قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الأول

نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة كاملة

نوفيلا تعويذة الحب للكاتبة شاهندة الفصل الأول

تأملت (نشروان)وجه صغيرتها الجميلة (تارا)بحنان، مدت يدها تملس على وجنتها برقة قائلة:
-نامى بسلام ياصغيرتي، وانعمى بالراحة فمستقبل مملكتنا سيقع يوما بين يديك.

لتتطلع إلى الأمام فى شرود قائلة:
-مهمتك لن تكون سهلة على الإطلاق، فلطالما أراد سحرة الظلام أن يحكموا مملكتنا العظيمة (أستيريا)، ولكن دائما كنا لهم بالمرصاد نحبط محاولاتهم العقيمة للسيطرة على مدينتنا، طوال حياتنا ونحن نعيش صراعا دمويا بين الخير والشر، بين سحرة النور وسحرة الظلام، وقد كان الفوز دائما حليفا لنا ..  فمليكة سحرة النور لطالما كانت الأقوى بين السحرة جميعا، بعقدها السحري الذى لا يمنح قوته لسواها .. لتصبح أقوى مايمكن حين تتحد مع فارسها برباط الزواج المقدس فتستطيع هزيمة كل محاولات سحرة الظلام لإعتلاء العرش ودحضها فى مهدها.. لننعم بالسلام إلى الأبد.

ولقد كانت الحياة تبدو رائعة.. مستقرة بالفعل فى مملكتنا ( أستيريا).

لتنظر إلى وجهها الملائكي مستطردة:
-خاصة بعد أن أنجبتك حبيبتى .. فتاة رائعة الجمال..  بيضاء ذات وجه مستدير كالبدر وشعر أسود كالليل فأسميتك (تارا)، نجمة أستيريا الجميلة، لتصبحين أمل سكان المملكة فى سنوات عديدة قادمة من الرخاء... ولكن ...

غضنت جبينها وهي تستطرد:
-غيمة سوداء ظللت سلام مملكتنا حين
أطاحت (هيلانة)، إحدى ساحرات الظلام ب (رنوة)ملكتهم، واعتلت عرشهم ليخضع لها الجميع وهم يرون فى عيونها عهد جديد يتسيد فيه السحر الأسود ليعلو شأنه ويزدهر دون رادع.. وهذا مايقلقنى حقا.. شعور غامض يكتنفني بأن شيئا ما على وشك الحدوث.. شيئا بغيضا كريها لا أود حتى التفكير فيه.

لتلمس بيدها هذا العقد الذى يقبع حول عنقها قائلة بحزم:
-ولكن لاتخشى شيئا حبيبتى.. طالما أرتدى هذا العقد حول عنقى فلن تستطيع (هيلانة)فعل أي شيئ.

لتميل على جبهتها تقبلها بحنان، ثم تستقيم قائلة:
-نامى حبيبتي بأمان، فلن أدعها تمسك أو تمس مملكتنا بسوء.

لتلقى نظرة على عيون طفلتها الناعسة برضا قبل أن تغادر الحجرة لتنال بدورها قسطا من الراحة، فعلى غير العادة هي تشعر بدوار ورغبة بالنوم فى هذا الوقت المبكر من اليوم.

لم تكن الملكة ( نشروان)تعلم أن دوارها وراءه (هيلانة )التى وضعت بالفعل خطة جهنمية بالتعاون مع بعض سحرة النور الطامعين بالسلطة، ليتم تخدير الملكة وفارسها .. لتدلف (هيلانة )إلى القصر تذبح الفارس، وتسرق العقد من رقبة (نشروان)قبل أن تذبحها بدورها بدم بارد وعيون تلمع بالشر.

ثم إتجهت إلى غرفة الصغيرة لتقتل آخر سلالة الملكة (جيلان)، الملكة الأم لكل سحرة النور.. ولكنها لم تجدها فى مهدها بل وجدت ذلك المهد فارغا لتصرخ بكل قوة غاضبة، تدرك أن حكمها مازال مهددا طالما تلك الفتاة على قيد الحياة، تنوى أن تبحث عنها هي وأتباعها، فلن يرتاح لها بال حتى تجدها.

فى مكان بعيد عن مملكة (أستيريا)، كانت تقف (سيلين)إحدى ساحرات النور على عتبة منزل صغير، تحمل فى يدها طفلة، مالت عليها تلامس وجنتها برقة قائلة بحزن:
-رغما عنى أتركك حبيبتى، كي أحميكى من غدر (هيلانة)، أحمد الله أننى شككت بالأمر حين رأيت (ديانا)تتلفت يمينا وشمالا وهي تغادر حجرة ملكتنا الراحلة (نشروان)تحمل أكواب اللبن الفارغة، لأشك فى هذا الظلام الذى أحاط ببلورتي السحرية ومنعني من رؤية أحوال المملكة كعادتي كل يوم.. فأدركت أن هناك شر يحيط بمليكتي وطفلتها .. للأسف لم أستطع أن أنقذ ملكتنا وقد رأيت (هيلانة)وأتباعها من سحرة الظلام والنور يدلفون إلى القصر، فهرعت إليك أحاول إنقاذ مستقبل مملكتنا.. وها أنا ذا أحضرك لهذا المنزل.. أبر بوعدى لمليكتي أن أحمى مملكة النور بأي ثمن، إن أصحابه لا ينجبون، سيعدونك طفلتهم وستنشأين فى كنفهم، حتى يحين الموعد وتصبحين قوية كي تطيحين ب (هيلانة)وأعوانها، فإلى لقاء ليس ببعيد حبيبتى.. إلى لقاء قريب.

إبتسمت ( تارا)تداعب يدها بأصابعها الصغيرة، فسقطت من عيني (سيلين)دمعة أسرعت بمسحها وهي تعتدل تودعها بنظرات حزينة، ثم تضعها بحنو أمام الباب
قبل أن تطرق الباب وتختفى وكأنها لم تكن.. بينما فتح الباب ليظهر على عتبته زوجان تأملا الصغيرة بعيون لمعت من الفرحة قبل أن يحملاها ويدلفا إلى المنزل يغلقان الباب خلفهما لتظهر (سيلين)مجددا تلمس الباب بحزن قبل أن تختفى وتلك المرة لم تظهر مجددا.

عم الظلام مملكة (أستيريا )لسنوات عديدة، إستطاعت فيها (هيلانة)قتل كل سحرة النور المتمردين على حكمها فدون ملكتهم لا يستطيعون القضاء على سحرة الظلام، فلم يبقى منهم سوى بعض السحرة اللاتى اضطررن فى الظاهر للخضوع لحكم (هيلانة)بينما هم ينتظرون فقط ظهور ملكتهم المفقودة.. بينما (سيلين )تتخفى فى المملكة كإمرأة عجوز تتابع (تارا)من خلال بلورتها السحرية.. تراها تكبر يوما بعد يوم فى رعاية هذين الزوجين اللذان لم يبخلا عليها بحبهما ورعايتهما .. لتطمأن بأن ملكتهما تسير فى الطريق الصحيح لتصبح تلك المنقذة التى يحتاجونها.. حتى كان هذا اليوم الحزين والذى توفيت فيه الأم بعد إصابتها بالمرض، ليحزن الزوج عليها وتوافيه المنية بدوره، يتركان (تارا)وحدها، تعانى مرارة اليتم مجددا خاصة بعد حضور أخت الزوج تطالب بالمنزل والممتلكات.. وتعامل (تارا)بغلظة لا داعى لها، تدرك أن أخاها لا ينجب ولكنها أبقتها بالمنزل ربما لتوفر أجر الخادمة.. خاصة إن كانت نشطة وتعشق المنزل والمزرعة ك (تارا).

إنتاب (سيلين)غضب شديد وهي ترى كيف تعامل (مهيرة)تلك السيدة الشمطاء مليكتهم (تارا)، بل كادت أن تذهب إليها و تفتك بها ولكن نقص الغبار السحري لديها، وخوفها من إحتياجها له يوما ما قد يكون قريبا جدا.. منعها من مساعدة (تارا).. لتلعن (نوار)فى سرها ورفضه الكلي الذهاب إليها ومساعدتها، بينما هي عاجزة عن المساعدة.

لتنظر إلى بلورتها بحنق، ترى دموع تلك الفتاة الرقيقة فتحرقها بنيرانها، سمعت صوتا رصينا يقول من خلفها :
-خيرا أيتها العظيمة (سيلين)، لقد بعثتى فى طلبى أليس كذلك؟

لمعت عيونها بفكرة رائعة قد تستغرق بعض الوقت ولكنها بالتأكيد ستأتى بالنتيجة التى تبغيها.

لتستدير و تطالع زائرها للحظة قبل أن تمسك بعقدها تلفه مرتان ثم تطرقع بأصابعها ثلاث مرات.. فلف زائرها هالة من النور قوية للغاية حتى أن (سيلين)وضعت يدها على عينيها كي تحميها، وما ان اختفى النور تماما حتى إستدارت ( سيلين )مرة أخرى، تنظر إلى البلورة السحرية تتابع ما يحدث بإهتمام.

كانت تارا تتجول فى الغابة القريبة من منزلها، تهرب كعادتها من عمتها (مهيرة)إلى الطبيعة.. تفضى بمكنون وجعها وتسكب أحزانها عند تلك البحيرة، ثم تعود بطاقة جديدة تكفيها لتحمل تلك العمة الشمطاء والتى منذ أن وطأت بقدمها تلك الضيعة وهي تتفنن فى إتعاس روحها التى لاتدرى أي ذنب إقترفته لتكرهها عمتها بتلك الصورة وتعاملها كخادمة فى منزلها هي، تتحمل فقط كل هذا لإن وصية أباها لم تذكرها بل ذكر فيها أن الأملاك يجب أن تؤول لعمتها بعد وفاته هو وزوجته، تتعجب من ذلك ولكن مابيدها حيلة فقد آل كل شيئ ل (مهيرة)وقضي الأمر.

كان من الممكن أن تبتعد، ترحل فحسب..  ولكنها أصرت أن تتحمل من أجل أن تحافظ على مزرعة أباها دون أن تطالها يد الإهمال ثم تباع فى نهاية الأمر، ومن أجل تلك الخادمة العجوز أيضا والتى إن رحلت ستصرفها بدورها وتبحث عن خادمة شابة تخدمها.

تنهدت بحزن قبل أن تعقد حاجبيها وهي تسمع أنين مكتوم، تتبعت هذا الأنين حتى توقفت فى صدمة وهي ترى عصفور جميل مصاب وملقى على الأرض، أسرعت تحمله بين يديها الصغيرتين، تتفحص جرحه بحرص، وماإن نظرت إلى عينيه حتى شعرت بقلبها ينتفض بين أضلعها، تشعر برابطة قوية تجمعها بهذا الصغير لذا يجب عليها إنقاذه ومداواة جرحه ليصبح رفيقها، ربما إلى الأبد، مررت يدها على جناحه السليم قائلة بحنان:
-لا تحزن ياصغيري، سأداويك وربما أجعلك صديقي، مارأيك؟

للحظة شعرت بأن عيون ذلك العصفور تحاكيها، وكأنه غاضب منها أو ينفر حتى من اهتمامها ولكنها نفضت هذا الشعور عنها، ترجعه لإرهاقها، لتحمل الصغير فى سلتها وهي تسرع بخطواتها إلى المنزل، كي تداويه.. ربما إتخذته حقا صديقا لها يخفف عنها أحزانها، إن سمح لها، ينتابها شعور غريب بالإرتباط بهذا المخلوق الصغير وكأنه خلق فقط من أجلها.. لتبتسم وهي تضرب على رأسها بخفة، تدرك أن وحدتها على وشك إصابتها بالجنون.

بينما هناك من علا ثغرها إبتسامة راضية وهي ترى كل ماحدث على بلورتها السحرية.

إبتسمت (تارا)بسعادة وقد إستطاعت أخيرا أن تقنع العصفور بأن يأكل من بين يديها، لقد أرهقها حقا فى اليومين الماضيين، لم يتقبل منها ماء أو طعام، بل عالجت جرحه بصعوبة، ولكنها شعرت به يلين اليوم بعد أن أحرجتها عمتها أمام ضيوفها فلم تبكى أمامهم ولكن بعد إنصراف الجميع بكت بحرقة أمام العصفور وأخبرته بمكنون قلبها الحزين، لترى عيونه التى شعرت بتعاطفهما، تقسم أن الحزن قد تسلل إليهما، ليلين بعدها ويقبل ماتمنحه إياه من طعام وشراب.. لتبتسم قائلة:
-الآن فقط قبلت أن تكون رفيقي.. أليس كذلك ياعصفوري؟

غرد العصفور ليغرد قلبها معه، توقن أنها منذ الآن لم تعد وحيدة... لم تعد وحيدة أبدا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة