قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

مرت الأيام سريعا على بطلينا وكليهما يعانى من مرارة إختيار لم يكن أبدا له، يقاسيان الوحدة، القسوة، والحرمان.

فلقد تزوجت والدة قمر برجل بدا محبا عاشقا لها ومراعيا لطفلتها، فقط أمامها، بينما عندما تبتعد والدتها، ترى منه قمر قسوة غير مبررة على الإطلاق أو تجاهلا تفضله، حاولت قمر كثيرا أن تخبر والدتها بمعاملته لها في غيابها، ولكن تلك السعادة البادية على ملامح أمها و التي تعيشها مع هذا الرجل كانت تحول دائما بينها وبين إخبار والدتها بالوجه الآخر لهذا المأفون قاسم، لذا حاولت قمر تجنبه قدر الإمكان، والتظاهر بأنها سعيدة بدورها أمام والدتها، بينما ظلت قمر تتسلل خلسة كلما أتيحت لها الفرصة لتمشى في جنبات المملكة، تتعرف أكثر إلى طرقاتها وسكانها، تساعد من يحتاج إلى مساعدتها، من عانوا من ظلم الملكة الجائر والذي يزداد مع مرور السنوات، متظاهرة في البداية بأنها صبي ثم شابا إسمه سعد، حتى عرفت في المدينة بأكملها بهذا الإسم، لتعود في آخر الأمر إلى منزلها وتصبح مجددا، قمر الزمان.

بينما عانى صخر في البداية للغاية كي يحصل على عمل ومأوى له، تعذب كثيرا وذاق مرارة الجوع والحرمان، زاده عذابه قسوة ليتجمد القلب رويدا رويدا، ويقسم على الإنتقام ممن كانوا السبب في حرمانه من أبيه وملكه، لم يضعفه شئ مما عانى بل زاده كل شئ قوة، ليكبر وقد صلب عضده وإشتد ظهره، وقويت عزيمته، وإشتعلت نيران الحقد والإنتقام في هذا القلب الذي تحول إلى جلمود لا يلين.

حتى كان هذا اليوم الذي أنقذ فيه صخر رجلا من لصوص أرادوا سرقته في طريق جانبي، شكره الرجل بحرارة وأراد منحه بعض المال فرفض صخر، توسم فيه هذا الرجل النبل والقوة والأمانة فإتخذه مساعدا له في عمله البسيط، وآواه في منزله، ليرتاح صخر من معاناة تفوق الإحتمال لإيجاد لقمة العيش، وأحس براحة شديدة بعد تعب، فقد عامله الرجل معاملة حسنة، وأكرمه، حتى كاد صخر أن ينسى ألم الماضى ولكنه أبدا لن ينسى من قتلت والده أمام عينه، لينمى بداخله روح الإنتقام، يحاول أن لا ينسى تلك الأفعى، جولنار، ومع مرور السنوات، توفي الرجل الذي يكفل صخر، فعادت ممتلكاته لخزانة مملكته، ولكنه ترك لصخر بعض المال الذي ساعده على العيش، مؤقتا.

حتى كان هذا العام الفاصل في حياة كليهما والذي حمل الألم واليأس والعذاب لقمر بينما حمل الأمل لصخر...

ففى هذا العام توفيت والدة قمر فظهر قاسم على حقيقته تماما، وعاملها كخادمة له، لا يرحمها أبدا من أشغال البيت وطلباته العديدة، ثم فاجأها بزواجه مرة أخرى بإمرأة تماثله قسوة، زادت من تعذيبها بل إنها كادت في مرة أن تقص لها خصلاتها الذهبية الحريرية كعقاب لها ولكن قاسم أسرع بمنعها، مخبرا زوجته بأن تحافظ على جمال قمر فربما رآها أحد أغنياء المملكة، فيريد الزواج بها وهنا يستفيدان هما من مهر غال بالتأكيد سيطالبانه به، و ليمنع تكرار الشجار بين زوجته و قمر، أخذ قمر إلى عمله، إلى جانب أنه وجده حلا مناسبا ليمنح سكان المدينة فرصة لرؤيتها...

أدركت قمر ما يحدث فإمتلأ قلبها حزنا، أرادت الهروب، ولكن منزل أمها، هذا الذي يحمل ذكرياتهما سويا، حال دون تنفيذ رغبتها، ليظل حالها كما هو عليه...

بينما في نفس العام قابل صخر، سيدة عجوز، وجدها جالسة على جانب الطريق فتقدم يسألها عن خطبها، فأجابته بأن قدمها إلتوت ولا تستطيع الوقوف، فحملها صخر على الفور وأوصلها إلى منزلها الذي أرشدته إليه، أدخلها إلى المنزل ووضعها على سريرها، ثم سألها إن أرادت شيئا فسيكون من دواعى سروره أن يقوم به من أجلها، فإبتسمت براحة شاكرة إياه، ثم نهضت فجأة لتتحول هيئتها من إمرأة عجوز إلى إمرأة متوسطة العمر، شاحبة الملامح ذات خصلات شعر حريرية بيضاء ولكنها جميلة، قالت له بإبتسامة حين رأته يفغر فاهه من الدهشة:.

لا تتعجب يافتى، فإنى أنا العرافة التي سمعت عنها كثيرا وبحثت عنها أكثر.
عقد حاجبيه قائلا بحيرة:
هل أنتى العرافة حقا؟
قالت:.

نعم، وقد جئت إليك اليوم عندما سمعت أنك تبحث عني، أدرك رغبتك في طلب مساعدتى، فأجريت لك إختبارا، أردت معرفة إن كان مايزال في قلبك بعض الطيبة برغم قسوة ما رأيت في نشأتك، أردت التأكد من أن قلبك مايزال نقيا تحت كل تلك القسوة التي تحيط بك، ولقد نجحت في الإختبار، نعم، قلبك مازال نقيا لتساعد إمرأة عجوز لا تعرفها دون تردد،
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول بقسوة:
لم يعد لى قلبا، فإعلمى أننى سأنتقم و لن أرحم.

إبتسمت العرافة قائلة:
هذا ظنك، نعم، لن ترحم، ستنتقم وتزداد قسوة حتى تحضر تلك الروح النقية وتعيد القلب إلى أصله ذهبيا،
قال صخر بلامبالاة:.

لا أفهم شيئا ولا أهتم بكلماتك الجوفاء تلك، سأذهب، فلا طاقة لى بالجلوس معك والإستماع إلى ترهاتك، نعم قد بحثت عنك بالماضى، ولكنى الآن أدرك أنك لو حقا كنتى مهتمة بمملكة الفيروز، ولديك الحل للقضاء على تلك الشريرة، ما إنتظرتى كل تلك السنوات، ولأخبرتى أبى كي ينجو من براثنها.
كاد أن يبتعد مغادرا فتوقف حين إستمع إلى كلماتها وهي تقول:
جولنار هي أختى ياصخر.
إلتفت إليها ينظر لها بدهشة فإستطردت قائلة بحزن:.

نعم، للأسف هي أختى،
تنهدت ثم قالت:
حين تنبأت بمستقبلك رأيت روح شريرة تجتاح المدينة وتسبب الخراب، ولكنى لم أرى أنها جولنار، ولكنى حين شعرت بإقترابها هربت دون ان تسنح لي الفرصة بتحذير والدك، فنحن نشعر ببعضنا البعض حين تقترب روحينا للغاية، حقا لقد كنت مضطرة للهروب على الفور تاركة المدينة، فإذا إجتمعنا في مكان واحد، قضي على كلينا.
إقترب منها صخر بسرعة ممسكا بها بقوة قائلا:.

إذا آخذك إليها الآن لنتخلص من تلك اللعنة.
قالت العرافة بهدوء:
وتنهى حياتى ياصخر، هل تستطيع؟
قال ببرود وقسوة:
نعم، بكل تأكيد.
إختفت من بين يديه تماما، تتحول إلى ذرات، وسط دهشته، ثم تجمعت خلفه قائلة:
هراء.
إنتفض ينظر إلى الخلف يقول بصدمة:
كيف...؟
إبتسمت قائلة:
أنسيت أنى أنا العرافة، وأحمل بين يدي سحرا، يجعلنى افعل ماشئت، وأدرك أيضا الخفايا والأسرار،
لتقترب منه واضعة يدها على قلبه قائلة:.

وبمجرد لمسى لقلبك هذا أدرك جيدا دواخله، ولم يكن ليسمح بقتلى أبدا.
إبتعد عنها قائلا بصرامة:
قلت لك أنا بلا قلب، ألا تفهمين؟
تبسمت قائلة:
وقلت لك هذا ما تظنه، ربما يوما ما ستكتشف أن لك قلبا تنبض خفقاته وبجنون أيضا،
لتختفى إبتسامتها وهي تقول:
المهم، ربما لا أستطيع قتل أختى ولكنى سأساعدك كي تتخلص من سحرها.
قال في أمل:
كيف؟
قالت بهدوء:.

عليك بالتسلل للقصر، وسرقة صولجانها وإخفاؤه بعيدا، جولنار دون صولجانها، لا حول لها ولا قوة.
إلتمعت عينا صخر قائلا:
حسنا جدا، سأفعل، وسأنهى سحرها بكل تأكيد.
كاد أن يغادر فإستوقفه صوتها قائلة:
عليك بالحذر، فهي مهمة شاقة وتكاد أن تكون مستحيلة.
إلتفت إليها قائلا بإبتسامة:
لا تقلقى سيدتى، فأنا لها، وداعا.
إختفى، ليظهر الحزن على وجه العرافة فجأة ورؤيا أخرى تتراءى لها الآن، لتقول بألم:.

بل إلى لقاء، إلى لقاء ليس ببعيد ياصخر، فلقد رأيت المستقبل وخاتمته، ويالها من نهاية.

إستطاع صخر ليلا التسلل إلى القصر بالتعاون مع بعض الرجال الذين أجرهم لمساعدته ثم الإستيلاء على الصولجان، أخفاه جيدا، ثم قام في الصباح الباكر بالهجوم على القصر مطالبا بأحقيته في ملك أبيه، حاول الحراس منعه، فلم يستطيعوا، فقد كان ذو بأس شديد ومعه مجموعة قوية من الرجال قد إستأجرهم ليساعدوه، وساعده أيضا مظفر وزير أبيه الأسبق والذي أخبره حين رآه أنه بحث عنه كثيرا ليدعمه في إسترداد ملكه ولكنه للأسف لم يجده إلا الآن، حتى وصل صخر إلى جناح الملكة التي إنتفضت مذعورة حين رأته ولكنها تمالكت نفسها قائلة بغضب:.

من أنت وبأي حق تدخل عنوة إلى مخدعى، ألا تدرى من أكون؟
إقترب منها صخر بقوة ثم مال عليها يقترب بوجهه منها قائلا بلهجة باردة كالثلج، حادة كالسكين:
بل أدرك جيدا من تكونين أيتها المشعوذة القاتلة، والتي سلبتنى أبى وحقى في الملك.
نظرت إليه في صدمة قائلة:
صخر.
إبتسم بسخرية قائلا:
نعم صخر، ولتحمدى الله أن قلبى مازال حيا وإلا لكان مصيرك الموت حالا بعد ان أغرس نصل سيفى هذا في قلبك.

ظهر الخوف على وجهها ولكنها قاومته وهي تبحث بعينيها عن صولجانها، لتزداد إبتسامة صخر الساخرة وهو يقول:
لقد إختفى الصولجان ومع إختفاؤه، إختفت قوتك، وليس هذا أسوأ ما قد يحدث لك على يدي، صدقينى.
إتسعت عيناها رعبا بينما يقول صخر بصرامة لأقرب رجاله إليه:
خذوها وإحبسوها في البرج، وشددوا الحراسة عليها، حتى أسترد مملكتى وأرى ماذا سأفعل بتلك المأفونة.

ظلت الساحرة جولنار تصرخ بقوة بينما يسحبها الرجل إلى خارج الغرفة، تأمل صخر مخدع أبيه بألم ظهر على ملامحه، ليقول لرجل آخر قريب منه:
تخلصوا من كل أثر لها في هذا المخدع وأغلقوه.
قال الرجل بدهشة:
ولماذا نغلقه ياسيدى، إنه مخدع الملك وأنت ولده، وأحق الناس به.
قال صخر بهمس حزين:
ما أنوى فعله سيدنس ذلك المخدع، وانا أبدا لن أقبل بذلك.
قال الرجل بحيرة:
ماذا قلت ياسيدى، لم أسمعك جيدا.
إلتفت إليه صخر قائلا بصرامة:.

نفذ فقط ما قلته لك.
ليحنى الرجل رأسه بإحترام قائلا:
حسنا يامولاي.
ليخرج صخر من المخدع متجها مع باقى الرجال للإستيلاء على القصر وإعلان توليه حكم مملكة الفيروز، وقد كان بالفعل.

بعض مرور عام
، كانت قمر تتوسل إلى زوج أمها قائلة:
لا ياعم قاسم، لا تبيع أثاث أمى، أتركه وشأنه.
ليقول قاسم بقسوة:
ومن أين نأكل إن تركته؟
قالت قمر:
إننى أعمل وأنت تعمل ونحصل على المال، خير من الله وفضل، لما نحتاج إذا لبيع الأثاث؟
قال قاسم بإستنكار:
هل جننتى يافتاة؟أتسمين ما نحصل عليه من فتات مال؟إننى أريد المزيد، حتى أستطيع أن أوسع تجارتى وأرتقى بين الجميع.
قالت قمر بأسى:.

أيجب ان تبيع أثاث أمى كي توسع تجارتك؟من الممكن ان تأخذ قرضا.
قال قاسم بسخرية:
ومن قد يقرضنى في تلك المدينة اللعينة؟الكل حاله من حالى ومن يستطيع إقراضى قمتى برفض الزواج من ولده، لذا لن يوافق على إقراضى المال أبدا.
قالت قمر بحنق:.

إن ولده مغرور، تافه، ويظن نفسه رجلا لا يقاوم، والله خسارة فيه هذا اللقب، فهو ليس برجل، إنه جبان وقد هزمته العام الماضى في المبارزة، وجعلته مزحة بين سكان المدينة، لذا هو يريد فقط الزواج بى، كي ينتقم منى ويذلنى.
قال قاسم في نفسه...

هل جنت تلك الفتاة، ألا تدرك جمالها الفتان؟، ربما أذلت قمر منتصر، ولكنه بالتأكيد إن أرادها زوجة فلجمالها الفاتن أولا، ولا بأس ببعض الإنتقام، فهو يدرك خبث طباعه التي تشبه أباه كثيرا.
كاد ان يتفوه بكلمات أخرى، حين دلفت دليلة، زوجة قاسم قائلة:
أوووف، الطريق طويل وقد جئت سيرا على الأقدام،
لتنظر إلى زوجها قائلة بحنق:
يجب ان تبتاع لنا عربة، فقد تعبت.
قال قاسم:.

إن وافقت قمر على الزواج من منتصر سنبتاع عربتان وليس فقط عربة واحدة فسأطلب مهرا كبيرا لها.
نظرت زوجته إلى قمر قائلة بسخرية:
إذا لن يحدث فست الحسن والجمال تتمنع.
أشاحت قمر بوجهها عنها، فهي تدرك خبثها وغيرتها الشديدة منها، لتعود فتنظر إليها بدهشة حين قالت:
أتعلمون؟بمناسبة الحديث عن الزواج، فلقد تزوج الملك صخر اليوم بإبنة النبيل حسان.
قالت قمر بدهشة:
بتلك السرعة، إنها الزوجة الثامنة عشر في خلال عام واحد.

مطت دليلة شفتيها قائلة:
إنها آخر إبنة من أبناء النبلاء.
قالت قمر بحيرة:.

يحيرنى هذا الملك حقا، تختلف حياته كملك عن حياته الشخصية، فبعد ان نحى الملكة وأصبح هو ملكا وهو يحكم حقا بالعدل خاصة وهو يحرم النبلاء من كل ما منحتهم إياه جولنار ويعيده لخزانة المملكة، وقد عادت المدينة تزدهر على يديه، ببطي نعم، ولكنها افضل بالتأكيد مما كانت عليه بالماضى، يحتاج فقط بعض التغييرات التي قد تفيده، أما حياته الشخصية فتختلف كلية، يتزوج بفتاة من فتيات النبلاء، لليلة واحدة ثم يطلقها باليوم التالى، ألم يعجبه أيا من تلك الفتيات؟أم ربما ينتقم من النبلاء في بناتهن؟حقا لا ادرى.

قال قاسم بسخرية:
عقلك كبير ولكنك تستخدمينه بشكل خاطئ، فلتوافقى على الزواج من منتصر، وإستخدمى هذا العقل في سحب كل أمواله، ثم طلقيه، إفعلى مثل الملك يا قليلة الحظ.
نظرت إليه قمر بإستنكار قائلة:
انا أبدا لن افعل شيئا كهذا فأمى قد احسنت تربيتى، والآن وداعا فلدي عمل بالسوق،.

لتغادر في عجالة يتابعها كل من قاسم وزوجته دليلة بنظرات حانقة، يدركن أنها غبية بما يكفى لتفضل العمل على الزواج من غني يغمرها بالمال الذي يغنيها إلى الأبد، ويجعلهم بدورهم يعيشون في رغد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة