قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا برائحة الياسمين للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث

نوفيلا برائحة الياسمين للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث

نوفيلا برائحة الياسمين للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث

ذهب طارق إلى منزله بعد ذلك وهو يشعر بإرتياح نفسي، ف قرر أن يخبر أمه بذلك الموعد حتى تأتي معه في المرة القادمة.
وافقت والدته على الذهاب معه ولكنها تساءلت بفضول: قل لي يا طارق كم عمر هذه الفتاه؟.
أجابها طارق بثبات: خمس وثلاثون عاما يا أمي..
إتسعت عينيها بصدمة، ثم قالت بذهول: كم؟، هل جننت طارق، ستتزوج فتاة قاربت على الأربعون عاما!، هذه يطلقون علىها عانس يا إبني!

طارق باندهاش: ما هذا الكلام يا أمي وما العقبة في ذلك ليس لي بعمرها شأنا هي فتاة على خلق وهذا هو الذي يعنيني، وهي تتساوي معي بالعمر ولم تكبرني حتى تقولين ذلك.
إحتدت ملامح وجهها وهي تتابع بضيق: وماذا عن الأولاد؟، المرأة التي تقارب على الأربعون عاما تُصبح فرصتها في الإنجاب أقل، إذا لم تكن معدومة أصلا!
عقد طارق حاجباه وقال بإستغراب: ولكنها أعجبتني يا أمي وهذا أمر بيد الله ليس لنا أي دخل فيه..

- والله أعطانا عقل لنفكر به يا طارق، أنا أتمنى أن أري أطفالك حولي وأريد أن أصبح جدة وأريد لك أيضاً فتاة صغيرة وليست كبيرة في هذا السن أبدا، أنا أريد راحتك وسعادتك يا إبني وهذه الفتاة لن تسعدك أتركها وأنا سأختار لك فتاة أخري مناسبة لك..
ومع الأسف الشديد إقتنع طارق بكلام أمه ولكنه قال بضيق: ولكن أنا تقدمت رسميا وحددت موعد معهن يا أمي فكيف لي أن أقول الآن كل شيئا قد إنتهي..!

- طبيعي يحدث ذلك، إعتذر منهن وإنتهي الأمر يا طارق..

. إحتار قليلا وراودته الأفكار، من الممكن أن ينحرم من الأبوة فعلا! وتراوده أفكار أخري، لم أجد مثل ياسمين بعد ذلك ماذا أفعل..؟ هكذا راح يفكر طارق وبالأخير حسم الأمر وإتبع رأي والدته، وقرر أن يترك ياسمين ودعي الله بأن يرزقه الأفضل والأصغر سنا حتى يضمن أنها ستنجب له أطفالا..!

لم تعرف نهلة بماذا تبدأ حديثها مع ياسمين التي بالطبع ستنجرح وبشدة عقب إستماعها قرار طارق الجارح، إقتربت منها وقالت في توتر: ياسمين.
تركت ياسمين ما كانت تفعله، ثم نظرت لها وهي تقول بإبتسامة صافية: صباح الخير نهلة..
ردت نهلة قائلة بهدوء: صباح الخير، أريد أن أخبرك شيئاً، وأتمني أن لا أزعجك حبيبتي.
تسرب القلق إلى قلب ياسمين التي أردفت بشئ من القلق: خيرا يا نهلة، أخبريني أنا أسمعك!

إبتلعت نهلة ريقها، ثم تابعت بخفوت: ياسمين، طارق، قال لي شيئاً وهو أنه لن يقدر على الإرتباط بكِ ويتمني لكِ حياة أفضل مع شخصا آخر.
شعرت بوغزة في قلبها، ولكن..
أردفت في ثبات: حسنا، لا يوجد مشكلة ولكن أخبريني ما السبب؟ لقد كان يتمني أن أوافق وسٙعد مجرد أن علم بموافقتي فما سبب هذا التغير!
صمتت نهلة، لم تجد ما تقوله، أتقول لها أنه تركها ليبحث عن من تكون أقل عمرا لتكون فرصتها في الإنجاب أكثر؟.

طال صمتها فتابعت ياسمين بتصميم: أخبريني لماذا؟! أرجوكِ!
شعرت نهلة بالخجل والخزي منها فقررت أن تكون صريحة وتخبرها بالحقيقة المريرة..
في الحقيقة ياسمين، علم طارق من والدته أن تقدم عمرك يعطيكِ فرصة أقل في الإنجاب وأيضاً هي تريد له فتاة أصغر منكِ، هي تعترض على عمرك فقط ياسمين، رجاءا لا تحزني.

إزدردت ياسمين ريقها بمرارة، يا إلهي ما هذا الشعور المؤلم والمرير، شعرت بقلبها ينزف بصمت وعينيها تترقرق فيهما العبرات ولكنها تجاهد في حبسها لتكون صامده قدر المستطاع، كما تعودت دائما لا يهزها أي شئ وتمضي بثبات..!

بالفعل تابعت بثبات مُصطنع: حسنا، أسأل الله أن يعطيه ما يتمني، ربما معه حق، فمن حقه أن يضمن أنه سينجب، ولكنه لا يعلم الغيب فهذه الأمور بيد الله، قولي له أنني أيضا أتمني له حياة أفضل مع فتاة أخري.
أنهت حديثها ثم أخذت حقيبتها وهرولت من مقر عملها ودموعها لا تزال تحتجز داخل عينيها تأبي النزول، وتصطنع الصمود، ، فليس أمرًا هينًا علىها فإنهم يجرحون بل ويذبحون غيرهم دون أي شعور!

لتمر الأيام، حٙزنت فيها ياسمين، ولأول مرة تشعر بجرح ينزف داخل قلبها، ربما صُدمت، وربما وجدت معه حق..
هكذا كان عقلها تراوده الأفكار، عينيها تتلألأنِ بالعبرات، و قاربت على اليأس الذي لم تشعر به يوما، أنه شعورا مؤلما حين يرفضك أحد لسبب ليس لك ذنب فيه، لسبب في يد الله، شعور مؤلم حين يحكم علىك الآخرين أنك لن تصلح للحياة...!

طرقت فردوس باب الغرفة، ثم ولجت إلى الداخل وجلست إلى جوار إبنتها، ثم قالت بهدوء حزين: وماذا بعد يا ياسمين؟ ستظلين هكذا؟ أنتِ لم تفعلىن ذلك من قبل دائما تلقين كُل شئ وراء ظهرك، أنا لا أريد أن أراكي هكذا، أريد أنا أراكي قوية كما تعودت دائما..
مسحت ياسمين دموعها عن وجنتيها بأناملها بينما تحدثت بصوتٍ خافت:
أنا لم أحزن علىه، أنه لا يفرق معي، ولكنه جرحني دون أن يشعر..

أومأت فردوس برأسها وتابعت بتفهم: أعلم، ولكن لابد أن تنسي وتُكملين حياتك كما كنتِ سيعوضك الله ويعطيكِ ما تمنيتي حبيبتي!
ياسمين بيأس: لا أريد أي شيء، أريد أن يبتعد عني الجميع وسأكون بخير، فالبعد عن البشر غنيمة وراحة أيضًا، لقد جُرحت كثيرًا ومازلت صامدة ولكني لم أعد أتحمل أكثر من ذلك يا أمي!

تنهدت فردوس وأردفت: أصابعك غير بعضها يا ياسمين، هذا حال البشر، ويوجد أيضا أناس طيبون ستتقابلي ذات يوم مع ذاك الطيب الذي إنتظرتيه طويلا، هل أنا التي سأعلمك ما تعلمينه أنتِ جيدا! لقد كُنت أقول لكِ كل يوم أنني أريد أن أفرح بكِ وكُنتِ تقولِ لي عندما يشاء الله، وأجدك قوية لم تهتزي لسخافات الناس، والآن أجدك إهتزيتي بسخافتهم وهذا يؤلمني لأنني تعودت دائماً أن أري إبنتي قوية وصامدة فهل ستثبتين لي أن هذه القوة مازالت داخلك؟

أطلقت ياسمين تنهيدة طويلة، ثم أومأت برأسها وقالت بإبتسامة صافية: نعم، سأثبت لكِ يا أمي، ولن أسمح لأحد أن يجعلني ضعيفة أو يستهون بي، سأظل صامدة مهما حدث لي!
عانقتها فردوس وهي تربت على ظهرها بحنو، بينما قالت بحنان: بارك الله فيكِ ياسمين، ثم تابعت بمرح: هيا إنهضي لنتناول الغداء معا قبل أن تقضي علىه يمنى...
ضحكت ياسمين بهدوء ونهضت مع والدتها، وإتجهتا الإثنان إلى خارج الغرفة...

ذهبت ياسمين بعد عدة إلى عملها ولقد إستعادت ذاتها من جديد فهي قوية وستظل هكذا، تقابلت مع نهلة التي سألتها بقلق:
- ما هذا الغياب يا ياسمين، لا يوجد شئ يستحق كل هذا، هذا نصيب و...
قاطعتها ياسمين قائلة بثقة وثبات: أعلم يا نهلة أن لا يوجد شئ يستحق على الإطلاق، وراحتي من العمل لم تكن لها علاقة بذلك الموضوع، أنا كُنت أريد راحة لا أكثر من ذلك، وها قد جئت لعملي لأواصل حياتي كما كانت.

أومأت نهلة وقالت: حسنا ياسمين، أنتِ على خلق وسيعوضك الله بكل خير.
أومأت ياسمين قائلة بإتزان:
- وتلك هي ظنوني في خالقي ف الحمدلله دائما وأبدا والحمدلله حتى يرضي.

مر ما يقارب الشهر، تأقلمت ياسمين مرةً ثانية مع وضعها، وعزمت على أن تكون أقوي وأقوي عن ذي قبل ولن تسمح لأحد أن يقلل من شأنها فهي لم تشعر يوماً أن ينقصها شئ وحتى إن شعرت لن تحزن وستمضي بثبات..!

كانت تجلس في غرفتها كعادتها تقرأ القرآن بصوتٍ عذب، حتى دلفت والدتها بهدوء وجلست قبالتها، لتنتبه لها ياسمين فأوقفت القراءة وأغلقت المُصحف وقامت بتقبيله، ثم وضعته جانباً، لتنظر إلى والدتها بإبتسامة صافية وهي تقول في تساؤل: خيرا أمي، تردين شئ؟
بادلتها فردوس الإبتسامة وتابعت بتنهيدة: أريد أن أخبركِ، أن سيأتي لنا ضيوف خلال يومان..
عقدت ياسمين حاجبيها معا وقالت بإستغراب: من؟

تابعت فردوس: نشوي إبنة عمك، ستأتي من مرسي مطروح، لتزورنا، وسيأتي أيضاً معها أخيها يزيد..
ياسمين بتعجب: أخيها! هل لديها أخ؟
أومأت فردوس برأسها وتابعت بتوضيح: نعم لديها، ولكن لم يكن إبن عمك، هو أخيها من الأم فقط! تعلمين أن عمك توفي منذ زمن وزوجته تزوجت مرة ثانية وأنجبت يزيد ثم توفيت بعد فترة قصيرة وعاش مع شقيقته نشوي حتى أصبح الآن شابا...

تنهدت ياسمين وقالت بعدم إهتمام: حسنا، ولماذا سيأتي معها إلى هنا؟ وهو ليس له علاقة بنا!
زفرت فردوس وتابعت: يا ويلي منك ياسمين، سيأتي مع شقيقته حتى لا يتركها تأتي بمفردها وأيضاً يتعرف علىنا لا بأس في ذلك
تابعت ياسمين: كما تحبين يا أمي، إذا آتيّ أو لا في كلتي الحالتين لا يهمني الأمر..

نهضت فردوس وهي تٙرمقها بغيظ: تصبحي على خير!، ثم إتجهت صوب الباب وخرجت وما إن خرجت رفعت كفين يديها داعية الله بتوسل: أسألك يا الله أن تجعله نصيبها فلقد ذاب قلبي من كثرة التمني، إني أريد أن أطمئن علىها فحقق لي يا الله ما أطلب منك إنك على كل شيء قدير.
بينما تابعت ياسمين قراءة وردها القرآني، وأذكار المساء، ثم أغلقت الإضاءة وغطت في سُباتٍ عميق...

مر يومان، قامت فردوس بتجهيز المنزل على أكمل وجه بمساعدة إبنتها يمنى، إستقبالا لهؤلاء الضيوف القادمين، تعجبت ياسمين لإهتمامهما بهذه الزيارة فتساءلت بإستغراب: لماذا، كل هذا؟ ألهذه الدرجة الضيوف هامة؟
أجابتها يمنى بمرح: نعم هامة، هذه إبنة عمنا ومنذ زمن لم نراها فالبطبع نشتاق لها ولابد أن نكون مُستعدين لمقابلتها...

فردوس مؤكدة: نعم مثل ما قالت يمنى نحن لابد أن نستعد، وهيا تجهزي أنتِ أيضاً يا ياسمين..
إتجهت ياسمين إلى غرفتها بلا مبالاه وهي تتمتم بضجر، بينما أكملتا فردوس ويمني تجهيز المنزل...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة