قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

يحكى أنه في قديم الزمان، في بقعة بعيدة من بقاع الأرض، كان هناك ملك عادل يحكم مملكة جميلة تدعى (مملكة الفيروز)، أحبه شعبه كثيرا، كما أحبوا ملكتهم الرقيقة ذات القلب الطيب الرقيق...
لم يرزقهم الله بأطفال لسنوات، ولكنهم تحملوا في صبر وجلد، ورغم حزنهم، إلا أنهم رضوا بقدرهم، وتوسموا في القادم خيرا...

ثم فجأة ودون سابق إنذار، مرضت الملكة، فأسرعوا بإحضار الطبيب، ليبشرهم بأن الملكة تحمل طفلا قد يكون أميرا أو أميرة للملكة، سعد الجميع بهذا الخبر وأقام الشعب العديد والعديد من الإحتفالات، تيمنا بهذا المولود الجديد والذي بالتأكيد سيشبه والديه في السمات، لذا فقد آن الأوان للملكة أن تفرح وحان الوقت للملك أن تقر عيناه بوريث له.

وفي يوم من الأيام، جاء الملك بالعرافة الطيبة لتتنبأ بنوع المولود و مستقبله، لتحضر في ثوان توزع البسمات مستبشرة بمولود سيكون للملكة، فجر عهد جديد و حصن أمان...

وقفت أمام الملك والملكة بإجلال، ثم وضعت يدها على بطن الملكة برفق تغمض عينيها للحظات، بدت ساكنة هانئة البال، ثم بدأ الألم يظهر على وجهها فجأة، لتبعد يدها عن بطن الملكة، تتراجع بقوة وقد ظهر الوجل على ملامحها، تبادل كل من الملك والملكة نظرات القلق، فأحاط الملك بذراعه زوجته يحميها من المجهول بينما أحاطت الملكة بطنها بيدها بدورها، وكأنها تحمي طفلها مما رأته على وجه تلك العرافة وأخافها على جنينها، ليقول الملك بتوجس:.

ماذا هناك أيتها العرافة الطيبة؟أخبرينا، هل طفلنا بخير؟
نظرت العرافة إلى بطن الملكة والتي تحمل طفلها ثم نقلت بصرها بين الملك وزوجته قائلة بهدوء تحاول أن تخفى به إضطرابها ووجلها:.

إنه أمير وسيم ذو قلب من ذهب عظيم الشان، ولكنه سيحمل معه لعنة فالله المستعان، للأسف يامولاي، سيصاحب حضوره للمملكة حضور روح شريرة، تجلب الخراب في كل مكان، ليتحول هذا القلب الذهبي إلى جلمود ويزداد قسوة مع مرور الأيام، وحتى تحضر تلك الروح الطيبة البريئة القوية وتكسر اللعنة، تذيب الجلمود وترجعه ذهبيا كما كان، إحذرو يافتيات مملكة الفيروز فجلموده قاس، قاتل، و لا يستهان.

ثم تركتهم وغادرت المكان بسرعة، دون أن تمنحهم ما يطمئن قلبهم قليلا على وليدهم ولعنته تلك التي بثت في قلوبهم الرعب، يخشون الخراب، لينفض الملك خوفه ويبث الطمأنينة في قلب مليكته، يخبرها أن العرافة قد كبرت في العمر، فأصبحت خرفة، لا تدرك المستقبل، تلقى بكلمات فارغة لا معنى لها، فلا يجب أن تخشى على وليدها أبدا طالما هو حي يرزق.

حاولت الملكة بدورها أن تنفض أفكارها السوداء تلك بعيدا عن طفلها لتكمل فترة حملها بسلام، ولكن ظل القلب يحمل هاجسا، فلا مناص من القلق ولا فرار.
حتى جاء اليوم الموعود وأنجبت الملكة طفلها، كان وسيما حقا، رائع المحيا قوي البنية، فرح به الجميع، وتوسموا فيه الخير، ليسميه والده صخر، وقد نسوا تلك النبوءة اللعينة وأصبحت في طي النسيان.

ولكن فجأة وبعد أيام قليلة من ولادة الأمير، مرضت الملكة مرضا شديدا، إحتار في علاجه الأطباء، حاولوا كثيرا وفشلوا في إنقاذها من براثن الموت، لتتوفى بالفعل ويعم الحزن في كل مكان، فملكتهم الطيبة قد رحلت، ذهبت دون رجعة تاركة الملك يعانى مرارة الفقدان، وطفل رضيع، طفل يدركون أنه سيجلب الخراب في كل مكان...

هكذا تذكر والده كلمات العرافة، ليحاول أن يبعد تلك الأفكار السوداء عن رأسه، وأن يبعد عن قلبه الأحزان أيضا ليهتم بأمور المملكة وليدع المستقبل جانبا فهو في يد الله الواحد الديان.

لتغرق المدينة مع الأيام في سحابة غريبة حمراء اللون ترابية التكوين، تحول دون الرؤية، لتتعطل الأعمال ويربض أفراد الشعب داخل البيوت يخشون الخروج والعمل، حاول الملك وأتباعه الوصول لطبيعة تلك السحابة ومحاولة إيجاد حل لإنهائها، فلم يجدوا، ورغم خشية الملك من العرافة ونبوءاتها المخيفة، ولكنه إستدعاها رغما عنه، فأخبره رجاله أنها قد إختفت من المدينة كلية، كاد الملك أن ييأس، يرى الخراب يعم المدينة، ينتشر في كل مكان، ليدخل إلى حجرة وليده يقترب من مهده، ينظر إلى ملامحه بعيون زائغة ووجه مكفهر الملامح، يصدق أخيرا تلك اللعنة التي صاحبت حضور طفله إلى تلك الحياة، أطاحت به التساؤلات، ترى لو مات طفله، هل ستنتهى تلك اللعنة ويعود كل شئ كما كان؟ترى هل موته يبعد ذلك الخراب ويعبر بالمملكة إلى بر أمان؟مد يداه يحيط بهما رقبة طفله ليبتسم الطفل إليه ببراءة، فإنتفض الملك مبعدا يديه عن رقبة صخر في جزع، ليبتعد خارجا من الحجرة وكأن الشياطين تطارده، ليجلس في حجرته يبكى وأفكاره تحاوطه، فمنذ قليل كاد أن ينهى حياة طفله الذي تركته مليكته أمانة بين يديه، لا، والله لن يفعل، بل سينتظر تلك الروح النقية التي ستكسر لعنة وليده، نعم هذا ما ينتوى فعله تماما.

وبالفعل، مر يومان ثم جاء اليوم الذي أخبره فيه أعوانه أن هناك سيدة بالقصر ترغب برؤيته، تخبره أن بيدها وحدها كسر تلك اللعنة وإعادة كل شئ كما كان،.

أسرع إلى ديوانه ليرى إمرأة جميلة تخلب الألباب، نظرت إلى عمق عينيه، فألقت عليه سحرا ليشعر أنه دونها لا حياة له ولا كيان، ليركع ساجدا أمامها وسط دهشة الحضور يطلب يدها للزواج لتبتسم راضية بغرور، لينظر الجميع إلى بعضهم البعض متعجبين من نسيان الملك لزوجته الراحلة بتلك السرعة والزواج من تلك الغريبة كلية عن مدينتهم.

ليعلن الحاجب عن زواج جديد بالمملكة ومع عقد القران إنقشع الضباب الأحمر وعادت المملكة كما كانت، ليتفاءل الجميع بتلك الملكة الجديدة ويهتفوا بإسمها مرارا وتكرارا:
عاشت الملكة جولنار، عاشت الملكة جولنار.

مر عامان.

، وبدلا من أن ينصلح حال المملكة، تدهور، فبعد أن ظن الجميع أن اللعنة قد كسرت، وتوسموا في زواج الملك من جولنار صلاح الأحوال، ظهر العكس تماما، فقد زادت الضرائب، ولم يرحموا منها فقيرا ولا محتاج، بل إن كل من إعترض على مايفعلون، زج في السجون دون محاكمة، يسرعون بكتم أصوات كل من قال لا و على الفور يعتقلون، ليختفى أثر هذا الذي إعترض، وتملأ العبرات خلفه العيون، فالكل أصبح واهنا وضعيفا لا يقوى على الإعتراض أو التغيير، والملك أصبح خاتما في يد ملكته، تأمره فيطيع، يرى الجميع كيف تتحكم به، ولكنه هو لا يرى ذلك، حقا لا يستطيع، يقع تحت سحرها ولا منقذ له من براثن هذا السحر المريع،.

بينما صخر يقبع تحت غياهب الإهمال، يكبر رويدا رويدا، دون عطف الأم وحنانها، ودون توجيه الأب وإهتمامه، ليتربى وسط الخادمات، واللاتى إختارتهن الملكة بعناية، فلم تكن منهن أبدا من هي مؤهلة لتربية طفل صغير، بل على الأحرى يصلحن ليكن سجانات، ولكن ورغم كل ذلك كان صخر يحمل قلب أمه الطيب الذي قاوم كل تلك الظروف والعقبات، وإستطاع أن يظل نقيا، فلم تشوبه شائبة ولم تضعفه القسوة، بل ظل قلبه ذهبيا كما كان.

، لتمر المزيد من السنوات
، وفي يوم من الأيام، أراد صخر الخروج إلى العامة ورؤية أقرانه من الأطفال فلم يسمحن له الخادمات، ليغضب ويثور، ثم يتسلل هاربا، ينوى أن يشتكى لأبيه ما يحدث معه من تجاوزات، وصل إلى جناح الملك وتسلل إليه ولكنه توقف على الفور حين لمح الملكة تقف بجوار الملك، ليختبئ خلف الستائر، ينتظر خروج الملكة حتى يستطيع التحدث مع والده، رآها تناول والده الملك كوبا من العصير قائلة في دلال:.

مولاي، يجب أن تتناول هذا العصير، فهو يمنحك الطاقة لتكمل يومك بسلام.
قال الملك بحزم:.

لا ياجولنار، لن أتناوله أبدا، فربما لدي حساسية ما ضد الإجاص، أتعلمين حين لم أشربه بالأمس لإننى كنت مريضا، شعرت بأننى أفضل حالا، حتى أننى اليوم مستعد لأرى أحوال المدينة فقد أخبرنى الحاجب بأن المدينة تعانى إنهيارا إقتصاديا تاما، ويجب أن أجتمع بالوزراء، وأرى كيف حدث كل هذا وأين كنت أنا؟يجب أن أحاسب كل مسئول عن ذلك التقصير المريع في حق مملكة الفيروز.
قالت الملكة جولنار بهدوء وهي تقرب منه كوب العصير:.

عزيزى دع تلك الأمور لى وإشرب هذا العصير، صدقنى، فلن تنعم بيومك إن لم تشربه.
دفع يدها فوقع الكوب منها، ليقول بحدة:
قلت لك لن أشربه، ألا تفهمين؟ فإبتعدى الآن ياجولنار، حتى أرى أحوال مملكتى الغالية،
وإتجه مغادرا الجناح بخطوات سريعة ليوقفه صوت الملكة وهي تقول بثبات:
إنتظر.
إلتفت يرمقها بترقب، لتقترب منه قائلة بنعومة:
ألن تقبلنى عزيزى قبل أن تذهب؟

تنهد الملك مقتربا من شفتي جولنار، ليضع صخر كفاه الصغيران على وجهه يخفى عيناه، ليزيحهما بسرعة حين إستمع إلى أنة صدرت من أباه، ليرى هذا المشهد الذي أبدا لن ينساه،
فأمامه، كانت الملكة تقف بصلابة تمسك في يدها خنجرا يقطر دما، بينما أباه ينحنى أمامها يمسك بيديه قلبه، ملابسه ويداه غارقتان بالدماء، وضع صخر كفه على فمه كي لا يصرخ بينما يقول الملك بصوت متهدج:
لماذا؟
لتنظر إليه جولنار قائلة ببرود:.

لإننى أنا حاكمة المملكة ياعزيزى ووجودك يفسد مخططاتى لها، أخبرتك أن تشرب العصير كي تعيش في عالم وردي وتترك لى شئون مملكة الفيروز، ولكنك أبيت ورفضت جرعتى السحرية للسعادة، للأسف كنت سترى ما أفعله بالمملكة وكنت ستنحينى جانبا وأنا لن أتنازل عن مملكة الفيروز أبدا، فإنها مملكتى أنا، هنا نشأت وهنا أنوى أن أقضى نحبى بعد عمر طويل، طويل جدا، فهي مستقرى الأخير، شئت هذا أم أبيته ياعزيزى.

قال الملك بصوت ضعفت نبراته:
إذا، أنتى،
قاطعته جولنار وهي تقول بصوت قاس:.

نعم أنا، أنا من خلقت من جوف الشجرة الخالدة، لم أكن وحدى، بل كنا إثنتان، روحان متصارعتان إلى الأبد، أينما أحل أنا يحل الخراب، وأينما تحل هي يحل النعيم، لن نجتمع أبدا وإن إجتمعنا سنزول، لذا أينما أكون أنا، لا تكون هي، لقد أدركت مجيئى تلك العرافة المأفونة فهربت، إبتعدت تدرك أن في حضورى نهايتها، فهكذا كنا منذ الأزل، تعيش في مملكة وتنيرها حتى أحضر أنا فأدمرها عن آخرها، فتنتقل لمملكة أخرى وكم أهلكت من ممالك، فلن تكون مملكتك أول مملكة أدمرها ولكننى أعدك أنها ستكون الأخيرة، فبعد ان أقضى عليها سأنشئ مملكة للسحرة والشياطين، وسأكون أنا مليكتهم بسحرى المبين، فهيا أرقد بسلام ودع لى مملكة الفيروز، ولكن كيف لك أن ترقد في سلام وأنت تدرك أن مدينتك إلى زوال؟حقا يالك من مسكين.

لتطلق ضحكة شيطانية أثارت الرعب في قلب الصغير، بينما يطالع أباه الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة بألم، وما إن سكنت حركاته حتى إلتمعت عينا جولنار وإرتسمت على ثغرها إبتسامة إنتصار، لتسحب هذا الحبل بجوارها فدخلت الخادمة إليها تقول بإحترام:
سيدتى.
قالت جولنار بصوت متعالى:
أحضرى مظفر على الفور وأخبريه قبل الحضور أن يقوم بسجن الحاجب والإسراع إلي، هيا لا تتلكأى فلا وقت لدينا، فأمامنا حداد.

أسرعت الخادمة بتنفيذ أوامر سيدتها، بينما إتجهت الملكة لتنظر إلى مرآتها تعدل من زينتها بهدوء، ليلقى صخر على أبيه نظرة أخيرة حزينة قبل أن يلتفت مغادرا ينوى الهروب، فمازال صغيرا ولا قبل له بتلك الساحرة الشريرة التي قتلت أباه وستسعى بالتأكيد لقتله هو الآخر، لذا يجب أن يهرب ولو مؤقتا كي يكبر ويستعد لها ثم سيعود وسينتقم لوالده، نعم، سيفعل بالتأكيد.

كان صخر يختبئ وراء الجدار، يلاحظ إنتشار حراس الملكة في كل مكان، إنهم يبحثون عنه بالتأكيد، إقترب أحد الحراس من الجدار، ليبتلع صخر ريقه بصعوبة، يدرك أنه قاب قوسين أو أدنى من أن يقبض عليه حراس تلك الساحرة الشريرة، يستعد للمقاومة بكل مالديه من قوة، ليجد يد تسحبه من ذراعه فجأة، يبتعد صاحبها به عن الجدار، إلتفت إلى صاحب تلك اليد فوجده طفل أقل منه طولا، يلبس عباءة بغطاء للرأس يضعه على رأسه ويخفى بلثام ملامحه، تبعه بين تلك الممرات الضيقة، دون إعتراض، يلاحظ أن هذا الطفل يدرك طريقه جيدا ويعرف ممرات المملكة، ظلا يركضان دون توقف لساعات حتى وصلا إلى بوابة من الزرع الأخضر ليتوقف الصبي وهو يوجه حديثه إلى صخر قائلا بصوت متعب متهدج من أثر الركض:.

أعبر هذه البوابة، وأسلك هذا الطريق، إنه طريق خفي لا يعرفه أحد سواي لقد إكتشفته بالصدفة، نهايته تلك المدينة المجاورة، ومن خلاله فقط ستنجو من الحراس.
قال صخر بإمتنان:
شكرا لك أيها الغلام، سأفعل بالتأكيد ولكن على الأقل أخبرنى، لماذا ساعدتنى وأنت لا تعرفنى؟
قال الصبي وقد بدأ يستعيد أنفاسه المتهالكة:.

مظهرك لا يدل على أنك قد تكون لصا، وأدرك ظلم حكامنا لأعلم أنك قد تكون مظلوما، ولم أنشأ على إنصاف الظالم بل نشأت على مساعدة المظلوم، فهيا إبتعد بسرعة، حتى لا يدركك الحراس.
قال صخر بإعجاب:
تعجبنى فطنتك، رغم صغر سنك، ما إسمك؟

رفع الصبي يده وأزال عنه لثامه وغطاء رأسه، ليظهر وجهه، تراجع صخر خطوة للوراء من صدمته فأمامه ظهرت فتاة رائعة الجمال، بشرتها بيضاء كالقمر، وعيونها زرقاء كالسماء، خصلاتها تنافس أشعة الشمس في لونها، نظرت إليه في ثبات قائلة:
أنا فتاة ولست غلاما، وإسمى لن يفيدك بشئ، فهيا إبتعد بسرعة، ولا تنظر خلفك أبدا.
أفاق صخر من صدمته وخلع عنه قلادته وهو يناولها إياها قائلا:
تلك هديتى لك لإخراجك لى من هذا المأذق.

هزت الفتاة رأسها نفيا قائلة:
لا نأخذ هدايا لمعروف فعلناه لوجه الله، هيا يافتى إذهب ولا تختبر صبرى، فلقد تأخرت عن أمى ووجب علي الذهاب.
أومأ صخر برأسه قائلا:
سأذهب ولكن تذكرى، لك في رقبتى دين سأرده لك في يوم من الأيام.
قالت بسرعة:
حسنا حسنا، الوداع.
وأسرعت عائدة يتابعها بعينيه قبل أن يقول بتصميم:
ليس وداعا بل إلى لقاء قريب.

ليلتفت إلى تلك البوابة ويسمى بالله قبل أن يدخلها، يمشى في هذا الطريق، حزينا على موت والده وفراق مدينته ولكنه
بالتأكيد سيعود يوما ما، وسينتقم من تلك الحرباء زوجة أبيه، ووقتها سيصبح هو حاكم مملكة الفيروز، وفي سبيل ذلك قد يتحالف مع الشيطان نفسه.

عادت الفتاة إلى منزلها، تسللت إلى الداخل حتى لا تراها والدتها فتؤنبها مجددا على خروجها دون إذن، كادت أن تصعد السلم ولكن صوت والدتها الصارم أوقفها، لتغمض عيناها ثم تفتحهما وقد أدركت ان أمرها قد كشف، إستدارت تنظر إلى والدتها ذات الملامح المكفهرة، والتي قالت بصرامة:
مجددا ياقمر، تخرجين من المنزل دون إذنى، بتلك الثياب التي تشبه ملابس الصبية؟هل جننتى؟
قالت قمر:
أنا...
قاطعتها والدتها قائلة:.

انتى ماذا؟تجوبين الطرق وتتصرفين برعونة، لقد أرهقتنى حقا، ربما آن الأوان لأن يكون هناك من يستطيع التحكم بأفعالك تلك والسيطرة عليها.
عقدت قمر حاجبيها قائلة:
ماذا تقصدين؟
نظرت والدتها إلى عمق عينيها قائلة بحزم:
ربما آن الأوان لأقبل بقاسم زوجا، ليصبح لك أبا، يروض تصرفاتك الرعناء تلك.
نظرت قمر إلى والدتها قائلة في جزع:.

لا ياأماه، بالله عليك لا تفعلى، سأسمع كلامك، والله لن أعارضك مجددا ولن اتسلل، أقسم لك ان لا أفعل، فقط لا تتزوجى بقاسم، فأنا لا أحبه.

أوجعت كلماتها قلب والدتها ولكنها نفضت شعورها وهي تدرك أن هذا هو الحل الوحيد، فقد باتت تخشى على طفلتها، وتحتاج إلى من يستطيع ان يضبط سلوكها، وفي نفس الوقت يحميهم من ألسنة الناس التي لا ترحم، كليهما يحتاج إلى وجود رجل في المنزل، وقد إتخذت هذا القرار بعد تفكير طويل، لتقول والدتها بحزم:
قضي الأمر، لقد بعثت إليه برسالة أخبره اننى موافقة على الزواج منه.
تراجعت قمر قائلة بهلع:
كلا لم تفعلى.

قالت والدتها بحزم:
بل فعلت.
لتصرخ قمر قائلة بألم:
إذا فإعلمى أننى لن أسامحك أبدا إن تزوجتى بهذا القاسم، هل تسمعين؟لن أسامحك أبدااا.
ثم أسرعت إلى حجرتها تتابعها عينا والدتها بألم، ولكنها تدرك أن هذا القرار الذي إتخذته هو القرار الصحيح، حتى وإن بدا لصغيرتها البريئة، قرارا خاطئا، فمع الأيام ستدرك انها ما فعلت هذا سوى لإدراكها أنه يصب في مصلحتهما تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة