قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جار البحث عن حائط بشري للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

نوفيلا جار البحث عن حائط بشري للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

نوفيلا جار البحث عن حائط بشري للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

-ضرب الحبيب زي أكل الزبيب، واو تحفة الرواية دي!
قالتها هيام قبل أن تغفو في نومٍ عميق، صباح يوم جديد، نهضت هيام جالسة على الفراش بعد إن استيقظت من نومها بنشاط، فاليوم هام جدًا وبداية تحقيق الحلم، ولكن الغريب في الأمر أن الشمس لم تتسلل من نافذة غرفتها وتداعب عيناها برفقٍ؟! كما ذّكر في الروايات التي تقوم بقراءتها يوميًا دون ملل أو كلل!
-يمكن الشمس مش عاجبها عيني!

همست لنفسها وهي تنهض عن الفراش ضاحكة وتتحرك بجسدها البدين متجهة إلى الحمام، لتنتهي وترتدي ملابسها والتي كانت عبارة عن تنورة جينز طويلة بالطبع مقاس عائلي كما تخبرها جدتها دومًا!، كما ارتدت كنزة صوفية لونها بني داكن وفوقها جاكيت منفوخ الهيئة، وطرحة لونها بيج لفتها بعشوائية وثم رشقت الدبابيس لتُثبتها، وبأحمر الشفاه زينت شفتيها ولتزداد إشراقًا وضعت منه على خديها ثم تُدلك بعنف لتوزعه بحرفية، قلم الكُحل وكحلت، بودرة وبدرت، عطر وتعطرت! يكفي هذا لقد أصبحت في كامل أناقتها..

توجهت مبتسمة خارج الغرفة إلى الصالة حيث تجلس جدتها تتناول فطارها بنهمٍ..
-انتِ بتفطري من غيري يا نبوية؟
سألتها بحدة وهي تتجه صوبها بخطوات عنيفة كادت تهتز لها العُمارة، لتقول الجدة بتجهم:
-فطار إيه، دا مسح زور على ما أفطر أنا براهيم!
هيام بضيقٍ:
- براهيم؟ قلت لك ميت مرة اسمه ابراهيم، فين الألف؟
مصمصت الجدة شفتيها وهي تقول:
-بس بقى بلى كلام فاضي، هو براهيم يعني براهيم.
-طب أنا جعانة، عاوزة أكل!؟

-مافيش أنا كلت اللي موجود في البيت، ولسه براهيم لما يصحى هينزل يجيب الفطار.
ضيقت عينيها وهي تقول بشك:
-أنا مش مطمنة ليكِ يا نبوية، فيه إيه بينك وبين ابراهيم دا؟
حدجتها بنظرة ثاقبة وهي تقول:
-إتحشمي يابت، في بنت محترمة تكلم ستها كدا؟
هيام بضجر:
-طب بس بس خليني ألحق الانترفيو ي نبوية سلام.

برحت هيام المكان على عجل، بينما نهضت نبوية إلى المرآة تعدل من هيئتها وهي تبتسم بخجل!، ومن ثم توجهت خارج الشقة ومشت صوب باب الشقة المُقابلة لهم، طرقت الباب بخفة وهي تهمس بحذر:
-افتح يا براهيم، افتح.
فتح إبراهيم الباب وهو يبتسم فكشف عن المستور، حيث كان فمه يخلو من الأسنان يبدو أنها سقطت مع مرور السنين، بينما رأسه يشتعل شيبًا وملامحه مجعدة مثلها تمام، لكنه يكبرها بخمسة أعوام فقط..
-صباح الخير يا نونو.

-يسعد صباحك يا براهيم، أنا مرضتش افطر إلا معاك والحمدلله البت هيام نزلت ومش راجعة دلوقتي.
فرك كفيه معا وهو يقول بحماس:
-الله علىكِ يا نبوية وأنا كمان وزعت الواد ببلاوي إبني عشان يخلالنا الجو.
هي بابتسامة عريضة:
-حبيبي يا براهيم.
هو بمشاكسة:
-قلبي يا نبوية..

تجلس في انتظار مقابلة المسؤولين بتوترٍ، وجدت صوت ضوضاء والموظفين تركض خيفة، تساءلت ماذا يحدث؟، فعلمت أنه المدير قد أتى، وقد حانت الفرصة، لابد وأن تتشاجر معه كما في الروايات خاصتها، وجدته يأتي من بعيد في الرواق فنهضت وهي تهمس لنفسها يارب الطوبة تيجي في المعطوبة
راحت تتعثر متعمدة أمامه، وقف هو ينظر لها من علو بنظرة مُشمئزة للغاية، لم تلاحظها هي واقتربت أكثر، وبكل عجرفة هتفت مش تفتح!

تجهمت ملامحه وراح يرمقها بازدراء فيما يهتف بصوت جهوري ؛
مين الزبالة دي؟
هل وصفها بالقمامة؟ ألن يتوعد لها ويقوم بخطفها ثم الزواج منها بالقوة رغمًا عنها؟ ثم تعذيبها ليلًا ونهارًا واغتصابها وقتما شاء! ومن ثم يتيه في رائحتها ويتفاجئ أنه أحبها بكل جوارحه؟!
جحظت عيناها جراء إهانته القاسية، ولكن لا بأس ستبتلعها وستعنفه، رفعت رأسها لتطالعه بعنفوان:
-أنت مجنون ولا إيه؟
ركضت اليها احدى الموظفات تخبرها بخوف:.

-إنتِ ايه اللي بتهببيه دا، دا صاحب الشركة.
رمقته هيام بلا مبالاة بينما تهتف وهي تتخصر له:
-طظ!
اتسعت عيني الأخير بصدمة عارمة وراح يقترب منها ويجذبها من ذراعها بعنف، تماماً كما فعل جاسر بطل الرواية التي كانت تقرأها البارحة، ورغم ألم ذراعها ابتسمت كالبلهاء وهي تهمس لنفسها الطوبة هتيجي في المعطوبة !

ثمة لكمة قوية تلقتها في أنفها منه فأدهشتها، وصوته الغاضب يسبها مرة أخرى وهو ينادي على الأمن آمرًا إياهم بغلظةٍ:
خرجوا البتاعة دي من هنا.
فبكت بتأثرٍ وهي تلوم نفسها على ما فعلت بها، بينما تردد بخفوت:
-إشمعنا نايا إتجوزت جاسر!

-نفسي نلم العيال بقى مع بعض كدا يا نبوية عشان نفرح بيهم.
كانت جملة إبراهيم وهو يلتقط لُقمة من صحن الفول داخل فمه الذي فُتح على مصرعيه، بينما تُمصمص نبوية شفتيها بامتعاض وهي تقول:
-ياخويا مش لما نتلم إحنا الأول، وبعدين بقى البت هيام مابتحبش ابنك ببلاوي يا براهيم، البت دي عندها طموح كدا نفسها في بيه كدا من البهوات ولاد الزوات..

ضحك إبراهيم بتهكم وهو يلتقط بيضة مسلوقة ويضعها بفمه دفعة واحدة، فيما يقول وهو يلوكها:
-بهوات!، دا انتوا غلابة أوي، هي هيام دي حد يرضى بيها، دا أنا بس عاوز أكسب فيها ثواب، أعمل أي حاجة كويسة قبل ما أموت...
ردت بغضب:
-دي هيام قمر، هي صحيح مطلعة عيني بس دي جوهرة وزي الفل وبكرا نصيبها هيبقى فُل باذن الله..

ارتطم جسدها البدين بالأرض الصلبة بقوة شديدة وهي تتوجع بصوتٍ عالِ، حذرها أحد أفراد الأمن بقوله:
- إياكِ تفكري تعتبي هنا تاني، وإلا هتكوني جنيتي على نفسك، مفهوم؟
كزت على أسنانها وهي تحاول النهوض بينما تحدث نفسها بحزن:
-إشمعنا نايا اتجوزت جاسر الشرقاوي بعد ما قالتله طظ؟ هو أنا يعني بنت البطة السودة!

انتصبت واقفة وهي تنفض عن ملابسها الأتربة وسارت تجُر أذيال الخيبة ورائها، وصلت إلى البيت وهي تكاد تبكي، ولجت بعد أن فتحت لها نبوية، راحت تتجه الى غرفتها مباشرة دون كلمة واحدة، تعجبت نبوية لأمرها وأسرعت خلفها تسألها بحزم:
-مالك يابت، ساكتة كدا ليه؟
لم ترد علىها، فقط أشارت لها بكف يدها وهي تغمض عيناها، يبدو أنها تقوم بدور سينمائي الآن، لتهتف الجدة بضيق:
-يخربيت التمثيل يابت، ما تنجزي مالك!

-سبيني دلوقتي يا نبوية لحسن عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي وممكن أعمل جريمة أو أصور قتيل..
وكعادة الجدة جذبت خط بسبابتها فوق جبينها وهي تتشدق ب:
-جريمة وقتيل، لا دا الروايات والأفلام الهندي لحست مخك بجد، قومي يا بت غيري هدومك وتعالي ساعديني وأنا بعمل الأكل، يلا قومي فزي، ، ألا قوليلي عملتي إيه في التنترفيو دا اللي كنتِ رايحاه؟
- إترفضت وإترميت في الشارع ارتاحتي
- ألف بركة، يلا فزي على المطبخ..!

خرجت نبوية متجهة إلى المطبخ، لكنها عادت إليها مرة أخرى وكأنها تذكرت شيء ما:
- ببلاوي إبن براهيم هيجي يقعد معانا شوية ونتغدى سوا، حضري نفسك كدا وافردي وشك دا
خرجت مرة أخرى من الغرفة، فزفرت هيام وهي تقول بتوعد:
- والله لأطلع البلى الأزرق على جدته، ال ببلاوي ال، هي المشرحة ناقصة قُتلى!

مرت نصف ساعة واستمعت إلى صوت الباب يُطرق، يبدو أنه كائن ال ببلاوي قد أتى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة