قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثامن

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثامن

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثامن

تعالت أصوات الزغاريد، في منزل ميار وطغي على المكان البهجة والسرور، لتفرح القلوب والأخص قلب ميار الذي يكاد أن يطير فرحاً، إرتدت فستان رقيق به ورود أرق وطرحة طويلة إختارتها لها دعاء، ولم تتزين أو تضع أي مستحضرات تجميل، فكان وجهها برئ يزينهُ الفرحة الطاغية عليه، وقفت آمام المرآة تفرك يديها بخجل، وهي تقول بتوتر:
أنا مكسوفة أوي يا دعاء
إبتسمت دعاء بهدوء وإقتربت تقول وهي تربت على كتف رفيقتها:.

ده شئ طبيعي يا مرمر، أنتي بس إذكري الله كده وروقي وإن شاء الله هتهدي.

أخذت ميار نفساً عميقاً ثم زفرته وهي تردد بعض الأذكار، لكنها إزدادت توتر حين سمعت جرس المنزل، معلناً عن وصول العريس بصحبة أمه، وكذلك محمود بصحبة أمه، وبعض الجيران الساكنين بجوارهم، دلف الجميع يهنون، حتى، إمتلئ المنزل، فإقترح الشيخ سعيد أن الرجال تجلس في الصالون والنساء في الغرفة حتى، يكون فيه إرتياح أكثر، وبالفعل إنفصل النساء عن الرجال في غرفة خاصة بيهن، إقتربت والدة محمد وعانقت ميار بفرحة وهي تقول مازحة: زي القمر يا عروسة إبني ربنا يحميكي.

إبتسمت ميار بخجل وتابعت قائلة: ربنا يخليكي يا طنط
أطلقت أم ميار زغرودة عالية، ثم قالت بسعادة: طب ما تسقفوا شوية بقي كده خلونا نفرفش وتفك عن نفسنا.

بالفعل نهضن الفتيات يصفقن بأيديهن ويغنن بمرح، وميار تبتسم بإتساع وكذلك دعاء التي شعرت بفرحة عارمة لصديقتها ميار، وكذلك شعرت وتخيلت أن تكون هي الأخري عروس، كما تخيلت نفسها بالفستان الأبيض الذي يكون حلم لكل فتاة تتمني أن ترتديه ذات يوم، وسرعان ما آفاقت من شرودها وأخذت تتحدث مع رفيقتها وتتمازح معها...

في الجانب الآخر، إقترب محمود من الشيخ سعيد وجلس إلي جواره وقال بتساؤل: يا شيخ أنت مقولتليش إيه الأخبار ورأي دعاء إيه
إبتسم له سعيد وقال مازحاً: هات الوالدة وتعالي بكرة بعد العشا مباشرة عشان تتعرف على عروستك ونقرا الفاتحة يا أبو حنفي!
شعر محمود وكأنه سيطير في الهواء حالاً من الفرح الذي سيطر عليه في التو، إتسعت إبتسامته وهو يقول متساءلا: يعني هي وافقت عليا؟!

وكزه الشيخ سعيد بخفه وهو يقول ضاحكا: أومال يعني هقولك تعالي وهي رفضت يا أبو حنفي.

حمد محمود ربه سراً، كان إحساسه يتراوح ما بين قبولها ورفضها، ك كثير من الفتيات ينظرن إلي المظهر، ولكنها كسرت له هذه القاعدة وجعلت قلبه يرفرف فرحاً ويرقص طرباً، أغلق عينيه لثوانِ، ثم أعاد فتحها متنهداً بإرتياح شديد وهو ينظر للأعلي وعيناه تنبع منهما الفرحة، وكان الشيخ سعيد يتابعه بعينيه، وهو يبتسم، فهو يعلم أين سيضع إبنته ومع من، يعلم جيداً أن محمود شاب تقي، يخاف الله وسيحافظ على إبنته وسيكون خير زوجاً لها...

في غرفة النساء...
وضعت أم محمد المحبس في يد ميار ومن ثم وضعت الخاتم وهي تقول لها بحنان: ألف مبارك يا بنتي ربنا يسعدك وعقبال الليلة الكبيرة
ردت ميار قائلة: الله يبارك فيكي يا طنط ويخليكي لينا
بينما عانقت دعاء صديقتها وقالت: ألف مليون مبروك ياحبيبتي ربنا يسعدك ديما يارب
ميار بإبتسامة: الله يبارك فيكي يا صديقة عمري وعقبالك يا حبيبتي.

تبادلن جميع النساء مع بعضهن التهاني وكذلك الرجال حتى، إنتهي حفل الخطبة البسيط الذي لم يكن متضخم في أحد القاعات الفخمة، ورغم تلك البساطة إلا أنهم جميعاً يفرحون من صميم قلوبهم، لطالما وجدت المحبة والإخلاص!

عاد الجميع إلي منزله، ودلفت ميار إلي فراشها بعد أن أبدلت ملابسها وإغتسلت، فتفاجئت بهاتفها يرن فأجابت على الفور قائلة بهدوء: أيوه يا محمد
إبتسم محمد بإتساع وقال: مبروك يا ميار، مش قادر أوصفلك فرحتي اد إيه النهاردة!
تنهدت ميار تنهيدة طويلة ومن ثم قالت بسعادة: وأنا كمان يا محمد فرحانة أوي أوي
محمد بهدوء: عقبال الليله الكبيره يا ميرو
توردت وجنتيها، وقالت بخفوت: إن شاء الله.

أخذ نفساً عميقاً ونهض يقف في الشرفة ورفع وجهه للأعلي حيث السماء والقمر المضئ يزينه النجوم من حوله، شرد قليلاً ثم قال: مبسوطة يا ميار؟ مبسوطة إنك هتعيشي معايا في بيت أمي؟ مبسوطة بالدبلة والخاتم؟
تسطحت على الفراش وهي تقول برقة: مبسوطة جدا أوي خالص
ضحك ثم قال متساءلا: من قلبك؟
أومأت برأسها وقالت: من قلبي يا محمد، بقولك إيه ما تنزل من على وداني كده عاوزة أنام.

رفع محمد حاجبيه وأبعد الهاتف عنه وهو ينظر إليه ثم عاد يضعه على أذنه، وقال مازحاً: مين معايا؟
ضحكت ميار وردت قائلة: مديحة شواية
قهقه محمد ثم قال من بين ضحكاته: طب صبيلي ميه في الكوباية!
تبادلت معه الضحكات وهي تقول: هويلي الأول بالهواية
رد بمزاح ولا زال يضحك: الشاي في الغلاية
ضحكت بشدة وقالت بصوتٍ لاهث: مش هخلص منك النهاردة تصبح على خير
غمز بعينه وهو يقول: وأنتي من أهله يا، يا ميار.

أغلقت الخط لتضع الهاتف على قلبها وهي تبتسم بخجل ومحدقة بالسقف...

جلس محمود على فراشه، بينما دلفت زينب لتجلس قبالته على مقعد خشبي صغير، فقالت بإبتسامتها المُعتادة: عقبال ليلتك يا حودة
بادلها الإبتسامة وقال: ربنا يخليكي يا أم محمود
زينب بتساؤل: طب قولي بقي، ايه أخر الأخبار
محمود بهدوء: الشيخ سعيد قالي إن دعاء موافقة وقالي زرونا بكرة بعد العشا
إتسعت إبتسامة زينب وهي تقول: ألف حمد وشكر لله، ربنا يابني يتمم بخير يارب وأفرح بعوضك.

قبل محمود كف والدته وقال مبتسماً: ويخليكي ليا يا ست الكل
ربتت زينب على ظهره بحنان، ثم نهضت وهي تقول: تصبح على خير بقا يا حبيبي نام وإرتاح، ثم إتجهت خارجة الغرفة مُتجهه إلي غرفتها، تاركه لمحمود، يشرد مرة أخري في تلك التي خطفت قلبه، بحيائها وأخلاقها التي يتحاكي عنها الجميع...

وأما عن دعاء، فكان حالها لم يختلف عن حال الأسمراني و أصابها الخجل حينما أخبرها، والدها بأنه سيأتي غداً بصحبة أمه لقراءة الفاتحة والتعرف عليها أكثر، فإزدادت توتر وقلق من تلك المقابلة بينهما فهي خجولة إلي حد كبير، ولكنها تريد أن تتعرف عليه أكثر وأكثر رغم أنهما جيران منذ زمن، ظلت شاردة إلي أن غطت في سباتٍ عميق..

في صبيحة اليوم التالي، يوم يحمل في طياته الفرح والسرور، نهضت دعاء عن فراشها بحيوية ونشاط ودلفت إلي المرحاض حتى، تغتسل، ثم بعد ذلك آدت صلاة الضحي وما إن إنتهت وقفت في المطبخ تجهز الفطار، في حين توجه والدها خارج غرفته وهو يسبح وما أن وجدها حتى، قال مبتسماً بمزاح: صباح الخير يا عروسة
بادلته بإبتسامة خجولة وهي تقول: صباح النور يا بابا ثواني والفطار هيكون جاهز.

ضحك والدها لخجلها وإتجه إلي طاولة الطعام ثم جلس، يكمل التسبيح ولا زال مبتسماً...
أقبلت عليه دعاء بعد قليل وهي تمسك بالصحون وقامت برصها على الطاولة ثم عاودت إلي المطبخ لتحضر بقية الطعام والخبز ووضعت إناء الماء على الوقود، وعادت إلي والدها مرة أخري لتجلس قبالته، فيما قال سعيد بمراوغة: وشك أحمر ليه؟

نظرت دعاء إلي الأرض وإزدردت ريقها بتوتر بالغ وتورد وجهها أكثر، مما زاد إبتسامة سعيد وهو ينظر إلي إبنته بإعجاب فقال متنهداً: والله وكبرتي يا دودو وبقيتي عروسة زي القمر، ثم أكمل مازحاً ؛: وبتتكسفي كمان، ربنا يسعدك يا حبيبة بابا ويرضي عنك
خرج صوت دعاء منخفض بشدة وهي تقول بخجل واضح: ربنا يباركلي فيك يا بابا ويخليك ليا.

نهض والدها وهو يقول بعد أن أنهي طعامه: طيب يا دودو هروح أنا بقي الشغل وأسيبك تشوفي ايه وراكي
نهضت خلفه مسرعه وهي تقول: الشاي يا بابا على النار طيب
سعيد بإيجاز: لا يا حبيبتي كفاية كده لحسن السكر يعلي عليا وأنا عاوز أكل جاتوه بليل مع العريس
ضحكت دعاء برقة وخجل وقالت: ماشي يا بابا، خلي بالك من نفسك
إبتسم لها بحنان وقال: ماشي يلا سلام عليكم.

ردت عليه قائلة: وعليكم السلام ومن ثم أغلقت الباب لتبتسم بإتساع وتتنقل في أنحاء المنزل لتقوم بترتيبه وتنظيفه لتستقبل فيه الأسمراني مساءاً...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة