قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل السادس

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل السادس

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل السادس

دلف مدخل البناية بخطوات بطيئة للغاية وبداخله عازم على تنفيذ قراره اليوم، لا مفر من ذلك، حسنًا ليثبت لها أنها أمام حب قوي وليس زائفًا، صعد الدرج ببطء رائحته تعج بكثير من ذكرياتهما معًا منها الحزينة ومن المضحكة، رائحته تثير مشاعره وتجعلها في حاله صراع تتنافس مع بعضها البعض، منها الحانق عليها ومنها المشتاق إليها، مازال جرحه حديث ومازالت آلامه تؤلمه إلى حد ما، ولكن مقارنته بآلام قلبه فهي الضعف، وقف أمام شقتها نظر للباب بتروي ثم بعدها أطلق العنان لمشاعره المكبوتة حسنًا سيخوض تلك الحرب ليرى نتيجتها بعد، قرع الجرس وانتظر لثوانٍ فتحت منال والدتها، وما إن وقعت عيناها عليه رحبت به بسعادة: حمد لله على سلامتك يا حبيبي، الحمد لله أنك طلعت.

ضيق عينيه بتركيز قائلًا: هي رهف قالتلك!

جذبته للداخل وهي تجيبه: تعال ادخل، آه قالتلي إنك مش عاوز تقول لامك ليه يابني دي هاتزعل أوي.
جلس فوق أقرب مقعد واضعًا يده فوق جرحه ليقول بنبرة يتخللها الألم: عادي، بس أنتي عارفة هتقلبها مناحة ودي زايدة يعني مش حكاية!
شهقت شهقة خفيفة قائلة بتعجب: هي عملية الزايدة بقت مش حكاية اليومين دول!
ضحك بخفه ليقول بهدوء: عادي يا طنط، الطب اتقدم والمسكنات مخلتش حد يحس بالوجع..

قدمت له المياه قائلة: على رأيك المهم إنك قومت بالسلامة..
ارتشف قليلًا منها لعلها تُهدأ من جفاف حلقه، التزم الصمت لدقائق كانت عيناها فيهم تركضان فوق ملامحه بتساؤل، وضع الكوب ثم حمحم بحرج هاتفًا: طنط منال أنا كنت عاوز اطلب منك طلب..

تأهبت بجسدها وبداخلها كان قلبها مضطربًا فمنذ دخوله وملامحه المتوترة فطنت أن ما يدور بداخله يخص ابنتها رهف، هزت رأسها قائلة بابتسامة بسيطة: اطلب ولو في إيدي صدقني مش تأخر عنك.
أنا عاوز اطلب ايد رهف!
انفجرت أساريرها بداخلها، ولكن حاولت أن تحافظ على هدوئها بقدر الإمكان قائلة: وماله أنا مالقيش أحسن منك..

أرسل لها ابتسامه ممتنة لما تقوله هاتفًا بصدق: حضرتك أنا مخبيش عليكي، أنا اتعودت أكون صريح، أنا بحب رهف وأوعدك إن لو حصل نصيب ما بينا أحافظ عليها..
أشارت له بيدها حتى يصمت قائلة: كلامك سابق لأوانه..

حدق فيها مستغربًا حديثها ورد قاطب الجبين: مش فاهم حضرتك تقصدي إيه!
في أصول يا معاذ، يعني المفروض تجيب والدتك وتيجوا تتقدموا رسمي!
صمتت لبرهة ثم قالت بلهجة شبه حادة: والا هي مش موافقة على بنتي!
رفع بصره يرمقها باندهاش عقب جملتها: لا طبعًا إيه اللي حضرتك بتقوليه ده!، ماما أكيد هتوافق..
هزت رأسها بتفهم لتقول: يعني هي متعرفش، وأنت جاي من غير ما تعرف..

أخشن صوته مجيبًا: أنا راجل حضرتك، أنا أختار الانسانه اللي حابب اتجوزها وبعد كده أبلغهم هي مين، مش هاستنى موافقة حد..
أكمل حديثه وهو ينهض: بس زي ما قولتي إن في أصول، وأنا مش تخطاها، انهارده بليل هاجي أنا وماما وبسمة نقعد معاكوا وأتقدم رسمي..
ابتسمت بهدوء وظهر الرضا على وجهها: وأنا هستناكوا يابني، متزعلش مني، بس لازم اعرف إن مامتك موافقة..

وقف على أعتاب باب الشقة هاتفًا بإصرار: وأنا زي ما قولتلك أمي هتوافق لأني مُصر على رهف علشان بحبها، عن أذنك..
أغلقت الباب خلفه تهتف بارتياح: الواد شكله بيحبها بجد، لو الخطوبة تمت هيبقى من حظك ونصيبك يا رهف..

دلف شقته وعلي آخره من كل شيء، حديث والده رهف لم يفهمه، أو بمعنى أصح به لمحه لم تعجبه أبدًا، لم يغفل عن عدم وجودها بالمنزل، الساعة الخامسة مَسَاءًا!، تُرى ما سر تأخيرها، وفي ظل انغماسه بالتفكير في حضرتها وصله تنبيه على هاتفه، فتحه وهو يقف في منتصف الصالة وجد التنبيه يخصها، الكونتيسة تبث فيديو هي وأصدقائها تضحك وتشارك جمهورها لحظات سعادتهم، قبض بقوة فوق الهاتف، ثارت مشاعر الغيظ والحقد اتجاهها، حتمًا لو أمامه الآن سيكسر عظام رأسها، لم تبالِ حتى به أو تهتم لتطمئن عليه، ود أن يصرخ الآن بأعلى صوته حتى يخرج تلك الفوضى بداخله، لم تعد لديه القدرة على التحمل، شعر بجسد والدته يحتضنه بقوة واندفاعها نحوه، لم يكن بالتركيز الكامل حتى يحافظ على اتزانه فكاد أن يترنح لولا يد والدته التي ساعدته على الحفاظ على اتزانه: اسم الله عليك يا حبيبي مالك!

خرجت حروف جملته بضعف: مفيش يا أمي..
جلس فوق أقرب مقعد واضعًا يده فوق جرحه متألمًا، راقبته والدته باهتمام تحاول فهم ما يحدث له، رفعت عينيها عندما وجدت بسمة تركض نحوه تهتف بقلق: معاذ حبيبي أنت خرجت..
خرج منين يابت..
هتفت بها منال بتوجس وعيناها تنتقل بينهما بسرعة، أجابها معاذ وهو يبحث عن دوائه في حقيبته: كنت عامل عملية الزايدة..

صرخت بوجهه واختلطت المشاعر بين حروفها، لم تعد تعرف تغضب منه، أم تبكي كحال أي أم ولدها فلذة كبدها يجرى عملية جراحية: أنت ازاي متقوليش، ليه تخبي، يا حبيبي يابني...
رفعت بصرها حتى توبخ بسمة، تلك من تجرأت وخبئت ذلك السر ولكن لم تجدها، لابد أنها لاذت بالفرار خوفًا من اندفاع أي حذاء بوجهها مع وصلة سُبَاب طويلة..

اهربي يا قليلة الأدب والله لاربيكي!
جذبها معاذ لتجلس بجانبه هاتفًا بابتسامة لأفعال والدته: يا أمي أنا اللي طلبت منها كده، كنت خايف تتعبي من كتر خوفك وأنا مش موجود، وأنا أهو قدامك زي الفل.
حركت وجهه يمينًا ويسارًا بقلق: زي الفل فين، وشك أصفر ومخطوف يا حبة عيني، تلاقيك مكنتش بتاكل كويس، ما أنت مهمل في نفسك..
رمقها معاذ بمكر ليقول مازحًا: لا أنتي عارفة أنا وشي مخطوف ليه؟!
سألته بفضول: ليه؟!

أجابها بخفوت وهو يقترب بجسده منها: علشان بحب..
نظرت له لِثَوَانٍ تحاول استيعاب حديثه، وبعدها أطلقت الزغاريد فرحة وتناست أمر تعبه فقالت: بجد، قولي مين وأنا اخطبهالك في ثانية، نفسي قلبي يرتاح بقي واطمن عليك واشوف عيالك.
رهف.
رمقته باستفهام: مين؟!
ردد مرة أخرى قائلًا: بحب رهف، وعاوز اتجوزهاا..
انتفضت واقفة تجيبه برفض قاطع: لا يا معاذ، رهف لا..
رفع بصره يناظرها بحدة: ولا ليه بقي، مالها مش فاهم..

أجابته بوضوح وهي تشير على إحدى عيناها: شايله عينها..
ابتسم بتهكم قائلًا: مالها بردو مفهمتش.

ضربت كفا بالآخر مردفه بتعجب ونبرة مرتفعه: لا حول ولا قوة إلا بالله مش لاقي إلا رهف، الدنيا ضاقت بيك علشان تحبها هي!

نهض واقفًا مقابلاً لها ينظر لها بغير رضا: ومالها هي، ناقصها إيه يعني، جميلة وتتحب، مؤدبه، أنتي شايفة إن موضوع عينها أثر عليها شايفها قافلة على نفسها بالعكس بتشتغل وعامله كرير كويس، أنتي بنفسك بتحبي أكلها وبتطلعي تقولي فيها حكم وأشعار، عاوزه إيه تاني أنا مش فاهمك، بتتنمري عليها ليه!
بتنمر!
رددت خلفه بعدم فهم، فأجاب على الفور: قصدي بتتريقي.

صاحت نافية ما يقوله: لا يا معاذ أنا مبتريقش أنت هاتركبني ذنب ليه بس..

هز رأسه مؤكدًا حديثه: انتي فعلًا أخدتي ذنب برفضك ليها، اللي حصلها ده قضاء وقدر، ولما تعترضي على قضاء ربنا يبقى مش مؤمنه بيه.
اتسعت أعينها مذهولة لما يقوله: إيه إيه بس إيه اللي بتقوله ده، أنا مش مؤمنه، أنت بتتجرأ وتتكلم معايا إزاي بالطريقة دي.

زفر حانقًا لم يكن يريد أبدًا أن يتخذ الحديث ذلك الطريق، ولكن رفض والدته لرهف بسبب فقدها لإحدى عينيها جرده من هدوئه وفقد أعصابه، حاول ان يمتص غضبة فهتف بنبرة هادئة موضحًا حديثه بطريقه أكثر مهذبة، جذب يدها وأجلسها بجانبه طابعًا قبله فوق يدها: أولا أنا آسف، بس بجد أنا مقصدتش اللي في دماغك، أنا كل اللي أقصده رغم أنك رفضتي بس رفضك ده له أبعاد تانيه يا أمي، أنا ممكن أفقد اي حاجة في جسمي بسبب شغلي وهيبقى قدري كده، بنتك بسمة بردو ممكن يحصلها كده، تتخيلي بقي هما يحسوا بايه رهف وأمها، يا حبيبتي كفاية اللي هي بتعانيه من نظرات الناس منجيش احنا وانتي بتحبيهم ترفضيها بالشكل ده..

سألته بهجوم: أهو أنت نفسك عاوز تتجوزها شفقة وأنا قولت لأختك بلاش جواز الشفقة علشان مش بيدوم يابني، وفي الآخر هنعذب بنات الناس معانا.
ابتسم معاذ قائلًا: ومين قالك إن عاوز اتجوزها علشان شفقة، أنا عاوز اتجوزها علشان بحبها، وبحبها بجد كمان، ماما رهف دي اختياري أنا ومقدرش أعذبها خالص بالعكس هاشيلها فوق راسي علشان هي تستحق كده..

صمتت لدقائق ترمقه في حيرة، نبرته وملامحه من الواضح أن ابنها يعشقها إلى حد النخاع، أوجعها حديثه للغاية هي ليست بقاسية حتى تفكر بها بذلك الشكل ولكن هي في النهاية أم!
بلعت ريقها قائلة بخفوت: طب وعمتك!

تجهم وجهه هاتفًا بغضب خفيف: ومالها بيا، هي كانت سألت فينا من وقت ما طلعتنا من بيت العيلة، أهي عمتي دي بالذات أنا أصريت بسببها ننقل من هناك، محدش له دعوة بحاجة، وأنتي كل مشاكلك معاهم إنك مانعاهم يدخلوا في حياتنا، كملي بجميلك بقي معايا وخليهم يقفوا عند حدهم..

حركت عينيها في أرجاء المكان تفكر بهدوء، فقال هو: على فكرة أنا لما جيت دخلت وكلمت أمها بس الست بتفهم في الأصول وأصرت إنك تكوني معايا وموافقة كمان..
بتفهم عن ابني!
هتفت بعتاب، فضحك معاذ ممازحًا إياها: والله ابنك بيفهم أوي كمان، امال أنا صبرت ليه، صبرت علشان أخد الإنسانة اللي بحبها وعندي استعداد أحارب علشانها، أصل الحب يا ماما مش كلام الحب أفعال..

ارتفعت ضحكاتها قائلة بنبرة مازحه تحمل التهكم: يا وله!، بقيت تقول أشعار وحكم..
خرجت بسمة بسعادة بعدما كانت تقف خلف الباب تستمع لحديثهما، صفقت بيدها وهي تقترب منها قائلة بصياح: يعيش ماما القمر أم قلب طيب.
عانقتهما معًا بسعادة عارمة ما سعت له بوادر تحقيقه بدأت الآن، رهف إنسانه جميلة وبسيطة وتستحق أخاها مثلما هو يستحقهااا.

هتفت سامية بنبرة تحمل مشاعر الحب: أنا معنديش غيركم انتوا الاتنين، وعندي استعداد اعمل أي حاجة علشان سعادتكم..

جلست أمام التلفاز تأكل الحلوى بنهم تلك هي حالتها هذه الفترة وخاصةً بعد مجيئها من المشفى، مشهد تلك الممرضة وهي تتغنج عليه لم يذهب من ذهنها قط، ودت أن تمتلك قوة خارقة تجعلها أمامهم تراقبهم حتى يرتاح قلبها، بلهاء وكأن رؤيته بها راحة، يكفي مشاعرك المضطربة في وجوده، ودقات قلبك العنيفة التي تكاد تكسر قفصك الصدري في حضرته، استفاقت من شرودها على يد والدتها وهي تقول بلهجة آمره: رهف قومي البسي.

أردفت رهف بتساؤل: ليه أحنا رايحين في مكان!
لا في عريس جاي..
نهضت رهف تقف وهي تقول بنبرة هجومية حادة متناسية أي شيء: تاني يا ماما، عريس تاني أنتي مبتزهقيش تكسريني أبدًا.
أكسرك!، هو علشان عاوزاكي تتجوزي أبقى بكسرك، يابنتي أنا خايفة وحزينة على تفكيرك ده..

لا تتحدث عن الحزن مادامت لم تفقد عضو غالي في جسدك، تصمت أمامهم وبداخلك يصرخ، لم يكتفِ قلبك من آهاته ولا يجد من يبوح له عن آلامك، هكذا حالها حينما تعترض والدتها على تفكيرها، ولكن لا لن تخضع لرغبتها وتتعرض لتلك الإهانة مجددًا سترفض وبقوة:
لا يا ماما مش هاحضر واقعدي معاهم أنتي!.
تحركت صوب غرفتها رافضة التحدث بالأمر ثانية، ولكن ما قالته والدتها جعلتها تقف كالتمثال...
حتى لو قولتلك إن العريس ده معاذ..

أخذت القليل من الوقت حتى تستوعب ما تقوله والدتها، ماذا؟!، معاذ، سمحت لنفسها بأن تلتفت ترمق والدتها باندهاش: معاذ!
حركت منال رأسها بقوة وعلي وجهها علامات السعادة والحماس، ولكن أحبطتها إجابة رهف: لا طبعًا، أهو ده بالذات لا.
أنهت حديثها وتحركت بسرعة صوب غرفتها، منعتها منال من الدخول: لا ليه يا رهف، يعملك إيه أكتر من كده، أمه علي فاكره نازله معاه، وحياتي عندك بلاش...

أردفت رهف خلفها وبسرعة: إحراج، كل مرة نفس الحوار، يا ماما هو أنا مش قولتلك كلام أمه عني..
وأمه نازلة يابنتي يعني موافقة، متوجعيش قلبي بقي.
انفجرت رهف باكية: أنتي اللي متوجعيش قلبي، معاذ لا.
دق جرس الباب فانتفضت والدتها تنظر للخلف بتوتر هاتفه بخفوت: أهم جم يابنتي ادخلي يالا البسي الله يهديكي وسيبي أمر موافقتك بعدين..

دفعتها والدتها برفق داخل غرفتها وأغلقت الباب، دون أن تنتظر إجابتها، نظرت رهف عدة مرات للباب غير مصدقة لما تفعله والدتها، أخطأت منذ البداية عندما أخبرتها بما داخلها حتى والدتها لم تشعر بها، حركت رأسها يمينًا ويسارًا تبحث عن الهواء كالمجنونة، اختناق حلقها حوَّل وجهها إلى اللون الأحمر، ضاق صدرها بما يحدث لها، حسنًا ستخرج وتبلغهم رفضها بكل جرأة دون أن تتوتر في سبيل أن توفر على نفسها الكثير من المشاعر القاسية التي ستهاجمها لو تزوجت معاذ بالفعل، ارتدت ثياب عادية جِدًّا بنطال أسود وستره بيضاء وحجاب أسود، خرجت دون أن تناديها والدتها، وجدتهم يجلسون بالصالة، هو يرتدي قميص من اللون الأبيض وبنطال جينز، مُهَنْدَمًا وسيم رغم ما مر به في الآونة الأخيرة، طلته تلك خطفت أنفاسها، حتى والدته وبسمة يرتدون ثياب منمقه وهي ترتدى ثياب ليست مناسبة بالمرة، شعرت بالحرج وخاصةً عندما قابلت نظرات والدتها الحادة، أدركت بسمة بتوترها فقالت بمزاح: تعالي يا رهف اقعدي، إيه جو الرسميات ده احنا فينا من كده ولا إيه!

اغتصبت منال ابتسامة فوق محياها: على رأيك يابنتي..
لم تعلم سامية لِمَ أصابها التوتر، أهو بسبب رهف ونظراتها الجامدة، أم أنها مازالت غير متقبله فكرة زواجها بإبنها خرج صوتها ثابتًا خالٍ من أي مشاعر جامدًا: طيب أظن معاذ قالك يا منال، احنا طالبين إيد عروستنا رهف..
كادت أن تفتح منال فمها حتى تجيبها، فأسرعت رهف تقف رأسها مرفوعًا وهتفت بنبرة مماثلة تمامًا لسامية: وأنا مش موافقة ياطنط.

كلمة جلطة قليلة على ما تشعر به والدتها، حَقًّا تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها ما هذا الهراء!
كيف تجرأت وفعلت ذلك، لم تكن وحدها مصدومة بل أيضا بسمة وسامية التي ظهر بسرعة على وجهها إمارات الاشمئزاز والصدمة معًا، كيف لها أن تتجرأ وترفض ولدها، هل جنت بالفعل!

أما هو فكان في حاله من التيه، يجلس فقط ينظر لها غير مصدقًا لما تفعله، عيناها تبث القوة، وعيناه تبث العتاب والحزن، تفاقم شعوره بالغضب نحوها وخاصةً مع نظرات والدته له، شعر بالإحراج منهم جميعًا، جرحت كرامته، وحبيبته داست عليها بكل قوة، حسنًا سيلملم بقاياها ويخرج مرفوع الرأس، بأنه حاول أن يحافظ عليها ويتمم حبه برباط قوي، ولكن من الواضح أنها لم تحبه يومًا، وأنه في نهاية المطاف أدرك مشاعرها خطأ!

أشار لوالدته وأخته بصمت حتى يتبعاه، وقبل أن يخرج نِهَائِيًا من الشقة خاصها بنظرة أخيرة وهو يقول: متشكر..
اغلق الباب خلفه بقوة، وفور إغلاقه اندفعت منال تصفعها بكل قوة فوق وجنتها قائلة بغضب: أنا معرفتش أربي والظاهر إن اديتك حريتك بزيادة يا قليلة الأدب..
انهمرت دموعها باكية: قليلة الأدب علشان بحافظ على كرامتي!

وفين كرامتك دي، مين أهانها، ده الراجل لغاية اخر لحظه مش راضي يجرحك، جاب أمه وجاي يخطب وأنتي تقفي بكل بجاحه تقولي لا مش موافقة..
أشارت رهف بغضب نحو الباب قائلة: أنتي مش شايفة أمه بتتقدم أزاي، مغصوبة، باين عليه غصبها..
ضربتها والدتها بخفه فوق رأسها: دماغك دي فتحيها أبوس أيدك وشوفي كويس حبه ليكي، وأمه بقي أنا شيفاها كويسه وعادية.

أخفضت رهف رأسها تنحب بقوة، بينما استمرت والدتها في حديثها: على فكرة يا رهف أنتي مش قادرة تتخطى اللي حصلك وبتمثلي أنك قوية، بس من جواكي مهزوزة وضعيفة، المشكلة ولا في أم معاذ ولا في معاذ ولا حتى فيا، المشكلة فيكي أنتي..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة