قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الخامس

نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة كاملة

نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

كانت تقف فى منتصف قاعتها التى تستخدمها فى السحر، تغمض عيناها وتحرك يداها فى الهواء حركات متتالية، لتنتفض رافعة كلتا يديها مرة واحدة، ومع إنتفاضتها إشتعلت النيران بدائرة تحيط بها، بينما فى الخارج كانت الأرض تهتز بقوة ليسرع الجميع بالهرب من المكان.. إنشقت الأرض فجأة وسط الصرخات وإنتشر دخان ضبابي أحمر تصاعد من داخل الشق قبل أن يتبعه كائن عملاق خرج من باطن الأرض يحرك جناحيه بقوة ويهز ذيله يمنة ويسارا فيحطم به بعض التماثيل الموجودة بالجوار، ليسرع السحرة بالهرب بينما يقول أحد السحرة برعب:
-إنه الجني الذى يساعد ملكتنا العظيمة (هيلين)، إنجوا بأنفسكم، فلا ندرى لهلاك من جاء؟

بينما وقفت ساحرة ترتدى عباءة بغطاء رأس يخفى ملامحها، على مسافة ليست ببعيدة تشاهد مايحدث، ترى هذا الكائن يطير بإتجاه إحدى نوافذ القصر، ثم يتوقف للحظات، قبل أن ينطلق محلقا.. فأسرعت بتحريك القلب بعقدها وهي تغمض عيناها تردد فى نفسها:
-إحذرى أيتها العظيمة (سيلين)، لقد أطلقت (هيلانة)التنين الأحمر فى إثرك.

لتفتح عيناها وقد إستقر الخوف فى صدرها، تدرك أن القادم لا يبشر بالخير... أبدا.

كانت تسير بإتجاه (تورانا)بنشاط، تتبعها (ريتان).. توقفت فجأة وأغمضت عينيها تمسك عقدها بطريقة أدركت معها (ريتان)، أنها تتلقى رسالة ما.. إنتظرت حتى فتحت (سيلين)عيناها لتشعر (ريتان)بالخوف وقد ظهر القلق على وجه (الأولى)فلم تجرؤ (ريتان)على سؤالها .. ماخطبها، فقط إستمعت إليها وهي تقول:
-أسرعى.. واجمعى لى بعض أعشاب (السرموز)حتى نلقى التعويذة ونختفى لبعض الوقت .

عقدت (ريتان)حاجبيها قائلة:
-إلى متى نختفى؟ألم تخبرينى أننا قد تأخرنا بالفعل؟
قالت (سيلين)فى حنق:
-لقد تأخرنا حقا، ولكن لابد وأن نختفى حتى يرحل الظلام، وبعدها نستكمل المسيرة مع شروق الشمس، لنعاود الإختفاء من جديد عندما يسدل الليل ستاره.

قالت (ريتان)بحيرة:
-لماذا نهرب من الليل؟
قالت (سيلين)بحنق:
-نحن لا نهرب من الليل، بل نهرب من هذا المخلوق الذى يظهر فقط فى ظلمات الليل، يعشق الظلام كملكته تماما، هذا المخلوق الذى أطلقته (هيلانة)فى إثرنا.

قالت (ريتان)متوجسة:
-أي مخلوق هذا؟
قالت (سيلين):
-التنين الأحمر.
لتتسع عينا (ريتان)... رعبا.

حل الظلام لتعانق السماء القمر، فيرسل ظله على تلك الأشجار الكثيفة، ليتخللها ضوء لا يذكر، فطغى على الغابة سكون مهيب، وكأنها مقبرة لا حياة فيها.. يترصد الغدر بالفرائس فلا ينجو منهم أحدا..

قد يحتاج المرء لقلب لا يهاب الموت كي يستطيع أن يقهر خوفا غريزيا من التجول فى تلك الغابة ليلا، يحتاج للقوة.. للحنكة .. لمهارة البقاء .. وربما كان لديه كل ذلك .. وفى النهاية لا ينجو.
فكل ماينقصه هو القليل من... السحر.

كانا يجتمعان حول تلك النار التى أشعلها (نوار)يفركون أيديهم بالقرب منها فالجو صار باردا بعض الشيئ، تأملت (تارا)(نوار)الذى امسك عصاه الخشبية، يحركها فى النار فتزداد إشتعالا، كان صامتا يحدق بتلك النار، يتجنب النظر إليها أو الحديث إليها منذ أن بدآ تلك الرحلة الغريبة، تتساءل فى حيرة عن سبب ذلك، نظرت إلى النار بدورها ..

تنهدت، وهي ترى تلك الشعلات المتناثرة من النار تخبو ما إن تصل إلى الأرض، تخشى أن تصبح مثلها عندما تصل إلى (أستيريا)فيخبو سحرها ولا تستطيع أن تقهر (هيلانة)فتضيع مع مملكتها إلى الأبد.

شعرت بالحنين، تفتقد عصفورها الذى كانت تتحدث إليه فينتابها شعورا غريبا بالإرتياح.
نظرت إلى (نوار)بإحباط، ترددت قليلا قبل أن تقول:
-لماذا كنت ترفض مساعدتى لك عندما وجدتك يا (نوار)؟

دق قلبه لثوان وتجمدت يده على عصاه وهو يستمع إلى إسمه لأول مرة من فمها، نفض مشاعره جانبا، فهو يحاول بكل مايملك من إرادة أن يحافظ عليها من مشاعره الجامحة والتى تطالبه بإمتلاكها فى التو واللحظة، يتحاشاها ويتجنب الحديث معها، فربما لم تعرفه سوى البارحة بينما ظل هو معها أيام عديدة، فأحبها، وعندما يحب الفارس مليكته، تتضخم مشاعره، تتضاعف حتى أنها تؤلم قلبه بشدة فلا يمنحه الراحة والسعادة سوى إمتلاك محبوبته، لا يسكن نبضاته سوى إحتوائها، يمنحها مشاعره القوية، فتصبح مع عقدها الملكة الأعظم، والتى لا يستطيع مخلوق على وجه الأرض هزيمتها..

سمع صوتها الخافت يهمس بإسمه مرددا:
-نوار !
رفع إليها عيون كالبئر العميق تخفى مشاعره خلف ستار حاول إسداله قدر الإمكان، ليقول بهدوء:
-أخبرتك، لم أكن أثق بجنسكم، فالنساء غادرات.. ينتهزن الفرصة للتخلى عن كل شيئ.

ابتعلت ألمها من كلماته الجارحة، تحاول أن ترضى فضولها الذى يزداد حول هذا الفارس النبيل، لتقول بهدوء:
-كنت تخشى الهجران إذا؟
هز رأسه قائلا ببطئ وغموض:
-بل شيئ أخطر من ذلك، إن لم أقاومه أودى بنهايتي.

طالعته (تارا)بعيون رائعة تغرق بالحيرة:
-ماهو؟
عاد (نوار)ليحرك عصاه بالنار مشيحا بناظريه عنها قائلا:
-ربما أخبرك به يوما؟

قالت بحنق، تدرك أنه يتهرب من إجابتها:
-إذا أجبني.. هل كنت حقا تستمع إلي حين كنت عصفورا؟هل كنت تفهمني؟هل حقا صرت لى يوما صديقا أم أنك فقط مجرد فارس أرسل لحمايتي.

رفع إليها عيون تخللتها نظرة حانية ذكرتها بعصفورها لوهلة، ليقول بحروف ثابتة تحمل يقينا أراد أن يصلها ذبذباته:
-قبل أن أكون فارسك، كنت عصفورك، صديقك.. أو رفيقك، سمنى كما شئتى، ولكن كونى على ثقة.. شعرت بألمك وكأنه ينبعث فى شراييني، وسعدت لسعادتك فغردت ألحاني، لم أكن أتحدث ربما ولكنى أردت الصراخ بك عندما كنتى تشكين إلي وحدتك، أخبرك بأنك لم تعودى وحيدة، بل صار لك...

صمت يتطلع إلى عيونها التى إشتعلت بالمشاعر، وفمها الذى إرتعش تأثرا، ليطرق برأسه أرضا مستطردا:
-صارك لك صديقا تعتمدين عليه.
ساد الصمت قليلا، حتى وصلته همستها بإسمه فرفع عيونه إليها يطالعها بقلب مضطرب لتواجهه عيناها التى شعتا بالمشاعر، يغلب عليها الإمتنان وهي تقول برقة:
-شكرا لك.

كلمتان سارعتا من دقات قلبه وكأنهم فى سباق، زلزلتا كيانه بأكمله، شعر برغبة شديدة فى النهوض ليسرع إليها يغمرها بين ذراعيه، يمنحها إحتواءا أدرك حنينها إليه، يمنحها أمانا يشعر بنبراتها تتوق له، ويمنح نفسه المشتاقة أمانها بدورها، فربما شعر بالهجران من قبل، ولكنه منذ أن رآها هي، (تارا)-نجمته اللامعة-وهو يدرك أنه لم يعد وحيدا مهجورا، بل صارت له رفيقة روح.

تنحنح قائلا:
-احمم، لا داعى للشكر بين الأصدقاء، هيا.. حاولى أن تنالى قسطا من النوم، تحتاجين الراحة، ففى الغد نصل إلى النهر لنقوم بإستدعاء وحشه وإحضار العقد.

نهضت (تارا)قائلة بحيرة:
-ألن تنام ؟إنك بدورك تحتاج إلى الراحة.
عقد حاجبيه وهو يستمع لصوت كاد أن يقسم أنه صوت تنين، ولكنه لم يظهر لها قلقه وهو يقول بهدوء:
-لا أستطيع المغامرة، فوحوش الغابة كثر، وحمايتك واجب علينا.

ظهر التردد على وجهها فإستطرد قائلا بإبتسامة أنارت وجهه الوسيم لتظهر لمعة عيونه الزرقاء فى عتمة الليل:
-لا تقلقى.. أستطيع البقاء يقظا لأيام.. إنها طبيعة الفرسان.
وجدت نفسها تبتسم دون وعي، ليتأمل تلك الهالة من الجمال البريئ والتى أحاطت بها، يدرك أنه حقا محظوظا، فقط لكونه ... فارسها.

قالت (ريتان)بلهفة:
-هل رحل؟
أومأت (سيلين )برأسها وهي تزفر قائلة:
-نعم.. رحل.
قالت (ريتان)بإرتياح:
-حمدا لله.. لقد كدت أموت رعبا وأنا أشعر بأنفاسه الساخنة قريبة من مكاننا.

قالت (سيلين)بحنق:
-عنيد هذا الملعون، كاد أن يكتشف مكاننا ولكننى أطلقت رائحة السمندق، فنفر مبتعدا.
قالت (ريتان)بحيرة:
-لم لم تطلقيها منذ البداية، لماذا إنتظرتى حتى صار الخطر محدقا بنا؟!

قالت (سيلين):
-لا نحمل الكثير من هذا العشب، فهو نادرا للغاية.. لذا علينا الإسراع اليوم لكي نصل إلى (الملكة)، قبل حلول الظلام، فلا أعتقد أننى أستطيع إبعاده اكثر من ذلك، فوحدها (تارا)من تستطيع هزيمته.
عقدت (ريتان)حاجبيها قائلة:
-ولكن كيف؟وهي دون عقدها؟

نظرت (سيلين)إلى الأفق قائلة:
- (تارا)تمتلك السحر بداخلها، فهي سليلة الملكة (جيلان)، إلى جانب أنها وفارسها قوة لا يستهان بها، العقد فقط يضخم قدرات (تارا)، لتستطيع هزيمة (هيلانة)وشيطانها.

أومأت (ريتان)برأسها وكادت أن تتحدث مجددا ولكن (سيلين)أشارت لها بيدها قائلة:
-كفانا حديثا ولنسرع فالشمس قد بزغت من مشرقها وساعات النهار ستنتهى سريعا، فهيا يافتاة، أركضى خلفى ولا تتهاونى.
لتركض (سيلين)تتبعها (ريتان).. بعزم وقوة.

-كلاااااا
هدرت (هيلانة)بصرختها الرافضة وهي تحطم كل ما يقابلها، فأسرعت (أوار)على إثر سماع صرختها وأصوات التحطيم، لتنظر إلى الغرفة بصدمة بينما ملامح (هيلانة)لا تبشر بالخير أبدا، لتقول فى وجل:
-مولاتى.. ماالذى حدث؟

قالت (هيلانة)وهي تجول كليث جريح:
-الملعونة (سيلين)، إستطاعت أن تهرب من تنيني، وربما هي الآن فى طريقها لتلك الفتاة، تحضرها إلى مملكتي وتحطم سلطاني.

قالت (أوار)بسرعة:
-لن تستطيع دون عقدها.
توقفت (هيلانة)عن المسير وهي تنظر بعيون لامعة إلى (أوار)قائلة:
-بالطبع، كيف لم أفكر بذلك، النهر.. بالتأكيد ستذهب للنهر كي تحاول إستعادة العقد، وهناك.. هناك سأبعث لها بتنيني، لنتخلص منها إلى الأبد.

لتطلق ضحكة شيطانية، شاركتها إياها (أوار).. فعندما سيحل الظلام سينطلق التنين الأحمر من جديد ولكن تلك المرة سيذهب مباشرة... إلى النهر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة