قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

نوفيلا بنات عنايات للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

ضحكة خشنة لفتت انتباهها و هي تقف على اعتاب دارها جعلتها تجفل و تنتبه لمصدرها ليطالعها وجه محروس الجالب للنكد و الضيق..
استدارت لتدق باب دارها كأنها لم تره مما جعله يغلى غيظا لتجاهلها أياه ليندفع خلفها لداخل الدار ما ان دلفت..

وضعت حملها الذى كان يكلل رأسها و استدارت تواجهه هاتفة في حنق: - عايز ايه يا محروس، اللى انت عايزه خدته، بجى ايه تانى!؟، تبيعنا دارنا اللى اويانا و لا هدمتنا اللى سترانا ياخو المرحوم..!؟.

هتف محروس بغيظ: - بكفياكِ فضايح لحد كِده، الناس كلت وشى و انا سايب مرت اخوى تبيع كحريت (بيض)و چبنة في السووج عشان توكل بناتها..
انفجرت عنايات ضاحكة في تشفى: - بجى ده اللى چابك، و الله حسيس، طب رچع للبنات حجهم و انا مخرچاش من الدار..
همس معاتبا: - و ماله، عيونى للبنات و امهم، بس امهم تحن علىّ و تِجبل نتلم في دار واحدة و يبجى زيتنا في دجيجنا..

انتفضت عنايات مبتعدة عنه و هي لا تصدق ما تسمع، زوجها لم يمر على وفاته الا بضعة أشهر ليطلب منها الزواج به..
استجمعت شجاعتها و رباطة جأشها من جديد هاتفة في سخرية: - حد جالك ان انى ضمن الورثة اللى سابها المرحوم..!؟.
و يا ترى مرتك ست الحسن و الدلال تعرف بالحديت ده..!؟، و لا أبعت لها اللى يچيبها تحضرنا و اهو يا بخت من وفج راسين في الحلال..

اضطرب محروس عند ذكر عنايات لزوجته هنية المعروفة بتسلطها و جبروتها و ازدرد ريقه بصعوبة مما استرعى انتباه عنايات لتستطرد جزلة: - و لا انت عايز تتچوزنى في السر و تبجى داخل خارج علىّ انا و بناتى كِده..!؟، دِه حتى يبجى عيبة كَبِيرَة في حجك يا محروس أوعر من انك تتعير بمرت اخوك اللى بتبيع الجبنة و الكحريت، و لااا ايه يا أخو الغالى..!؟.
تهته محروس في حديثه: - انى، اصل كنت..

هتفت عنايات تقاطعه: - اصل كنت طمعان في الشروة على حالها، جلت المَرة اللى جالبة دماغنا دى نعملوا معاها ايه..!؟.
جلت أزغلل عنيها بالچواز و ساعتها ابجى انى و بناتى تحت طوعك و تحكم و تتأمر زى ما يعجبك و تريح دماغك من وجع الراس، مش كِده..!؟.
لانت نبرة صوته هامساً: - لااه، مش كِده يا عنايات، انا رايدك من زمان، ومشيفش في الحريم غيرك، انتِ ال..

هتفت عنايات مقاطعة أياه في حزم: - انت تاخد حالك و مع السلامة من هنا، و بيت الغالى دِه متعتبوش تانى برچلك، و كلمة زيادة يا محروس هلم عليك النچع كلاته و أفضحك اكتر ما انت مفضوح، جلت ايه..!؟.
انتفض مغيراً نبرة صوته لأخرى يملؤها الحقد و الغضب: - مااشى يا عنايات، ماااشى، بس مش محروس اللى تجدر عليه مَرة ناجصة..
هتفت في غضب هادر بغية رد حقها على كلماته الأخيرة: - المَرة الناجصة دى كنت.

هتحب (تُقبل )على يدها من دجيجتين عشان تجبل تتچوزك..
رفع كفه عاليا، و قد استفزه ردها النارى و هم بأن يلطم وجهها لولا صراخ ابنتها الصغرى منى التي دخلت في تلك اللحظة
ليتجمد كفه في منتصف الطريق لوجنة أمها
التي كانت تقف كتمثال حجرى لا دلالة على الحياة فيه الا تلك العيون التي تطلق منها نظرات كسهام من نار باتجاه محروس و كفه المرفوعة في مقابل وجهها..

ثوان مرت و الحال على ما هو عليه و أخيرا اندفع محروس مغادراً في ثورة صافقا باب دار أخيه الراحل خلفه و اندفعت منى تجاه أمها تلقى بنفسها في أحضانها تبكى..

اصبح بيعها رائجا و اصبح لها زبائن يأتون اليها هي لاغيرها من البائعات..
يفضلون بضاعتها وحلو حديثها و طيب معشرها حتى ان إحداهن كانت زوجة لمستشار في احد المحاكم دلتها على بيتها
و أصبحت تأتيها كل يوم سوق مبكرة..
تعطيها افضل ما لديها قبل ان تذهب بما تبقى من حملها لبيعه على الرصيف حيث تفترش بُردتها..
و اليوم لم يكن استثناءً فها هي تصعد البناية التي يوجد فيها شقة خيرية هانم.

زوجة عونى باشا المستشار لتطرق عدة طرقات على باب شقتهما في مثل تلك الساعة المبكرة..
فتحت خيرية هاتفة و هي تتثاءب: - صباح الخير يا عنايات، ازيك و ازى بناتك..!؟
هتفت عنايات و هي تفترش الأرض امام الباب: - بيحبوا على يدك يا ست، يسلم سؤالك..
جلست خيرية ذات الجسد الممتلئ على احد المقاعد المجاورة للباب هاتفة في فضول ناظرة تجاه قفة عنايات المغطاة: - هااا، جايبة لنا ايه من خيرات ربنا النهاردة..!؟

رفعت عنايات الغطاء عن بضاعتها هاتفة في فخر: - احلى چبنة و حكريت و كمان
في چبنة جديمة و فاطير مشلتت..
هتفت خيرية: - خلاص يا عنايات جريتى ريقى..
انفجرت عنايات ضاحكة و هي تهتف في مودة: - الف هنا وشفا علي اللى هياكل يا ست خيرية..
أخذت خيرية ما يكفى حاجتها من خيرات عنايات كما كان يدعوها سيادة المستشار
و رحلت لتبيع هي ما تبقى معها و تعود محملة بجنيهاتها لبناتها..
فكرت و فكرت وهى في طريقها لدارها و.

غلبها التفكير حتى لاحقها على فراشها
و اسهد ليلها، ان بضاعتها رائجة بالفعل
لكن لن يظل بيع بعض البيضات و قطع الجبن او الفطير مؤمن لحياة بناتها بما يكفى، عليها ان تفكر في الأفضل..
لكن كيف لها ذلك..!؟.
سماح انتقلت للمرحلة الثانوية و اختها نادية وصلت للصف الثانى الإعدادي و منى
هاهى أصبح في الشهادة الابتدائية..

ان البنات يكبرن و يحتجن للمال جانب الغذاء اللازم، فمنذ وفاة وهدان و المرات التي دخلت فيها اللحم الى الدار
لا تتعدى أصابع اليد الواحدة..
نهضت في تثاقل متوجهة للاريكة الخشبية
تزيل عنها وسائدها المتهالكة و مرتبتها المهترئة بعيدا و تخرج احد المفاتيح المعلقة بصدرها لتفتح ذاك القفل على باب
صغير يُفتح على باطن الأريكة و التي تحمل فيها كل ما هو غال و نفيس ليكون بعيداً عن الاعين او في متناول الايدى..

مدت كفها لتخرج ذاك الصندوق الذى فتحته بمفتاح اخر لينفرج عن كيس قماشى مصروم بحبل مشدود و ملفوف حول قمته
عدة مرات كمشنوق تدلى من حبل إعدامه..
فتحت الكيس و نفضت ما به داخل حجرها
و تطلعت الى قطع الذهب و التي تعتبر هي كل ما تملكه من حطام الدنيا، هي شبكتها
التي هداها لها وهدان يوم عقد قرانهما..

رفعت كل قطعة من القطع الثلاثة امام وجهها لتلمع عيونها بدمع الحنين لتلك الليالى الهانئة التي عاشتها في ظل زوجها الراحل..
تذكرت يوم ان اهداها إياهم هامساً في عشق: - و الله يا عنايات انا لو أطول اجيب لك الدنيا و ما فيها..
لترد هي في سعادة منتشية: - انت الدنيا و ما فيها يا وهدان، هعوز ايه تانى..!؟.

انحدرت دمعاتها قهراً، فها هي اخر ذكرى حية و ملموسة من حبيبها في سبيلها للاختفاء، و ما بيدها حيلة، كانت تتمنى
ان تهدى كل فتاة من بناتها قطعة من تلك القطع الذهبية الغالية على قلبها كهدية ليلة زفافها و كأنها هدية من ابيهن الذى لن يفرح برؤية كل منهن عروس..
ضمت القطع لصدرها متنهدة في قلة حيلة
و قد عزمت امرها لبيع القطع الثلاثة لتنفذ فكرتها و توسع على بناتها و بيتها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة