قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

بكت وبكت خفية عن عيون بناتها بالرغم من علمها إنهن سمعن كلام عمهن لكنها ادعت عدم مبالاتها بالموضوع من الأساس.
وقفت امام صورة وهدان و شكت له ظلم الزمان و سوء الحال من بعده ..
كيف لها ان تقف في وجه الريح وهى بلا سلاح يقوى من عزيمتها و يمنحها القوة التي تحتاج ..
ان عم البنات تنصل من مساعدتهن و ضن عليهن بحقهن في مال إبيهن فكيف لها التصرف الان ..؟!!. و هي كل ما تملكه بعض من قروش قليلة تتقاضاها من حامد اخيها نظير إبقاءها على ميراثها من ابيها المتمثل في مجرد بضعة أمتار في تلك القراريط القليلة التي أورثهم أياها .. فهل كان لها ان تعترض .!؟
ففي عرف الصعيد .. البنات لا تُورث الأرض مهما حدث .. و لولا خوف حامد و خشيته من الله ما طالت تلك القروش الزهيدة التي يرسلها اليها من الأساس ..
لكن بماذا ستنفع تلك القروش أمام طلبات البنات و احتياجاتهمن .. !؟..
كاد اليأس يطال نفسها و يقبض على روحها المتمردة التي ما استطاع يوما ان يقهرها يأس .. لكنها ما ان نظرت لصورة قلبها المعلقة على الحائط متمثلة في حبيبها الراحل الا و قد استنهضت همتها هاتفة تنادى بناتها و اللائي لم يكذبن خبر
فأمتثلن جمعهن أمامها في لحظات ..
اجلستهن على تلك الأريكة الخشبية المنجدة و تنحنحت في حزم هاتفة :- انى عارفة إنكم سمعتوا كلامى مع عمكم من كام يوم .. صُح ..!؟..
أومأت الفتيات في إيجاب مؤكدين ..لتستطرد هي هاتفة :- طب دلوجت انا عايزة اسمعها منيكم .. ايه رأيكم ..!؟؟..
نظرت لبناتها تستشرف آراءهن و تحاول استقراء أدمغتهن و سبر أغوارهن ..
تطلعت الى بكريتها سماح ذات الخمسة عشر ربيعا و التي تحمل الكثير من روحها و بعض من ملامحها الصبوحة ..و من بعدها نادية التي تعد قطعة منها في جمالها ذات الثالثة عشر ربيعا .. و أخيرا اخر العنقود منى ..تلك المليحة ذات الاحدى عشر ربيعا ..
لم ترد إحداهن .. بل إلتزمن الصمت في وجل لا يعلمن ما يجب عليهن قوله.. لتستطرد هي بعد ان ادركت ان بناتها غاب عنهن مقصدها :- بصوا يا بنات .. انا بعد اللى جاله عمكم و سمعتوه مبجاليش الا حل واحد مفيش غيره .. بس انا لو عِملته هتساعدونى .. و لا لاااه ..!؟..
هتفت سماح مؤكدة :- هنساعدك طبعا ياما..
هتفت عنايات :- انا هجف جصاد الناس كلاتها عشان تكملوا تعليمكم و تبجوا حاچة كَيرة .. جصاد ده كلاته عيزاكم تعملوا اللى عليكم .. مش عايزة منيكم غير المذاكرة و النچاح هم دوول تمن تعبى ..
موافجين على كِده و لا في واحدة فيكم ليها شوج في حاچة تانية ..!؟..
قالت كلماتها و هي تنظر الى ابنتها نادية و التي كانت تعلم كأم انها اكثر بناتها جمالا لكنها أكثرهن تطلعا بالمقابل و ذاك ما كان يقلقها .. انتظرت حتى سمعت كل واحدة منهن تعلن موافقتها منفردة و على الرغم من ان نادية نطقت الموافقة رهبة لا رغبة لكن ما كانت عنايات لتدعها تُسير حياتها على هواها و الذى تعلم تماما أين يمكن ان يودى بها ... فهى منذ طفولتها المبكرة متمردة جامحة الفكر تتطلع الى الأعلى دوما
و كأنما تسابق الجميع لتطال يدها نجوم السماء ..
تنهدت عنايات و هي تبعد نظراتها المسلطة على ابنتها الوسطى و ترفعها باتجاه صورة ابيهم لتهتف في حزم :- انا خيرتكم اهاا جدام صورة أبوكم الغالى .. هو بعد ربنا شاهد عليكم و انا مش طالبة غير إنكم ترفعوا اسمه عالى .. ده كتير عليه ..!؟..
هتف الفتيات في صوت واحد :- لااه ..
زفرت عنايات و هي تجذب بناتها لتضمهن جميعا بين ذراعيها هامسة لهن بإصرار :- عايزة النچع كلاته يتحالف بأدب و بعلم بنات وهدان .. و بكرة بعلمكم تطولوا نچوم السما ..

كانت السماء لتوها تتلون بلون الصباح الخافت الخجول في تلك الساعة المبكرة
لتقف عنايات بكامل لباسها على باب دارها
تهتف في ابنتها الكبرى سماح :- جلى (ارفعى) يا سماح .. وسطنى الجُفة على راسى يا بتى ..
رفعت سماح تلك القفة المصنوعة من الخوص الذى اصابته الطراوة من كثرة الاستخدام و التي تحمل بها بعض من البيض و الجبن القريش والخبز الشمسي على رأس أمها التي كانت تتحضر للخروج من عتبة دارهن و هي تحكم لف بردتها السوداء على جسدها ..
هتفت سماح في أمها :- طب مش هتجوليلى رايحة فين بالجفة دى ياما ..!؟
اشارت عنايات لها بالدخول زاجرة أياها :- ادخلى دلوجت و خلى بالك من خواتك و الباب دى مينفتحش لمخلوج و لو كان مين .. سمعانى ..!؟..
أكدت سماح بإشارة من رأسها و هي تغلق باب دارهن بأحكام كما اوصتها أمها غير مدركة أين ستذهب أمها في تلك الساعة المبكرة من النهار والذى يتنهد في الأفق بلطف ناشرا أشاعته الدافئة ..
تنهدت عنايات براحة ما ان تأكدت ان ابنتها أغلقت الباب خلفها حتى أسرعت المسير نحو تلك المعدية التي تقلها للبر الاخر حيث تستقل احدى سيارات الأجرة
لتتوجه بها لأقرب سوق في تلك الناحية
لتجد لها مكانا متوسطا بين النسوة على ذاك الرصيف في قلب احد المراكز التابع له قريتها ..
وضعت قفتها و رفعت عنها غطاءها و بدأ المشترون في التوافد على ما تحمل من خيرات ..
ساعات و ساعات قضتها ما بين بيع و فصال حتى أنهكتها الشمس الحارقة و طول الجلوس تحتها حتى فرغت من بيعها و حمدت ربها و اندفعت عائدة بنفس الطريقة
المرهقة ذاتها .. لكن كان عزاءها الوحيد انها باعت بفضل الله كل ما كانت تحمله في جعبتها ..
ابتسمت و هي تتحسس الجنيهات التي تحملها في سعادة .. ليس لانها لا تملك المال .. لكن لانها و للمرة الأولى تستشعر طعم مالا من عرق جبينها و تعبها بالفعل ..
و اتسعت ابتسامتها عندما أكدت لنفسها انها قادرة على العناية ببناتها و توفير ما تستطع لهن من احتياجات .. أوَليست عنايات ..!؟؟.. دمعت عيناها عند ذاك الخاطر و هي تتذكر وهدان ..
لن تدع احد يكسرها او يجبر واحدة من بناتها على ما لا تريد ..
ستكمل كل واحدة منهن تعليمها حتى تستكفى .. ستصبح بناتها حديث قريتها و القرى المجاورة .. لن تدع اى من كان يعبث بأقدارهن فقط لأنهن خلقن فتيات ..
سارت تترنح تعبا وهى عائدة لدارها لكنها تشع فرحا و املا لانها استطاعت ان تؤمن لبناتها بعض من الجنيهات تكفيهن شر الحاجة و تسترهن ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة