قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والأخير

نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والأخير

نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والأخير

اسبوعان من الدهر مروا، ام أسواط من الجحيم هذه التي كانت تجلده مع كل يوم يمر وهي بعيدة عنه...
لا يعلم عنها اي شيء!
لا يعلم أ هي بخير ام لا، تشتاقه كما يلتاع هو متلطمًا بين جرعات انتقامها ام لا تبالي!..
لا يتخيل أن اسبوعان وأيام مروا دون أن يعلم اين هي او يلمحها ولو من بعيد!..
وكأنها طيف ابيض ظهر امامه لتزدهر صفحات حياته ثم اختفى فجأة لتعود لحلكتها...!
كان يجلس في غرفته يحدق في اللاشيء..

أ يمكن أن تكون الارض إنشقت وابتلعتها!
بدأ ينفث سيجاره بشراهه بعدما قطعها منذ فترة طويلة، يريد اي شيء يخرج طاقته السلبية به!
طرقت تسنيم الباب بهدوء فلم يرد عليها كالعادة..
ابتسمت وهي تضع الطعام امامه مرددة ببرود اغاظه:
-يا حبيبي متقلقش، هي كدة كدة مش هتقدر تصرف وتربي البيبي لوحدها اكيد اول ما تولد هترجع لوحدها!
لم يشعر بنفسه وهو يدفع صينية الطعام بعنف حتى سقطت على الارض فصرخ بجنون كعادته مؤخرًا ؛.

-وانا لسة هستنى 8 شهور لما تولد!
-يوووه انا غلطانة انت حر خليك كدة
قالتها وهي تنظر له بحدة ثم استدارت لتغادر دون كلمة اخرى...
ليضع هو يده مكان قلبه هامسًا بتأوه متألم:
-أنتِ فين يا حبيبتي؟!

وفي الخارج امام الغرفة، رن هاتفها فأمسكت به تجيب بصوت هادئ:
-ايوة يا ماما..
-عاملة اية يا تسنيم؟ وجوزك لسه زي ماهو؟
-لا انا تمام، اه البيه لسة بيبكي على الاطلال!
-مش كان احسنلك لو كنتي حملتي بدل وجع القلب ده كله
خفضت صوتها وهي ترد:
-يوووه يا ماما انا غلطانه اني حكيتلك يعني؟!

-اصل مش مستوعبه ازاي تكون نسبة الخطر 50٪ بس وانتِ تكذبي على جوزك وتقوليله 90٪! خايفه تخاطري ياختي؟ طب اديكي انتِ اللي اتدبستي ف مشاكل وحوارات!
-ماكنش قدامي حل الا اني اكذب يا امي واقوله الخطر 90٪ كنت خايفه اووي حتى لو نسبة الخطر 50٪ بس!
-سلام يا ماما سلام
-سلام يا اخرة صبري
اغلقت الهاتف وهي تستدير لتسير ولكن شهقت بعنف وهي ترى جاسم الذي يبدو انه خرج من غرفته دون ان تشعر به وسمع كل شيء!..

ظلت تعود للخلف بخوف وهي ترى نظرة عيناه...
نظرة عيناه التي كانت كالسكين يخدش جوارحها بقوة أرعبتها فكادت تبكي خوفًا!
ظل يقترب منها ببطء وهو يقول بنبرة اجرامية:
-يعني طلعت عايش مع اكبر كدابة! مع واحدة خافت على نفسها من حاجة ملهاش داعي وفكرت بأنانية ومفكرتش ف ابنها اللي بيضيع كل يوم اكتر عن اللي قبله!
مع اخر حرف له كان يصفعها بعنف متابعًا زمجرته التي تشبه زئير الاسد:.

-انتِ ايه! مؤامرت وتخطيط وكذب واهمال، كفاااااية بقا ارحميني!
اصبحت ترسم البكاء وتذرف دموع كسحاب ممتلئ وهي تردد بحزن مصطنع:
-جاسم اسمعني، انا عملت كدة عشان آآ...
ولكنه لم يعطها الفرصة فكان يصفعها للمرة الثانية على التوالي وصراخه يصل لكل من بالمنزل:.

-اخرسي مش عايز اسمع صوتك، وعشان تبقي عارفه انا هرجعها، وهعلن جوازي منها وهترجاها تسامحني لاني سبت جوهرة تروح من بين ايديا، وهكتب الواد بأسمها وهي اللي هتربي تيم!
وعندما وجد الذهول ممزوج بالغل يتراقص في حدقتا عيناها، استطرد بقسوة متقززة ؛.

-انتِ مابتشوفيش الفرق بينك وبينها؟ من ساعة ما جت وهي بتحاول تتقرب من تيم وانتِ عمرك ما عملتي كدة، بتحاول تكون الصدر الحنين للكل، حتى الخدم حبوها، لكن انتِ! انتِ الساحرة الشريرة في البيت ده!
حتى ابنك مقدرتيش تحتويه!..
اصبحت تبكي بلا توقف فصمت هو برهه ليقول بعدها ؛
-انتِ طالق، طالق، طالق بالتلانة! تقدري تتصلي بحد من اهلك يجي ياخدك واقعدي لمي حاجتك على اقل من مهلك!
إتسعت حدقتاها وهي تصرخ بانهيار:.

-لاا انت ازاي تطلقني لا مستحيييل!
تركها واستدار ليغادر فنهضت وهي تقول بشراسة:
-طب والله ما هقعد فيها ثانية، بس مش هسكت يا جاسم
رفع كتفاه ببرود ان يعيرها ادنى اهتمام، وبالفعل مرت دقائق ووجدها تغادر المنزل كالأعصار...
حينها ابتسم بسخرية وهو يهمس لنفسه
حتى ابنها مافكرتش تاخده معاها !

بعد ثلاث ايام...
كان في الحديقة يسير بشرود، منذ رحيل تسنيم وهو لا يعلم عنها شيء، ولا يريد حتى ان يعلم!
كل ما يريده ان يجد تلك المعشوقة...
صغيرته التي اطاحت بصوابه فلم يعد حتى يهتم بعمله..!
فجأة سقط على الارض في الحديقة يضع وجهه بين يداه ويبكي...
بالفعل يبكي..
يبكي فقدانها، يبكي وحدته، ويبكي عذابه في بُعدها!
روحه تعاني، وجسده يصارع، وقلبه يتلوى بين ضلوعه طالبًا اياها!

لم يكن يتخيل انه سيحزن على فراق اي شخص بعد المرحوم والده...
وجد خطوات بطيئة تقترب منه، ليرفع رأسه تلقائي ليراها!
توقفت نبضات قلبه وهو يراها امامه..
في البداية اعتقد ان صورتها مجرد تهيؤات من وحي خياله!..
ولكن لا يمكن ان يكون صوتها ايضًا تهيؤات وهي تهتف:
-جاسم بيه!
كان كالصنم ينهض ببطء وهو يحدق بها وفجأة من دون مقدمات كان يجذبها بعنف لأحضانه...
يتأوه بصوت مكتوم وهو يود كسر ضلوعها بين أحضانه!

دفن وجهه عند رقبتها يملأ رئتيه برائحتها التي اشتاقها حد الجنون!..
ليهمس دون توقف:
-وحشتيني، وحشتيني لدرجة اني كنت هموت من غيرك والله، وحشتيني اوووي.

وعندما اعادتها كلماته من غيبوبة المشاعر المرهفة التي جعلت من قلبها صحراء قاحلة، دفعته بعيدًا عنها وهي تقول بصوت أجش:
-ابعد عني، انا جايه عشان تطلقني ودلوقتي!
ثم حاولت رسم ابتسامة مزيفة على ثغرها وهي تخبره:
-عشان اعزمك على خطوبتي...
ضربته في مقتل...
وكأنها غرزت سكين حاد وبارد، قاسي بدرجة لم يتحملها!
جذبها من ذراعها بعنف حتى اصطدمت بصدره الصلب، فصار يزمجر فيها بجنون ؛.

-على جثتي، انتِ بتاعتي انا بس، أنتِ مراتي وهتفضلي كدة لحد ما اموت، انتِ ملكي انا ومفيش راجل خلقه ربنا هيلمسك غيري!
حاولت إبعاده عنها وهي تأن بغيظ:
-ابعد عني، ده تملك وجنان بس، سبني احنا قصة انتهت من قبل ما تبدأ اصلًا!
وضع اصبعه على شفتاها يمنعها من تفوه المزيد من الهراءات...
وبكلمة واحدة أوقفت العالم من حولهم قال بكل ذرة تهفو بأسمها داخله:
-بحبك، بحبك ومقدرش ابعد عنك؟!

رغم صدمتها، رغم تخبطتها وتلكأ مشاعرها في تلك اللحظة، قالت ساخرة ؛
-وهو انت ايه الحب بالنسبالك؟!
رد دون تفكير وشظايا الغيرة والتملك انغرزت بحروفه:
-الحب بالنسبالي اني لو شوفتك مع واحد غريب اقتلك واقتله وادفنكم واحط سور ما بينكم عشان بغيير!
لم تستطع النطق...
تاهت حروفها متململة وسط هجومه الكاسح بمشاعره الفياضة..
فلم يكن منها سوى ان صمتت ونظراتها تغرق بين بحور نظراته النابضة بالعشق!..

ليتابع هو بصوت خشن يحمل الرجاء:
-سامحيني، سامحيني واديني فرصة اعوضك عن كل حاجة!
ثم وضع يده على بطنها وهو يستطرد بصوت عذب:
-وادي فرصة لابننا مايبقاش زي تيم!
نطقت تسأله باستنكار واضح:
-ومراتك؟!
-طلقتها
قالها بلهفة ما إن سمع سؤالها، لتومئ هي مبتسمة وعيناها ممتلئة بالدموع، فاحتضنها هو بسرعة يصرخ بصوت عالي مبتسمًا:
-بحبااااااااااااااااك!

في صباح اليوم التالي...
كان يجلس على مائدة الافطار منتظرًا نزول معشوقته الصغيرة مع طفله الوحيد تيم...
حتى الان كلما تذكر انها كانت تكذب بشأن انها ستتزوج يكاد يجن جنونه!..
خاصةً بعدما علم ان من ساعدها على الهرب وأمن لها مكان للأقامة لم يكن سوى الجنايني مصطفى!
هز رأسه نافيًا والابتسامة تعود لتحتل ثغره...
لا يهم اي شيء، كل ما يهم انها معه!

امسك بالجريدة بتلقائية يتفحصها، لتتجمد يداه وهو يقرأ الخبر الرئيسي
زوجة رجل الاعمال الشهير جاسم الشربيني تتوفى في حادث سير صباح اليوم بعد طلاقها المُصرح به من والدتها !
نعم قد يكون لا يعشقها كما يعشق كارمن وتزوجها -جواز صالونات- ولكنه ايضًا لم يتمنى لها الشر رغم كل ما فعلته!..
اغمض عيناه متنهدًا بأسى..
وعند تلك اللحظة أتت كارمن التي سألته بهدوء:
-مالك يا جاسم؟

هز رأسه دون ان يرد فأمسكت بالجريدة لترى ما قرأه، فصُدمت هي الاخرى!
ولكنها قالت بحزم بعد دقيقة صمت ؛
-لازم تروح تعزي يا جاسم!
اومأ مؤكدًا والصمت ابتلعه كحفرة عميقة لا نهاية لها...
حزين ومتألم على تيم الذي اصبح يتيمًا وهو لم يتخطى الثلاث سنوات حتى!

بعد مرور خمس شهور...
كانت كارمن تجلس في الحديقة تنتظر قدوم جاسم بفارغ الصبر..
اصبحت تتأفف كل لحظة كلما تذكرت انشغاله بعمله تلك الفترة..
وما إن رأته يدلف حتى نهضت مسرعة لتكرمش ملامحها وهي تحدق به فهمس هو بعبث وهو يقترب متمتمًا:
-شكل الحمل هيمسي علينا النهاردة!
احتضنها في حنو ما إن اقتربت منه وهو يهمس:
-مالك يا حياة الروح؟!
زمت شفتاها وهي تقول بحنق طفولي:.

-انت كل ده ف الشغل يا جاسم؟ مابقتش مهتم بيا خالص على فكرة
ابتسم يمنع ضحكته من التحليق على ثغره بصعوبة..
منذ بداية الشهر الثاني في حملها وهي على هذا الحال كل يوم بمزاج مختلف!
ولكن ما يدهشه حقًا انه مستمتع بذلك التقلب!..
بل يثير به زوبعة جديدة من فوران المشاعر!..
ابتسم وهو يحيط وجهها بين يداه ويردد بصوت هادئ خشن:
-يا حبيبتي منا عرفتك إني الفترة الجاية هكون مشغول شوية بعمل صفقات جديدة!

عضت على شفتاها تنطق بقهر:
-انت مابقتش تحبني ولا بتقولي كلام حلو!
رفع حاجبه الايسر وهو يستمع لها فأكملت مستنكرة بصورة مضحكة:
-فين يا وردة مكانها ف البستان؟ فين ده؟ انت شايفني تين شوكي ادامك!؟

عندها لم يحتمل تمالك نفسه فانفجر ضاحكًا على جملتها، بينما هي تراقبه بغيظ ولكن تسربت البسمة لثغرها رغمًا عنها!
وفجأة شهقت وهو يحملها على كتفه -كشوال البطاطا- ويردف بمرح اختلط به العبث:
-تعالي ف اوضتنا بس يا حبيبتي عشان احنا كدة بنعمل بث مباشر وهيبقى فيها اخلال بالاداب العامة دي خدي بالك!

فتعالت ضحكاتها وهي تضربه على ظهره وخصلاتها متساقطة خلفها بينما تيم يصفق بيداخ ببطء وبسمة يتيمة تظهر لاول مرة مرتسمة على ثغره!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة