قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع

آتي المساء بكل ما يحمل من مفاجآت، حيث أضاء القمر عالياً في السماء، وكان الهواء يداعب الأشجار، كانت تقف في الشرفة بعد أن آدت صلاة العشاء، وظلت تذكر الله حتى، تهدئ من توترها الشديد، وتدعي الله أن يوفقها ويجعل لها القبول، شعرت بحركة جوارها فإستدارت لتجد ميار تقول بمزاح: يا ألف نهار أبيض يا عروستنا
ضحك دعاء لتقول بإرتباك: أنا حاسة إني هموت من الكسوف يا ميار.

ربتت ميار على كتفها لتقول: كل البنات كده يا حبي نسيتي كلامك إمبارح ليا إجمد كده يا وحش ده الليلة ليلتك يا معلم
دعاء مازحة: ايه شغل التباعين ده أنتي كمان، هو أنا ناقصة يا بت
ضحكت ميار قائله: طب يلا ياختي تعالي إلبسي زمان أبو حنفي على وصول هو وطنط زينب
دلفت دعاء إلي غرفتها وأغلقت الشرفة وهي تقول: يارب خليك معايا وعديها على خير
قهقهت ميار ثم قالت من بين ضحكاتها: يابنتي أنتي راحة إمتحان مالك في إيه.

لوت دعاء فمها وهي تقول: أصعب من الإمتحان ياختي ويلا بقي بره الأوضه عشان هلبس
تحركت ميار متجهه إلي الخارج وهي تقول: ماشي يا كبير أنا في المطبخ لو عوزتي حاجة كده ولا كدة
دعاء ضاحكة: متحرمش ياختي...

كذلك تجهز محمود، وإرتدي ملابسه حيث كان يرتدي بنطال جبردين من اللون الكافيه، ويرتدي فوقهُ، قميص من اللون البني وحزام وحذاء بنفس اللون وما إن إنتهى وقف يمشط شعره ووضع عليه قليلاً من الچيل المثبت، ثم قام بتعطير ملابسه ونظر إلي نفسه برضا فكانت هيئته مُشرقة رغم سماره وملامحه التي لا علاقة لها بالوسامة إلا أن روحه الطيبة والمرحة تعطيه القبول وكما أن إيمانه بالله وذكره الدائم للخالق يعطيه نور وبشاشة في وجهه والسماح يرتسم على ملامحه...

دلفت زينب ونظر إلي ولدها الوحيد بإنبهار وقالت: الله أكبر يا حبيبي زي القمر ما شاء الله
ضحك محمود وقال: قمر مرة واحدة يا أم محمود لا وسعت منك دي
والدته بإبتسامة حانية: وأحلي من القمر كمان يا حبيبي يارب يجبر بخاطرك ويسعدك ديما يا محمود يا إبن زينب
عانق محمود والدته وهو يقول بهدوء: ربنا يبارك في عمرك يا ماما
مسدت على ظهره وقالت بإيجاز: طب يلا بينا بقي نروح للعروسة.

أومأ محمود رأسه وهو يقول متساءلا: طب كده حلو الطقم ده ولا أغير
ضربت زينب كف على كف وهي تقول: يا واد بقولك قمر تقولي حلو يلا قوام
ضحك محمود وسار مع والدته متجهان إلي منزل الشيخ سعيد.

وفي نفس الحين كانت دعاء قد إنتهت من إرتداء ملابسها فكانت دعاء ترتدي ملحفه باللون البني أيضاً وتحت هذه الملحفة الفضفاضة طرحة ستان لامعة من اللون الكافيه، وبالطبع لم تضع أي شئ في وجهها ولكنها كانت راضية تمام الرضا عن هيئتها المحتشمة، وجهها فقط كان يتزين بالإحمرار المتركز في وجنتيها، دلفت ميار وهي تقول بفرحة: ما شاء الله يادودو زي القمر
إزدردت ريقها وتابعت بتوتر: بجد.

أومأت ميار برأسها وقالت: جد الجد ولم تكمل حديثها حتى، سمعا صوت جرس الباب مما زاد دعاء توتر على توترها
توجه الشيخ سعيد ليفتح الباب ويدلف الأسمر بصحبة والدته، فرحب بهما سعيد وهو يقول مبتسماً: أهلا أهلا يا خطوة عزيزة إتفضلوا
دلفا ثم جلسا في صالة المنزل وجلس قبالتهما سعيد وهو يقول ولا زال مبتسماً مرحباً بهما:
نورتينا يا أم محمود نورتنا يا محمود
زينب بإبتسامة: تعيش يا شيخ سعيد البيت منور بإصحابه.

وكذلك أجاب عليه محمود وقال: البيت منور بيك يا شيخ سعيد
رد عليهما سعيد وقال: الله يعزكم يابني
ساد الصمت للحظات لم يصدر فيها أي صوت إلي صوت الأنفاس المتوترة فكان محمود يفرك يديه منتظراً رؤية دعائهُ في كل صلاة منتظراً دعاء الذي تمناها ويتمني النظر إلي عينيها في الحلال، الآن هو ينتظرها وبشغف...!

قطعت ذلك الصمت ميار وهي تتجه إليهم وتقول بمرح وهي تمسك بصينية العصائر والحلوي:
أهلا وسهلا منورنا والله
ضحكت زينب وهي تقول: بنورك يا ميار يابنتي
بينما إكتفي محمود بالإبتسامة وكذلك الشيخ سعيد، وضعت ميار الصينية وأقبلت عليهم دعاء وهي تفرك يديها في بعضهما بخجل وتوتر شديدين، فقالت بصوتها العذب الهادئ: السلام عليكم.

خفق قلب محمود لسماعه صوتها الرقيق الذي إخترق قلبه إختراق لكنه لم يرفع عينيه إليها وقال: وعليكم السلام
كذلك رد والدها السلام وزينب، ونهضت تعانقها وتقبلها ثم جلست جوارها
فتحدثت زينب بإيجاز موجهه حديثها للشيخ سعيد: طبعا يا شيخ أنت عندك خلفية عن الموضوع ومحمود بلغني إنك موافق وعروستنا كمان بس خليني أقولك على إمكانيات محمود الأول...

قاطعها الشيخ سعيد وقال: أنا عارف إمكانيات محمود كويس يا أم محمود أنتي ناسية أنه متربي على إيدي بعد وفاة أبوه الله يرحمه، أنا بشتري راجل لبنتي ومش أي راجل أنا عارف إن محمود هيبقي سند ليها من بعدي مش كده ولا إيه يا حوده
إنتبه محمود إلي حديثه وقال: طبعا يا شيخ سعيد في عنيا إن شاء الله.

تحدثوا مع بعضهم قليلاً في أمور المهر والمؤخر والشبكة وإتفقوا جميعاً على أن مسكنها سيكون معهم في نفس الشقة وستقيم مع والدته، فليس داعي للمانع فهم عائلة واحدة منذ زمن وليس جديد أن يعيشوا مع بعضهم، وما إن إنتهوا من الإتفاق تركوا محمود مع دعاء قليلا حتى، يأخذا راحتهما بالحديث مع بعضهما وأي تساؤلات بينهما...

ما إن نهضوا وتركوهما معا رفع محمود بصره ودقات قلبه تتزايد، وكأن الكلمات قد هربت في الحال ونسيّ كل شئ، وكذلك دعاء كانت تنظر إلي الأرض ولم تجرأ على رفع وجهها أبداً، إزدردت ريقها بصعوبة من شدة الخجل المُسيطر عليها، فتنحنح محمود وهو يقول: إحم آآ إزيك يا آنسة دعاء؟
أغلقت عينيها لثوانِ واعادت فتحها سريعاً وإنطلقت الكلمة من فمها وهي تقول بخفوت: الحمدلله.

إبتسم محمود بإعجاب شديد وهو يقول: أدام الله حمدك يا دعاء
وكأن لإسمها مذاق خاص ف لأول مرة تسمعه منه الآن كأنه يتغلف بالعشق والحب الصادق، شعرت بإرتياح بعد سماعها إسمها من فمه ولا تعرف لماذا
فتنهدت محمود بعمق وقال مبتسماً: طيب إتفضلي لو عندك أي سؤال أو أي إستفسار قبل ما نقرأ الفاتحة
إستجمعت دعاء بعض من قواها وأجابت بثبات وجدية:.

أنا طول عمري اعرف إنك إنسان ملتزم وبتصلي وتحفظ قرآن وكمان بتحفظ الأطفال، فديما أنا مش بحب أخد بالمظاهر يعني أنا هكون صريحة معاك أنا إيه يضمنلي، إنك فعلا من جواك إنسان صالح ودي مش مظاهر بس.

إبتسم محمود وأجاب عليها بهدوء: مش عارف أثبتلك إزاي إني من جوايا صالح، لأن أنا معرفش إذا كان ربنا متقبل مني أعمالي ولا لاء، فأنا مقدرش أحكم على نفسي الناس ديما بتحكم علينا الحمدلله في محبة بيني وبين الناس أنا بحاول أرضي ربنا في كل حاجة لما بعامل أمي بفتكر ربنا وعارف أنه شايفني ولما بشتغل بفتكر ربنا وعارف أنه شايفني فبتقن عملي عشان يباركلي بحاول أسعي لإرضاءه ديما ولما، صمت لبرهه ثم تابع وهو يقول بتلقائية: ولما إتمنيتك دعيت ليل مع نهار تكوني من نصيبي محاولتش أجي أكلمك أنتي لا أنا طلبت من ربنا الأول وبعدين لوالدك والحمدلله أنا قاعد معاكي دلوقتي بدون ما أغضب ربنا، بس أنا برضو مش عارف أثبتلك إني كويس من جوه إزاي إطلبي أي حاجه أثبتلك بيها وأنا مش هتأخر.

ظهرت إبتسامة خفيفة على محياها ولكنها تلاشت سريعاً وهي تقول: طيب ممكن تفهمني سبب فك خطوبتك مع بسمة جارتنا ايه؟ وأنت الي سبتها ولا هي؟
حك محمود صدغه بإبهامه وقال هادئاً: مرتحناش مع بعض من الأول مكنش فيه أي تفاهم بينا والقرار ده خدناه إحنا الاتنين وإنفصلنا
أومأت دعاء برأسها وقالت: ربنا يوفقك
محمود بتساؤل: في أسئلة تانيه؟
تنهدت دعاء قائلة: لاء، إتفضل أنت إسألني.

ضيق محمود عينيه قليلاً ثم تابع بجدية: هو سؤال واحد بس!
دعاء بإهتمام: إتفضل!
محمود بثبات: ليه وافقتي عليا؟ أنا عارف إن كان في ناس كتير بيتقدموا ليكي والشيخ سعيد كان ديما يقولي إنك بترفضي، ليه أنا تحديدا الي وافقتي عليه..؟
سؤاله كان مفاجأة بالنسبة لها لم تعرف بماذا تجيب عليه ولا تقول له الآن، صمتت، وساد الصمت بينهما للحظات تمنت دعاء أن تنشق الأرض وتبتلعها ما هذا السؤال الحرج وبماذا أجيب عليه...!

كان محمود مستمتعاً لسؤاله ويريد الإجابة بتصميم فكرر وهو يقول: ها، ليه؟ هو السؤال صعب أوي كده
خرج صوت دعاء وكأنه خرج من تحت صخرة كبيرة، لتقول بصوت مُرتعش: آآ أنا ينفع مجاوبش
محمود بتصميم ؛ ليه طيب ما أنا جاوبت على أسئلتك
إبتلعت ريقها وتابعت قائلة: ط طيب ممكن نأجله بعدين
محمود بتفهم: ممكن، بس ممكن توعديني تجاوبي عليه؟
أومأت دعاء برأسها ولا زالت ناظرة إلي الأرض: أوعدك.

إبتسم محمود متنهدا بإرتياح وقال بمرح: بس ايه الصدفة الحلوة دي؟
دعاء بإندهاش: صدفة ايه؟
محمود ضاحكا بهدوء: أصل إحنا لابسين زي بعض بني في كافيه صدفة حلوة بالنسبة ليا!
توترت ونظرت إلي الأرض بخجل بينما أقبل عليهما الجميع وجلسوا مرة ثانية وفيما قال الشيخ سعيد مازحاً: هااا نقرا الفاتحة بقاا؟
ضحك الجميع وفيما قال محمود بمرح: ياريت.

ألقي الشيخ سعيد نظرة على إبنته فوجد وجهها مبتسماً خجول يوحي الرضا، فإبتسم وقال: طب يلا بسم الله
رفع الجميع أيديهم وتمت قراءة الفاتحة بسعادة بالغة غمرت قلوبهم وكذلك كانت دعاء تكاد أن تطير فرحاً تشعر بإرتياح نفسي وهدوء داخلي، فما أجمل الحب الذي يأتي دون سابق إنذار بل والأجمل إذا كان تحت رضا الله وف حلاله..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة