قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل السابع والأخير

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل السابع والأخير

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل السابع والأخير

مع أذان الفجر عدلت وضعية رأسها مرة أخرى، تحاول تفريق جفنيها بصعوبة بسبب انتفاخ عينيها من كثرة البكاء، نظراته لها وحديث والدتها لم تستطع إبعادهم عن ذهنها، عجزت عن التفكير أو حتى التعامل وكأن شيئًا لم يكن، وما زاد الطين بله، رسالة بسمة لها تلومها عما فعلته بأخيها، انكمشت معدتها من الداخل بألم، من الواضح أنه القولون وستبدأ آلامه تهاجمها وكأن بها قوة حتى تتحمل وجعه، بلغ الحزن أشده معها ولم تعد تحتمل فقالت بصرامة:.

لازم أحط حد لكل اللي بيحصل ده!

أنزلت قدمها من على الفراش، واستندت بيدها فوقه، أخفضت رأسها للأسفل تحاول التفكير بجدية ومن يستحق بالفعل أن تبرر له أفعالها تلك هو وحده، هو من يستحق أن توضح له وجهة نظرها بطريقة أقل حده وأكثر تهذيب، ما فعله حتى الآن يجعلها في حاله من الذهول كيف له أن يصبر عليها بهذا الشكل، رغم تعنتها ورفضها له، أمسكت هاتفها وأرسلت له رسالة في لحظه جنون تخبره بها.

اطلع فوق السطح وأنا هقولك سبب رفضي، بس بعدها أرجوك تبعد عني، وتتفهم أسبابي، لو موافق رد ..

أما هو فكان يجلس بغرفته يرفض الحديث مع والدته، متفاديًا أي كلام جارح قد ينكأ جراحه، ورغم تذمرها مما حدث بالأسفل ولكنها كانت تريد مراضاته، لم يسمح لها، هو لم يكن بحالة تسمح بأن يستمع لأحد وصل لذروة غضبه، لم يعد يبالي بأي شيء، ولم يهتم بأي شيء، فقط هي، هي من سببت له كل الإحراج والغضب، هي من جرحت كرامته في مقتل، عيناه كانت تستطيع إشعال حرائق من شدة غيظه، وصلت رسالتها قرأها وعلي وجهه علامات الغضب هاتفًا:.

جايه دلوقتي وعاوزه تقولي، لا..

رفع أصابعه يضغط على الحروف يخبرها رفضه، ولكن يريد أن يرضي فضوله لآخر لحظة، حتى وإن كان سببها قويًا سيجبر نفسه بعد سماعها أن يبتعد كُليًا عنها، أُرسل رسالته بالموافقة، جاذبًا سيجارته ومفاتيحه وانطلق صوب السطح، خرجت والدته من غرفتها إثر انغلاق الباب بقوة يبدو أن غضبه جعله غير مدركًا للوقت، انطلقت بسرعة تفتح الباب بهدوء، لمحت طيفه يصعد الدرج، تنهدت براحة لتقول بهمس:
تلاقيه مخنوق..

لم تكمل حديثها بسبب صوت صعود شخص آخر دلفت بسرعة خوفًا أن يكون أحد الرجال جيرانها، نظرت من العين السحرية بفضول، وجدتها رهف تصعد بارتباك وبين الثانية والأخرى تنظر للأعلى مرة وللأسفل مرة..
حتى صعدت واختفت ابتعدت سامية بسرعة مندهشة:
رهف...؟!

حاول عقلها ترجمه ما يحدث، ابنها ورهف معًا فوق السطح أهي صدفه، أم ترتب لها، لا لن تهدأ حتى تعرف، جلبت إسدالها بسرعة وصعدت خلفهم تقف عند مقربه باب السطح تراهما ينظران من على السور والصمت يخيم المكان..
معاذ أنا مقصدش اللي حصل تحت..

خرجت حروفها مرتبكة للغاية، ويكاد ينفجر وجهها حرجًا من نظراته، فقال هو بنبرة باردة عكس تلك النيران التي اندلعت في صدره فور رفضها له أمامهم:
قولي السبب علشان أنزل!
اخرج سيجارة يشعلها وهو يستند بمرفقه فوق السور ينظر للأمام، ينظر للفراغ فقط يستمع لحديثها غير المرتب والحزين:
أنا عارفة إني جرحتك، بس اعمل إيه، حط نفسك مكاني، ، بص أنا مبلومش على طنط سامية بالعكس أنا بحبها أوي أوي كمان، بس هي..

التفت معاذ ينظر لها باهتمام، الأمر يخص والدته، أما سامية فتشنج جسدها وهي تنظر لهما مشيرة على نفسها:
أنا!؟ عملت إيه، شكلها عاوزة توقعني في ابني..

صمتت تستمع حديث رهف وبكائها وهي تخبره بما حدث، أقسمت له انها لم تحزن أو تضع الذنب عليها، ولكن هي...
المشكلة فيا أنا يا معاذ أنا مش هقدر أتخطى كلامها أبدا، حتى لو نزلت ووافقت على خطوبه من جواها رفضاني ودي حاجة توجعني وتكسرني أكتر..
هجرته مشاعر الغضب وزارته الراحة وهو يستمع لها ليقول بعدها:
بقي هو ده السبب اللي مخليكي تعملي كل ده!
رفعت عينيها ترمقه بضيق من بين عَبراتها هاتفه بحدة:.

تافهه أنا يعني، بتسخر من مشاعري حضرتك..
ابتسم لها مشاكسًا:
هو أنتي مكنتيش بتعيطي يابنتي فجأة اتحولتي!
استدارت بجسدها تبعد وجهها بعيدًا عنه تحاول كتم تلك الضحكة المتمردة التي تريد الخروج للعلن مع استمرار بكائها فبدت في حالة عجيبة، مسحت دموعها هاتفة بحزن خفيف:
محدش عمره هايحس بيا، صدقني يا معاذ الحياة ما بينا مستحيلة..

انحنى بجسده للأمام فكان وجهه مقابلًا لها من الجهة الأخرى هامسًا بنبرة تحمل الحب والحنين:
أوقات كتير كنت بتمني امسك حاجة وأضربك بيها على دماغك من اللي أنتي بتقولية، واستغرب أوي مع إني مش غبي علشان مفهمش إنك كمان بتحبيني، بس مع إصرارك الدايم قولت لا أكيد عندها سبب قوي علشان ترفضني، بس لما طلع ده السبب المفروض..
قطعته وهي تنظر لعيناه بخجل:
إيه تضربني؟!
اتسعت ابتسامته هاتفًا بعبث:.

لا اعمل حاجة تانيه تثبتلك إني بحبك بجد، مفيش حد هيقف قدام حبي ولا عينك ولا أمي، رغم إنها كانت نازله برضاها تخطبك والست كانت عندها فكر معين من ناحية أهل أبويا اللي هما ميهمونيش أصلاً، بس بنفسها قالتلي هأوقف كل واحد عند حده المهم سعادتك شفتي انتي ظالمها أزاي!

ىأنفاسه الحارقة التي تلهب بشرتها بسخونتها وعيناه تلك التي تبعثر مشاعرها وتجعلها في حالة من الفوضى، تريد اقترابه وفي نفس الوقت يرغمها عقلها على الابتعاد..
ابتعدت للخلف بعدة خطوات تحاول توضيح حديثها أكثر:.

والله أنا بحب طنط سامية أوي أوي، ومحطتش عليها الذنب بس الكلام وقتها جرحني ولسة لغاية دلوقتي لما بفتكره بيجرحني، أنا مريت بحاجات كتيرة أوي صعبة، حاجات مفيش حد يتخيلها، مش هقدر أعيش اللي باقي من عمري...
قطع حديثها صوت سامية المتدخل:
أنا أسفه والله، والله ما عارفة اقولك إيه، بس أنا مش وحشة يا رهف..
اتسعت أعين رهف ليست وحدها بل معاذ اندهش لوجود والدته، بينما استكملت سامية حديثها:.

متزعليش يا حبيبتي زي ما معاذ قالك كان في شوية حاجات في عيلة أبوه مضايقاني، بس أنا علشان سعادته هأوقف كل واحد عند حده، المهم أنه حبك وعاوز يتجوزك..
غمزت والدته له بطرف عينيها حتى يساعدها بالخروج من ذلك المأزق المحرج، فقال معاذ بمزاح:
شفتي أمي دي مفيش أطيب منها، أنتي اللي قفوشة بزيادة..
فركت يدها بتوتر وخجل، فاستمرت سامية بالحديث:
بس إيه ده سحرك عالي أوي خطفتي قلب الواد معاذ وجبتيه على بوزه..

ردد معاذ معترضًا:
إيه بوزه دي!
ابتسمت بخجل ولكن شيء بداخلها حثها ان تدافع عن ذاتها امام والدته:
طنط أنا مش طالعه اشتكى لمعاذ متفهمنيش غلط، أنا طالعه أقوله سبب رفضي.
احتضنتها سامية، مسدت فوق ظهرها بحنو: ما هو مبقاش رفض، خلاص كان سوء تفاهم وانتهى، ومن بكرة هننزل نشتري الشبكة..
خرجت كلماتها متلعثمة:
لا يا طنط ما هو ماما...
ماما دي سبيها عليا أنا..
هتف معاذ بحماس خلف والدته:
آه من بكرة ننزل نشتري الشبكة.

هتفت والدته باعتراض:
لا أنت تعبان وعامل عملية تريح خالص واحنا اللي نعمل كل حاجة، ولا إيه يا رهف..
اكتفت ببسمة صغيرة فوق ثغرها، ولم يستطع فمها إخراج كلمة أخرى، الجميلة مازالت تهيب الوضع، صعدت إلى هنا لإنهاء علاقة سابقة كانت تختفي خلف مشاعرها، والآن هي على مشارف علاقة جدية تنتهي بزواجها من فارسها، بزواج من أرهقت قلبها بحبه!

بعد مرور أسبوع وقفت رهف أمام المرآة تطالع فستانها من اللون النبيذي وحاجبها الأبيض، وضعت آخر لمساتها فوق بشرتها متذكرة إصراره على وضعها تلك اللاصقة فوق عينيها خوفًا أن يصيبها أي مكروه من الإضاءة الشديدة، لم يفشل أبدًا في اغداقها بمشاعره وحنانه، حاوطها بهالة غرقت هي بداخلها بإرادتها، كلماته اللطيفة لها يَوميًا جرفت ما تبقى من أحزان الماضي، انتبهت على سعادة والدتها وفخرها بمعاذ، أرسلت دعوة خطبتهما للغريب قبل القريب رغم تذمر رهف، واعتراضها على عقد قرانهما ولكن استطاع معاذ إقناع والدتها متحججًا بعمله، وفي نهاية الأمر انصاعت لرغبتهم، لم تعلم سبب اعتراضها على كل شيء ولكن من المؤكد أنها تعاني خوفًا من فكرة فقده، خرجت من شرودها على يد بسمة وهي تجرها خلفها للحاق بعقد القران..

وقعت عيناه عليها بفستانها ذلك، وحجابها المتدلي منه بعض خصلات شعرها، ابتسم لها بحب رغم اعتراضه على حجابها مشيرًا لها بعينيه على خصلاتها، حول بصره بعدها نحو أصدقائة، فأدركت مقصده وطاوعته فورًا بأصابع مرتعشة، راقبته وهو يضع يده بيد خال والدتها ذلك المسن الذي قطع مسافات طويلة ليلبي طلب والدتها بأن يكون وكيل ابنتها، شعرت بطوفان من السعادة يتفاقم بداخلها وهي تراقبه مرددًا خلف المأذون وابتسامته لم تفارق ثغرة، حولت بصرها نحو والدته وبسمة وجدت أعينهم أغرورقت بالدموع فرحًا له، انتابها شعور بالراحة لكل شيء ولكن فور أن وقعت عيونها على عمته وأقاربه ونظراتهم لها شيء ما سحب السعادة من روحها، انتبهت على صوت المأذون...

ناخد موافقة العروسه وامضتها..
اقترب منها واضعًا دفتره وقلمه أمامها، رفعت أنظارها لهم ثم حولتها نحوه، أنظاره تحثها بكل حماس للإمضاء، جميعهم يترقبون، أما هي فكانت بين خيارين أن تستسلم لضعفها ونظراتهم المشفقة، أو تخضع لقدرها الجديد، نفضت كل تلك الأفكار السلبية بداخلها ثم وضعت إمضائها برأس مرفوع وابتسامة تخصه بها ممتنة له بكل شيء...

مرت ساعتين على الاحتفال، ومازالت هي وسط أصحابها تضحك هنا وتشارك الأخرى صورة لهم، كاد ينفجر غيظًا منها فقرر استئذان والدتها وجر تلك المشاغبة خلفه رغم اعتراضها خجلًا من نظرات أصدقائها، وصلا لسطح البناية ومازالت هي تتذمر..
معاذ البنات يقولوا عليا إيه!
التفت بوجهه ناظرًا بعينيها مباشرةً، هاتفًا بحنق:
ما هو البعيدة مبتحسش، بقالي ساعة ببصلك علشان نطلع هنا وأنتي ولا على بالك، المفاجأة حمضت..

تجاهلت حديثه وركزت بالجزء الأخير فقط قائلة بنبرة يتخللها الفضول:
في مفاجأة ليا قول بسرعة..
هز كتفيه وهو يضع يده بجيب بنطاله هاتفًا بحزن زائف:
لا أنا زعلان صالحيني..
حول وجهه للناحية الأخرى يطالع الأبنية من حولهم، فقررت أن تشاكسه:
خلاص براحتك أنا هنزل ولما تبقى عاوز تقول ناديني..
استدارت صوب الباب فجذبها من الخلف محتضن إياها بحب هامسًا بجانب أذنها: خلاص ممكن أصالح نفسي أنا.

تلوت بين يده بخجل وهي تقول بحنق من تصرفاته المفاجئة:
معاذ بس، كده عيب على فكرة..
ألصق شفتيه بوجنتها في قبله طويلة هاتفًا بعدها:
العيب اللي أنتي بتقوليه، أنتي مراتي، امال أنا مُصر اكتب كتابنا ليه!
حاولت أن تفلت من بين يده رغم ذلك الشعور الذي يحثها على الاستكانة بين أحضانه، همساته بذلك الشكل داعبت مشاعرها في لطف مثير!، قبلته فجرت طوفان عشق في صدرها ارتوى منه بعد ظمأ طويل..
شدد عناقه عليها وهو يقول:.

بصي فوق كده..

نظرت للأعلى لم تجد شيء، فتحت فمها تخبره، ولكن ما هي إلا ثواني وانطلقت الصواريخ المضيئة في السماء تنيرها، ابتعدت عنه تراقب ما يحدث بفرحة عارمة، وابتسامتها لا تفارق وجهها، فرت دمعه هاربة من عينها لم يفشل معاذ أبدًا في إدخال السعادة على قلبها بكل الأشكال، أما هو ارتاح قلبه أخيرًا من لوعته، استقرت نظراته فوق ملامحها الجميلة، شعر بالسكينة تستوطن صدره كلاجئ وصل إلى وطنه أخيرًا بعد رحله طويلة من الضياع...

هبطت ببصرها نحوه وتأكدت بداخلها أن الحب ليس إلا رزق عظيم من الله وقد أنعم ربها عليها وعوضها بحب عظيم..
اقتربت منه ثم أمسكت يده وتجرأت على شعور الخجل لديها، عازمة أن تخرج ما في جوفها:.

عارف يا معاذ رغم أن ربنا كتب ليا إني أفقد عيني إلا أنه عوضني بحاجات كتير أوي، بابا دايمًا يقولي عوضه حلو وفرحته تبقى أحلى وأحلى، بس مكنتش بهتم وبصدقه، بدأت أصدقه بالنعم اللي ربنا رزقني بيها أصحابي وشغلي ونجاحي وأنت، أنت أهم حاجة ربنا عوضني بيها، أنا هاشكره كل يوم علشان أنت عوض حلو أوي..

وفور انتهائها اقتربت تعانقه بسعادة، ابتعد للحظات ينظر لها دون أن يتحدث، صمتت الألسن وتحدثت العيون لتبوح بكل ما يجيش بالصدور، تشابكت في نظرات طويله لا تفصلهما سوى همسه بنبرة عاشقة خرجت منه:
بحبك .

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة