قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

ظل صخر يتحرك في جناحه جيئة وذهابا كليث جريح، تتردد كلماتها بين ثنايا عقله، تشعره بالإضطراب،
(لقد تزوجت بصخر، حقا يليق بك هذا الإسم، فهنيئا لك، لقد أصبحت إسما على مسمى)..
إنه يعلم أنها قالت حقيقة يدركها جيدا، بل هو من سعي إليها دائما، أراد تحويل قلبه إلى جلمود لا يشعر، حتى يستطيع التغلب على ألمه ووحدته، وحتى يستطيع الإنتقام.
إذا لماذا توجعه كلماتها بهذا الشكل؟ولماذا تثير غضبه وحنقه؟لماااااذا؟

شعر بأنه على حافة الجنون، ليجد قدماه تتجهان إلى المكان الذي أدرك أنه سينهى حيرته وتخبطه ووجعه، إلى جناحها هي، زوجته، قمر الزمان.

كانت قمر تمشط خصلاتها الحريرية الصفراء وهي شاردة تماما، تفكر في هذا الملك الذي تزوجته، لقد ظنت أنها تزوجت من أجل أن تحصل على منزل والديها بعد أن كاد قاسم ان يجبرها على الزواج إما من منتصر الذي لا تطيقه ولن تستفيد شيئا من زواجها منه وإما الزواج من الملك الذي لا تعرفه ولكنها ستحصل على منزل والديها إن وافقت عليه، ليفوز الملك، وتخبر نفسها أنه زواج ليوم واحد وانتهى الأمر، فما الضرر الذي قد يلحق بها، ستغمض عينيها وحواسها وتستسلم لقدرها المحتم فقط؟لكنها وحين وقفت أمام الملك، حين اقترب منها، لم تستطع إنهاء مهمتها ثم العودة إلى منزلها، لقد تجمدت تماما وهي تتخيل أنها ستصبح زوجة له دون مشاعر، سيجتاح عذريتها دون أن تحمل له شيئا في قلبها، رفضت الفكرة تماما، وحاولت المماطلة بحجة أنه لابد وأن يمنحها فرصة لتتعرف عليه، رغم يقينها من أنها من المستحيل أن تقع في حب جلمود هذا الملك تماما، ولكنها لم تدرى ماذا تفعل غير ذلك، الآن لم يعد لديها هذا اليقين مطلقا، خاصة بعد رؤيته مع تلك السيدة العجوز ومعاملته الطيبة لها والتي أنبأتها أن هذا الجلمود ما هو إلا غشاء يحيط به قلب ربما يخشى عليه من الأذى، ربما لو حاولت قليلا معه ل...

نفضت أفكارها وهي تنظر إلى عينيها بالمرآة تقول في همس مصدومة من أفكارها:
هل جننتى ياقمر؟تحاولين؟أم تهتمين؟وإن كنتى مخطئة وحدك ستندمين، هل ذهب عقلك أم قلبك من يرق ويضعف ويلين؟، لا، لا تضعفين، لا تضعفين.

إنتفضت على دخول الملك إلى جناحها، لتتجمد تماما وهي تطالعه في مرآتها بينما تجمد بدوره وهو يطالعها ويتأمل ملامحها الفاتنة بعد أن أسدلت خصلاتها الناعمة الذهبية لتزداد جمالا وتزداد دقات قلبه خفقانا، إبتلع ريقه بصعوبة، يشعر بكيانه الثلجي يذوب، يقاوم رغبة جامحة في أن يقترب منها يحتضنها ويمرغ وجهه في خصلاتها، ليشعر بالحياة من جديد.
نهضت ببطئ وإلتفتت تنظر إليه، لتقطع عليه أفكاره وهي تقول بحيرة:
مولاي؟

زال جموده وهو يتنحنح قائلا بإرتباك:
إحمم، نعم إنه أنا، لقد كنت أود، أعنى أنى كنت، أقصد أننى...
زادت حيرتها مع تخبطه الواضح، فهذا ليس من شيم هذا الملك أبدا، تتساءل عن السر وراء حالته الغريبة تلك، لتستقر عيناه عليها ينفض إضطرابه وهو يقترب منها بسرعة، يقف أمامها ويمسك ذراعها بقوة قائلا:
ماذا عنيت بكلماتك لى سابقا ياقمر؟

نظرت إلى عيونه القريبة منها والتي تغوص في أعماقها الآن، تحاول سبر أغوارها، لايدرك صاحبها ما يفعله قربه الشديد هذا بقلبها الذي زادت دقاته مع أنفاسه الساخنة التي لفحت وجهها وزادت من إضطرابها، تدرك الآن بكل قوة أنها تقع في غرام هذا الملك وأنها فعلا تهتم به لتزيد رغبتها في إصلاح ما أفسده فيه الجميع، حتى وإن كان فراقها عنه حتمي، فستنقذه قبل أن تفترق عنه، نعم، هذا ماستفعله تماما...

لتقول بهدوء لا يعكس خفقات قلبها المضطربة ومتجاهلة ألم ذراعها الذي يضغط عليه بقوة:
أي كلمات يامولاي؟

نظر إلى ثغرها الذي نطق بتلك الكلمات بنظرات غائمة، يدرك الآن قربه الشديد منها، والذي أعجزه عن التفكير وترك لديه رغبة واحدة، أن يقبل هذا الثغر حتى يشعر بأنه إكتفى، ولكنه أدرك أنه إن فعل فلن يحصد سوى هلاك هذا القلب الذي أقسم أن يحافظ عليه من الأذى، لذا ترك ذراعها متراجعا إلى الوراء خطوتين وهو يقول بثبات:
تلك الكلمات عن تحول قلبى لصخر كإسمى.
نظرت قمر إليه قائلة بهدوء:.

ولماذا ضايقتك كلماتى ياسيدى؟أليس هذا ما سعيت إليه دائما؟ان تحول قلبك إلى جلمود لتتجنب الشعور بالألم؟
عقد صخر حاجبيه وهو يستمع إلى كلماتها التي تجعله يدرك أنها نفذت إلى أعماقه وسبرت أغوار قلبه، لتشعر هي بأنها في الطريق الصحيح وهي ترى إختلال نظراته الجامدة، وهي تدرك إضطراب في عمق عينيه وملامحه الوسيمة، لتستطرد قائلة:.

ألم تحاول وتحاول كثيرا أن تميت هذا القلب؟، رافضا أبدا أن يلين لمخلوق، كلما شعرت بأنك تميل لأحد، إبتعدت عنه، كلما شعرت بأنك تضعف تذكرت، نعم، تذكرت كل من آذاك، تذكرت الغدر، تذكرت أن الثقة قد تؤدى إلى طعن القلوب بسكين الخيانة، فأغلقت على مشاعرك بابا موصدا وألقيت بالمفتاح في أعماق النهر، تبغى حياة جامدة خالية من المشاعر تحقق فيها إنتقامك الذي تحول الآن من رغبة إلى عادة، إن لم تتخلى عنها ستودى بهلاكك يامولاي.

نظر إليها عاقدا حاجبيه بشدة وهو يقول بغضب:.

دعى تحليلك النفسي هذا لغيرى، ولا تحاولين أن تظهرى ذكائك، فلقد خانك عندما تفوهتى بكلمات فارغة لا أساس لها من الصحة، لقد ولدت بقلب قد من صخر، لا شعور لدي من الأساس، ولا أحيط قلبى بهالة جلمودية خيالية، بل هو هكذا حقا، فإبتعدى عني، فلن أفعل شيئا سوى أن آخذ منك ما أريد ثم ألقيكى كخرقة بالية لا قيمة لها عندى، توقفى عن لعب دور العرافة، فهذا حقا لا يصلح مع أمثالى.

إقتربت منه خطوة ليزداد إنعقاد حاجبيه وإضطرابه خاصة وتلك الإبتسامة الرقيقة تزين ثغرها، لتتوقف أمامه تماما، وهي تقول:
ها أنت ذا قلتها بنفسك، لقد قد قلبك من صخر، فإن كنت كما تقول حقا، إذا لماذا ضايقتك كلماتى وجئت إلى جناحى متسائلا؟ ها، لمااااااذا؟

لقد تراجعت عن كلماتى يامولاي وأنا أرى في عمق عينيك الآن إضطرابا، أو ربما طلب إستغاثة لنجدة روحك التي تتأثر بجلمود قلبك؟فبعد ما رأيته اليوم منك أشعر بأنك مثلى؟، قلب ذاق الألم فجرح، تخبط وضعف وأراد أن يمنح قلبه الأمان من جديد فإتخذت أنت الجلمود سوارا لتحمى به قلبك وتركته دون علاج، بينما إتخذت أنا مساعدة الناس عونا لأعالج هذا القلب الجريح.

نظرت إلى عيونه تشعر به يلين، لتقرن كلماتها بإمساك يده مستطردة بحنان:
أخبرنى يامولاي، لماذا وأنا أمسك بيدك الآن، أشعر بأنك تطالبنى بأن لا أدعها حتى تشعر براحة جئت تنشدها معى؟، راحة شعرت بها اليوم فقط وأنت إلى جوارى هناك في قلب المدينة حيث يحتاجك شعبك لتدعمهم، لذا دع جلمودك يزول عن قلبك وإستمع إليه وهو يخبرك أن تستمع حقا لأبناء شعبك ولا تجور عليهم كما جار عليك ماضيك.

نفض يدها عنه بقوة وقد إكفهرت ملامحه بعد أن شعرت بها قمر تلين وهو يقول بصرامة:
اخبرتك أنك مخطئة وأن توفرى كلامك هذا لغيرى، إبتعدى عني فأنت وحدك وليس جلمودى من سيودى بهلاكى، أدرك هذا الآن، لذا سأطلقك غدا، ولتذهبى إلى الجحيم فلن أبالى.
ليترك الجناح مغادرا بسرعة تتابعه عيون قمر الزمان، لتبتسم بهدوء قائلة:.

لقد سبرت بالفعل أغوار قلبك ياصخر، فلن تستطيع بعد اليوم إبعادى، مازلت تقاومنى وتتفوه بكلمات فارغة، ولكنك في النهاية ستستسلم لمشاعرك كما إستسلمت أنا وستعود، وستجدنى بإبنتظارك لتبدأ مهمتى في إبعاد الجلمود عن قلبك، وأعدك أننى سأنجح، وسترى.

عاد صخر إلى جناحه وهو في حالة هياج شديد، تتردد كلماتها في عقله، يشعر بها تضعف قلبه، يطالبه بالإستسلام لها، بالرضوخ لمشاعره، بأن يترك لها مهمة إنقاذ قلبه، يشعر بأن تلك هي رغبته منذ أن أدرك أن قلبه أحبها، نعم أحبها، لا ينكر أنه مازال يخشى الغدر والخيانة رغم أنه في أعماقه يدرك انها تختلف عن جولنار، بل تختلف عن كل الفتيات اللاتى عرفهن وتزوجهن، ولكن يظل هناك ما يخشاه، عشقه لها، فسيضعفه وسيجعله عرضة للأذى، ليتساءل بصمت، وإن إبتعد عنها ألن يؤذى قلبه فراقها؟ليقرر أن يجازف بقلبه وليكن ما يكون، إن كانت حقا كما يخبره هذا القلب، فسترتاح روحه المنهكة ألما ووحدة، وإن آذته، فسيقتلها، وسينبثق من جلموده بركانا يحرق كل النساء من بعدها، ولن يبالى، نعم هذا ما سيفعله تماما.

ليتوجه مجددا إلى جناحها، ليجدها جالسة على سريرها مطرقة الرأس، لترفع إليه وجهها ما إن أحست بوجوده، تنظر إليه بإبتسامة رقيقة ألانت ملامحه المضطربة ليقول بهدوء:
أنا معك، فلتريحى قلب منهك، وتنقذى روحا تتجمد من الألم.
لتتسع إبتسامتها وهي تقول بثبات:
ثق بأننى سأفعل يامولاي.
ليومئ لها برأسه في هدوء، يشعر لأول مرة بأنه إتخذ القرار الصحيح.

ولج صخر إلى جناح قمر الزمان ليراها تلبس عبائتها لتتخفى بداخلها، رغما عنه إرتسمت على فمه إبتسامة لتختفى تماما عندما رفعت إليه ناظريها تتأمله بدورها وهو يلبس عباءة تشبه عبائتها تخفيه عن أنظار رعاياه، إبتسمت بإستحسان لتتزايد دقات قلبه مع إبتسامتها، لينفض مشاعره التي يدرك أنها تغرق في ثناياها يوما بعد يوم ليقول بهدوء:.

حسنا، أخبرتنى البارحة أننا سنبدأ من اليوم أولى خطواتنا في هذا الطريق الطويل من أجل تنقية روحى المعذبة وإزالة جلمودى كما أخبرتنى، فما هي خطوتنا الأولى؟
تجاهلت تلك السخرية التي طغت على كلماته الأخيرة تدرك أنها بقايا مقاومة من عقله لما يرغبه قلبه، لتقول بهدوء:
أولا، عليك أن تطرق بابى قبل أن تدخل إلى الحجرة مجددا، فتلك أولى قواعدنا.
نظر إليها بإستنكار قائلا:.

أو أطرق باب جناح زوجتى إستئذانا بالدخول؟إنها دعابة سمجة وغير مقبولة بالمرة.
نظرت إليه رافعة حاجبها الأيسر دون أن تنطق بكلمة، لينظر إليها بملامح جامدة لثوان، لم تلبث أن لانت وهو يقول:
حسنا، حسنا، ما التالى؟
كادت أن تبتسم ولكنها أخفت إبتسامتها بداخلها كي لا تثير حنقه لتقول في ثبات:.

الشمس على وشك البزوغ وهناك مواطنوك سيستيقظون، منهم من يحتاج المساعدة فسنساعده ومنهم من سيصرخ طالبا النجدة فسننجده وكل صغير وكبير سنؤازره، ومهما كان العمل شاقا سنقوم به بصبر وجلد.
أومأ برأسه موافقا وهو يقول:
حسنا، فلنفعل.
أومأت برأسها متجهة إلى شرفة جناحها ليستوقفها قائلا:
إنتظرى، فلنذهب إلى البوابة ونخرج منها.
إبتسمت فشعت ملامحها بضياء خلب لبه قائلة:.

سنفعلها على طريقتى يامولاي، صدقنى ستكون أكثر إثارة وتجنبا للعديد من القيل والقال وغلبة السؤال، فقط إتبعنى بهدوء.
لتضع اللثام على وجهها تخفى ملامحها وتترك فقط عيناها الساحرتان ظاهرتان، ثم نزلت من الشرفة، تتسلق الشجرة المقابلة لها بخفة، ليهز رأسه بقلة حيلة إمتزجت بإعجاب قبل أن يتبعها بخفة فهد.

كانا يمشيان في الطرقات يبحثان عن أحد يطلب المساعدة، فلم يجدان حتى الآن، قال صخر بسخرية:
يبدوا أن شعب المدينة اليوم لا يحتاجون إلى مساعدة والكل فرحان وسعيد.
نظرت إليه قمر بعيون يسحره لونهما الصافى وأهدابهما الطويلة لتشتعل دقات قلبه تعلن أنه عاشق، مهما أنكر وإدعى عكس ذلك، أفاق على صوتها الرقيق والذي شعر به يمتزج بحزن شجي وهي تقول:.

لا تنظر إلى المظاهر، بل تعمق في دواخل الأمور، سترى خلف كل بسمة دمعه، ووراء كل باب مقفول هم يخفيه أصحاب الدار عن العيون، سترى شعبا يكافح أحزانه بصبره وإبتساماته، شعبا يحاول أن يصرخ طالبا للنجدة ولكنه يدرك أن لا مجيب، فأخفى بداخله رغباته البسيطة ومشاكله العديدة وإكتفى بالدعاء بأن يزيح الله الغمة، ولكنهم في خضم كل ذلك، نسوا أن الله لا يغير قوم قبل أن يغيروا ما بأنفسهم وأنه طلب منهم التوكل عليه وليس التواكل، أو تعلم شيئا قبل أن أتزوجك وأتعرف إليك جيدا لأدرك أنك قد تكون هذا الحاكم العادل الذي يحتاجونه، كنت أتمنى لو قاموا بالإجتماع سويا وربما الإطاحة بك وإحضار ملك عادل ليحكم البلاد.

نظر إلى عمق عينيها قائلا:
هكذا، ومن ترين أنه قد يصلح ليخلفنى؟
توترت من نظراته لتنظر إلى الأمام قائلة بإضطراب:
للأسف لم أرى وقتها أحد يصلح لتحقيق حلمى بالعدل وصلاح الأحوال في مملكتنا.
إبتسم قائلا:
ربما كان من تبحثين عنه هو هنا بيننا الآن.
نظرت إليه قائلة بإبتسامة:
أخبرتك أننى أدركت يوم تبعتنى أنك من الممكن أن تكون هو.
نظر إليها قائلا:
لم أقصدنى بكلماتى، بل قصدتك أنت.
إتسعت عيناها دهشة وهي تقول:
أنا؟

إبتسم ناظرا إلى الأمام قائلا:
أراك حقا ملكة عادلة تستطيع أن تنهض بأحوال البلاد.
لينظر إليها مجددا وهو يقول بغموض:
ربما تنحيت يوما ووليتك أمرنا يامولاتى.
عقدت حاجبيها قائلة:
لا تهزأ بى ياسيدى.
نظر صخر إلى نقطة ما أمامه وهو يقول بهدوء:
ومن قال أنى أهزأ بك، هيا، سنستكمل حوارنا بعد ان نساعد هذا الرجل العجوز الذي يجلس واضعا يديه على رأسه وكأنه فقد توا أعز ما يملك.

نظرت قمر إلى ماينظر إليه صخر، لترى فعلا هذا الرجل، لتنفض حيرتها من كلماته الغامضة وتتجه مع صخر إلى هذا الرجل، ترى ما باله، وبعدها ستستكمل حديثها مع، صخر.

قال صخر بإستنكار:
ماذا؟نبنى له جدارا حول قطعة أرضه تلك؟ومن قال لك أننى أستطيع أن أفعل ذلك، أنا لا خبرة لى بالبناء.
إتسعت عينا قمر قائلة:
وماذا كنت تفعل حين هربت؟كيف كنت تكسب قوت يومك، هل كنت تتسول؟
قال صخر بحدة:
بالطبع لا، نعم عملت كثيرا، كحداد لبعض الوقت ثم عامل في محل للعطارة حتى وجدنى ذلك الرجل الطيب وجعلنى أمسك تجارته البسيطة، ولكننى لم أبنى يوما أي شئ، لم أتعلم،
تنهدت قمر قائلة:.

حسنا الأمر ليس صعبا، سأساعدك وأعلمك كيف تقوم ببناءه.
قال صخر بضيق:
ولماذا لا أحضر من القصر أحدا ليبنيه له.
عقدت حاجبيها قائلة بحنق:
ولماذا لا تعود إلى القصر وتنسى تلك المهمة بأكملها؟لقد ظننت أنك تريد المساعدة بيديك في حل مشكلات المواطنين، لتشعر بهم وبمعاناتهم وليس أن تحضر لهم من يساعدهم ثم تنسى أمرهم...
قاطعها قائلا وهو يشير لها بيديه:.

حسنا حسنا فهمت قصدك، فلنبدأ تلك المهمة، وأرينى كيف نبنى هذا الجدار، حتى ننتهى من هذا الأمر.
إبتسمت بإنتصار وقد لمعت عيونها قائلة:
هيا سأريك.

كانت قمر تناوله آخر قطعة طوب ليأخذها منها دون أن ينظر إليها فأمسك بيدها التي تمسك بالطوب، رفع عيونه إليها حين تلامست أيديهما فتقابلت عيناه مع عينيها، وتوقف الزمن.

لم يكن بمقدوره في تلك اللحظة سوى الشعور بالإكتمال ويده تحيط بيدها، بينما تسارعت دقات قلبها تغوص بكيانها كله في عيون هذا الملك الذي أصاب قلبها بسهام نظراته، تنحنحت قليلا، وهي تخلص يدها من يده وتمنحه قطعة الطوب، ليأخذها منها مبعدا نظراته عنها ومغمضا عينيه لثانية يتمالك فيها نفسه وكيانه الذي تبعثر كلية من جراء لمسة رقيقة لكفها، ونظرة أرق من عيونها الجميلتين، ليفتحهما مجددا وهو ينهى عمله، ناهضا، وناظرا إليها في ثبات لا يشعر به البتة وهو يقول:.

لقد إنتهينا، أليس كذلك؟
نظرت قمر إلى هذا السور المحيط بمنزل العجوز وقطعة أرضه قائلة برضا:
نعم إنتهينا، وإستطعنا إبعاد كلب الجيران عن أرضه ومحصوله، سنركب فقط ذلك الباب هناك ثم نذهب إلى حال سبيلنا فقد تأخرت على تلك السيدة العجوز العمياء ويجب أن نسرع إليها، لذا سنكتفى بهذا القدر من العمل لهذا اليوم.
أومأ صخر برأسه في هدوء، ثم قال:
ما حكاية تلك السيدة العجوز بالمناسبة؟
إبتسمت قمر قائلة:.

سأرويها لك بالغد يامولاي مع مهمتنا الجديدة بإذن الله.
إبتسم قائلا:
صخر.
عقدت حاجبيها لا تفهم لم يردد إسمه ناظرة إليه بتساؤل، ليستطرد وقد إتسعت إبتسامته قائلا:
إسمى صخر وليس سيدى أو مولاي كما تناديننى دائما.

أدركت مقصده لتشعر بالخجل من مناداته بإسمه دون ألقاب، توردت وجنتاها ليزيد جمالها حسنا في عينيه وهي تومئ برأسها دون أن تعقب، تتجه إلى الباب بهدوء يتبعها صخر بإبتسامة واسعة، وقد آمن حقا أن هناك بعض النساء يستحققن الحب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة