجوز ذلك الصندوق الثقيل من عربته إلى محله الصغير، وساعدت تلك المرأة في حمل قوارير الماء التي كانت تحملها ولثقلها وقعت منها واحدة فإنكسرت فحينها عرضت عليها قمر المساعدة وقبلت المرأة بإمتنان، ليتعجب من تلك الفتاة التي خرجت من قصر ملئ بالخدم لتتنقل فقط بين طرقات المدينة تبحث عن من يحتاج لمساعدتها فتسرع بالمساعدة دون تردد...

حتى توقفت عند أحد المنازل لتتلفت يمينا ويسارا قبل أن تطرق الباب طرقتين متتاليتين ثم تدخل بهدوء ليعقد صخر حاجبيه في قسوة، يدرك أنه على وشك كشف خيانتها، ليقترب صخر من المنزل بعد أن دخلته قمر، ويستل خنجره من مغمده، قبل أن يتسلل إلى المنزل من خلال نافذته المفتوحة، ليتوقف متجمدا وهو يرى قمر وقد تخلت عن عبائتها وقناعها، وتطعم سيدة عجوز عمياء كما يتضح من مظهرها، يستمع إلى صوت تلك السيدة وهي تقول بحب:.

أين كنتى يافتاتى العزيزة؟لقد إفتقدتك حقا.
قالت قمر برقة:
عذرا سيدتى، لم يمنعنى عنك سوى شئ يفوق إرادتى، ولكنى أعدك أننى لن أغيب مجددا، وإن غبت فسأبعث لك بمن يحل مكانى.
إبتسمت السيدة بطيبة قائلة:
لا يوجد من يستطيع أن يحل مكانك في قلبى يابنيتى، فلطالما شملتينى بعطفك وحنانك، لم أشعر بعد وفاة ولدى وإصابتى بالعمى بالإحتياج أو الوحدة أبدا، فقد كفيتنى شر المسألة وأحطينى برعايتك، بارك الله فيكى يافتاة.

إبتسمت قمر بحنان وهي تربت على يدها، بينما عقد صخر حاجبيه وهو يسمع ما فعلته زوجته مع تلك السيدة من خير لوجه الله فقط، ليتعجب من وجود إمرأة مثل قمر، تغير من أفكاره التي نسجها حول جنس النساء، أفاق من أفكاره على صوت سعال تلك العجوز، فنهضت قمر بسرعة لتحضر الماء إليها لتتجمد وهي ترى صخر أمامها، يظهر على ملامحها الجزع، ليقترب صخر منهما وهو يمسك في طريقه بكوب من الماء رفع عنه غطاؤه ومده إلى تلك العجوز دون أن يحيد بنظراته عن قمر قائلا:.

تفضلى يا سيدتى.
أخذت العجوز كوب الماء من يده لتشرب منه ثم تناوله إياه قائلة:
ومن تكون يابني؟
قال بإبتسامة هادئة وهو مازال ينظر إلى قمر التي تمالكت نفسها وهي تقترب منهما بهدوء:
أنا زوج تلك الفتاة التي صمتت وكأن الطير يقف فوق رأسها.
قالت العجوز بترحاب:
أهلا بك يابني، لما لم تخبرينى ياقمر أنك تزوجتى وأنك أحضرتى زوجك معك؟
تنحنحت قمر تجلى صوتها قائلة:
إحمم، لإنه، أقصد أنى...
إتسعت إبتسامة صخر وهو يقول:.

لقد تزوجنا بسرعة ياسيدتى ولقد جئت للتو، كي أعيدها معى إلى المنزل، فأنا، إحمم، أخشى عليها من الطريق.
إبتسمت العجوز قائلة:
حسنا ستفعل يابني، فتاة مثل قمر، تحتاج إلى عنايتك وحمايتك وإهتمامك، لا أتحدث عن جمالها الخارجي لإننى لم أره رغم أنى أستشعره بالتأكيد، ولكننى أتحدث عن جمالها الداخلى، فقلبها من ذهب، لا بل هو ألماسة نادرة الوجود.

تأمل صخر ملامح قمر التي تخضبت بالخجل، لتزيدها جمالا في عينيه وهي تطرق برأسها أرضا هربا من نظراته التي تحيطها، ليقول بصوت ظهر فيه إعجابه:
أعلم ياسيدتى، أعلم، وأعدك أن أحافظ عليها.
رفعت إليه عيناها، لتتعلق بعينيه، تشعر هي بأنها تنجذب إليهما بشدة، ليقطع تواصل العيون ضحكات السيدة العجوز وهي تقول:
أين ذهبتما؟
أشاحت قمر بعينيها عن عينيه وهي تقول بهدوء لا يعكس إضطراب دقات خافقها:.

سنعود إلى المنزل سيدتى وسأراك لاحقا.
لتقترب منها وتمسك عبائتها تخرج منها صرة من المال تمنحها إياه قائلة:
إعتنى بنفسك.
ثم إحتضنتها برقة خلبت لبه، لتضمها العجوز قائلة بحنان:
بارك الله فيك يافتاة وأسعد قلبك مع زوجك ورزقكم الله الذرية الحسنة.

خرجت قمر من محيط ذراعيها وهي تشعر بالإضطراب يغمر كيانها، تحاول أن تتجنب النظر إلى صخر الذي إبتسم بهدوء وهو يلاحظ ماأصابها من خجل وإضطراب، ليسبقها إلى الخارج ينتظرها حتى لبست عبائتها، وخرجت إليه ليمد يده إليها ينظر تجاهها بثبات، يتحداها أن لا تمسك بيده، لتنظر إليه بهدوء وهي تمد يدها إليه لتتشابك الأيدى ويبدأ كل منهما السير في طريق العودة ولكن شتان مابين شعورهما في الذهاب وشعورهما الآن في الإياب.

إحتار صخر في تفسير مايشعر به الآن تجاه تلك الفتاة التي أربكت كيانه ومعتقداته بأكملها، إسترق النظر إليها ليجدها شاردة بدورها، لا يظهر من وجهها سوى عيناها، تختفى ملامحها خلف هذا اللثام الذي وضعته حول وجهها لا يبرز من ملامحها سوى تلك العينان، مرآة روحها التي تعكس الآن صفاءا لا مثيل له وطيبة تغزو قلبه، وقوة تهز كيانه، نعم إنها تختلف عن باقى الفتيات اللاتى تزوجهن، فهل يفتح قلبه لها؟أم سيندم على هذا القرار الذي يبدو وأنه يتخذه في لحظة ضعف، فقلبه قد أحاطه بقسوة تحميه، وحوله إلى جلمود كي يبعد عنه الألم، فإن فتح قلبه سيلين مجددا وسيضعف وستستطيع تلك المرأة جرحه بسهولة، بل وقتله إن أرادت، وهذا ما لن يسمح به مطلقا، ليشيح بوجهه عنها، يبعد تلك الأفكار عن رأسه، فلن يسمح بتكرار ماحدث لأبيه حين سمح لضعفه أمام جمال جولنار أن يقتله، فليست كل النساء كوالدته رحمها الله، بل هن كجولنار تماما، يظهرن ضعيفات، رائعات، جميلات، ويمتلكن الطيبة والرقة كحمل وديع ثم يلدغن كأفعى سامة ويصبح مصير الرجال هو الموت، بلا هوادة...

بينما كانت تمشى قمر صامتة تبدو وكأنها تتأمل محيطها ولكنها كانت تبعد أفكارها عن هذا الذي يمشى إلى جوارها تتشابك يده مع يدها ربما لأول مرة منذ زواجهما، وياللعجب، فإنها لا تشعر بالغرابة من ذلك، بل تشعر وكأنها تفعل ذلك منذ حداثة عهدها، وكأن من يمشى بجوارها هو صديق طفولتها، أو من دمها وليس هذا الملك الذي تزوجته رغما عنها، تتساءل عما يفكر به الآن وهل يشعر بالألفة مثلها؟وماذا سيفعل بها بعد أن علم بتسللها من وراءه؟لتترجم أفكارها إلى كلمات وهي تلتفت إليه قائلة:.

هل من الممكن أن أعرف ماالذى ستفعله بى الآن؟
نظر إليها في جمود أربكها، فلم تكن نظراته إليها منذ قليل بمثل تلك البرودة قط، ليقول هو بهدوء:
ستعاقبين بالطبع، هل كنتى تظنين أنك ستفلتين من العقاب؟لمجرد أننا نمشى سويا...
ليرفع يده الممسكة بيدها مستطردا:
نمسك بأيدى بعضنا البعض كأصدقاء قدامى؟
نظرت إليه نظرة طويلة شعر في طياتها بخيبة أمل بعثرت كيانه وأشعرته بالذنب، لينفض ذلك الشعور جانبا وهي تقول بهدوء:.

لا، لم أكن لأتخيل ذلك، فلقد تزوجت من صخر، حقا يليق بك هذا الإسم تماما، هنيئا لك، فقد أصبحت إسما على مسمى،
عقد صخر حاجبيه قائلا:
ماذا تقصدين بتلك الترهات؟
إبتسمت بهدوء قائلة:
لا شئ، لم أقصد شيئا ياسيدى.
ثم أشارت إلى القصر قائلة بهدوء:
لقد وصلنا،.

تأمل حدود القصر ثم عاد بناظريه إليها ليلاحظ عبرات غشيت عينياها قبل أن تشيح بوجهها عنه، تخفى تلك العيون التي آلمته تلك النظرة التي كمنت بهم منذ برهة، لتبعثره الآن تلك الدموع القابعة بهما، يدرك وبكل قوة أنها تسللت إلى قلبه وأذابت جزءا من جلموده مع هذا الألم الذي يشعر به في جنباته، رغما عنه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة