قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

نوفيلا تعويذة غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

حبست نفسها بغرفتها منذ ما حدث، لا تدري لمَ تُعارضها تيارات الحظ دومًا!..
وكأنها أقسمت على همدها كأي بناء أهلكه عوامل التعرية!
تورمت عيناها من كثرة البكاء...
ها هو مر يومان منذ أن خطت خارج غرفتها...
وبالطبع لم يدلف لها سوى خادمة صديقة ببعض الماء!
اما جاسم...
وآآهٍ من جاسم، جاسم الذي أتلف عقلها قبل قلبها...
وجعل من الحيرة شيطانًا يصر على تدمير فردوسها!..

أ كان يُهيء لها تلك المشاعر التي ولدت بعيناه نحوها؟!
ام هي لم تولد اصلًا وهي التي أشتقتها من نسج خيالها!..
أصبح وجهها شاحب بعض الشيء وهي تدرك إنجذابها القوي لجاسم..!
وفجأة وجدت الباب يُفتح وجاسم يطل منه، فتمددت على الفراش بسرعة تغمض عيناها مدعية النوم...
اقترب جاسم منها حتى جلس على طرف الفراش خلفها وهو ينظر لها..
عيناه كانت تحمل وميضًا خالصًا من الشوق!
أحرقه الشوق كنيران، فترك القلب حيران!

مد يده على كتفها يهزها برفق هامسًا:
-كارمن، قومي انا عارف إنك صاحيه
لم ترد فاستطرد هو بنفس النبرة الفياضة التي جعلت بدنها يكاد يرتعش:
-قومي عايز أشوفك...
ثم صمت برهه وكأنه يسترجع ما سيقوله ولكن رغم ذلك قال بما يجيش بصدره بتلقائية:
-وحشتيني
لم يجد منها رد الا انها نهضت جالسة كما أمرها لتهز رأسها بصمت..

فاقترب هو ببطء شديد منها ثم أحاط جانب وجهها بيداه وهو يُقرب وجهه منها حتى كاد يلتصق بها، فلثم رقبتها الظاهرة بعمق وهو يهمس بصوت عذب:
-بقولك وحشتيني، بقالي يومين مش بشوفك. والشغالة قالت إنك عاوزة تقعدي لوحدك فمرضتش أتطفل واجيلك، بس مقدرتش ماشوفكيش اكتر من كدة!
لم يجد رد منها فظنه دلالًا!..
فارتفع بخفة ليُقبل جانب ثغرها متمنيًا استجابتها، فلم يكن منها اي رد فعل وكأنها صنم تحت يداه!

حينها لم يتمالك اعصابه وهو يمسكها من شعرها بعنف يُقربها من وجهه صارخًا:
-أنتِ عايزة ايه بالظبط! اعاملك زي الناس واقولك وحشتيني مش عاجبك واعاملك وحش تقولي مش طالبه الا انك تعاملني حلو!، انتِ عايزة ايه!
وايضًا لم ترد عليه ولكن تأوهت بصوت مكتوم يُضاهي لمعة عيناها بدموع حارقة، فتأفف هو بضيق ليخفف قبضته على خصلاتها فأصبح يملس عليه بحنان هامسًا:
-انا اسف بس انتِ استفزتيني جدًا!
وهي...

هي كانت فقيرة لتلك اللمسات، فقيرة للحنان!
يتيمة تركض متلاطمة وسط الطرقات سعيًا لذلك الحنان...
حتى لو كانت احدى صديقاتها من تعطها ذاك الحنان في تلك اللمسة لكانت لانت وسامحتها على الفور!
نظرت له بطرف عيناها مغمغمة:
-انت بعتلي فلوس صح
اومأ مؤكدًا بهدوء:
-ايوة عشان تشتري اللي نفسك فيه مع الهدوم
عضت هي على شفتاها وهي تردف بنبرة ذات مغزى اختلطت بها السخرية:
-منا شايفه شغلي كويس صح.

تأفف بضيق واضح وهو يدير وجهه للجهة الاخرى فعادت تسأله سؤال تلبسته صيغة التوسل:
-يعني مش مجرد عشيقة عايز منها طفل يا جاسم؟
تنهد بقوة ليدفن وجهه عند رقبتها وهو يهمس بعمق:
-لأ، أنتِ طفلة وحرامية وانا عايز استغلك إتسعت عيناها وهي تسأله بحروف متقطعة ؛
-اي ايه!
أجابها وهو يلثم عنقها حتى قشعر بدنها برعشة منتشية وهي تسمعه:
-أنتِ طفلة جننتني، وحرامية سرقت قلبي وعايز أستغلك واجيب منك فريق كورة مش طفل واحد بس!

أنهى كلامه بقبلة أخرى لبدايات صدرها فأبعدته هي بسرعة وهي تهمس بصوت مبحوح:
-ارجوك بلاش دلوقتي، انا مخنوقة وآآ...
قاطعها عندما وضع إصبعه على شفتاها ليتشدق بعبث:
-عارفة حل البؤس ايه؟
نظرت له بعدم فهم ليكمل وهو يسحب يداه لتحل محلها شفتاه المتلهفة:
-حذف الهمزة!..

كانت تسنيم تدور حول نفسها في غرفتها، كالأخطبوط الذي يخطط أين سيطلق سمومه!.
هي متيقنة أنه ذهب له...
وللأسف هي من أعطت الحُجة لغريمتها!
هي من أعطته السبب ليقترب من تلك التي تُدعى كارمن!..
كانت تسمع بكاء طفلها ولكنها لم تعيره إنتباه فضيقت عيناها بخبث..
اذًا ستمنعه من الاقتراب منها وإن كان ذلك بأذية كارمن!..
خرجت من غرفتها ببطء تنظر حولها لتتجه نحو المطبخ بسرعة، وما إن رأتها الخادمة سألتها بهدوء:.

-تؤمري بحاجة يا هانم؟
هزت رأسها نافية بسرعة وردت:
-لا لا روحي شوفي شغلك انتِ
فذهبت الخادمة بالفعل لتتحرك تسنيم وتجلب -زجاجة من الزيت- ثم امسكته وخرجت من المطبخ مرة اخرى...
توجهت نحو السلم وعيناها تراقب غرفة كارمن بحذر خشية خروج جاسم بأي وقت..
بدأت تسكب الزيت على السلم ببطء وبكثرة حتى تضمن سقوط كارمن ما إن تخط قدماها على ذلك السلم!
إنتهت ثم عادت بسرعة نحو غرفتها في الاسفل...

ووجدت طفلها كما هو يبكي بقهرة، فتأففت وهي تصرخ به بغضب:
-اوف اوف مابتبطلش زن اخرس بقااا زهقت منك!
فازداد بكاء الطفل بحدة لتضعه هي في اخر الغرفة حتى لا يُرهق اذناها بكاءه!..

بعد ساعات...
خرج جاسم من غرفة كارمن وعلى وجهه أجمل ابتسامة يمكن أن تُرسم ولو بريشة فنان مبدع!..
يشعر بأشياء جديدة لم يشعر بها نحو تسنيم يومًا!.
في كل مرة يقترب فيها منها يشعر وكأنها اول مرة، وكأن عداد الزمن يتخطاها فلا يكل ولا يمل منها!
توجه نحو غرفة ملابسه في نفس الطابق..

بينما في الداخل كانت كارمن ترتدي ملابسها متنهدة بحيرة...
ولكن كلما تذكرت كلماته شعرت وكأن تدغدغ جوارحها!..
خرجت تنوي التوجه للمطبخ ولكن سمعت صوت بكاء تيم فهبطت بهدوء تنوي الذهاب له والجلوس معه بعض الوقت كما سمح لها جاسم..
ولكن فجأة شعرت بقدماها تنزلق من اسفلها فلم تشعر بنفسها سوى وهي تسقط على السلم وصرخاتها تملأ المكان!..

سقطت في نهاية الدرج فاقدة الوعي فكان اول من خرج على صراخها جاسم الذي لم يكمل ارتداء قميصه حتى فكان يصرخ بأسمها وهو يهرع نحوها، فكاد يسقط هو الاخر ولكن تمالك نفسه في اخر لحظة متمسكًا بالسلم بقوة..
وبعد دقيقة هبط واصبح في مستواها يهزها وهو يهمس بهلع:
-كارمن، كارمن حبيبتي قومي فوقي!
ولكن ما من مجيب..
حملها بين ذراعيه بسرعة وهو يصرخ في الخدم:
-دكتوووور، اطلبوا دكتور بسرررعه يا بهايم!

وبالفعل توجهت احدى الخادمات نحو الهاتف تتصل بطبيب العائلة...
وضعها جاسم على الأريكة ثم امسك بزجاجة المياه يسكب منها بضع قطرات على وجهها وهو يناديها والقلق يكاد يتآكله كالصدئ في الحديد:
-كارمن، قومي عشان خاطري ماتخضنيش اكتر!
بعد دقائق بدأت تستعيد وعيها، وما إن أطلت زرقة عيناها التي يعشقها حتى تنهد بارتياح...
بينما ظلت هي تتأوه بألم منادية بأسمه:
-جاسم، آآه مش قادرة.

تحسس وجهها برفق متمتمًا والحنان يتغلل نبرته:
-مالك يا روح جاسم، ايه اللي واجعك؟
بدأت تبكي كالأطفال وهي تتابع مشيرة لقدمها:
-جسمي كله واجعني، ورجلي، رجلي مش قادرة احركها!
أحتضنها دون أن يأبه بنظرات الخدم وظل يدندن لها وكأنه يهدء احد اطفاله وليس زوجته:
-اهدي يا حبيبي الدكتور زمانه جاي، استحملي شوية صغننين بس والوجع هيروح
اومأت وهي تحبس دموعها بصعوبة..

كل ذلك وتسنيم تراقبهم من غرفتها وعيناها يشع منها الحقد والغل!
سمعت كارمن استمرار بكاء تيم فهتفت بصوت يكاد يسمع ؛
-جاسم تيم بيعيط من بدري، ش شوفه ماله!
ماذا يريد أكثر ليعشقها؟!
في عز ألمها ووجعها وبكاءها تهتم لطفل لم يولد من رحمها هي!..
نهض بالفعل متوجهًا نحو غرفة تيم ليتجاهل تسنيم التي كانت تقف متجمدة، ولكن عندما رأي انهيار طفله صرخ فيها بعصبية مفرطة:.

-إنتِ متخلفه؟! مش شايفه ابنك منهار من العياط ازاي؟ انتِ ام انتِ!
حاولت الدفاع عن نفسها بسرعة:
-كنت لسه هنادي شيماء عشان تسكته انا مش عارفة اسكته خالص!
لعنها بصمت وهو يحمل طفله هامسًا له ببعض الكلمات التي جعلته يهدأ نوعًا ما...

بعد فترة...
انتهى الطبيب من فحص كارمن كفحص بدائي، فنهض عنها مبتسمًا وهو يُطالع جاسم الذي كاد يقتله القلق:
-انا عملتلها فحص شامل يا جاسم بيه، ومفيش فيها اي حاجة الا اني شاكك ان رجلها اتجزعت بس وآآ...
قاطعه جاسم بخوف:
-وايه يا دكتور؟!
أطلق النقطة الفاصلة، اطلق العنان للفرحة لتحتل ساحة قلب تلك المسكينة كارمن فقال بابتسامة هادئة:
-والمدام حامل
شعر وكأن تلك النبضات بقلبه توقفت...
لا بل العالم كله توقف!

حدث ما كان يسعى له...
بطلت الحجة، وإنهار السبب...
وظل الواقع حقيقة لا مفر منها..
خلف كل حلم وحلم، واقع نستيقظ عليه حتمًا!
انتبه للطبيب الذي غادر بهدوء، لتنهض نحوه كارمن صارخة وهي تحتضنه بسعادة:
-انا حامل! حامل وأبنك جوايا يا جاسم...!
أبعدها عنه ببطء ليقول دون تعبير واضح:
-مبروك
ثم استدار حاملًا طفله ليستطرد بصوت جامد لا حياة فيه:
-جهزي نفسك هتنزلي تقعدي ف الاوضه اللي ف الجنينة، مفيش داعي لقعادك فوق خلاص!

ثم غادر هكذا ودون كلمة اخرى تاركًا تلك المسكينة تكاد تنهار صريعة كلماته...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة