قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

مرت كعادتها على بيت سيادة المستشار و احضرت له ما لذ و طاب كما عودته لتذهب ما تبقى من حملها للسوق كعادتها تبيعه و تندفع عائدة لدارها..
توجهت حيث موقف السيارات الأجرة التي تقلها كعادتها لتدفع نفسها بداخل احداها و ما ان همت السيارة بالتحرك حتى صدمها
ما رأت جعل الدم يتجمد في عروقها لثوان
هل هذه نادية ابنتها و هل هذا حسام بن سيادة المستشار..!؟، انها لا تكاد تصدق.

صرخت في السائق ليتوقف و اندفعت خارجة من صندوق السيارة الخلفى..
تدارت قدر استطاعتها حتى لا يُفتضح امرها
و هي ترى ابنتها تركب احدى سيارات الأجرة و هو يودعها ملوحا..
دقائق كانت عنايات فيها تشبه التمثال بلا روح او حياة، تستعيد المشهد عدة مرات
امام ناظريها حتى تستوعب ما رأته..
عادت مرة أخرى لبيت المستشار تطرقه و هي تدرى ان سيادة المستشار قد غادر كما اخبرها صباحا و هي تجلب له ما اشتهى.

، هي تدرك تماما انه لا يوجد بالمنزل غير الباشمهندس حسام، و كانت على حق
فها هو يفتح الباب و ابتسامته التي تذكرها بأمه الطيبة تكلل محياه..
هتف في سعادة لمرأها: - خالة عنايات!، ازيك، بابا نزل للأسف و انا..
هتفت في حزم: - انا جابلت جنابه الصبح انى جاية ليك انت، يا واد الغالية..
زم ما بين حاجبيه مستفسراً لتهتف هي في نفس النبرة الحازمة: - ايه اللى بينك و بين بتى يا باشمهندس..!؟.

انتفض عند سؤالها المباغت الذى لم يتوقعه و لم يكن على استعداد لإجابته، هو بالفعل
على علاقة بنادية و يراها في الجامعة عندما يكون في إجازته هنا، لكن ابدا لم يتوقع ان تكتشف أمها الامر..
هتف متلجلجاً: - انا، انا بحبها يا خالة و..
ابتسمت عنايات على الرغم من النار التي تستعر بجنباتها هاتفة بتعجب: - بتحبها..!؟
، يا ولدى انت واعى لحالك و حالنا..

نظرت له مشرف عليها بهامته و هي ترفع رأسها لأعلى لتطاله لتستطرد و هي تشير اليه و اليها: - انت مش واعى انت وين، و احنا وين..!؟، فوج يا ولدى، لا انت بتحبها و لا هي كمان بتحبك..
هتف معترضاً: - لاااا، انا بحبها بجد و عارف انها..

هتفت عنايات تقاطعه بصرامة: - انى بجولك اللى فيها يا واد الغالية، لو بتحبها كنت صنتها، كنت جيت لأبوك الراجل المحترم و جلتله، انا رايد نادية بت عنايات في الحلال مش تروح من ورا ضهرى و ضهره و تجابلها، و هي كمان، محدش يعرفها كدى، دى بت جلبى يا باشمهندس و لو بتحب جلبى يدج جبل جلبها..

صمتت لثوان و لم يعقب هو بدوره لتستطرد هي بهدوء: - يا باشمهندس، فاتح سيادة المستشار ولو يجبل، ابجى انى أفكر، جَبل كِده، لا تشوفها و لا كنك تعرفها..
نهضت في عجالة تقذف قفتها فوق رأسها و تلف بردتها حول جسدها و تندفع راحلة
و قبل ان تهبط الدرج استدارت لحسام هاتفة: - اشوفك بخير يا واد الغالية..

و سابقت الريح لتصل لدارها و ما ان فُتحت بابه حتى دفعتها عنايات و دخلت تبحث عن نادية التي ما ان رأتها حتى جذبتها من يدها
دافعة أياها داخل حجرتها صارخة في اختيها بالا يقاطع حديثهما احد..
أغلقت الباب في ثورة و أدارت المفتاح في موضعه عدة مرات لتستدير لنادية التي كانت ترتجف كورقة جافة في مهب ريح خريفية عاتية..

تقدمت عنايات ببطء صوب ابنتها لتنقض على شعرها قابضة عليه بين أصابع كفها جاذبة أياه لترفع رأس ابنتها إجباريا لتتطلع لعينيها في توعد: - اياك تكذبى، فهمانى، ايه اللى بينك و بين بن المستشار..!؟.
هتفت نادية تحاول التملص من كف أمها: - بن مستشار مين..!؟، انا...
هتفت عنايات من جديد بغضب تتصاعد وتيرته: - بسألك للمرة التانية، ايه اللى بينك و بين الباشمهندس حسام..!؟.

هنا لم تعد نادية بقادرة على المواربة: - انا، انا بحبه، وهو..
قاطعتها أمها هاتفة في ثورة و هي تدفع رأس نادية و تحرره من بين أصابعها: - كدابة، كدابة يا بت جلبى، عمرك ما حبتيه، عارفة لو عشجتيه كنت عذرتك..
لكن انت حبيتى المال و الجاه، حبيتى منصبه و منصب ابوه، حبيتى الشجة و العربية، لكن هو ياجى فوج البيعة..
انفجرت نادية باكية و لم تعقب..
جلست عنايات على طرف الأريكة الخشبية.

و كأنما جسدها بناية تنهار لتهتف و هي تضرب فخديها بكفيها في حسرة: - واااه يا جلبى، و يا بت جلبى، عملت ايه امك الغلبانة عشان تعملى فيها كِده..!؟.
لانت نادية لبكاء أمها هاتفة في لوعة لمرأها بهذا الضعف الذى لم تعهده فيها: - خلاص، حجك عليا ياما، انا..

قاطعتها عنايات هاتفة في حزم وهى تمسح دمعاتها المتساقطة على وجنتيها: - انتِ معدش ليكى خروج من باب الدار، انتِ مكنش ليكى في العلام من أساسه، تخرجى ليه..!؟، عشان تجيبى العار لامك اللى شربت المر من كيعانها عشان تربيكِ و تخليكِ بنى أدمة ليكِ جيمة وسط الخلايج..
انتفضت نادية صارخة: - لااه ياما، احب على يدك، انا عايزة اكمل الچامعة، دول هم سنتين و اتخرچ، يرضيكِ يضيعوا عليّ، اهون عليكِ..!؟.

هتفت عنايات بحزم من خلف قلبها الذى يئن لأجل فلذة كبدها: - أه تهونى، كيف ما هانت عليكِ امك، و يكون في معلومك انا جابلت الباشمهندس حسام و جبت له من الاخر، لو جدر يجول لأبوه و يفاتحه في انه يتجدم لك، انا هوافج..
اندفعت نادية متعجبة: - بجد، هتوافجى ياما..!؟.
ابتسمت عنايات ابتسامة صفراء في وجه ابنتها هاتفة بسخرية: - مش لو جدر يكلم ابوه من الأساس.!؟، و لحد ما يجدر يا جلب امك، مفيش خروچ من الدار..

ألقت عنايات بفرمانها الواجب النفاذ و فتحت باب حجرتها و اندفعت خارجه تاركة نادية خلفها تبكى..

اليوم هو يوم تتويجها الاول، اليوم هو يوم نهاية مشوارها الاول، اليوم هو يوم حفل تخرج نادية، لم تكن تدري انه عندما تري ابنتها في روب تخرجها الاسود قد تبكي بهذا الشكل، لكنها بكت، بكت فرحة و سعادة من ان ابنتها الكبري و درة تاجها اصبحت رسميا الاستاذة، ذاك اللقب الذي دفعت فيه من سنين عمرها و شبابها..

انتشت عندما سمعت اسم ابنتها و هي تصعد تلقي التحية علي اساتذتها فقد كانت من الاوائل علي دفعتها، سماح وهدان، الاستاذة سماح وهدان، يا له من حلم تحقق اخيرا...
احتضنتها امها و اخواتها بعد انتهاء الحفل و فجأة سمعوا صوت رجولي يقطع عليهن فرحتهن بالقاء التحية: -السلام عليكم..
ازداد وجيب قلب سماح ما ان رأته امامها، من المؤكد انه هنا ليبارك لها تخرجها، ردت عنايات التحية: -و عليكم السلام..

سأل الدكتور جمال الواقف مشدوها و مضطربا علي عكس شخصيته الواثقة: - حضرتك والدة الانسة سماح مش كده..؟!
اجابت عنايات في فخر: -ايوه يا بني انا ام الاستاذة..
هتف الرجل: -الف مبروك التخرج و الانسة سماح مثال للادب و الاخلاق و ده يشجعني ان اطلب من حضرتك تسمحيلي اجي مع الوالد اشرب الشاي مع حضرتك...
ابتسمت عنايات في ثقة: - تشرفنا يا بني، بكرة بعد المغرب باذن الله...

ابتسم جمال في يعادة وهو يختلس النظرات لتلك التي ارقته طوال سنوات دراستها منذ ابصرها للمرة الاولي و قلبه تعلق بها وهو الذي نذر نفسه للعلم و التدريس..

هو بن ذاك العامل البسيط الذي استطاع بالكاد إلحاق ولده بالجامعة ليكون دوره حتي يتفوق و يصل لمنصب معيد في كليته استحقه و عن جدارة و نال الماجستير في فترة وجيزة و الان هو يحضر نفسه لنيل الدكتوراة، لكنه لم يستطع ان يصرف فكره عن تلك الطالبة المجتهدة و الخجول التي تأسره بنظراتها التي تحمل له الكثير من وعود الفرحة دون البوح بحرف واحد..

انتفضت سماح وهو يلقي التحية راحلا و يودعها بابتسامة اذهبت بتعقلها عندما هتف للمرة الثانية، مبروك، اي مبروك يقصد؟!، وهل ما طلبه من امها صحيح، و هي لا تتوهم..؟!، هل من الممكن ان تتحقق احلامها هكذا دفعة واحدة، بل و في يوم واحد..؟!، لطالما كنت له مشاعر دفينة حاولت ان توأدها في اعماق قلبها.

فهي ابنة عنايات التي يجب ان تتفوق و تتخرج لتزيح العبء عن امها، كان عليها ان تترك امور القلب جانبا و تنحي نداءات العشق لما وراء ظهرها حتي تنجز مهمتها علي اكمل وجه...
غابت في عالم اخر طوال عودتهن للدار حتي ابتدرتها امها بعد ان لحقت بها داخل
غرفتها: - بجي هو ده يا سماح؟!..
هتفت سماح في اضطراب: - هو ده مين ياما..؟!..

ابتسمت عنايات: -هو ده اللي مكنتيش بتذاكري غير مادته و لما سألتك جلتي ان مادته واعرة، تاري العشج هو اللي واعر يا بت جلبي..
هتفت سماح بتوتر: - عشج ايه و مسخرة ايه ياما، انا مليش في الحاچات دي...
انفجرت عنايات ضاحكة و تمنت لو تخبر ابنتها ان امها هذه و التي يرونها صلبة كالصخر امامهن كانت تذوب من مجرد نظرة عشق من ابيهن..

هتفت عنايات متخابثة: - يا استاذة، ده انا واعية لجلبك بيتنفض كيف الفروجة(الدجاجة) المدبوحة ساعة ما وعيتي له جاي ناحيتنا، جلبي رفرف ويا جالبك يا حبة عيني..
ربتت عنايات علي كتف ابنتها المضطربة هاتفة: - وماله، مش جاي في الحلال و عايزك علي سنة الله و رسوله، يبجي يشرف...
ابتسمت سماح وهي تلقي بنفسها بين ذراعي امها الحانيتين هامسة: -حبيبتي ياما ربنا يخليكي ليا..

قبلتها عنايات و انسحبت خارج الغرفة تقاوم دمعا مختلطا من فرحة و شجن.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة