قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل السادس

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل السادس

نوفيلا ترنيمة غرام للكاتبة زينب محمد الفصل السادس

دلفت لشقتهم بوجه مريح، وابتسامة هادئة ترتسم فوق ثغرها، وضعت الصغيرة بفراشها بهدوء، ثم انتقلت صوب الشرفة تستكمل باقي الراحة التي تبحث عنها لأيام منذ مجيئهم هنا..
جلست فوق المقعد تنظر للبحر و أمواجه الهادئة، وتلك النسمة الباردة تداعب وجهها في لطف، تنهيدة ناعمة خرجت من جوفها، قررت خلع حجابها لتشعر بحريتها الكاملة، أغلقت عيناها وأرجعت رأسها للوراء تُفكر فيما حدث اليوم...
وحضرتك بتكرهني ولا بتحبني؟!

تعلقت أنظارها به تنتظر أجابته بقلب يدق بعنف وعقل ينتفض بخوف من أجابة قد تزهق روحها مجددًا وتهوى مجددًا من سابع سماء، لترتطم بأحقاد الماضي وذكرياته المؤلمة..
راقبته بعيونها بشغف رهيب لم ينتابها من قبل، جلس فوق أقرب مقعد يرمقها بنظرات غامضة..
ليه عملتي كده انهارده، إيه قصدك تحاولي تصلحي العلاقة ما بينا؟!.

صمتت لبرهة، تحدج به بقوة، لما يحاول الهرب من سؤالها، ابتلعت ريقها وهي تجيبه بثبات رغم انتفاضة قلبها وكأنها تُقبل على امتحان صعب..
رغم أن دي مش إجابة سؤالي، بس هاجاوبك وأنت بعدها تجاوبني، أنا عملت كده علشان عارفة عصبية مالك، وعارفة أن ممكن في عصبيته ممكن يخسرك، وأنا محبتش يخسرك زي ما أنا خسرتك، رغم إن أنا ماليش علاقة باللي حصل زمان..

ابتسم ساخرًا ليقول بنبرة قوية تحمل بين طياتها الحقد: أزاي بقى، أنتي مش بنته، مش بنت اللي حرمني زمان من الإنسانة اللي بحبها، وعاش حياته، كسرني وكسرها ودمر حياتها..
هتفت بحزن: ومات، أي كان أسبابه هو مات، أنا ذنبي إيه، ليه تأذوني بالشكل ده!.
ومين أذاكي!، مش ابوكي، مش هو اللي عمل فيكي كده، وبعدين تقدري تقوليلي أنا أذيتك في إيه، ولا عايشة على أوهام ابوكي ورأفت...

اقتربت منه لتقول بنبرة باكية: بنظراتك ليا، بتجاهلك ليا، بمعاملتك ليهم وأنا نظراتك ليا كلها كره، عايز توصلي بأي طريقة أنك بتكرهني...
نهض من مكانة قائلًا ببرود: واديكي عرفتي أجابة سؤالك...
همست بنبرة باكية وهي تراقب خروجه: بتكرهني!

وقبل أن يغادر، التفت لها يرمقها في صمت طويل، تسابقت الكلمات بداخله كحال مشاعره، ولأول مرة يطلق العنان لمشاعره حتى تخرج من جوفه عن طريق كلمات قليلة ولكن ستكون لها أثر نفسي كبير في قلب الطرف الآخر..
بس بدأت افتح قلبي ليكي..
ألقى بكلماته دفعة واحدة، ثم غادر المكان بسرعة، قبل أن يعود ويهدم ما قاله بسبب ذلك الصراع الذي نشب ما بين القلب والعقل..

عادت من شرودها الذي غرقت به لأول مرة وهي سعيدة، انتبهت لجسد مالك الواقف أمامها يستند بمرفقيه فوق سور الشرفة...
نظفت حلقها قائلة بهدوء: أنت هنا!
استدار بوجهه لها هاتفًا بتهكم: آه هنا، لدرجة دي مش واخدة بالك!، إيه وجودي بقى زي عدمه..
رفعت أحد حاجبيها بتعجب من طريقته، يعاملها بجفاء وكأنها من جرحته!
تمتمت بحديث خافت: أنا أقوم أحسن علشان متخنقش معاه..
ارتفع صوته بضيق بالغ: وكمان مش همك زعلي..

تراجعت بخطواتها نحوه تنهره بضيق مماثل ولكن بصوت خافت حتى لا يكونوا حديث الساعة أو مضغة في افواهم: لو سمحت يا مالك وطي صوتك عيب كده..
دلفت الحجرة بعدما انتهت من حديثها، أما هو فلم يتراجع لو للحظة عن غضبه، دلف خلفها وتحول وجهه للون الغسق: ندى، أنتي بتكلميني أزاي كده، على فكرة أنا ليا احترامي..
احتلت الدهشة مكانًا بارزًا من وجهها: بكلمك أزاي، وليه أصلًا بتتكلم معايا بالهمجية دي!

احتشد الغضب في صوته قائلًا: أنا همجي!
تبددت جرأتها لتقول بنبرة حاولت أن تكون هادئة وتخفي خلفها ذعرها: أنا أقصد الطريقة، شوف بتحول كلامي أزاي!
توهج وجهه كشعلة نار، تسابقت الكلمات البذيئة بداخله ولو كان شخصًا أخر أمامه سيمطره بوابل من الشتائم الحصرية..

جذب متعلقاته بسرعة ثم خرج من الشقة دون أن يتفوه بأي كلمة، ركضت بسرعتها نحو الشرفة تبحث بعيناها عنه، لم تراه، انتقلت بسرعة نحو النافذة في الاتجاه الآخر وجدته يستقل سيارته وفر هاربًا من شجار لو استمر به سيحزنها طيلة حياتهم...

أنا قولتلك، قولتلك يا هبلة أنا عارفة حركات البنات دي، شوفي بقي نتيجة أفعالك وتلاقيه دلوقتي هايخطبها...
تقلصت ملامحها بغضب عقب حديث مريم، تخيلت خطبة مازن وشاهي، شعرت بدقات قلبها العنيفة حتمًا وقتها ستكون ذابلة كزهرة فارقت غصنها، وفي ثواني هاجر الغضب وجهها وزراها الخوف لتقول: طيب أعمل إيه يا مريم، ماشي اتنيلت وفكرت كده، أعمل إيه!

أشارت نحو هاتفها قائلة بأمر: فورًا تتصلي به تقوليله أنا شفتك انهارده في إسكندرية، وشوفي بقى هايكذب ويخبي زي ما هي خبت ولا هايصارحك...
هتفت بنبرة مهزوزة: طيب وافرض مردش أصلًا، ده بقاله كتير بيحاول يوصلي وأنا حاطة رقمه في البلاك لست..
شهقة صدرت من مريم من غباء الاخرى لتقول: يا غبية هو كان عملك إيه علشان تعملي كده..
زفرت بضيق: الله، ما هو كان بيضغط عليا باتصالاته ففكرت أن اعمل كده علشان أفكر بهدوء..

هدوء ما يخدك انتي هاتشليني، تصدقي كنت بقول عليكي زكية بس طلعتي أهبل مني، بصي بقى لو رد عليكي هيبقى لسبيبن هو انه يعرفك بطريقة ما انه حب غيرك، ياما انه لسه فعلًا بيحبك، يالا اتصلي خلينا نشوف هايعمل ايه!
بالفعل اتصلت ليله بقلب يرتجف بخوف من حقيقة انه بالفعل احب غيرها، بعد دقيقة اتاها صوته: خير..
ابتلعت ليله ريقها قائلة: ايه ده في حد يرد كده!
أصل مستغرب اتصالك، خير في حاجة؟!

تجمعت الدموع في مقلتيها من طريقته الجافة، ولكن حثتها مريم على الاستمرار، فخرج صوتها مرتعشًا: يعني لو مضايق اقفل، او معطلاك..
اسطردت حديثها سريعًا قبل ان يجيبها: مع ان شوفتك انهارده في اسكندرية!
اممم بجد، آه جاي اجازة، انتي جاية اجازة بردوا...

كان يقصد ان يرسل لها اجابة مبطنة الا وهي، انا لم أعد اهتم بكِ، وبالفعل وصلت لها، فهبطت الدموع من مقلتيها بقهر: آه، طيب الحمد لله ان اطمنت عليك، وربنا يوفقك في حياتك الجديدة..
ضحك قاصدًا اغاظتها: ايه ده عرفتي اني خلاص قررت ادور على مستقبلي وعلى انسانة بتحبني بجد مش حب مراهقين وكده!

ابتعدت مريم بسرعة تنظر بصدمة لليله بعدما كانت تضع اذنها بجانب هاتف ليله تسترق السمع بصعوبة، وضعت الاخرى يدها بحزن فوق فمها تمنع شهقاتها من الخروج للعلن، لم تستطع استكمال محادثته فاغلقت الاتصال بوجهه مغلقة الهاتف باكمله، حولت بصرها نحو مريم قائلة ببكاء: شوفتي هايخطبها..
حاولت مريم تهدئتها هاتفة بنبرة حانية: ليله متزعليش نفسك، هو أكيد فهم انك مش عاوزاة، فقال احافظ شوية على كرامتي..

قصدت مريم أن تخبرها بأنها من بدأت وعليها تحمل نتيجة أفعالها...
ابتسمت ليله ساخرة: ده مفكرش أنه يحاول معايا كمان مرة، وما صدق يخطب صاحبتي علشان يوجعني..
قطبت مريم ما بين حاجبيها قائلة: يحاول كمان مرة ليه؟!، هو الإنسان عنده كام كرامة؟!.
رمقتها ليله بضيق: قصدك إيه؟!

إجابتها مريم بهدوء: قصدي أنه حاول كتير وكل إنسان له طاقة، وهو طاقته نفذت، مش كل الرجالة زي فارس ولا طاقة تحمله لجنون يارا، انتي مش يارا وهو مش فارس، كل اتنين وليهم طبيعة افكارهم وطبيعة علاقتهم، اعتقد انك لما شفتي فارس واصراره على انه يرتبط بيارا فكرتي ان مازن هيعمل كدا ويصمم نفس تصميمه، بس لأ مفيش حد زي حد، ودلوقتي خلاص يا حبيبتي طريقكم اختلف، يالا هاقوم أنام وأنتي قومي نامي لغاية ما أفكر كويس في الموضوع ده..

تركتها مريم وحدها، وبقيت ليله كقارعة طريق مهجور، تفكر في أفعالها سابقًا وتندب حظها حَالِيًّا..

وصلت إلى شقتهم في الدور الأرضي، وذهنها لا يهدأ من التفكير في حكاية ليلة، شردت قليلًا، ماذا لو سمحت لتلك الريتا بتدمير حياتها لكانت الآن تبكي قهرًا على حب استوطن القلب وجعله تحت رحمة عشق أبدي، وقبل أن تمد يدها لتفتح الباب كانت تندفع بقوة رهيبة نحو زاوية ما في مدخل البناية، كتمت أنفاسها وهي تندفع بتلك القوة، فتحت عينيها وجدت عمرو يقف أمامها مبتسمًا بسعادة: وحشتيني.

كادت أن تبتسم ولكن تلك النظرات الوقحة التي قرأتها بوضوح جعلتها تتراجع أو تحاول جاهدة أن ترسم الجدية فوق قسمات وجهها الجميل: إيه ده يا عمرو، عيب كده..
رفع أحد حاجبيه معترضًا: عيب، هو أنا أعرف العيب بردوا..
حاولت أن تدفعه بعيدًا عنها قائلة: عمرو لو حد جه واحنا كده هايقولوا عننا إيه.
اتسعت ابتسامته ليقول بنبرة خافتة: واحد ومراته، وبعدين كله نايم دلوقتي، سيبني بقى أعاقبك على اللي أنتي عملتيه...

تحولت ملامح وجهها بسرعة تردف بهجوم: تعاقبني، انا اللي مفروض أعاقبك على اللي أنت عملته.
اقترب منها أكثر وهتف بعبث: طيب آوك عاقبيني.
ضحكت على وقاحته قائلة: ياربي منك، معرفش أخد موقف منك كده أبدًا.
وتاخدي ليه يا نكدية، أنا اتنيلت وخلعت منها علشان خاطر عيون الجميل...
حاوطت رقبته في غنج: طبعًا لازم تعمل كده، يا نهارك يا عمرو لو كنت جبتها معانا كنت زقيتك في البحر وغرقتك...

نظر في عينيها مباشرةً ليقول بحب: طيب ما أنا غريق فعلاً ومحدش عارف ينقذني...
احمرت وجنتيها خجلًا قائلة: احم ويا ترى غارق في حبي بقى!
لا غارق في عينيكي...
وضعت يدها فوق وجنتها تتحسسهم بخجل: ياربي على كلامك يا عمرو...
لثم وجنتها بقبلات متفرقة ومن بينهم هتف: إيه بيغرقك معايا..

انتفضوا برعب عندما استمعا لصوت شيء ثقيل يقع أرضًا خارج البناية، دفعت عمرو عنها وركضت بسرعة نحو شقتهم تختبئ منها، ظَاهِرِيًا تختبئ من أي حرج قد يتسبب لها ما أن رأها أحدهم بهذا الشكل مع عمرو، وَدَاخِلِيًا هي تختبئ من فرط خجلها، تختبئ من نظراته التي كادت أن تلتهمها بنهم، تختبئ من أنفاسه الحارة وقبلاته الرقيقة، اختبأت من قلب تستمع لدقاته كلما اقتربت منه، لتدرك كم كانت بلهاء عندما شعرت بالشك لو للحظات منه، هذا العاشق لا يعرف معنى أو طريق الخيانة، هذا العاشق يعزف ببراعة بحبه فوق أوتار قلبها المسكين، فتصدر عنه ترنيمة غرام لا مثيل لها.

خرج عمرو خارج البناية يبحث عن مصدر الصوت فوجد مالك يقف بأحد الأماكن المظلمة، وأمامه كرسي ملقى أرضًا، رمقه عمرو بعد فهم قائلًا: انت واقف كده ليه ياعم!
جز مالك فوق أسنانه مردفًا: مستني البعيد يفهم ويخلص وصلة الغزل دي..
ارتبك عمرو قليلاً: ايه وصلة غزل ايه وبتاع ايه، انا كنت مشغل فيلم جوه بتفرج عليه..

أخيرًا عرفت البسمة طريقها بعد يوم ملئ بالمشاكل والضغوطات: صح والدبلجة كانت صوتك أنت ومريم، أنت غبي ياله ولا مالك في إيه، أوعى من وشي!.

لم يستطع الرد وكما يقال في هذة المواقف المحرجة قطة أكلت لسانه، مر مالك بجانبه وقبل أن يدلف للبناية أردف بتحذير لاذع: اللي حصل ده ميتكررش حتى لو هي مرآتك، افرض أبوها كان طلع وشافك، كان نيلها فوق دماغنا وأنا وربنا ما ناقص مشاكل وقرف، استنا ياخويا لما تبقى تتجوزها بجد..
تحدث عمرو بخجل بعدما اكتشف أخاه أمره: طب كلم شريف بقى، أنا كل ما أجاي اكلمه يأجل وعامل موضوع ريتا حجة، واهي سافرت انهارده.

لما نروح من الرحلة النكد دي، هاكلمه، تصبح على خير..
صعد مالك نحو شقته وتبقى عمرو وحده ينظر في أثره بتعجب!

تقلبت في الفراش يمنِيًا ويسارًا بخوف وقلق، لأول مرة يتركها بهذا الشكل ويخرج غاضبًا، زفرت بحنق من كل شيء، حتى الراحة التي بدأت تشعر بها، تبددت بسبب غضب مالك!، ، فكرت كثيرًا في سبب غضبه، لم تجد مبررًا واضحًا له، هي من لها الحق في الغضب، هو من أسمعها كلمات لاذعة جرحتها، ليس من طباعه أن يغضب هكذا، لما تغير هكذا فجأة، قضت الليل بأكمله تفكر فيه، حتى استمعت لصوت فتح باب الشقة، أغلقت عيناها بسرعة وتظاهرت بالنوم وداخلها يتراقص متوترًا من حركة مالك القريبة، شعرت به يرقد في الطرف الآخر من الفراش وتجنبها، تفاقم شعور بالغضب والحزن بداخلها منه وعليه!

قررت أن تنهي تلك الغمة بقليل من الحكمة..
التفت بجسدها ثم اقتربت صوبه، التصقت تقريبًا به، نظرت من فوقه على ملامح وجهه رأته يغلق عيناه وأنفاسه ليست منتظمة، أحيانًا تعلو للمسة يدها فوق يده، وأحيانا تختفي تمامًا كلما اقتربت بوجهها منه، مازالت تأثر به، شعور بالفخر يزداد لديها كلما أحست أنها تسيطر وبشكل قوي على ذلك القلب!

قررت أن تلاعبه بتروي وهدوء، زفرت برفق بجانب وجهه، فداعبت أنفاسها بشرته، تشنج جسده وهاجمته ذبذبات هزت كيانه بالكامل!
كتمت ضحكتها بصعوبة وخرج صوتها مبهجًا: فتح عيونك وقول أنا آسف وأنا هاسامحك.
استجاب لها بالفعل ولكن لنقل في الجزء الأول فقط، خرج صوته متهكمًا: نعم!، مين اللي يقول أسف!

صمتت لبرهة، ثم قالت بعدها بمكر أنثوي: أنا وأنت، أنت غلطت فيا لما قولتلي كلامك اللي جرحني الصبح، وأنا غلطت فيك لما سبتك زعلان ومتكلمتش معاك، بس أنا سبتك لسبب أن قلبي زعلان منك!
اعتدل في جلسته، وأصبح مقابلًا لها مردفًا بضيق بالغ: أنت المفروض تعذريني أنا كنت هاموت من خوفي على ندى، وهو بيرد ببرود، محسش بناري، وأنتي كل اللي شاغل بالك هو وزعله، حتى أنا مهمكيش أنا و زعلي!.

حشرت نفسها بأحضانه قائلة: انت أزاي ممكن تتخيل للحظة ان في حد أغلى منك أنت وندى، انتوا حياتي كلها، وعلشان أنت حياتي خوفت وانت في عز غضبك تدمر حياتك، أنا ضهرك ومرايتك ودايمًا معاك وده واجبي ناحيتك..
شدد عليها بيده قائلًا بحب: هو أنتي هاتفضلي لغاية أمتى تخطفيني بكلامك ده!
رفعت وجهها تهتف بدلال لا يليق إلا بها: لغاية آخر نفس فيااا..
طبع قبلة حانية فوق جبهتها: حبيبتي، ربنا يخليكي ليااا.

رددت خلفه بنبرة يتخللها راحة وحب: يارب..
اكملت حديثها سريعًا تخبره ما حدث اليوم مع خالها، لمح تلك اللمعة بعينها وتلك السعادة التي تخللت نبرتها، فجعلت من غيرته تزداد حدة، قطعها بنبرة غاضبة لم يستطع السيطرة عليها: خلاص بقى هانقضي الليلة كلها نحكي عليه!، أنا زعلان ومحتاج تصالحيني بزمه..
ضيقت عيناها تسأله بمكر: مالك أنت بتغير عليا منه!
أشار على نفسه مُستهجنً حديثها: أنا لا استحالة!

كررت حديثها بنبرة أشد لؤم: مالك!
ضحك ضحكات متقطعة ليقول: هو أنا أهبل يا حبيبتي استحالة...
مالك!
التفت بوجهه نحوها هاتفًا بغيظ: آه واسكتي علشان حساس إن أنا أهبل!

انتباها حالة من الضحك لم تستطع السيطرة عليها، مد أنامله وداعب خصرها في مرح، فازدادت في نوبتها تلك، حاولت التخلص من قبضته ولكن لا فائدة، قيدها بيده مثلما قيد قلبها، أخيرًا انتهت من مرحها بعدما جذبها نحوه يلتصق بها بقوة هاتفً بخفوت: بحبك آوي متزعليش مني، بصي هو أنا هاغير من أي حد يخدك مني وأحس أن قلبك فرحان من غير ما أكون أنا سبب في ده!

ورغم خفوت نبرته إلا أنها وصلت بما تحمله من مشاعر فياضة لأعماق قلبها، فثارت تلك العاصفة التي اقتلعت حزنها منه وعادت تلك الزهور تتورد مجددًا في قلبها ليعود من جديد ينبض بعنف أثناء اقترابه، لم تعقب بل اكتفت بالنظر لعيناه و وحدها لغة العيون كفيلة بالبوح بما تخبئه القلوب، تشابكت نظراتهم في حديث طويل انتهت بقبلات من كلا الطرفين وكأنهما كانا في صحراء وقلوبهم تحتاج أن ترتوي من جديد...

جلست بالقرب منه تنظر له بتفكير وتحاول إيجاد كلمات مناسبة حتى تُلقي ما في جبعتها دفعة واحدة...
فارس هو أنا لو حامل مثلًا أنت...
لم تُكمل حديثها وبصق المياه التي كان يتجرعها دفعة واحدة، شاهقًا بقوة وتحول وجهه إلى اللون الأحمر...
احم، بتقولي إيه عيدي كده...
احتدت ملامح وجهها وكأنها ستدخل حربًا توا: في إيه يا فارس هو أنت كاره أبقى حامل منك!

مسح فمه بمنديل قائلًا بخشونة: ده على أساس أنس اللي جوا ظروفه إيه متبنيه!
ترقرقت الدموع بعيناها قائلة بصوت مرتعش: أهو شوف أنت عملت إيه!
سألها متوجسًا: أنتي حامل يعني؟!
صمتت لبرهة تمسح تلك العبرة الساخنة التي سقطت فوق وجنتها لتقول بعدها: لا.
لكزها في كتفها قائلًا بفرحة عارمة: طيب ياستي خوفتينا ليه..

رمقته بضيق وحزن في آن واحد والتزمت الصمت ثم تابعت التلفاز بعيناها، قرصها من وجنتها مستكملًا حديثه بمزاح: أنتي اتقمصتي يا مجنونتي!.
رفعت انفها لتقول بكبرياء: وأتقمص ليه، دي حرية شخصية، أنت لو بتحبني هاتحبني أجبلك بيبي!.

مسد فوق شعرها بحنان ثم أردف موضحًا حديثه أكثر: يارا، أنتي عارفة كويس أنا بحبك قد إيه، بس حبيبتي من وقت ما جبنا أنس وأنا حساس أننا بنجري في تراك طويل، لو جبنا بيبي تاني نفسي هايتقطع يا حبيبي، سبيني أخد هدنة مع نفسي وأحاول استوعب أني ممكن أجيب عيل زنان تاني زي انس، واهو فرصة يكون أنس بطل زن، ونستقبل ليڤل أعلى في الزن يا حبيبتي..
حولت بصرها نحوه ترمقه بغيظ قائلة: براحتك، تصبح على خير..

نهضت ثم دلفت الغرفة تفرغ شحنة ملئت صدرها فجأة من البكاء، أما هو فنظر لأثرها متمتمًا بضيق: ياربي هو أنا لحقت أصالحها، علشان ادخل في خناقه جديدة!

استمع لحديث والدته وأخته باهتمام واضح متظاهرًا العبث بهاتفه..
معقولة واحدة في جمالها مبيجيش ليها عرسان..
هزت ماجي كتفيها بلامبالاة: أنا أعرف يا ماما، شريف بيقولي عايشة على ذكرى جوزها..
هتفت والدتها بفضول: ومقالكيش هي مخلفتش ليه!
اجابتها بخفوت: العيب كان من جوزها، وبلاش نجيب في سيرة الناس علشان دي حرمة ميتين!
انفجرت أسارير والدتها ولكن حاولت أن تخبئ فرحتها قائلة: يالا ربنا يرزقها بابن الحلال!.

رددت ماجي خلفها وهي تنهض: يارب، هاقوم أنام بقى..
انتظرت والدتها دخول ماجي وقالت لأحمد بلؤم: وأنت إيه رأيك في الكلام ده يا أحمد!
رفع وجهه قائلًا بتهكم: وأنا مالي!
وأنت مالك أزاي، ما أنت سامع كلامنا كله..
نهض أحمد قائلًا ببرود كعادته عندما يحاول الهرب من أي حديث أو مأزق: أنا هاقوم أنام تصبحي على خير!

هرب كعادته راكضًا خلف سراب من الماضي، وذكريات مؤلمة حتى لو كانت ذبلت روحه بسببها وجعلت منها أرض جدباء لا فائدة منها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة