قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

دخل قاسم إلى المنزل ذات يوم، ينادى زوجته بأعلى صوته، لتحضر زوجته على الفور مهرولة تتبعها قمر التي جذب إنتباهها صوته العالى الملئ بالسعادة، ليقول قاسم ما إن رأى زوجته:
إنها البشرى يادليلة، إنها البشرى.
إنتقلت سعادته إليها وهي تقول بعيون تلمع:
هل وافقوا؟
قال قاسم بملامح تملؤها السعادة:
نعم وافقوا، والموعد في الغد، فهيا أسرعى وجهزى العروس.
لتعقد قمر حاجبيها قائلة بتوجس:
أي عروس تلك؟

تبادلوا النظرات فيما بينهما قبل أن يعودا لها بعيونهم، لتستطرد قائلة في جزع:
هل تقصداننى بكلماتكم؟هل نسيتما؟ألم أخبركما بأننى لن اتزوج من هذا المأفون منتصر، ألم تستمعا إلى كلماتى الرافضة وقرار لن أتراجع عنه؟
إقترب منها قاسم بملامح منبسطة وهو يقول:
نعم القرار إتخذتى يابنيتى.

إزداد إنعقاد حاجبيها وهي تدرك أن قاسم يمدحها لرفضها الزواج ممن كان يتمنى منها أن تقبل به زوجا، والأدهى أنه يناديها بنيتى، لتدرك أيضا أن خلف حالته تلك، ربما مصيبة أكبر بإنتظارها، دق قلبها خوفا وقاسم يستطرد قائلا:
لقد كنتى تنتظرين شرف أسمى من الزواج بإبن هذا التاجر، تنتظرين ان تكونى عروسا لأعظم رجل بالمملكة، ملك هذه المدينة وحاكمها، الملك صخر، لتصبحين أيتها الجميلة، ملكة لمملكة الفيروز.

تراجعت قمر للخلف في صدمة وقد أصابتها كلماته بالرعب، لتقول بصوت جزع:
هل ستزوجنى لهذا الملك الظالم والذي تزوج تسعة وثلاثون زوجة لم يحتفظ بواحدة منهن أبدا؟ رجل يتزوج بالفتاة ليلا ويطلقها باليوم التالى ثم يتركها لمصير تحيط به ظلمات الوحدة الأبدية دون شفقة أو رحمة.
قال قاسم بحدة:
الزواج قسمة ونصيب يافتاة، ربما لم يرتح لإحداهن، وربما سيرتاح لك انتى، وتصبحين زوجته الأربعون والأخيرة.
قالت قمر بحدة:.

ربما، لقد قلتها بنفسك، ربما، وربما لا، بل بالتأكيد لا، كلا، لن أرضى بهذا الملك زوجا، لقد تزوج ببنات النبلاء وتركهم كالخرقة البالية لا يستطيع اي رجل منهن إقتراب، كان ينتقم من النبلاء لإتباعهم الملك وخيانة أبيه، ورغم إعتراضى على إنتقامه الذي إختص به بناتهم ولم يخصهم به، ولكنى قد ألتمس له عذرا لما فعل، لكن يبدو ان الأمر أعجبه وعندما لم يبقى للنبلاء بنات ليتزوجهن، إلتف على بنات العامة، نعم، وما المانع؟، فالكل يسارع لتلبية رغبات الملك وعرض فتياتهم عليه، فالملك يغرقهم بالأموال، كما تريده ان يغرقك بها تماما، ولكن انا من ستكون ضحيتك ياقاسم، أنااا.

قال قاسم بقسوة:
كل ما تقولينه ترهات، لن تقدم ولن تؤخر في شئ، غدا زفافك، وهناك رجلان يبغيان الزواج منك، إما ان تتزوجى منتصر، أو تتزوجين الملك، إختارى يافتاة، ولكن إعلمى انك إن تزوجتى الملك سأكتب لك هذا المنزل فيصبح ملكك، فما سيمنحنى إياه الملك سيكفى لشراء خمسة بيوت، لذا سأترك لك بيت أمك إن أردتى، ففكرى جيدا قبل ان تختارى يا...
توقف لثانية ثم إستطرد بإبتسامة ساخرة:
ياعروس.

ليبتعد مغادرا تتابعه عيناها بحزن، لتقول دليلة بحنق:
حتى عندما يطرق السعد بابك، ترفضين أن تفتحى له، يالك من بومة شمطاء.
لتبتعد بدورها عائدة إلى المطبخ، أطرقت قمر برأسها في حزن، تفكر فيما يحدث لها وكيف سينتهى بها الحال عروسا لرجل لا تحبه، وقد كانت أحلامها ان تتزوج برجل تحبه ويحبها تماما كوالدتها ووالدها، فآلت أحلامها إلى زوال، فكرت في الهرب ولكن إلى أين ستذهب وتترك منزل والديها؟

لترفع عيناها تتأمل هذا المنزل الذي شهد على ذلك الحب الذي عاشته والدتها مع والدها والذي يحمل بين أركانه ذكريات طفولتها السعيدة أيضا، لتحسم قرارها، إن كانت سترغم على الزواج، فستتزوج الملك ولكن بشروطها، وأول تلك الشروط هو ان يعيد لها قاسم ملكية المنزل، قبل عرسها بالغد.

، دخل مظفر إلى قاعة الحكم فوجد الملك صخر جالسا في مكانه، يبدو شاردا حزينا، تنحنح مظفر، فتلاشى الحزن من ملامح صخر وحل محله الصقيع متجسدا على وجهها ونظراته التي وجهها إلى وزيره، هذا الذي إبتلع ريقه بصعوبه وهو يقول:
مولاي، لقد تم كل شئ وأقيمت التجهيزات من أجل عرسك بالغد.
قال صخر بصرامة:
هل منحتم الأب ما أراد؟
قال الوزير بحنق:
نعم ولكن هذا القاسم كان طماعا للغاية يامولاي.

قال صخر بإشارة من يده بلا مبالاة:
لا يهم، إمنحه ما يريد وزد عليه،
قال مظفر:
سنفعل سيدى، عرسا مباركا بإذن الله، بالإذن.

أشار له صخر بالإنصراف، لينصرف الوزير بينما عادت ملامح صخر يكسوها الحزن من جديد، لا يدرى إلى متى سيظل هكذا تعيسا لا يشعر بالفرح، حتى بعد حبسه الملكة الشريرة وبعد إنتقامه من النبلاء في بناتهم، لم يشفى إنتقامه روحه المعذبة، كل ما فعله إنتقامه أنه جعله موقنا من رأيه عن بنات حواء، يدرك بكل قوة، أن كلهن يبغين لذة المال والجسد، لا يهتممن بالروح أبدا، وكم روحه حبيسة، سجينة الماضى، تائهة، يدرك أنه بزواجه من الفتيات بالمدينة وتطليقهن باليوم التالى لا ينتقم من بنات حواء فقط، بل ينتقم من نفسه التي لم يعد يشعر منذ زمن بنقائها، لينفض أفكاره التي تحيطه بالظلام والحزن جانبا، إستعدادا لحفل زفافه على تلك الفتاة التي لا يعرف لها حتى الآن، إسما.

زفت قمر الزمان إلى القصر في موكب يليق بزوجة ملك مملكة الفيروز، وفي طريقها رفعت ذلك الستار والذي يحيط بهودجها تنظر إلى محيطها بحسرة، تستنشق آخر نسمات الحرية، أغروقت عيناها بدموع ظلت حبيسة مقلتيها وهي تغشى نظراتها لتحول بينها وبين تأمل طرقات المدينة، ربما لآخر مرة، تركت الستار ينسدل من جديد يخفى المدينة عنها، لتسقط دمعة واحدة على وجنتها أسرعت بمسحها، وعيونها يرتسم فيهم التصميم، تنوى أن تقاوم مصيرها الذي تحوم الظلمات من حوله، تنوى أن تستعيد حريتها، مهما كلفها الأمر...

جلست على السرير في ذلك الجناح الملكي، تنتظر زوجها الملك كما أخبرتها وصيفتها الملكية زمردة، كانت تفرك يديها، تتساءل في قلق عن ذلك الملك الذي أصبح بين ليلة وضحاها، زوجها، دون أن تحمل له أية مشاعر، تتوجس من كل ما عرفته عنه، فربما كان ملكا يحكم مملكته بطريقة أفضل من سابقته، ولكنه يظل غافلا عن اغلب مشاكل المملكة وأزماتها، فهو لم يحل أغلب مشاكل مدينته، والتي لا يعرف عنها شيئا، لأنه لم يعش داخل المملكة وفي قاعها ليدرك معاناة سكانها من حكم جائر، ظلوا تحت رايته لأعوام طويلة، ولكنه رغم ذلك يظل ملكا واعدا يحتاج إلى توجيه، فقط لو لم يجعلوها زوجة له، لو جعلوها مستشارة في الديوان مثلا، لربما إستطاعت مساعدته في إدارة شئون البلاد، ولكنها الآن تبغى مساعدة نفسها فقط، من مصير ينتظرها مع هذا الملك، خاصة مع كل ما عرفته عن حياته الشخصية والتي تحوم حولها الشبهات، فمن الواضح تماما، أنه زير نساء.

قاطع أفكارها صوت دخول الملك إلى الجناح، نهضت بسرعة وهي تطرق برأسها أرضا، لتظهر بكامل هيئتها الملائكية على الفور، توقف صخر فجأة وعيونه تقع على هذا الجمال الرائع، وتلك الهالة الملائكية التي تحيط بها، تمنى فقط لو رفعت رأسها ورأى عيونها لتكتمل الصورة لديه، إقترب منها بهدوء، ليتوقف أمامها تماما، إستنشق عبيرها الرائع، ليعقد حاجبيه بحيرة، يحاول أن يتذكر أين إستنشق تلك الرائحة المميزة من قبل فلم يستطع، قال بصوت هادئ:.

إرفعى وجهك يافتاة.

رفعت إليه وجهها، فتلاقت عيناه مع عينيها الرائعتين، تلك العينان كسماء صافية في يوم صيفي جميل، تجمدت سكناته وتسارعت دقات قلبه، وعيونه تجرى على ملامحها، التي تنطق بالرقة وتمتزج بالقوة والتحدى، نعم هناك تحدى يقبع في تلك العينان، وقوة تمتزج برقة ترسلها إليه نظراتها، إنه مزيج غريب من المشاعر تضمها تلك الفتاة التي أصبحت زوجته ليوم واحد، نعم هو يوم واحد، يجب أن لا ينسى هدفه، وهو الإنتقام من جنس حواء والذي يذكره بالملكة الخائنة، تلك الساحرة الشريرة وباقى فتيات النبلاء الطامعين فيه، حتى فتيات العامة، كن يبغين جاهه وسلطانه لم تنظر إحداهن إلى قلبه بل فقط أردن جاهه وسلطانه وشبابه، لا غير.

، بينما تأملت قمر ملامح الملك الوسيمة بوجل، تشعر بأنها تعرفه، لقد رأته سابقا ولكن أين؟، وهي لم تقترب أبدا من القصر منذ عودة الملك وإستيلائه على الملك والسلطة وقبل ذلك كان خارج البلاد بينما تحكم جولنار المملكة، مهلا، ما هذا الذي تراه بداخل عينيه؟، هل هو حزن دفين، أم وحدة قاتلة تسكن نبضاته، تبا، مالها ومال نبضاته؟، هو فقط زوج إتخذته رغما عنها، هي فقط إختارت ان تستفيد من هذا الزواج الإجباري بحصولها على منزل والدتها الذي يضم كل ذكريات والديها، وذكريات طفولتها السعيدة قبل أن تتزوج والدتها قاسم، وياليتها ما فعلت...

، أفاقت من أفكارها على صوت الملك يقول في هدوء:
ما إسمك؟
قالت برقة:
قمر الزمان.
شعر صخر بأن هذا الإسم قد خلق لها، إقترب منها فتراجعت على الفور، عقد حاجبيه وهو يقول:
ما بالك؟هل تخشيننى؟
رفعت إليه عينان شعت القوة فيهما وهي تقول:
أنا لا أخشى إلا الله.
تسلل الإعجاب بها إلى قلبه، رغما عنه، ولكنه قاوم شعوره وهو يقول بسخرية:
إذا لماذا تبتعدين عني إن كنتى لا تخشيننى؟
إرتبكت نظراتها قائلة:.

لإننى أريد التحدث إليك وإقترابك منى يشعرنى بالتوتر.
تراجع خطوة للوراء قائلا بسخرية:
حسنا إبتعدت، هيا أخبرينى ما لديك، فتلك هي المرة الأولى التي تبغى إحداكن معى حديثا.
تجاهلت قمر سخريته من بنى جنسها قائلة بهدوء:
لقد أردت أن أطلب منك شيئا، وأرجوا منك أن تمنحنى إياه.

عقد حاجبيه يشعر بالغضب بداخله، أتتشابه مع بقية الفتيات؟، بالطبع نعم، هل كان ليه شك في هذا؟، كيف وهو يعلم أن كلهن طامعات، نفوسهن جشعة، يبغين منه شيئا ما، هل خدعته ملامحها البريئة فأربكت معتقداته؟أو ربما سحرته؟لينفض سحرها على الفور، قائلا في برود:
إطلبى ما شئتى فهو لك، ولكن أسرعى فليس لدي صبر، وأنتى تضيعين وقتى في الحديث.
تجاهلت قمر مرة أخرى كلماته وبروده وهي تنظر إلى عينيه مباشرة، قائلة:.

أريد فرصة، وقت تمنحنى إياه قبل أن، أقصد وقتا ل...
صمتت خجلة فأدرك ما تريده، فشعر بالحيرة بداخله فقد فاجأته تلك الفتاة بطلبها الغريب ذاك، فلم يقابل فتاة قد قاومت وسامته ورفضته قبلها، عقد حاجبيه قائلا ببرود:
طلبك مرفوض، فلا وقت لدي لتلك الألاعيب.
نظرت إليه بدهشة قائلة:
أية ألاعيب تلك؟، هي فقط طبيعتى التي ترفض الإستسلام لشخص لا أحبه، يجب أن أمنحك قلبى قبل ان أمنحك جسدى، هكذا أنا ولن أتغير.

إقترب منها صخر يمسك ذراعها قائلا بقسوة:
أفيقى من اوهامك الحمقاء تلك فلا وجود للحب، هو خرافة، ولا وقت لدي لأثبت لك ذلك.
قالت قمر بقوة:
لا، الحب موجود، هو ليس أبدا بخرافة، وإن كنت لم تعشه سابقا، فهذا لا يثبت عدم وجوده.
هزها صخر قائلا بحدة:
قلت لك أنه شئ خرافي لا وجود له، فإصمتى، ودعينا من تلك الترهات، فلن أوافق أبدا.

أحست قمر باليأس ينتابها، تضعفها خيبة الأمل، حتى وقعت عيناها فجأة على صدر الملك حيث تقبع قلادته لتتتسع عيناها بدهشة لثوان، ثم نظرت إلى وجه الملك بحيرة، تجرى عيناها على ملامحه، نعم، لهذا يبدو مألوفا لديها، تعجبت بداخلها، لقد ساعدت ملكا دون ان تدرى، لتلمع عيناها وهي تتذكر كلماته في هذا الوقت، لتقول بإنتصار:
بل ستقبل، إنه وعدك لى الذي آن لك أن تفى به.

تركها وهو يبتعد خطوة إلى الوراء عاقدا حاجبيه بحيرة قائلا:
أي وعد هذا، عن أي هراء تتحدثين؟
إقتربت هي منه وسط دهشته، لتمد يدها وتمسك قلادته قائلة:
يوم أن أردت إهدائى تلك القلادة ردا لمعروف فعلته لوجه الله، وعندما رفضت، أخبرتنى أن لى دين في رقبتك سترده لى يوما، وقد حان هذا اليوم.
نظر إليها صخر بدهشة قائلا:
هل كانت تلك الفتاة هي أنت؟

اومأت برأسها في صمت، ليتأملها الملك مجددا يدرك الشبه الآن، كيف غاب عنه امر تلك الفتاة وكيف نسي ان يبحث عنها ويكافأها وقد أنقذت حياته في ذلك اليوم ليقسم على رد الدين لها عندما يجدها، وها هو قد وجدها ولكن ما تريده كرد للدين يكاد يكون مستحيلا، فلقد صمم منذ اليوم الأول لزواجه أن يكون زواجه ليوم واحد حتى لا يقع تحت سحر إحداهن، وتلك الفتاة بالتأكيد تملك سحرا يخلب الألباب، لذا قال بهدوء:.

شكرا لك على إنقاذ حياتى وقد وعدتك فعلا برد الدين وأنا عند وعدى لك ولكن إطلبى شيئا آخر، فطلبك مستحيل.
نظرت إلى عيونه بقوة تقول بحزم:
وأنا لا أريد شيئا سوى أن تمنحنى فترة بسيطة، أتعرف فيها إليك وإن لم أحبك في تلك الفترة سأمنحك نفسى ولينتهى الأمر.

نظر إليها مليا للحظات، يدرك أن الحب لا وجود له، وأن كل هذا مضيعة للوقت ولكن بما أنها مصرة على طلبها، حسنا فليفعل، وسيقاوم سحرها بقلب قد من صخر وأحيط بجلمود، لذا قال ببرود:
أمامك شهر من الآن، وعند إنتهاء الشهر سينتهى معه هذا الزواج، إتفقنا.
شعت عيون قمر بفرحة طاغية وهي تقول:
إتفقنا.
نظر إلى جمالها الذي شع بسعادتها قائلا ببرود:
لا تسعدى كثيرا فما تظنينه نعمة من السماء قد يتحول إلى لعنة ونقمة على صاحبها،.

ثم نظر إليها نظرة أخيرة متحدية قابلته بمثيلتها قبل أن يتركها مغادرا بعد تلك الكلمات، لتبتسم قائلة بهدوء:
اللعنة ستصيبك أنت إن لم تحترس يامولاي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة